مختصر خطبتي الحرمين 4 شعبان 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن الأمةَ متى وقع بها البلاءُ وقاسَت الابتلاء، وخافَت فطلبَت الأمن، وذلَّت فطلبَت العزَّة، وتخلَّفَت فطلبَت الاستخلاف والاستقرار، كما هي حالُها الآن؛ فلن تجِد لذلك سبيلاً حتى تقوم بشرط الله - جل وعلا - من القيامِ بحِفظِ الله بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والرِّضا التامِ بشريعةِ الإسلام، وتحقيقِ النهجِ المُرتضَى. حينئذٍ يرتفعُ عنها الفسادُ والانحِدار، يزولُ عنها الخوفُ والقلقُ والاضطرابُ، ولن تقِفَ في طريقِها قوةٌ من قُوَى الأرض جميعًا مهما عظُمَت، وارجِعوا إلى سيرة الخلفاء الراشدين، وسيرة المسلمين في عهد أمثال عُمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهم أجمعين -..

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التفاؤل والاستبشار بالنصر"، والتي تحدَّث فيها عن التفاؤُل وضرورة تعميمه بين المسلمين، مُورِدًا الأدلة من آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله - تبارك وتعالى -؛ فإن الله جعلَ لمن اتَّقاه المخرجَ مما يكرَه، والرزقَ من حيثُ لا يحتسِب.

 

وأضاف الشيخ: في ظلِّ الأزماتِ المُتراكِمة، وأمواجِ التحديَّات الحالِكة المُتلاطِمة، وانتِشار أضالِيل الهوَى، وأباطِيل المُنَى، تبرُز قضيَّةٌ مُؤرِّقةٌ فاتِكة، للنفوسِ مُمزِّقةٌ هاتِكة، تحدُو بفِئامٍ من الناس إلى الوُلوجِ في غياهِبَ معدومة الرَّغائِب، من اليأس والقُنوط، والإدلاجِ في سرادِيبِ الإحباط، وبين هذا وذاك يتقلَّبُ أناسٌ نصَبُوا أشرِعتَهم لرياح التشاؤُم واليأس، وزوابِع الإحباط والبأس. هذا الداءُ العُضال الذي ما ألَمَّ بأُممٍ إلا أوبقَها، ولا بأفرادٍ إلا في التَّبَارِ أوهَقَها، ومما يزيدُ الطينَ بِلَّة، والداءَ عِلَّة في إذكاء خطرِه وانتِشار ضرَره: ضحالةُ الوعي والفهم، وانصِرافُ كثيرٍ من الناسِ عن العلمِ وأهلِه، وانسِياقُ كثيرين خلفَ الشائِعات المُغرِضة، والأراجِيف المُضلِّلة.

 

وقال وفقه الله: اليأسُ والقنوطُ سُدفةٌ من حُلَك الظلام، لذلك زجَرَ القرآنُ الكريمُ عن هذه الصِّفة القاتِمة المُخلخِلة، وهذه الخَصلةِ البئِيسَة المُزلزِلة، وحشرَ الموسومين بها في زُمرة الضالِّين، وجعلَ أهلَ اليأس من القوم الكافرين؛ فيا أيها المُتشائِمون القانِطون! حنانَيكم بأنفسكم، وإروادًا بأمَّتكم .. يا من تناوَشَتهم سِهامُ الإحباط والقُنوط، واجتالَتهم رياحُ الضلال والشُّكوك: هلُمُّوا إلى معينِ الإسلام الرَّقراق، وتوحيده النقيِّ الخفَّاق. هلُمُّوا إلى أفياء السعادة والبِشر، والتفاؤُل والأمل.

 

وقال حفظه الله: وإن من أعظم ما يُجدِّدُ الأملَ في النفوس: قولَ الحقِّ - سبحانه -: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5، 6]؛ فقد أكَّد وجودَ يُسرَين مع العُسر، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَين. نعم! لا بُدَّ أن نعيشَ الأملَ والتفاؤُل، عملاً بتعالِيم دينِنا الحنيف، وتحقيقًا لمقاصِد شريعتِنا الغرَّاء، من تحقيق المصالِح وتكثيرها، ودرءِ المفاسِد وتقليلِها، وتأسِّيًا بهدي المُصطفى العظيم - صلى الله عليه وسلم -.

 

وأضاف فضيلته: لقد كانت حياةُ رسولِنا الكريم - عليه الصلاة والسلام- أسمَى أنمُوذجٍ عمليٍّ للتدرُّع بالتفاؤُل والأمل، والاستِبشار في أحلَك الأزمات، والنوازِل والمُلِمَّات، حتى كان - صلى الله عليه وسلم - ليُبشِّرُ أصحابَه، ويقول: "ليبلُغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهار، ولا يترُكُ الله بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخلَه الله هذا الدين، بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليل، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلاًّ يُذِلُّ الله به الكفرَ" (أخرجه الإمام أحمد في "المسند").

 

وكان - صلى الله عليه وسلم - يُعجِبُه الفألُ الحسن؛ فعن أنسٍ - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عدوَى ولا طِيَرة، ويُعجِبُني الفأْلُ". قالوا: وما الفأْلُ يا رسول الله؟ قال: "الكلِمةُ الطيبةُ" (متفق عليه).

 

وقال حفظه الله: ليكُن منكم بُحسبان أن الأمل والتفاؤُل مُفرداتٌ أخاَّذة، لمدلولِها أثرٌ واعتِبار، ولفَحوَاها كُنهٌ واختِبار، وإلا كانت ضربًا من الأوهام، وأضغاثِ الأحلام، وذلك بألا يشُوبُها رَنَقُ الخُمولِ والتعطُّل، ولا كدَرُ التواكُل والتبطُّل، وإنما تتواشَجُ فيها أعمالُ القلوب بأعمال الجوارِح. فالأملُ - عباد الله - نِبراسٌ في مجاهِل الحياة، وفجرٌ ساطِعٌ في دياجِير الكُرُبات. وهل حقَّق الأنبياءُ الكرامُ - عليهم أفضلُ صلاةٍ وأزكَى سلام - النصرَ والتمكين إلا بالتفاؤُل والأمل، والصبر واليقين والعمل؟!

 

وقال وفقه الله: فالأملُ رسالةٌ وعمل، لا تلاوُمٌ وكسَل، ولا جدَل، وفُقدانُه باعِثٌ على مُجافاة الاعتِدال والوسطيَّة، والوقوع في الغُلُوِّ والتكفير والتدمير، والأعمال والإرهابية، أو الجفاء والتنصُّل من الثوابِتِ والمُحكَمات الشرعية، والمُسلَّمات الدينية والقِيَميَّة.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته بالاحتماء بالأمل في لجج الفتن، فقال: وليتدرَّع بالأمل العريض المُضطَهَدون في دينهم في الأرض المُبارَكة فلسطين، وحول المسجد الأقصى، وفي بلاد الرافِدَين، وفي الشام الأبِيَّة، وأراكان الصابِرة، وفي كل مكانٍ. حقَّق الله لهم النصرَ والظَّفَر بمنِّه وكرمِه.  فأبشِروا وأمِّلوا؛ فالأملُ منهجٌ قرآنيٌّ، ومسلَكٌ إيمانيٌّ، ومطلَبٌ إنسانيٌّ، وإعادةُ الأمل رسالةٌ إلى الأمة بأسْرِها في جميع مجالاتها وأحوالها. تفاءَلوا بالخير تجِدوه، وتطلَّعوا دائِمًا إلى أرَج الانفِراج، وبشائِر الانبِلاج، تُحقِّقوا مقاصِد دينِكم، وتُصيبُوا سُنَّة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم -، وتحُوزوا الخيرَ في دينِكم ودُنياكم وأُخراكم، وتُسعِدوا أنفسَكم وأوطانَكم ومُجتمعاتِكم وأمَّتكم.

 

 

المدينة المنورة:

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الطريق إلى النصر والتمكين"، والتي تحدَّث فيها عن الحال التي تُعاني منه أمة الإسلام في الآونة المتأخرة، مُذكِّرًا بوصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباسٍ - رضي الله عنهما -، مُستنبِطًا بعضَ ما فيها من الفوائد، كما طرحَ من خلالها الحلولَ للخروج من هذه الأزمات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي أصلُ الصلاح والنجاح، وأساسُ الفوز والفلاح.

 

وأضاف الشيخ: يُعانِي المُسلِمون في الوقت الراهِن أنواعًا من التحديَّات المُتنوِّعة، والفتن المُدلهِمَّة، والمِحَن المُستعصِية، والعُقلاءُ يتطلَّعون إلى رُؤيةٍ مُستقبليَّةٍ تُنقِذُ الأمةَ مما هي فيه، وقد أدلَى المُثقَّفون، برُؤيتهم، والساسَةُ بحُلولهم، والكُتَّابُ بنظراتهم.

 

وقال حفظه الله: لقد آنَ للمُسلمين أن يعُودُوا لمصدر عزِّهم، ومُعتمَد رُقيِّهم. آنَ لهم أن يستَجلُوا الحُلولَ الناجِحة لما حلَّ بهم، من مُنطلَقَات ثوابِت دينِهم، ومُرتكَزات عقيدتِهم. إن الأمةَ لن تجِد الحُلولَ الناجِحةَ لأدوائِها، والمخارِج لأزماتِها ومُشكِلاتها إلا من فهمٍ صحيحٍ من كتاب الله - جل وعلا -، وسُنَّة نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

 

وأضاف فضيلته:  اسمَعوا إلى وصيَّةٍ عظيمةٍ صدرَت من مُعلِّم البشريَّة، وسيِّد الخليقة نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وهو يُوجِّهُ للأمة وثيقةً خالِدةً تصلُحُ بها حياتُها، وتسعَدُ بها مُجتمعاتُها، وتزدهِرُ بتحقيقِها بُلدانُها.

 

وقال وفقه الله: إن العزَّة للمُسلمين في تحقيق هذه الوصيَّة مضمُون، والمجدَ في تنفيذ بنودِها مرهُون؛ قال الله - جل وعلا -: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، الأفرادُ بدون تحقيق هذه الوصيَّة في ضياع، والمُجتمعات في البُعد عن مضامِينها إلى خرابٍ ودمار. وصيَّةٌ تربط المُسلم مع اتصاله بمُنتجَات العصر. وثيقةٌ من محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، تحقيقُها هو الضامِنُ الأوحَد للتحديَّات التي تُواجِهُ الأمةَ الإسلاميَّة، وتستهدِفُ قِيَمَها ومُقدَّراتها وخصائِصَها.

 

وأضاف فضيلته: وحينئذٍ لنستمِع - يا رعاكم الله - إلى تلك الوصيَّة العظيمة، والوثيقة الخالِدة، سماعَ استِجابةٍ وتحقيق، واستِماع امتِثالٍ وانقِيادٍ بكل صِدقٍ وإخلاص. قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: كنتُ خلفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال لي: "يا غُلام! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ الله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلَم أن الأمة لو اجتمَعَت على أن ينفعُوك بشيءٍ لم ينفعُوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، وإن اجتمَعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لن يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصُّحُف".

 

وأضاف فضيلته: حِفظُ الله - جل وعلا - هو حِفظُ حدوده، والالتِزامُ بحقوقه، والوقوف عند أوامِره بالامتِثال، وعند مناهِيه بالاجتِناب، (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)، حِفظٌ يمنعُ الجوارِح من الزَّلَل، والحواسَّ عن الخلل؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: "من يضمنُ لي ما بين لَحيَيه وما بين رِجلَيه أضمنُ له الجنة" (رواه البخاري).

 

وقال حفظه الله: من حقَّق حِفظَ الله بالمعنى المتقدم تحقَّق له حفظُ الله ورعايتُه وعنايتُه، حِفظًا يشملُ دينه ودُنياه في جميع أقواله في حياته وبعد مماته. حِفظٌ يُحقِّقُ له المصالحَ المُتعدِّدة بأنواعها، ويدفعُ عنه الأضرارَ والأخطارَ بشتَّى أشكالها.

 

وقال وفقه الله: إن الأمةَ على مُستوى آحادها ومُجتمعاتها، بمُختلَف مُستوياتها وتنوُّع مكانتها، متى حفِظَت شرعَ الله، واستسلَمَت لأمره في كل شأنٍ، وتخلَّصَت من أهواء النفوس وشهوات القلوب، وكانت أحوالُها السياسيةُ والاقتصاديةُ والاجتماعيةُ وغيرها، على مُقتضَى منهج الله - عز َّ شأنُه -، وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، متى جعلَت الإسلام الصافي منهجًا كاملاً لحياتها، في كل أطوارها ومراحِلِها، وفي جميع علاقاتها وارتِباطاتها، وفي كل حركاتها وسكَناتها. حينئذٍ يتحقَّق للأفراد، ويحصُلُ للمُجتمعات حِفظُ الله من كل المكارِه والمشاقِّ والأزمات والمِحَن التي تُعاني منها، ويحصُلُ لها عندئذٍ الأمنُ والاستِقرار، والعزُّ والانتِصار.

 

وقال حفظه الله: إن الأمةَ متى قادَت نفسَها بشرع الله - جل وعلا -، وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وسادَ ذلك توجُّهاتِها، وقادَ حركاتها حصل لها الأمنُ بكل مُقوِّماته، وشتَّى صوره؛ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.

 

وأضاف الشيخ: إن الأمةَ متى وقع بها البلاءُ وقاسَت الابتلاء، وخافَت فطلبَت الأمن، وذلَّت فطلبَت العزَّة، وتخلَّفَت فطلبَت الاستخلاف والاستقرار، كما هي حالُها الآن؛ فلن تجِد لذلك سبيلاً حتى تقوم بشرط الله - جل وعلا - من القيامِ بحِفظِ الله بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والرِّضا التامِ بشريعةِ الإسلام، وتحقيقِ النهجِ المُرتضَى. حينئذٍ يرتفعُ عنها الفسادُ والانحِدار، يزولُ عنها الخوفُ والقلقُ والاضطرابُ، ولن تقِفَ في طريقِها قوةٌ من قُوَى الأرض جميعًا مهما عظُمَت.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بفضائل شهر شعبان، فقال: إن شهرَ شعبان شهرٌ يُغفَلُ فيه عن القُرُبات، فينبغي أن نقتَدي برسولِنا - صلى الله عليه وسلم -، فيما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها وعن أبيها - قالت: "لم يكُن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصومُ شهرًا أكثر من شعبان؛ فإنه كان يصومُ شعبان كلَّه" (رواه البخاري). وفي رواية مُسلم: "كان يصومُ شعبان إلا قليلاً". وكان السلَف في هذا الشهر يُكثِرون فيه من تلاوة القرآن. قال أنس: "كان المُسلمون إذا دخلَ شعبان أكبُّوا على المصاحِف".

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات