مختصر خطبتي الحرمين 4 من جمادى الآخرة 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

لو جازَ أن يكون مثل هذا الكَون البديع بغير صانِعٍ ولا مُوجِد، لجازَ أن تكون دُورٌ معمُورة، وأسفارٌ مكتُوبة، وثِيابٌ منسُوجة، وحُلِيٌّ مصنُوعة بغير بانٍ، ولا كاتِبٍ، ولا ناسِجٍ، ولا صانِعٍ! أيُمكنُ هذا؟! إنه مُحالٌ ببديهَةِ العقلِ أن يوُجَد شيءٌ دُون مُوجِد. فما الذي خصَّ أحسنَ الخالِقِين بأن يُكفَرَ ولا يدُلَّ عليه أثرُ صَنعَتِه العجيبَة، وخِلقَتِه البَدِيعَة؟! تعالى الله عمَّا يقولُ الظالِمون عُلُوًّا كبيرًا..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الدلائِلُ على وجودِ الله تعالى"، والتي تحدَّث فيها عن وجودِ الله تعالى، وقد أوردَ العديدَ من الأدلَّة العقليَّة والنقليَّة على ذلك.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِي نفسِي وإياكم بتقوَى الله - جلَّ جلالُه -.

 

وأضاف الشيخ: دلائِلُ التوحيد تفُوقُ الحَصر، وطرائِقُ الاستِدلال على وجودِ الخالِقِ مُتعدِّدةٌ مُتنوِّعةٌ، فمن ذلك: بُرهانُ الفِطرة، وهو أعظمُ الأدلَّة وأقوَاها؛ فالشعورُ بوجودِ الله تعالى، والإذعانُ بخالِقٍ قادرٍ فوقَ المادَّة، مُحيطٍ من وراءِ الطبيعة أمرٌ غريزيٌّ مركُوزٌ في الإنسان، مفطُورٌ عليه، لا تُغيِّرُه رِيَبُ المُرتابِين، ولا تُزلزِلُه شُكوكُ المُشكِّكين.

 

وتابع فضيلته: ومن الأدلَّة على توحيدِ الله: أن العالَم كلَّه من صُنعِ الله - تبارك وتعالى -، ومن نظَرَ إلى هذه الدنيا، وشاهَدَ ما هي عليه من النِّظام والترتيبِ المُحكَم، علِمَ أن لهذا مُبدِعًا قادِرًا، حكيمًا وحيًّا قيُّومًا، إنه الربُّ الجليلُ الذي أحسَنَ كلَّ شيءٍ خلَقَه، وكلُّ ما خلَقَ الله له في حكمة، (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

 

وأوضح فضيلته أنه: لو جازَ أن يكون مثل هذا الكَون البديع بغير صانِعٍ ولا مُوجِد، لجازَ أن تكون دُورٌ معمُورة، وأسفارٌ مكتُوبة، وثِيابٌ منسُوجة، وحُلِيٌّ مصنُوعة بغير بانٍ، ولا كاتِبٍ، ولا ناسِجٍ، ولا صانِعٍ! أيُمكنُ هذا؟! إنه مُحالٌ ببديهَةِ العقلِ أن يوُجَد شيءٌ دُون مُوجِد. فما الذي خصَّ أحسنَ الخالِقِين بأن يُكفَرَ ولا يدُلَّ عليه أثرُ صَنعَتِه العجيبَة، وخِلقَتِه البَدِيعَة؟! تعالى الله عمَّا يقولُ الظالِمون عُلُوًّا كبيرًا.

 

وقال حفظه الله: ومن الأدلَّة على توحيدِه - جلَّ في علاه - ما نبَّه عليه الكتابُ العزيزُ من خَلقِ جميعِ الموجُودات من أجلِ الإنسان وفي خِدمتِه، فيقِفُ المرءُ من خلالِ ذلك على ما يدُلُّ على العنايةِ به. وأن هذه الموجُودات التي سخَّرَها الله لنا، وجعلَها مُوافِقةً لوُجودِ الإنسان هي من صُنعِ البارِي - عزَّ وجل -.

 

ومن أدلَّة التوحيدِ: التقديرُ، قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2]، فالله - سبحانه - خلقَ كلَّ شيءٍ بمِقدارٍ وميزانٍ وترتيبٍ، وحِسابٍ دقيقٍ جِدًّا، وسَوَّاه على ما يُناسِبُه من الخَلقِ وفقَ ما تقتَضِيه حِكمتُه، دون نقصٍ أو خلَل، فهذه السماواتُ السبعُ التي خلقَها الله على أحسنِ خِلقَة تدلُّ دلالةً ظاهِرةَ البُرهان على قُدرة الخالِقِ تعالى.

 

قال وفقه الله: ومن أدلَّة توحيدِ الخالِقِ: ما جُعِلَ في الإنسان من عجائِبَ باهِرة تدلُّ على حِكمةٍ مُبدِعة، وهي من وُجوهٍ عديدةٍ: منها: أنه لا تُوجدُ لُغةٌ من لُغاتِه تخلُو من اسمِ الله تعالى، واللُّغةُ تُعبِّرُ عن أفكارِ الإنسان ووِجدانِه، فيكون دليلًا على أن العلمَ بوُجودِه تعالى أمرٌ عامٌّ مطبُوعٌ على صفَحَاتِ القلبِ. ومنها: باعِثُ الأدبِ في الإنسان، ووازِعُ الضَّمير الدافِعُ لعمَلِ الخيرِ، والمادِحُ على فعلِه، والزاجِرُ عن المُنكَر، واللائِمُ على ارتِكابِه؛ فإنه يستلزِمُ مُوجِدًا أوجَدَه، وخالِقًا قدَّرَه.

 

وأكد الشيخ أن العلمَ بالله تعالى أعظمُ ما يُورِثُ الرِّضَا بالله - عزَّ وجل -، بل هو أعظمُ ما يُحقِّقُ الإيمانَ ويَزيدُه ويُقوِّيه، إذا استقرَّ في القلبِ بحقٍّ أثمَرَ إفرادَ الله بالعبادة، وطاعتَه وخشيتَه، وخوفَه ورجاءَه، والتوكُّلَ عليه.

 

وبيَّن فضيلته أن معرِفة الله نوعَان: النوعُ الأول: معرِفةُ إقرارٍ، وهي التي اشترَكَ فيها الناسُ جميعًا المُؤمنُ والكافِرُ، والبَرُّ والفاجِرُ، والنوعُ الثاني: معرفةٌ تُوجِبُ الحياءَ من الله، والمحبَّةَ له، وتعلُّقَ القلبِ به، والشَّوقَ إلى لِقائِه، وخشيتَه والإنابةَ إليه، والأُنسَ به، والفِرارَ من الخَلقِ إليه، وهذه هي المعرفةُ الخاصَّةُ، وتفاوُتُ الخَلقِ فيها لا يُحصِيهِ إلا الذي عرَّفَه بنفسِه.

 

ولهذه المعرفةِ بابان واسِعان: بابُ التفكُّر والتأمُّل في آياتِ القرآن كلِّها، والفَهم الخاصِّ عن الله ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -. والبابُ الثاني: التفكُّرُ في آياتِه الكونيَّة المشهُودة، وتأمُّلُ حِكمتِه فيها، وقُدرتِه ولُطفِه وإحسانِه، وعدلِه وقيامِه بالقِسطِ على خَلقِه.

 

وجِماعُ ذلك: الفِقهُ في معانِي أسمائِه الحُسنى، وجلالِها وكمالِها، وتفرُّدِه بذلك، وتعلُّقِها بالخَلقِ والأمرِ، فيكونُ فقيهًا في أوامِرِه ونواهِيه، فقيهًا في قضائِه وقدَرِه، فقيهًا في أسمائِه وصفاتِه، فقيهًا في الحُكم الدينيِّ الشرعيِّ، والحُكم الكَونيِّ القَدَريِّ.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن أمَّتَنا اليوم بحاجةٍ ماسَّةٍ أكثَرَ من أي وقتٍ مضَى إلى تبنِّي مشارِيع رائِدة تُعنَى بقضيَّة العلمِ بالله تعالى، وإلى بثِّ هذا العلمِ في مساجِدِنا، وتعزيزِه في مناهِجِنا، وتربيةِ أبنائِنا ومن تحتَ أيدِينا عليه في بيوتِنا ومحاضِنِنا التربويَّة؛ حِمايةً لمُجتمعاتِنا المُسلِمة من داءِ الإلحادِ الذي بدأَ يتسلَّلُ إليها، وحِرصًا على مُواجهةِ الماديِّين أهلِ الجُحود، ودَحر شُبُهاتِهم بالأدلَّة القاطِعة، والحُجَج البازِغة، والبراهِين الدامِغَة. ومُعالَجةً لما أُصِيبَ به بعضُ المُسلمين - هداهم الله - من الوساوِسِ والشُّكُوكِ في ذاتِ الله، وما لبَّسَ عليهم الشيطانُ من أوهامٍ وتخيُّلاتٍ وخطَراتٍ وفاسِدة.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضل المدينة النبوية وآدابُ زيارتها"، والتي تحدَّث فيها عن المدينة النبوية المُنوَّرة، مُعدِّدًا بعضَ فضائِلِها كما وردَت في سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، مُعرِّجًا على ذِكر أهم الآداب التي ينبغي على المُسلم التأدُّبُ بها في المسجِدِ النبويِّ الشريفِ.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله فقال: فأُوصِيكم - عباد الله - ونفسِي بتقوَى الله في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: اصطفى الله - سبحانه - طَيبةَ الطيِّبة المدينةَ النبويَّة المُنوَّرة؛ لتكون مُهاجَرَ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، هي بعد مكَّة خيرُ البِقاع، وأشرَفُ الأماكِن والأصقَاع، وتالِيَتُها في الحُرمة والإكرام، والتعظيمِ والاحتِرام. دُرَّةُ الأوطان، وقُرَّةُ البُلدان، وزينةُ الأقطار، وبهجةُ الأمصار، إنها مدينةُ الحبيبِ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ومُستنبَتُ الشجرةِ الوارِفةِ، دولةُ الإسلام الأولى، فيها تمَّت قواعِدُ الدين، وعلى أرضِها الطيِّبة طُبِّقَت أحكامُ الإسلام وشُؤونُه.

 

وتابع فضيلته: إنها المدينةُ المُنوَّرة، لا زالَت بالخيرات والبرَكات مُسوَّرة، وطَيبةُ الحبيبة، وطابَةُ اللَّبيبَة، جعلَها الله مُنطلَقًا للرسالة الإسلاميَّة الخالِدة، ومُتنزَّلًا لوحيِه، ومهدًا لدعوةِ نبيِّه المُصطفى والمُجتبَى عليه - صلواتُ الله وسلامُه - تَتْرَى إلى يوم الدين. قلعةٌ من قِلاعِ الهُدى، صَخرةٌ شمَّاء، تتهاوَى أمامَها سِهامُ العِدَا، هي منارةُ الإسلام، ومأرِزُ الإيمان، ومحضِنُ العقيدة، ومركَزُ الحضارة، ومُنطلَقُ القيادة والسيادة والريادة للعالَم الإسلاميِّ، على ضوء منهجِ الوسطيَّة والاعتِدال.

 

وأوضح سماحته: إنها المدينةُ طَيبةُ الطيِّبة، أرضُ الهِجرة، وموطِنُ السنَّة، من زارَها قُربةً واحتِسابًا، وحُبًّا لتلك المرابِعِ لُبابًا، أثابَه البارِي أجرًى وثوابًا. أليسَت هي مأرِزَ الإيمان؟! ومُهاجَر سيِّد ولدِ عدنَان - عليه الصلاة والسلام الأتمَّان الأكمَلان -؟! وبُنِيَ فيها المسجِدُ النبويُّ الذي أُسِّس على التقوَى، والصلاة فيه مُضاعفَةُ الجزاءِ فرضًا ونَفلًا. وفيه بُقعةٌ هي رَوضةٌ من رِياضِ الجنَّة.

 

معاشِر المُسلمين: لقد جعلَ الله هذه المدينةَ المُنِيفَة حرَمًا آمنًا، لا يُهراقُ فيها دم، ولا يُحمَلُ فيها سِلاحٌ لقِتالٍ. فالمدينةُ حرامٌ ما بين لابَتَيْها وحرَّتَيها، وجبَلَيْها ومأزِمَيْها؛ لا يُنفَّرُ صَيدُها، ولا يُؤخَذُ طَيرُها، ولا يَعضَدُ شَوكُها، ولا يُقطَعُ عِضاهُها، ولا يُختَلَى خَلاها، ولا يُقطَعُ منها شَجرة إلا أن يُعلِفَ الرَّجُلُ بعِيرَه، ولا تُلتَقَطُ لُقطتُها إلا لمُنشِد. ولا يَكِيدُ أهلَ المدينةِ أحَدٌ أو يُريدُهم بسُوءٍ أو شرٍّ إلا انْمَاعَ كما ينْمَاعُ المِلْحُ في الماءِ. ومَن أظهرَ في المدينة حَدَثًا، أو آوَى مُحدِثًا، فقد عرَّضَ نفسَه للوَعيدِ الشديدِ.

 

وأكد الشيخ أن المدينةَ بلدةٌ محبُوبةُ السُّكنَى، طيِّبةُ المثوَى، سُكنُها مع الإيمانِ شرَفٌ سابِغٌ، واستِيطانُها مع العقيدةِ الصحيحةِ والتقوَى عِزٌّ شامِخ. وفي سُكنَاها من البَرَكة ما يُستحقَرُ دُونَها كلُّ رغَدٍ ورَخاءٍ. وهي مُبارَكةٌ في صاعِها ومُدِّها، ومُكْيَالِها وتَمرِها، وقَليلِها وكثيرِها، دعَا لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالبَرَكة فقال: «اللهم اجعَل في المدينةِ ضِعفَي ما بمكَّة من البَرَكة، واجعَل البَرَكةَ برَكَتَين» (متفق عليه).

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على وجوب مراعاة آداب زيارة المدينة النبوية فقال: هذه طابَة .. هذه هي طَيبةُ.. مدينةُ سيِّد الأبرار - عليه الصلاة والسلام -، فضائِلُها لا تُحصَى، وبرَكاتُها لا تُستقصَى، ولقد ظلَّت عبرَ التأريخ، وعلى مرِّ القُرون بِناءً شامِخًا، وصَرحًا مَنيعًا للإيمانِ والأخُوَّة، وموئِلًا للعقيدة، ومصدرًا للدعوةِ، ومنارًا للحضارَةِ. الله أكبر! بطَيبةَ عبَقُ الذِّكريات الخالِدة، وشذَى البُطُولات الماجِدة.

 

إن العِنايةَ بالمدينة الشريفة مُتعيِّنة، والرِّعاية لعِظَم حُرمتها لكل خيرٍ مُتضمِّنة، فينبَغِي لمَن أرادَ المُجاوَرَة والزيارةَ للمدينة النبويَّة المُنوَّرة أن يكون ليِّنَ الأعطاف، هيِّن الانعِطاف، حافِظًا لحُرمةِ مكانِها، مُحافِظًا على مُراعاةِ سُكَّانها، وإن الواجِبَ علينا جميعًا أن نرعَى الآدابَ الشرعيَّة تِجاهَ هذه المدينة الطاهِرة، وتِجاهَ هذا المسجد النبويِّ الشريفِ.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات