مساجدنا تشتكي

مرشد الحيالي

2021-09-17 - 1443/02/10 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/من مظاهر عمارة المساجد 2/فضل عمارة المساجد وثوابها 3/فضل صلاة الجماعة 4/حال المسلمين اليوم مع صلاة الجماعة 5/التحذير من التأخر عن صلاة الجماعة

اقتباس

ومن أعظم المصائب التي حلت بالمسلمين في هذه الأيام والأزمنة تخلفهم عن صلاة الجمعة, حتى أن الخطيب يلقي خطبته وما في المسجد إلا نفر من الناس، وما يكاد ينتهي من الخطبة الثانية حتى ترى الوفود تتجمع لأجل إدراك الصلاة...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله الذي رفع شأن المساجد، وجعلها مأوى لكل راكع وساجد، وأشهد أن لا إله إلا الله, شرع أداء الصلوات مع المصلين في الجماعات لحكم عظيمة، وغايات جليلة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله, حثنا على فعل الخيرات، والتنافس في أداء الصلوات، ونقل الأقدام للجماعات، وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وبرهنوا على صدق طاعته ومحبته، فبذلوا الغالي والنفيس، ونبذوا طاعة النفس الأمّارة بالسوء واتباع إبليس، حتى فازوا بالنعيم المقيم، وحازوا مراتب الإحسان والفضل العظيم.

 

أيها المسلمون: لقد شهد الله بالإيمان الصادق واليقين الجازم لعُمّار المساجد وزوارها, فقال في محكم التنزيل: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة: 18]، وعمارتها تكون بأمرين: بصيانتها وبنائها والمحافظة عليها، وتكون بأداء الصلوات المفروضة فيها، والتزود من معينها من خلال مجالسة العلماء الربانيين والفقهاء العاملين؛ لتلقي العلم والمعرفة والهدى, ومدارسة كتاب الله وتلاوته, ومعرفة أحكامه وحروفه وتجويده.

 

وقد مدح الله المؤمنين الصادقين ووصفهم بالرجولة الذين اكتملت فيهم معانيها، وتوفرت فيهم صفاتها من الصدق والعلم والعمل والمجاهدة فقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور: 36، 38].

 

لقد حث رسولنا الكريم على عمارة المسجد ورعايتها من خلال المحافظة على صلاة الجماعة، ودروس العلم وقراءة القرآن, بل إن أول عمل قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أن قام ببناء المسجد؛ ليكون أول صرح يشيَّد لبيان تعاليم الدين ونشر مفاهيم الإسلام السمحة، وأول لبنة لبناء المجتمع المسلم المثالي، وقد مدح الله صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[التوبة: 108].

 

وقد جاءت النصوص النبوية والآثار الصحيحة تبين ما لرواد المساجد من الفضل والثواب الجسيم، والأجر العظيم, وما لهم من المكانة الرفيعة, والمنزلة الكبيرة، ومن تلك الأحاديث:

إن الكرامة والفضل والتنعم بالجنة وما فيها من النعيم المقيم لأهل المساجد وروادها، ومن قلبه معلق فيها عن أي هريرة: "من غدا إلى المسجد وراح؛ أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح"، بل إن المشي ونقل الأقدام إلى المساجد سبب لمحو الخطايا وتكفير السيئات, ففي الحديث عن رسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟", قالوا: بلى يا رسول الله!، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط"(رواه مسلم).

 

وقد جاءت البشارة الكريمة لمن يكابد ظلمة الليل، ويتحمل الأخطار من أجل الحفاظ على صلاة الجماعة, يقول -صلى الله عليه وسلم-: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"، وقد شهد رسولنا الكريم بالإيمان الصادق واليقين الجازم لمن تعوَّد على الصلاة في بيوت الله, عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ".

 

إن المسجد يعتبر بحق عيادة نفسية لعلاج ما يعانيه المسلمون من أمراض وعقد نفسية، وأمراض قلبية مثل: القلق, والكآبة, وضيق الصدر، وقد أخبرنا سيد الأطباء أن السكينة والاطمئنان تنزل على رواد المساجد وعمارها بالصلاة والذكر والدعاء والاستغفار، فقد جاء في الحديث الصحيح: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ, يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ, وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ, وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ"(رواه مسلم), فأين موقعنا من المسجد؟!.

 

فعلينا -أيها السلمون- أن نقتدي بأصحاب رسول الله وعلماء الأمة وعبادها في أحياء المساجد, وعمارتها بالعلم النافع والعمل الصالح، ومن أعظمها وأجلها صلاة الجماعة حين ينادى بها وخاصة صلاة الفجر والعشاء.

 

تأملوا معي -أيها المسلمون- ما جاء في ثواب صلاة الجماعة، عن أبي هريرة -رَضي اللَّهُ عَنهُ- قال: قال رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛ لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث, تقول: اللهم صلِ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة"(مُتَّفَقٌ عَلَيه).

 

ومن عظيم حرص الصحابة الكرام على أداء الجماعة في المسجد ذلك الرجل الذي كانت لا تفوته الجماعة في شدة حر الشمس، وظلمة الليل البهيم حتى قيل له: لو اشتريت دابة تسهل لك المهمة، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ, وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ، فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ؟, قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ؛ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ"(رواه مسلم).

 

ثم تأملوا حال المسلمين اليوم من توفر وسائل النقل الحديثة، المجهزة بأحدث أنواع التكييف والتبريد، وقرب المساجد بل وكثرتها, حتى أصبح بجانب كل شارع مسجد للصلاة، ووصول صوت المؤذن إلى مسمع كل شخص عبر الوسائل المرئية والمسموعة، ومع ذلك ترى تقاعسهم عن أدائها في الجماعة وفي وقتها المحدد، وانشغالهم بالملهيات والألعاب والبرامج المسلية، أو متابعتهم لمباريات كرة القدم، أو متابعة أسعار الأوراق المالية والبورصة العالمية، بل وأحيانا انشغالهم بالمحرمات مثل اللعب بالنرد والورق والشطرنج، ومتابعتهم للأفلام الأجنبية والمسلسلات المصرية والخليجية..

 

ومن أعظم المصائب التي حلت بالمسلمين في هذه الأيام والأزمنة تخلفهم عن صلاة الجمعة, حتى أن الخطيب يلقي خطبته وما في المسجد إلا نفر من الناس، وما يكاد ينتهي من الخطبة الثانية حتى ترى الوفود تتجمع لأجل إدراك الصلاة, حتى رأيت جماعات يصلون الجمعة بعد صلاة الإمام قضاء!، أين كان هؤلاء وأي شيء كان يشغلهم عن الفرض؟! أين نحن من الرعيل الأول من أصحاب النبي في التبكير للصلاة, وتنافسهم في العمل الصالح وإدراك الصف الأول والوقت الأول من صلاة الجمعة؟! أين نحن من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ, ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا, وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْه,ِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا".

 

هذا من جانب ومن جانب آخر ترى الأسواق والأبراج والنوادي الليلية وقاعات الأفراح والمسارح تغص بروادها، بل لا تجد أحيانا مقعدا شاغرا؛ لكثرة من يرد عليها, هل أنصفنا المساجد وبيوت الله؟!.

 

لقد اعتبر الإسلام ترك الجماعات والجُمع والتهاون بشأنهما، وعدم إجابة دعوتهما من أسباب الخذلان, وقسوة القلب, وضعف الإيمان، ومن منا لا يذكر قصة ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- حين أراد أن يستأذن من رسول الله في الصلاة في بيته بدلا عن المسجد الذي تقام فيه الجماعة، وهو ضرير يجد المشقة في السير من بيته للمسجد، وليس له قائد يقوده, ومع هذه الأعذار التي لا يتوفر عشر معشارها في المتخلفين عن الجماعة اليوم, فلم يرخص له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته, فكيف بمن توفرت له وسائل النقل، وقرب المسجد المريح المهيأ من كل الوسائل.

 

فاحرصوا -رحمكم الله- على أداء صلاة الجماعة في بيوت الله، وبادروا إليها عند سماع الأذان, ولا تشغلكم الدنيا وزينتها ومتاعها القليل, فإن ما عند الله خير وأبقى، وقوموا لله قانتين، وإياكم والتهاون والتكاسل عن الحضور مع المصلين؛ فإن ذلك من موجبات البعد عن رب العالمين، بل ربما الاتصاف بصفات المنافقين.

 

واعلموا أن الصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين, والسعادة الحقة في الدنيا والدين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولسائر المسلمين، وطوبى لمن وجد في صحائفه استغفارا كثيرا, وصلاة على الحبيب المختار محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

المرفقات

مساجدنا تشتكي.doc

مساجدنا تشتكي.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات