مختصر خطبتي الحرمين 6 جمادى الأولى 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

قيمة المجتمع بأخلاقه، فإن لم يحتسب كل فرد منه أنه جزء من هذا المجتمع فإنه سيرى أنه المجتمع وحده، وهذه هي الأثرة الموجعة، موضحاً أنه لن ينجح مجتمع وكل واحد فيه لا يعرف إلا كلمة "أنا"، فالمجتمع أسرة يشترك جميع أفرادها في رعاية ما يصلحها والابتعاد عما يفسدها بالنظر إلى الصالح العام فيجلب، وإلى الفساد العام فيتقى، ضاربين بكلمة "أنا" عرض الحائط؛ لأنه لن يحيى مجتمع كل فرد من أفراده لا يرى فيه إلا نفسه، ولا تقوم قائمة المجتمعات دون أن يتحقق فيها الشعور بالآخرين واستحضار حقوقهم التي أوجبها الله على كل فرد ليحسن رعايتها بما يرضي الله -جلّ وعلا-، لا بما يرضي نفسه.

 

 

 

 

 

أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور سعود الشريم أن هناك كلمة من حروف أربعة غصت بها المجتمعات وبحتّ بها أصوات الناصحين والمرشدين، إنها الحروف الأربعة التي ننطقها كلنا باللفظ المعروف وهى الأثرة أو كلمة " أنا " أو الأنانية أو حب الذات، ومهما تعددت أسماؤها فتفسيراتها وتصوراتها بين الناس فإن الذم أيضًا واحد.

 

وبيّن فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أنها الأثرة التي تعني حب النفس والمفضي إلى تقديم رغباتها وشهواتها دون الاهتمام إلى حقوق الآخرين العامة والخاصة، وهي حب الذات في الرغبة بالمطالبة من زاوية واحدة لمصلحة النفس دون النظر إلى مصالح المسلمين، فليس لمصلحة الأسرة أو المجتمع دور في معجم أخلاقه، فهو يرى في الحياة كلها معنى نفسه لا معنى الناس، مشيراً إلى أن الله قد حرمه حلاوة الإيمان الذي لا يتحقق بمثل هذه الصفة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

 

وأوضح الدكتور الشريم أن كلمة "أنا" تبدأ بزهو نفسي ينتفخ شيئاً فشيئًا حتى يصبح ورمًا عقليًا وخلقيًا لا يحسن صاحب بسببه نطقًا إلا بكلمة "أنا"، ولا يباشر بسببه تعاملاً إلا بعد أن يقول، وماذا لي أنا، ليتشبه بأصحاب ركب الأنا من أمثال فرعون والنمرود وإمامهم إبليس -لعنة الله عليه- حيث قال لخالقه ومولاه: "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين".

 

وأكد فضيلته أن قيمة المجتمع بأخلاقه، فإن لم يحتسب كل فرد منه أنه جزء من هذا المجتمع فإنه سيرى أنه المجتمع وحده، وهذه هي الأثرة الموجعة، موضحاً أنه لن ينجح مجتمع وكل واحد فيه لا يعرف إلا كلمة "أنا"، فالمجتمع أسرة يشترك جميع أفرادها في رعاية ما يصلحها والابتعاد عما يفسدها بالنظر إلى الصالح العام فيجلب، وإلى الفساد العام فيتقى، ضاربين بكلمة "أنا" عرض الحائط؛ لأنه لن يحيى مجتمع كل فرد من أفراده لا يرى فيه إلا نفسه، ولا تقوم قائمة المجتمعات دون أن يتحقق فيها الشعور بالآخرين واستحضار حقوقهم التي أوجبها الله على كل فرد ليحسن رعايتها بما يرضي الله -جلّ وعلا-، لا بما يرضي نفسه.

 

وبيّن أن شريعتنا الغراء حضت على رفع النفس عما يشينها، ومن ذلكم طبع الكبر والغرور والإعجاب بالنفس الذي يفضي إلى مراعاة مصلحتها على حساب أي مصلحة عامة أو خاصة.

 

وحذّر إمام وخطيب المسجد الحرام من الأثرة فقال: لقد طغت الأثرة في كثير من المجتمعات، وضربت بأطنابها في الأسرة والجيران وساحة المعرفة وسوق العمل، فأفرزت الكسل في العمل التطوعي، وأكدت التنافس بالعمل المصلحي، كما أنها وأدت الشفاعة ونفع الناس وأكدت الرشوة والغلول والابتزاز، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وليحذر كل الحذر من طغيان "أنا، ولي، وعندي"، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون".

 

المدينة النبوية:

من جانبه تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبد الباري الثبيتي عن معاني الموت والحياة الحقيقية والمجازية قائلاً: "إن الحياة ضدها الموت؛ فحياة الأرض بالإنبات، وحياة العقل بالعلم، وإن الله -عز وجل- أنقذ عباده بالإسلام من موت الروح الذي هو أشد من موت الجسد".

 

وقال فضيلته: إن العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة وينال من حياتها وروحها فهو في ظلمة، وهو من الأموات، مستشهداً بقول الله تعالى: (أوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات ِلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)، فهذا وصف المؤمن، كان ميتًا في ظلمة الجهالة، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات.

 

وبيّن الشيخ الثبيتي أن من صور الموت: موت القلوب بضعف الإيمان، فالقلب الميت لا يعرف ربه ولا يهتدي بنوره والحياة الحقيقية هي حياة القلب، وعمر الإنسان مدة حياته هي ساعات عمره في البر والتقوى والطاعة، مشيراً إلى أن العبد إذا أعرض عن الله -عز وجل- واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيامها الحقيقية؛ قال تعالى: (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء)، شبههم -سبحانه وتعالى- في موت قلوبهم بأهل القبور، فإنهم قد ماتت أرواحهم وصارت أجسامهم قبوراً لها، وإذا كانت الحياة هي الحس والحركة فهذه القلوب لما لم تحس بالعلم والإيمان كانت ميتة حقيقة.

 

وحذر فضيلته المسلمين من الجهل، عاداً الجهل موتًا وضياعاً للحياة، وهو ضد العلم الذي هو ضياء للحياة ونور للبصيرة، وبه سعادة الدنيا، فمن جهل نقصت حياته وفقد جزءًا من زهرتها، فالجاهل مجرد جسد يمشي على الأرض وإن كان حي البدن.

 

وأضاف الشيخ الثبيتي أن المرء قد يموت بركود همته وعزيمته، فتذبل حيويته ويغدو أسير الشهوات والملذات يتحرك معها وينشط لها، وقد يموت معنويًا بموت مشاعره وتجمد عاطفته، فحركة المشاعر وتجاوبها مع الأحداث دليل الحياة وعلامة الإيمان، وكيف لا تتحرك مشاعر المسلم مع ما يموج في شرق الأرض وغربها من فتن مترادفة تعصف بالأمة الإسلامية، مستشهداً بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه".

 

وحذّر فضيلته المسلمين من ضياع الوقت وموته، فموت الوقت هو موت الإنسان في الحياة، ويفرز عواقب وخيمة في السلوك والأخلاق والعقيدة.

 

وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن الحياة هي الإنجاز والطموح، والموت يعني اليأس والخمول والكسل وتعطيل الطاقات والبطالة، فالإنجاز أن تصنع شيئًا لنفسك ووطنك وأمتك ومجتمعك، ولن يشبع مؤمن من خير حتى تكون الجنة منتهاه.

 

وقد غرس الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في أمته الطموح؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس"، والمسلم حياته وقادة مع ذكر الله تعالى والجنة والنار، وعزيمته ماضية في الطاعة، والعبادة علامة الحياة، هذه الهمة التي تجعل للمسلم قيمة ولحياته معنى ولعمره أثرًا.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات