عناصر الخطبة
1/الحث على الإكثار من قراءة القرآن 2/من بركات القرآن على أهله 3/الحث على تدبر القرآن والعمل به 4/العلاقة بين القرآن ورمضاناقتباس
إن علينا أن نستكثر من تلاوة القرآن، وأن نعمل على تدبره وفهمه والعمل بما جاء فيه أمرا أو نهيا، فعلى المسلم أن يتلقى القرآن بقلب خاشع خاضع، ثم يتفكر فيه وفي معانيه؛ ليستنبط منه ما ينفعه في الدنيا والآخرة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله ربّ العالمين، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أما بعدُ:
أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: نحن في شهر مبارك كريم، أكرمنا الله -تعالى- فيه بنزول القرآن الكريم، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة: 185]، أنزله الله -تعالى- في ليلة مباركة في ليلية القدر، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)[الدخان: 3]، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[القدر: 1].
القرآن الكريم كتاب مكنون نور على نور، هدى مستقيم لمن استهداه، تلاوته درجات، وتدبره فتوحات، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص: 29]، وكل حرف منه بعشر حسنات، عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ: الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ".
أيها المسلمون: لقد كان صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- مُزدانا بالإكثار من قراءة القرآن الكريم ومدارسته، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ".
أيها المسلمون: إن القراءة والالتصاق بالقرآن وتدبره والعمل بما فيه خيرا وبركة، فقد بين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما البركات لمن اشتغل بتلاوته القرآن الكريم وتدبره؟ وما الذي يغمر أهل القرآن من البركات والحسنات والأجور العظام، وبلوغ المنازل العالية لأهل القرآن؟ عن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: "اقْرَؤوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا".
أيها المسلمون: أهل القرآن الحافظون له والعاملون به هم أهل الله وخاصته، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"
أهل القرآن يرتقون عند دخولهم الجنة على قدر تلاوتهم وحفظهم، وتدبرهم وعملهم بما جاء في كتاب ربهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا".
أيها المسلمون: إن علينا أن نستكثر من تلاوة القرآن، وأن نعمل على تدبره وفهمه والعمل بما جاء فيه أمرا أو نهيا، فعلى المسلم أن يتلقى القرآن بقلب خاشع خاضع، ثم يتفكر فيه وفي معانيه؛ ليستنبط منه ما ينفعه في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد: 24]، وكذلك الاهتداء بآيات الكتاب المبين والامتثال لما تدعو إليه، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص: 29].
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فَلَا شَيْء أَنْفَع للقلب من قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر والتفكر... فَلَو علم النَّاس مَا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر لاشتغلوا بهَا عَن كل مَا سواهَا، فَإِذا قَرَأَهُ بتفكر حَتَّى مر بِآيَة وَهُوَ مُحْتَاجا إِلَيْهَا فِي شِفَاء قلبه كررها وَلَو مائَة مرّة وَلَو لَيْلَة، فقراءة آيَة بتفكر وتفهم خير من قِرَاءَة ختمة بِغَيْر تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى الى حُصُول الإيمان وذوق حلاوة الْقُرْآن ... فقراءة الْقُرْآن بالتفكر هِيَ أصل صَلَاح الْقلب"(مفتاح دار السعادة).
ألا فاتقوا الله -عباد الله- وأكثروا من تلاوة كتاب الله وتدبره والعمل به؛ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29 - 30].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، وأطيعوا الله ورسوله لتنالوا المغفرة من ربكم -جل وعلا-، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون الصائمون: إن من أفضل ما يعمر به الصائم وقته هو تلاوة كتاب ربه وتدبره وتدارسه، وهذا هديه -صلى الله عليه وسلم-، فكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، ومن تدبر القرآن دله على كل خير وحذره من كل شر، وأبان له الحلال والحرام، وعرفه بأسماء ربه الحسنى وصفاته العلى، وشوقه إلى ثوابه العظيم، وخوفه من عقابه الأليم، القرآن الكريم يهدي للتي هي أقوم، قال -تعالى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء: 9].
القرآن الكريم يرفع الله به أقواماً ويضع به آخرين، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ".
القرآن الكريم نور يهدي الله به أهله إلى كل خير في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى: 52]، عيشوا مع القرآن في شهركم هذا، اعطوا القرآن جل وقتكم؛ فهو حياتكم ونوركم، ولتنالوا الخيرية فعليكم بالقرآن، عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".
وفقنا الله وإياكم لتلاوة القرآن وحب القرآن والعمل بالقرآن، وجعلنا جميعا من أهل القرآن أهل الله وخاصته.
هذا، وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم