عناصر الخطبة
1/الله نعم الحسيب ونعم الوكيل 2/دلالة مسيرة أعلام الاحتلال وصمود أهل بيت المقدس 3/محاصرة أعلام الاحتلال بعلم فلسطين المنتصر بإذن الله تعالى 4/المسجد الأقصى إسلامي النشأة والمآلاقتباس
أعلام كثيرة، حمَلَها مستوطنون يجوبون شوارع القدس، ولكنَّها حوصرت بعلم واضح لكل صاحب عين وبصيرة، إنَّه عَلَم هذه البلاد الطاهرة المقدَّسة، العلم الذي يرمز إلى إسلاميَّة القدس، وإلى إسلاميَّة فلسطين، وإلى عروبة القدس، وأصالتها في التاريخ والحضارة، إنَّه ابتكاركم الكبير، وإصراركم العظيم على إفشال كل مخطَّطات الاحتلال...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، جعَل التوكلَ عليه من أسباب الفَلَاح والنصر، فقال جلَّ مِنْ قائلٍ: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطَّلَاقِ: 3].
وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتَّبَع سُنَّتَهم إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، وعلى المعتكفين والمرابطين في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، والصلاة والسلام عليكم أهلَ هذه الديار المبارَكة، التي تفتدونها بكل غالٍ ونفيسٍ، والصلاة والسلام على الراكعين والساجدين في المسجد الأقصى المبارَك، وفي ديار الإسلام والمسلمين.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: يقول الله -تعالى- وهو أصدق القائلين: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]، حسبنا الله ونعم الوكيل إذا تكالَب علينا الأعداء، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ إذا خذلنا الإخوة والأصدقاء، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ إذا تخلى المسلمون عن واجبهم تجاه ديار الإسراء والمعراج.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: جمَع الاحتلالُ لكم وعليكم من جبروته وغطرسته، المتمثِّلة في جنوده وفي قطعان مستوطنيه: إنَّه يحلم بأن يكون السيد في هذه المدينة المقدَّسة، وأن يكون الآمِرَ في هذه الديار المباركة، حشَد جُندَه وأعلامه، وحشَد شذاذ آفاقه في شوارع القدس، وفي ضواحيها، وفي أحيائها وحواريها، مُحاوِلًا من خلال غطرسة القوة أن يفرض هذا الواقع الاحتلالي، لا بقوة العدل، ولا بقوة الحق، ولا حتى بقوة المنطق المألوف في العالم، ولكنَّها قوة الظلم والطغيان، التي تقود أصحابَها إلى مثل هذا الواقع، وإلى مثل هذه الاستعراضات، التي لم تَعُدْ على مستعرضيها إلا بالفشل والخيبة، أمامَ إصراركم وأمام ثباتكم وأمام إيمانكم بالله، وأمام عزيمتكم بأنَّ للقُدْس أهلَها، وأنَّ للمُقدَّسات حُماتَها، وسدنتَها الأوفياء، وحُرَّاسَها الأمناء.
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: وإذا كان الاحتلال الغاشم يستعرض قوتَه في ذكريات نكباتنا، فإنَّنا نستعرض الثبات على الإيمان، والعزيمة والإصرار على حقنا الثابت، الذي لا يلغيه مثل هذه المظاهر الظالمة، ومثل هذه القوة المدججة، فأبناء القدس وأبناء فلسطين كانوا لعدوهم بالمرصاد، كانوا يتصدون ويتحدون مسيراته الظالمة، واستعراضاته الباطلة الفاشلة، -بإذن الله تعالى-؛ فقد صمدتُم، وقد صبرتُم، وقد واجهتُم، بإيمانكم وصدوركم العارية، إلَّا مِنْ هذا الإيمان الذي يَعمُرُها، وهذه العقيدة التي تتوقَّد في النفوس وفي القلوب، متحديةً كلَّ مَظاهِر الغطرسة والاستكبار.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: أعلام كثيرة، حمَلَها مستوطنون يجوبون شوارع القدس، ولكنَّها حوصرت بعلم واضح لكل صاحب عين وبصيرة، إنَّه عَلَم هذه البلاد الطاهرة المقدَّسة، العلم الذي يرمز إلى إسلاميَّة القدس، وإلى إسلاميَّة فلسطين، وإلى عروبة القدس، وأصالتها في التاريخ والحضارة، إنَّه ابتكاركم الكبير، وإصراركم العظيم على إفشال كل مخطَّطات الاحتلال أمامَ صبركم، وأمامَ ثباتكم، وأمامَ رباطكم، وكيف لا؟ وأنتم بشارة الرسول الأكرم، والنبي الأعظم، -صلى الله عليه وسلم-؛ "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قلنا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، فكيف لقُوى الظلم والطغيان أن تهزم بشارة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد أخذتُم عهدًا على أنفسكم أن تكونوا كذلك، وأن تكونوا بشارة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فبالتأكيد أيها المؤمنون وبالإصرار وبالتمسك بالحق الثابت، الذي لا يضيع بالتقادم، ولا تزيله النكبات مهما عظمت هذه النكبات؛ لأنَّ الحق يرسخ، وهو راسخ في قلوب أحبابه وأتباعه، ولأن الحق هو المنتصر في نهاية المطاف، مهمَا تظاهَر الباطلُ بعُدوانه وقوته، ومهمَا حشَد من عناصر جمعه ليخيف أهل الحق؛ فالحق دائمًا هو المنتصر بحول الله وقوته؛ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ في كل آن وحين، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ نتمسك بها منهاجًا في حياتنا، وقدوة في أعمالنا، واتِّباعًا لهدي نبينا -عليه الصلاة والسلام-.
روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ قالها إبراهيم -عليه السلام- حينما ألقي في النار، فكانت النار أيها المسلمون أمنا وسلاما وبردا على إبراهيم، وقالها محمد وأصحابه -عليه الصلاة والسلام-؛ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]" أو كما قال: فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدَّى الأمانةَ وبلَّغ الرسالةَ ونصَح للأمة، وترَكَنا على بيضاء نقية ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وبعد أيها المسلمون، أيها المرابطون في المسجد الأقصى وفي ديار الإسراء والمعراج: أما المسجد الأقصى المبارَك الذي يحاول الاحتلال استباحة حرماته وقدسيته، فهو مسجد إسلامي للمسلمين وحدهم، لا يشاركهم فيه أحد، وأن كل مسلم غيور في هذا العالم، وأنتم يا أهل بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، أشد غيرة على مسجدكم من سائر الناس، هذا المسجد الذي يحاول الاحتلال استباحته، والاعتداء على حرماته وقدسيته، فسيبقى -بإذن الله- وحوله وقوته، سيبقى عامرًا بكم، عامرًا بالإسلام والمسلمين، الذي يشدُّون رحالَهم إليه، في كل الظروف وفي جميع الأحوال، سيبقى عامرًا بكم، رغم غطرسة الاحتلال وظلمه، ورغم خروجه عن كل القيم الشرائعيَّة، لا بل عن كل الأعراف والقوانين الدوليَّة، سيبقى المسلمون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، سيبقون الحراس الأوفياء لمسجدهم، وما محاولات المستوطنين، ومع التماهي مع حكومة الاحتلال لن تغير من واقع المسجد الأقصى شيئًا، فلا الجولات الاستفزازية في رحاب المسجد، ولا الصلوات التلمُوديَّة، ولا السجود الملحمي أو النوم الملحمي أو غير ذلك من المصطلحات الغريبة على المسجد، والغريبة على مدينة القدس، والغريبة على أبناء فلسطين كافَّة، هذه المصطلحات لن تغير من واقع المسجد الأقصى شيئًا.
إنَّه المسجد الذي قرَّر الله إسلاميته في محكم كتابه العزيز، وقرر الحفاظ عليه المخلصون من أبناء الأمة الإسلاميَّة، من عهد الخليفة العادل الفاتح للقدس؛ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى زماننا الحاضر؛ زمان المرابطين، زمان المعمرين للمسجد الأقصى المبارَك، بكل مظاهر الإسلام، وبكل مظاهر العبادة، وبكل مظاهر العطاء والتضحية والفداء، نعم أيها الإخوة المؤمنون، نقولها ومن علياء هذا المنبر الشريف: إن المسجد الأقصى لن يكون إلَّا مسجدًا للإسلام والمسلمين، لا يقبل الشراكة مع أحد، ولا يقبل القسمة على اثنين، للمسلمين وحدهم، ولن يكون لتصرفات الاحتلال العدوانية ضد المسجد الأقصى، أي أثر قانوني أو يعطيهم أي حق بهذا المسجد المبارَك.
إنَّ المسجد الأقصى بكل ساحاته، وبكل مرافقه، وبجميع مساحته التي تبلغ مئة وأربعة وأربعين دُونمًا، هو مسجد إسلاميّ خالص، ولن نفرط بذَرَّة تراب واحدة منه، في كل ما اشتمل عليه هذا المسجد المبارَك، فالغطرسة والقوة، لن تَخلِق واقعًا في المسجد الأقصى المبارَك، للاحتلال، وغطرسة الاحتلال، فالمسجد الأقصى بزمانه وبمكانه هو مِلْك المسلمين، فنحن الذين نملك الزمان والمكان في المسجد الأقصى المبارَك، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وإلى أن يهيئ الله -سبحانه وتعالى- لهذه الديار مَنْ يرفع عنها الظلم والعدوان، وما ذلك على الله بعزيز؛ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ)[آلِ عِمْرَانَ: 160]، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40].
اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات.
وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم