مذبحة ‘جنين‘

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-17 - 1436/04/28
عناصر الخطبة
1/بعض جرائم اليهود بحق الفلسطينيين في مخيم \"جنين\" 2/صبر وصمود أهل \"جنين\" 3/تاريخ مدينة \"جنين\" وبطولاتها 4/بعض الدروس المستفادة من صمود أهل \"جنين\" 5/تخاذل المسلمين عن نصرة أهل \"جنين\" 6/موقف أمريكا من مذبحة \"جنين\"

اقتباس

منذ بدء العمليات العسكرية التي سمتها الحكومة الإسرائيلية: "الجدار الواقي" والمؤشرات تتابع على أن هناك مخططاً غامضاً يتم تنفيذه على أرض الواقع في الأراضي المحتلة، وبعيداً عن الدور العربي في المأساة، فإن الدور الأمريكي كان ظاهر العيان، والهدف معروف للجميع وهو كسر شوكة القوة الضاربة للمقاومة الفلسطينية، وذلك عن طريق تصفية أكبر عدد من ناشطيها وقادتها، واعتقال من تعجز عن قتلهم القوات الإسرائيلية.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

وما تزال الأوضاع في فلسطين أوضاعاً مأساوية، وما تزال الدماء تسيل كالأنهار في الشوارع، وكل يوم يتساقط عشرات القتلى، ومئات الجرحى، وآلاف الأسرى.

 

كنا نظن أن مذبحة "صبرا وشاتيلا" التي مرت بالأمة من أبشع المذابح، فجاءتنا مذبحة "جنين" وفعل فيها الصهاينة بمباركة من الدول الغربية، وفي مقدمتهم دولة عاد ما لم يفعلوه من قبل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أيها المسلمون: لقد تعرض المسلمون ولا يزالون هذه الأيام لحملة إبادة واسعة تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي والإسلامي، وبمباركة الأمم المتحدة، حيث تقوم قوات الاحتلال النازي بحملة إبادة كاملة لمخيم "جنين" الباسل انتقاماً لما كبده هذا المخيم لقوات الاحتلال من خسائر، حيث تفيد التقارير بأن جيش الاحتلال قد دمّر البيوت على أصحابها، وسوّاها بالأرض، وقام بعملية تهجير واسعة للنساء والأطفال والسكان من أطراف المخيم، حتى يتسنى له القضاء على من بداخله، وقام الجيش الصهيوني بإعدام المجاهدين الذين نَفَدَت ذخيرتهم، ونَقَلوا الجثث إلى أماكن وجهات غير معلومة لإخفاء الجرائم والفظائع التي ارتكبوها.

 

كما منعت إسرائيل كل الجمعيات الطبية من الاقتراب من المخيم، ولم تسمح لأحد من الدخول لمعرفة ما يجري من فظائع، فحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

لقد شوهدت عمليات ترحيل إجباري لسكان المخيم، وأفادت مصادر في صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة بأن الجيش الإسرائيلي طرد حوالي 800 امرأة وطفل لمواجهة المقاومة المسلحة في المخيم.

 

وقالت مسؤولة في اليونيسيف: إن النساء والأطفال جرى طردهم إلى مدينة "جنين" المحاذية للمخيم، وتُركوا دون حماية أو غذاء.

 

وأفاد شهود عيان أن الجيش الصهيوني يَعدم المقاتلين الذين تَنفد ذخيرتهم داخل المخيم، ويَستخدم الجرّافات لدفن الشهداء الفلسطينيين في مقابر جماعية لإخفاء جريمته، هذا وقد هدم المنازل على رؤوس من يختبئون فيها.

 

وقال شاهد عيان: أن ثمانية من المقاومين قرروا الاستسلام للقوات بعد نفاد ذخيرتهم، فخرجوا وقد رفعوا أيديهم، وأمرتهم القوات الإسرائيلية أن يخلعوا ملابسهم، ففعلوا فقام الجنود بإطلاق النار عليهم، وقتلوهم عن آخرهم.

 

أيها المسلمون: لقد تعرض أهل "جنين" في الأيام الماضية لما يمكن أن يوصف بأنه وضع مشابه لأجواء البوسنة والهرسك، عندما كان الصرب يطبقون على إحدى المدن الإسلامية هناك فيحاصروها ويعملوا على إبادة ما يستطيعون من أهلها، ولكن زاد الإسرائيليون على ذلك أنهم انطلقوا يدمرون كل ما تحت أيديهم من منازل ومساجد ومتاجر، وينهبون كل ما خف وزنه وغلا أو رخص ثمنه، وقد قاموا في إحدى مراحل الهجوم بجمع أكثر أهالي "جنين"، الذين يقدرون بعشرات الآلاف، ورحّلوا النساء والأطفال والشيوخ إلى القرى المجاورة دون أن يسمحوا لهم بحمل أي شيء من أمتعتهم، ودون أن يعرفوا ماذا حل بأبنائهم، ثم اقتادوا من تجاوز الـ16 عاماً، ولم يتجاوز الخامسة والأربعين إلى معسكرات اعتقال مجهولة، وذلك بعد أن عرضتهم لإذلال وإهانات أمام أهليهم.

 

ثم طبّقت عليهم إجراءات أمنية مهينة جداً، حيث تجبر الشباب على خلع ملابسه، والانبطاح أرضاً، ثم يقوم الجنود بدهسهم بالأحذية.

 

وقالت امرأة فلسطينية: "دخلوا منزل الجيران واعتقلوا 18 شاباً بينهم ابني وزوجي، وأجبروهم جميعاً على خلع ملابسهم، واقتادوهم إلى الشارع عراة حيث أجبروهم على النوم على بطونهم، وراحوا يضعون أختاماً على ظهورهم".

 

وقالت: "شاهدت المئات من الشبّان العراة الذين كان الجنود يدوسون عليهم بأحذيتهم".

 

وقالت امرأة أخرى: "أن الجنود الإسرائيليين كانوا يتكلمون من خلال مكبرات الصوت باللغة العربية، ويقولون: نحن جيش أقوى منكم ولا تستطيعون مقاومتنا".

 

ومن ناحية أخرى، فقد أدى الحصار إلى العجز عن نقل الجرحى، أو حتى دفن الموتى، وبات كثير من الأهالي يحتفظون بأبنائهم داخل منازلهم، حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة أمام أعينهم وعجزهم، ثم يضطرون للاحتفاظ بجثثهم لعدم التمكن من دفنهم تحت الحصار، وفي بعض الأحيان اضطر الأهالي إلى دفنهم أسفل المنازل، وهو ما قامت به الجرَّافات الإسرائيلية حيث أخذت تهدم البيوت على من فيها، فتدفن أهلها أمواتاً وأحياءً تحت أنقاضها.

 

ولكن مع كل هذا الإجرام الوحشي العلني، هل فتّ هذا في عضد أهالي "جنين"؟

 

الجواب: لا.

 

ونكتفي بذكر مثال واحد فقط لامرأة عجوز تمكن أحد المراسلين، وهو يعاني من الخوف والترقب أن يجري معها حواراً سريعاً، وهي سائرة إلى منزلها غير خائفة أو وجلة، فقال لها: إلى أين أنت ذاهبة؟ قالت: إلى الدار، فقال لها: ألا تخافين؟ قالت: "نحن لا نخاف، لو قتلونا فسنذهب إلى الجنة، ونصير شهداء، فقال لها: إن هناك جنوداً يمكن أن يقتلوكِ وأولادكِ، فقالت له في إيمان قل مثيله: "نحن نخاف على أولادنا، لكن لو ماتوا فهم شهداء عند الله، وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار".

 

إذا كان هذا جواب امرأة من "جنين" فما تظنون جواب رجالها؟

 

وستبقى "جنين" رمزاً لبطولات وتضحيات.

 

ومن شأن هذه التضحيات: أن تُحَّطم حلم كثير من القادة بالتبرك بمصافحة شارون وبيريز من خلال صُلْح وسِلْم مع دولة بني صهيون، وما علم هؤلاء أن "جِنين" ستلد ألف "جنين" جديدة -بإذن الله الواحد الأحد-.

 

أيها المسلمون: إن تاريخ "جنين" تاريخ قديم، ف"جنين" تقع في الجزء الشمالي لفلسطين، وتعتبر "جنين" مصدر الخبز الرئيس لفلسطين، ولذلك سمي: "بسلة الخبز الفلسطيني".

 

بنيت مدينة "جنين" في العهد الكنعاني، وهي بذلك واحدة من أقدم التجمعات السكانية في العالم كأريحا والقدس وعكا ونابلس ودمشق، ولقد واجهت "جنين" عدداً من الكوارث قبل مئات السنين، منها مرض الطاعون الذي قتل جميع أبنائها عدا امرأة واحدة فرت خارج المدينة، ثم الهزة الأرضية التي أصابتها ودمرتها بشكل تام، وبعد ذلك أحرقها نابليون عند احتلالها عام 1799م، سُميت "جنين" بهذا الاسم بسبب الجنائن التي تحيط بها، فتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي وعُرفت بهذا الاسم حتى يومنا هذا.

 

"جنين" لها تاريخ قديم مع اليهود، فقد خاضت بمدنها وقراها معركة الدفاع عن الوجود ضد المنظمات الصهيونية المسلحة، عام 48م، حاول اليهود الاستيلاء على مدينة "جنين" حيث تم تطويقها، وكان عدد الصهاينة 4000 مقاتل، فاستولوا على معظم أحياء المدينة، وتحصن المجاهدون في عمارة الشرطة في المدخل الغربي، حتى وصلت نجدة للمحاصرين قوامها500 جندي عراقي بقيادة عمر علي، وحوالي 100 مجاهد فلسطيني من القرى المجاورة، وبعد معارك دامية في خارج البلدة وفي شوارعها وأزقتها اندحر الصهاينة وتطهرت المدينة منهم في 4 حزيران 1948م، وبقيت تحت الحكم الأردني حتى احتلالها عام 67م.

 

فإسرائيل تعرف بسالة رجال "جنين" منذ القديم، ولهم معهم صولات وجولات، وقد قالت صحيفة إسرائيلية: "هذا ببساطة أمر لا يصدق، كلما استطعنا التقدم لعشرة أمتار يفجرون ضدنا عبوة ناسفة، كل المنطقة مفخخة، وكل لحظة يفجرون حولنا أشياء".

 

وقال ضابط إسرائيلي للصحيفة: "الفلسطينيين فجروا علينا براميل مليئة بالمتفجرات، فخخوا السيارات الشاحنات المنازل الشرفات وأعمدة الكهرباء، ووضعوا عبوات أخرى على الأشجار، وتحت أغطية المجاري، أطلقوا النار على القوات من كل اتجاه، والمعارك جرت من منـزل إلى منـزل".

 

وفي نفس المضمار، قالت صحيفة أخرى، وتحت عنوان: "في كل ثقب يختفي مخرّب أو عُبوّة" لقد أبلى رجال "جنين" بلاءً حسناً، فتحصنوا في المنازل، وأطلقوا نيران القناصة باتجاه الجنود، وفجروا مئات العبوات الناسفة.

 

أيها المسلمون: ربما يتساءل البعض: لماذا تتعرض هذه البلدة على وجه الخصوص لهذه الحملة الشنعاء من التنكيل والإبادة ومحاولة إذلالها؟

 

الإجابة:

 

أولاً: لأنها المصنع الأول للرجال الذين يقومون بالعمليات الاستشهادية، ف"جنين" في أعين اليهود هي وكر الاستشهاديين كما صرح غير واحد منهم، قال جيسين مستشار شارون: "إن مخيم "جنين" ليس مخيماً للاجئين، بل مصنعاً لإنتاج القنابل البشرية".

 

ومن هنا يمكن أن نفهم: لماذا يصر الإسرائيليون على "جنين" بالذات؟ ولماذا صمدت "جنين" كل هذه الفترة؟

 

ونفهم الأمر أكثر من خلال كلام اليهود أنفُسُهم، حيث أن الفشل العسكري الذي واجهته القوات الإسرائيلية في مدينة "جنين" سيظل علامة فارقة في التاريخ العسكري الإسرائيلي، فقد أسقطت هذه المقاومة الباسلة هيبة الجيش اليهودي تماماً، وأثبتت أن المستوى التدريبي للجنود والقدرة القتالية غير متوفرة تماماً، لو قارنا كيف دخلت إسرائيل هذه المدينة في مقابل ما يملك السكان، دخلت إسرائيل "جنين" بـ 30 ألف جندي، ونحو ألفي دبابة، وكان من المفترض أن هذه البسالة العجيبة من أهالي "جنين" أن يشجع الكثير من العرب، ويزيل من قلوبهم الكثير من الخوف من القوة العسكرية الإسرائيلية، إلا أن ذلك لم يحدث.

 

ثانيا: دورها الكبير في عمليات المقاومة الأخرى، فلم يقتصر دور أبطال "جنين" على العمليات الاستشهادية، بل تخللتها ما بين اشتباك مسلح إلى تفجير عبوات ناسفة إلى زرع الأرض بالألغام إلى عرقلةٍ لحركة سير الدبابات، إلى تصنيع قذائف الهاون، إلى فتية يعرف الواحد منهم استخدام كافة أنواع الأسلحة.

 

ثالثاً: كونها مثال الصمود والثبات، لقد أصبحت "جنين" رمز الصمود وإذلال العدو الصهيوني في وقت عز فيه من يقف في وجه الباطل، ويقاتل حتى آخر رمق، وهذه شهادة العدو قبل الصديق: أعلنت القوات الصهيونية عن ما أسمته إكمال السيطرة واحتلال مخيم "جنين"، وذلك بعد نفاد ذخيرة المجاهدين، والمقاومين المحاصرين، ولكن جنرالاتها الإرهابيين الذين يقودون المجازر اعترفوا بالبسالة الفائقة التي واجهتها قواتهم في مخيم "جنين"، واعترف الجنرال الصهيوني إسحاق إيتان قائد المجازر الصهيونية في تصريحات للصحافة العالمية من مقر قيادته خارج "جنين" بالمقاومة الشرسة التي واجهها جنوده في "جنين" ومخيمها، وقال: "نحن نواجه رجالاً يريدون الموت بشرف، على الحياة في ذل الأسر".

 

وأضاف كعسكري محترف: "هذه أول مرة في تاريخ حروبنا مع العرب نواجه مثل هذه المقاومة الباسلة".

 

لقد أعطى صمود "جنين" درساً كبيراً لا يمكن تجاوزه، وهو أن بضع عشرات ببنادق يمكن أن يواجهوا أعتى الجيوش ويوقفوها عند حدها إذا توافرت النية الصحيحة، والإخلاص لله رب العالمين.

 

لقد قدم سكان "جنين" ما يجب عليهم فعله، والله الذي لا إله إلا هو لقد أقاموا الحجة على الأمة كافة تخاذلها وجبنها وخورها.

 

لقد حطم أهل "جنين" معنويات اليهود، وكسروا الغرور الإسرائيلي، كانت "جنين" مقبرة للقوات الإسرائيلية منذ زمن بسبب الأزقة الضيقة الملتوية، والبنايات المتلاصقة المكتظة بالسكان.

 

كانت مخبأ مثالياً للمقاومين والقوات التي تتسلل سيراً على الأقدام لصعوبة توغل العربات المدرعة تواجه خطر الاصطياد.

 

كان أطفال المخيمات يرددون الأناشيد، ويرفعون شعارات المقاومة قبل أن يتقنوا مبادئ الكلام، كنتَ تَرى في "جنين" الصور الشخصية لقادة حماس الذين تم اغتيالهم تعلق على الجدران جنباً إلى جنب مع صور الشهداء والاستشهاديين الذين فجروا أنفسهم، وبغض النظر عن جواز هذا الأمر من عدمه، لكنه أغاض اليهود أيما غيض ففعلوا ما فعلوا عليهم من الله الغضب واللعنة.

 

أيها المسلمون: استطاع شباب "جنين" تفجير دبابة "ميركافا" بلغم، فجن جنون اليهود وحار العالم من ذلك، وتكرر الأمر نفسه مرة أخرى ما دمر سمعة الدبابة، ووقع الإسرائيليون في حيرة عندما تم قتل سبعة جنود في الثالث من مارس، وقد أصابتهم رصاصات أطلقها قناص كان يستخدم بندقية قديمة يعود تاريخ تصنيعها للحرب العالمية الثانية: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى)[الأنفال: 17].

 

فأربك هذا وحدات الجيش النظامي الإسرائيلي، فوقع نحو 400 منهم على وثيقة يرفضون فيها العمل في المناطق المحتلة، مدعين أن الاحتلال مفسدة لبلدهم.

 

وبعدها قتل ثلاثة عشر جندياً مما أثار اعتراضات واسعة ضد استراتيجية "شارون" التي تستهدف استخدام القوة العسكرية لتعزيز قبضة إسرائيل على معظم مناطق الضفة الغربية، وتحطيم مؤسسات الدولة الفلسطينية، لكن هذا المجرم استمر في سياسته الرعناء، وحصلت بعدها مذبحة "جنين"، وما تزال مستمرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].

 

بارك الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

لقد أقام سكان "جنين" الحجة على الأمة جميعاً، والله سائلنا عن كل مسلم قتل في "جنين".

 

حقاً لقد كانت مواقفنا مخزية في مقابل بعض المواقف التي وقفها بعض الكفار، فقد هددت بلجيكا بسحب سفيرها من "تل أبيب"، بل وكادت أن تقطع علاقاتها الاقتصادية مع الدولة الصهيونية.

 

أما الاتحاد الأوروبي، فقد كانت الدعوات فيه جيدة نسبياً، فقد صرح "جراهام واتسون" رئيس الكتلة الليبرالية بالبرلمان الأوروبي للقناة الخامسة الفرنسية: أن "شارون" مجرم حرب، وعلى محكمة الجنايات الدولية أن تحاكمه، فقد رأينا في مخيم "جنين" وفي "رام الله" فظائع يندى لها جبين الإنسانية، ومعلوم أن "واتسون" يمثل مجموعة الأحزاب الليبرالية في كامل أوروبا، ومفوض للحديث باسم هذه الأحزاب.

 

ومن ناحية أخرى قرر البرلمان الأوروبي فرض عقوبات تجارية على إسرائيل احتجاجاً على عملياتها في المناطق الفلسطينية، وقد اتُخذ القرار بغالبية الأصوات، كما دعا البرلمان الأوروبي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة دولة إلى تعليق اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل التي تشمل اتفاقية التبادل التجاري الحر، واتفاقية العلاقات الدبلوماسية بين الأطراف، كما صوت البرلمان الأوروبي على قرار يدعو إلى فرض حظر بيع الأسلحة لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية.

 

أيها المسلمون: قد يقول البعض بأن كل هذا مجرد كلام فقط من بعض الدول الغربية، نقول: نعم، مجرد كلام، كم كنا نتمنى أن يتكلم المسلمون ولو مجرد كلام كما تكلم الكفار؟ ويا ليتهم اقتدوا بالسفير البريطاني لدى إسرائيل في شجاعته وتحمسه لقضايا دينه وبلده، ولو كانت ستضره فقد خاطر بإثارة أزمة دبلوماسية؟ ويا ليتهم تأسوا بالمجموعات الأوروبية للسلام، والتي تخندقت في بلدات فلسطين، وجعلوا حياتهم تبعاً لحياة الفلسطينيين وتوزعوا في القرى والمدن؟ ويا ليتهم طلبوا صورة ومعلومة عن ذلك الياباني الذي أحرق نفسه حزناً على ما أصاب هذا الشعب الفلسطيني، فقد أحرق ذلك الياباني نفسه، حتى الموت في أحد متنزهات العاصمة اليابانية "طوكيو" احتجاجًا على العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل في مناطق السلطة الفلسطينية؟

 

وشخص آخر يدعى تاكو 54 عاماً سكب على نفسه وقوداً، وقال الناطق بلسان الشرطة: "إن المتنـزهين الذين جاؤوا لرؤية أنوار أشجار الكرز شاهدوا فجأة اشتعال نار بين الأشجار واستدعوا الشرطة".

 

وقال صديقه: إن الإطفائية وصلت إلى المكان، وقاموا بإطفاء النار، وسألوه إذا ما قد أحرق نفسه.

 

وحسب أقوال الصديق، فقد رد متمتماً، وبعد ذلك لفظ أنفاسه الأخيرة، يُذكر أن تاكو عضو في أحد المنظمات، وقد وشارك في الإضراب عن الطعام احتجاجاً وتأييداً للشعب الفلسطيني، وهذا لا يعني أننا نؤيد إحراق الشخص نفسه، أو الإضراب عن الطعام، فهؤلاء كفار، وليس بعد الكفر ذنب، لكن العجب: أنه ومع كفرهم يصدر منهم هذه الأفعال، ولا يتحملون رؤية الظلم علانية، فماذا قدم المسلمون مما يجوز لهم فعله شرعاً؟!.

 

وأخيراً: ماذا فعلت الولايات المتحدة مع الصهاينة في مذبحة "جنين"؟

 

منذ بدء العمليات العسكرية التي سمتها الحكومة الإسرائيلية: "الجدار الواقي" والمؤشرات تتابع على أن هناك مخططاً غامضاً يتم تنفيذه على أرض الواقع في الأراضي المحتلة، وبعيداً عن الدور العربي في المأساة، فإن الدور الأمريكي كان ظاهر العيان، والهدف معروف للجميع وهو كسر شوكة القوة الضاربة للمقاومة الفلسطينية، وذلك عن طريق تصفية أكبر عدد من ناشطيها وقادتها، واعتقال من تعجز عن قتلهم القوات الإسرائيلية.

 

وتلخص دور أمريكا المساعد لليهود في الضغط على الدول العربية بمنعهم من محاولة التفكير في اتخاذ أي رد فعل صوتي يتجاوز الخطوط الحمراء التي لونتها لهم أمريكا، كما أن الإدارة الأمريكية اتبعت أسلوباً في خطابها السياسي المتعلق بالأزمة يعتمد أسلوب التطويل، وإعطاء كامل الفرصة لليهود لتنفيذ عملياتهم، فبعد أن تصاعدت ردود الأفعال الإقليمية والعالمية التي تطالب إسرائيل بالتوقف، وأميركا بالتدخل، أطلق رئيسها تصريحاته التي وصفت بالتهديدات لإسرائيل، والتي قال لها فيها: أنه يطلب منها على الفور أن توقف عملياتها، وتنسحب من الضفة، كان أول تعليق للحكومة الإسرائيلية على ذلك أن اعتبرت تصريحاته في صالحها، ثم بعد ذلك عاد الرئيس وأعلن أن على القوات الإسرائيلية أن تنسحب دون إبطاء من المدن الفلسطينية التي تحتلها، وقال خلال زيارة له قام بها إلى مدينة "نوكسفيل": "كنت أعني حقاً ما قلته لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وأنتظر انسحاباً دون إبطاء للقوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية المحتلة".

 

ودعا من جهة أخرى القادة العرب إلى التصدي للإرهاب وإدانته.

 

ولم تستجب إسرائيل، فقال بعدها الرئيس: أنه سيرسل وزير خارجيته إلى المنطقة للتباحث حول الأزمة، وقد أعربت بعض الدول العربية على لسان بعض مسؤوليها عن سعادتها بالقرار الأميركي الخاص بهذه الجولة، ولكن الجولة فسرت نفسها على أنها وسيلة خبيثة من الإدارة الأميركية لإعطاء اليهود مهلة أكبر لتنفيذ العمليات، ويتضح ذلك بتأمل خط سير وزير الخارجية، إذ بدأ من المغرب من غير داع، واستغرب جميع العقلاء عن مناسبة البدء بالمغرب، فإذا عرف أن السبب وهو إعطاء وقت أطول ل"شارون"، حتى ينهي مهمته بطل العجب، ثم عرّج الوزير اللطيف على القاهرة ومدريد، ودول عربية أخرى، ثم القدس، وأثيرت بعد ذلك مشكلة أخرى لإلهاء العرب بها اعتبرها العالم أعظم من مشكلة فلسطين، وهي هل يقابل عرفات أم لا؟

 

وأعرب الكثيرون عن غضبهم من الوزير لو رفض مقابلة "عرفات"، وفي النهاية أعلن عن تنازله وموافقته على لقاء "عرفات"، وكل ذلك والفلسطينيون يُذبّحون في "جنين" دون أن يجرؤ أحد على طرح هذا الموضوع أمامه، حتى ولو من باب ذر الرماد في الأعين.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الرأي العام الأمريكي بدا واضحاً أنه يؤيد في غالبيته العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ويعتبرها من قبيل الحرب على الإرهاب، كما تفعل الإدارة الأميركية في بقاع أخرى من العالم، وفي أحدث استطلاع للرأي أُجري لمعرفة الرأي العام الأمريكي من العمليات العسكرية الدموية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، تبين أن غالبية الشعب يؤيدون هذه العمليات، ويعتبرون أن الفلسطينيين يقومون بعمليات إرهابية، لذا فهم يستحقون من يُفعل بهم.

 

اللهم عليك بيهود فإنهم لا يعجزونك.

 

نسأل الله -جل وعلا- أن يعجل بالنصر لإخواننا المسلمين في فلسطين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين على أرض فلسطين، اللهم العن اليهود والنصارى ومن شايعهم، اللهم أنزل عذابك ورجزك على اليهود يا رب العالمين.

 

اللهم إن اليهود قد بغوا وتعدوا، وقتلوا إخواننا، فنسألك اللهم باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سُألت به أعطيت، أن تحصهم عددا، وأن تهلكهم بددا، ولا تغادر يا ربي منهم أحداً.

 

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك الصالحين.

 

اللهم واحفظ دماء المسلمين وأعراضهم في كل مكان، اللهم وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، ووحد صفهم، وبلغهم فيما يرضيك آمالهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا أرحم الراحمين.

 

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه.

 

اللهم احقن دماء المسلمين، واحم اللهم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم، وبلادهم وأموالهم.

 

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.

 

اللهم يا ولي الصاحين، ويا ناصر عبادك المستضعفين، نسألك اللهم أن تعين وتنصر إخواننا في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان، اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحفظهم اللهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم.

 

 

المرفقات

مذبحة جنين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات