مختصر خطبتي الحرمين 30 شعبان 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات:

اقتباس

ما أحوَجَ الأمةَ المُسلِمة وهي تستقبِلُ هذا الشهرَ المُبارَك أن تقِفَ وقفةَ مُحاسبةٍ صادِقة، تُعاتِبُ فيها نفسَها، وتسألُها إلى متى الرَّانُ والغفلةُ؟! وإلى متى اللَّهَثُ وراءَ الدُّنيا وزُخرُفها؟! وإلى متى القسوَة بسببِ مُعافسَةِ المالِ والبَنِين والأهلِين؟! فإن لم يكُن شهرُ رمضان شهرَ تخلِيةٍ مِن شوائِبِ المُلهِيات، فلن يكون للنُّفوسِ تجلِيةٌ للمكرُمات، وإن لم يكُن شهرُ رمضان شهرَ إقبالٍ واغتِنام، فهو إلى الإدبارِ والخُسرانِ أقرَب.

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "رمضان شهر العبادة"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان المُبارَك، وأنه شهرُ العبادة واغتِنامِ الأوقاتِ فيما يُرضِي اللهَ تعالى، وليس شهرًا للتفنُّن في الموائِدِ والمآكِلِ، ولا شهرَ تفريطٍ وعِصيَان.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله جلا في علاه.

 

وأضاف الشيخ: إنَّ رحَى الأيام تدورُ حثيثةً بحرِّها وبَردِها، وأفراحِها وأتراحِها، وضيقِها وسَعَتها، لا يمضِي منها موسِمٌ إلا أتبَعَه موسِمٌ آخر بما أودَعَ الله في العام مِن نفحَاتٍ جُلَّى في ساعاتٍ مُبارَكةٍ، وليالٍ عظيمةٍ، وأيامٍ فاضِلةٍ، وأشهُرٍ حُرُم، وشهرٍ مُبارَكٍ قد آذَنَ الله بفَتحِ أبوابِه، وفَردِ صحائِفِه، فيلِجُ الناسُ سُوقَه العامِرةَ بالخيراتِ والبركاتِ؛ ليربَحَ فيها مَن اغتَنَم، ويخسَرَ فيها مَن فرَّط.

 

نعم، عباد الله: لقد أظلَّكُم شهرٌ مُبارَك، فلا تُضيِّعُوه، سيَفِدُ إليكم كالضٍّيف، فأحسِنُوا وِفادَتَه، واستحضِرُوا بقلوبٍكم هيبَتَه وحُرمتَه وعظمتَه. إنَّ شهرَ رمضان لموسِمٌ تُمتحَنُ فيه أفئِدةُ المُكلَّفين، من حيث استِحضارُهم عظمة الشهر وحُرمتَه، وأنه موسِمٌ للإخباتِ لا الصَّخَب، والإقبالِ لا الإدبار، والتصفِيةِ لا الكدَر.

 

وأكد الشيخ أن إنَّ لهذا الشهر المُبارَك عِظَمًا وجمالًا وبهاءً ظاهرًا جلِيًّا فيما يلتَزِمُه المُسلمون من تلاوةٍ لهذا الكتاب المُبين، المُنزَّل في هذا الشهر العظيم؛ ليكون هُدًى للناسِ، وحُجَّةً دامِغةً تُفرِّقُ بين الحقِّ والباطِلِ، ما يُؤكِّدُ أنه يجِبُ على أمةِ الإسلام ألا يكون بينها وبين كتابِ ربِّها وحشةٌ ولا هُجرانٌ في تلاوتِه وتدبُّرِه والعملِ به.

 

وقال حفظه الله: لقد غلَبَت على الناسِ مفاهِيمُ معكُوسة تُجاهَ شهر رمضان المُبارَك، فمَع أنه شهرُ الجِدِّ والاجتِهاد والعبادة، إلا أن فِئامًا مِن النَّاسِ فهِمُوه شهرًا للدَّعَةِ والكسَل، وهو شهرُ الصوم والإقلال، لكنَّ أقوامًا فهِمُوه شهرَ التفنُّن في الموائِدِ والمآكِلِ، هو شهرُ الترفُّع عن السَّفاسِفِ، والتفرُّغ للقرآن، والصلاةِ، والذِّكر، غيرَ أن لهازِمَ غافِلين لاهِين فهِمُوه شهرًا للأحاجِي والمُسلسلات والسَّمَر، بما يُعارِضُ عظمةَ الشهر المكانيَّة والزمانيَّة.

 

وبيَّن فضيلته أنَّ شهرَ رمضان مَيدانُ سِباقٍ، لكنَّه سريعُ التقضِّي؛ فالأوقاتُ فيه تُنتَهَب، وما يفُوتُ منه فبالكسَلِ والتفريطِ، وما يُغتَنَمُ منه فبالجِدِّ والصَّبر، وإنَّ تعَبَ المُحصِّلِ فيه راحةٌ في العاقِبة، وراحةَ المُقصِّر فيه تعَبٌ في العاقِبة، وشهرُ رمضان إنما يُرادُ ليُعمَر لا ليُعبَر؛ حتى لا يأسَفَ أحدُنا على فُقدان ما وجودُه أصلَحُ له، فيكونُ أسَفُه عقوبةً له على تفريطِه وانشِغالِه في هذا الشهر بمطعَمِه ومشرَبِه ولهوِه على حسابِ طاعةِ ربِّه، والمُرابَحَة في سُوقِ الصائِمِين.

 

ألا ما أحوَجَ الأمةَ المُسلِمة - عباد الله - وهي تستقبِلُ هذا الشهرَ المُبارَك أن تقِفَ وقفةَ مُحاسبةٍ صادِقة، تُعاتِبُ فيها نفسَها، وتسألُها إلى متى الرَّانُ والغفلةُ؟! وإلى متى اللَّهَثُ وراءَ الدُّنيا وزُخرُفها؟! وإلى متى القسوَة بسببِ مُعافسَةِ المالِ والبَنِين والأهلِين؟! فإن لم يكُن شهرُ رمضان شهرَ تخلِيةٍ مِن شوائِبِ المُلهِيات، فلن يكون للنُّفوسِ تجلِيةٌ للمكرُمات، وإن لم يكُن شهرُ رمضان شهرَ إقبالٍ واغتِنام، فهو إلى الإدبارِ والخُسرانِ أقرَب.

 

وأوضح الشيخ أنه لا عُذرَ لأحدٍ في رمضان؛ إن لم يظفَر فيه ببابِ القِيام فليَظفَر ببابِ الصَّدقةِ، فإن لم يستَطِع فببابِ التلاوةِ، فإن لم يستطِع فببابِ التلاوة، فإن لم يستطِع فلا أقلَّ مِن أن يكُفَّ لِسانَه وجوارِحَه عمَّا يخدِشُ هذا الشهرَ ويثلِمُه. ثم إنه والله، وتالله، وبالله! ما أضيَعَ مَن ضيَّعَه! ووالله، وتالله، وبالله! ما أخسَرَ مَن خسِرَه، (أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر: 15].

 

وختم فضيلته خطبته بالحث على التراحم والتآخي فقال: إنَّ خُلُق الرحمة والتراحُم مِن خيرِ ما يلُوحُ في أجواءِ هذا الشهر المُبارَك؛ حيث يرهُفُ الطَّبعُ، وتجِمُّ النَّفسُ، فيحمِلُ الصائِمُ في نفسِه معنَى الناس لا معنَى نفسِه؛ ليبذُلَ ذو اليسارِ مما آتاهُ الله، فيُطعِمُ هذا، ويَكسُو ذاك، ليَقتَحِمَ العقبَةَ التي قالَ الله عنها: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد: 11- 16]، ألا رحِمَ الله امرأً قدَرَ اللهَ حقَّ قَدرِه، فطيَّبَ كلامَه، وحفِظَ صِيامَه، وأخلَصَ إطعامَه، وصلَّى فأحسَنَ صلاتَه.

 

فاللهَ اللهَ - عباد الله - في شهرِكم هذا، والبِدارَ البِدارَ قبل فواتِ المُهلَة، ولاتَ حين مندَم. لا تُفرِّطُوا في كُنوزِ هذا الشهرِ المُبارَك، ولا تُلهِيَنَّكُم الدنيا عما عندَ الله؛ فإن الله - جلَّ وعلا - يقول: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 96].

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "كيف نستقبل شهر رمضان؟"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما خصَّه الله تعالى بالنَّفَحات والخيرات والبركات، وذكرَ ما ينبغي على المُسلم من اغتنام هذه الفُرصة بشُكر الله تعالى على نعمة بُلُوغ الشهر، والإكثار من الأعمال الصالحة التي تُقرِّبُ من رِضوان الله تعالى، وتُباعِدُ عن النار.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: فاتقوا الله وأطيعُوه؛ فما شقِيَ بطاعةِ الله أحد، وما سعِدَ بمعصيةِ الله أحد.

 

وأضاف الشيخ: لقد نزلَ بكم موسِمٌ عظيمٌ، وشهرٌ كريمٌ، تتنزَّلُ فيه الخيراتُ والبركات، وتُكفَّرُ فيه السيئات؛ شهرُ رمضان الذي فضَّله الله تعالى.. زمنُ رمضان مُبارَك، جمعَ الله فيه العبادات: الصيام مع الصلوات، والزكاة لمن زكَّى فيه، والصدقات، والحجَّ الأصغَر العُمرة، وكثرة تلاوة القرآن، وأنواع الذكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، وبقيَّة الطاعات لمن أراد أن يستكثِرَ من القُرُبات.

 

وأكَّد الشيخ أن أسباب الخير في شهر رمضان كثيرةٌ ظاهرةٌ، وأسبابُ الشرِّ في رمضان قليلةٌ صاغِرة، ويُحال فيه بين الشياطين وبين ما تُريد من الإفساد والغوايةِ للمُسلم، وصدِّه عن الطاعة.. وأنواع الثوابِ والنعيمِ في الجنة لأنواع الطاعات والعبادات في الدنيا؛ فكل طاعةٍ لها ثوابٌ ونعيمٌ. فالجزاءُ من جنسِ العمل في الدنيا والآخرة.

 

وقال وفقه الله: واستقبِلوه بالتوبة من كل ذنبٍ، ليمحُو الله به ما سلَفَ من الذنوبِ. واستقبِلوه بردِّ المظالِم لأهلها، وإعطاء الحُقوق لأهلها؛ ليحفظَ لك ربُّك الحسنات، ويُكفِّر عنك السيئات. وتذكَّر أنه سيأتي يومٌ لا تُدرِكُ رمضان. فكُن مُستعِدًّا للموت وما بعدَه من الأهوال.

 

وأوصى الشيخ بالمحافظة على الصيام فقال: واحفَظ صيامَك من اللغو والرَّفَث، والغِيبة والنَّميمة، وقولِ الباطل، والمعاصِي، والنظر إلى المُحرَّمات. واحفَظ قلبَك من خواطِر السُّوء؛ فإن مداخِل الشيطان على الإنسان هي خواطِرُ السوء. عن ابن عُمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه» (رواه البخاري وأبو داود والترمذي).

 

وليُعظِّم المُسلمُ ثوابَ صيامه بكثرة الطاعات والقُرُبات في رمضان؛ من تلاوة القرآن، فإن رمضان هو شهرُ القرآن، نزل فيه. وكثرة الذكر، والاستغفار، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثرتها، والصدقات والهدية ابتِغاء وجهِ الله، وأنواع الإحسان؛ كتعليم العلم، والأمر بالخير، والحثِّ عليه، والنهي عن الشرِّ والتحذير منه. فكثرةُ الطاعات مع الصيام تزيدُ في ثوابِ الصيام. ومن فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجرِه، من غير أن ينقُص من أجرِه شيء.

 

وحث الشيخ على قيام ليالي رمضان فقال: ولا تزهَدَنَّ -أيها المسلم- في التراويح والقيام، ولاسيَّما الاجتهادُ في ليلةِ القدر في العشرِ الأواخِر.

 

وأضاف الشيخ: احرِص أيها المسلم على صلاةِ الجماعة؛ فبها يحفظُ الله العبدَ، ويتولَّى أمورَه، ويُسدِّدُ أحوالَه. ومن ضيَّع الصلاةَ ذهبَت دُنياه وأُخراه، ومُتِّع في الدنيا متاعَ البهائِم، وقِيل له يوم القيامة: ادخُل النارَ مع الداخِلين.

 

وحذر الشيخ من لصوص رمضان فقال: ومما تعظُمُ به الخسارة، ويُحرَمُ به العبدُ الخيرَ: الصيامُ مع ترك الصلاة أو ترك بعضِها، ومن تضييع العُمر وساعاته: السهرُ على اللهو واللعب، أو تتبُّع المواقِع المُفسِدة، ومُشاهَدة المُسلسلات الضارَّة الهابِطة المُدمِّرة للأخلاق، ويعظُمُ الخِذلانُ والخُسرانُ بالاشتِغال بها في هذا الشهر عن القُرُبات.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على اغتنام شهر رمضان بالتوبة فقال: اجعَلوا لكل ذنبٍ توبة؛ فقد أفلحَ التائِبون، وتعِسَ المُصِرُّون المُذنِبون، وهذا الشهرُ زمنُ التوبة. ومن أعظمِ الذنوبِ التي تجبُ التوبةُ منها: شربُ الدخان، فطيِّب فمَكَ - أيها المسلم - من شُربه، وطهِّر فمَكَ منه لذكرِ الله وتلاوةِ القرآن، وتطييبُ رائحتِك للصالِحين المُجالِسين، وللملائكة الكرام الكاتِبين؛ فشُربُ الدخان يُقرِّبُ الشياطين، ويُفسِدُ الدمَ، ويجلِبُ الأمراضَ الفتَّاكة، ويُقصِّرُ العُمر، وقواعدُ الشريعة تُحرِّمُه.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات