اقتباس
وأبان أن واجب الدعاء لهما أحياءً وأمواتاً دأب المؤمنين المتقين، قال الله تعالى عن نوح -عليه السلام-: (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)، وقال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). وفي مشكاة النبوة المحمدية يأتي بر الوالدين قريناً للصلاة عمود الإسلام، ومتقدمًا عن الجهاد ذروة سنام الإسلام..
أوصى الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة المسلمين بتقوى الله -عز وجل- والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس من المسجد الحرام: عليكم ببر الوالدين فإنه وصية سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، فإن أعظم الناس إحساناً وأحقهم براً وحناناً الوالدان الكريمان، فإن بر الوالدين فريضة لازمة وفضيلة جازمة وصفة كم هي حازمة، وجوبها حتم مؤكد، وأداؤها عزم موطد، لا عذر لأحد في جفائها أو التهاون في إبدائها، الدين والشرع والعقل والمروءة والنبل والرحمة والفضل ورد الجميل والإنسانية وبدائع الخصال السنية والأخلاق الكريمة والشمائل الشريفة روافد ودلائل للقيام على المراد والمرغوب على الوجه المطلوب ببر الوالدين؛ لقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا).
وأبان أن واجب الدعاء لهما أحياءً وأمواتاً دأب المؤمنين المتقين، قال الله تعالى عن نوح -عليه السلام-: (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)، وقال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). وفي مشكاة النبوة المحمدية يأتي بر الوالدين قريناً للصلاة عمود الإسلام، ومتقدمًا عن الجهاد ذروة سنام الإسلام، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله؟! قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟! قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟! قال: الجهاد في سبيل الله"، ففاق بر الوالدين الجهاد، ويستشهد لذلك أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد، فقال: "أحيّ والداك؟!"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"، لأن برهما يجمع من المحاسن أفضلها، ومن المحاب أنفعها.
وبيّن أن الله -عز وجل- قرن حق الوالدين بحقه سبحانه، وما ذاك إلا لعظم حقهما وكريم فضلهما، مشيراً إلى أن من لم يشكر والديه لم يشكر الله -عز وجل-، ومؤكداً أن بر الوالدين يتأكد شهوده ويعظم وروده عند المرض والسقم والكبر والهرم حتى بعد الوفاة، وذلك من أجل نيل أعلى الدرجات.
وقال الشيخ السديس: إن بر الوالدين حق أصيل أثيل لا معدى عنه ولا تسويف ولا تسويل، وحقيق في المسرات والملمات وفي جميع مراحل الحياة، فبرهما واجب والإحسان إليهما متعين، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا).
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين إلى بر الوالدين، فقال: إنها من نماذج حضارتنا الإسلامية ومحاسن ديننا الحنيف الذي بلغ الثريا في رحمته وبره وسماحته واعتداله، ولا مقارنة في ذلك بينه وبين الحضارة المادية المعاصرة بالنظرة إلى الوالدين والأسرة والتمرغ في الثرى ورميهم في دور الرعاية الاجتماعية، فأين هذا من بعض الصور المعاصرة للعقوق التي وصلت -والعياذ بالله- إلى حد القتل في صور بائسة تنم عن قلة الديانة وتئن منها الفضيلة وتبكي منها الشهامة والمروءة حين تجف المشاعر وتموت الضمائر وتجمد الأحاسيس عند هؤلاء المفاليس.
ولفت الانتباه إلى أن أشد الأمور وقعًا على النفوس فقد الأقربين والمحبين ويعظم الخطب حين يكون الفقد للوالدين أو أحدهما، مصاب جد جلل، ورزء أشد وقعاً من الأسل، يهدم الركن الوثيق، ويصوح الروض الوريق، ويرد الفؤاد والأكباد، ويبعث على اللوعة والأسى والسهاد، وما لعزاء إلا جميل الصبر وصادق الاحتساب ومرتقب الأجر والثواب من الكريم الوهاب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، استسلامًا لقدره وقضاء ورغبة في مغفرته وإرضائه وإيمانًا بقضائه وقدره ورضاً بحكمه في صفاء الأمر وكدره، والحمد لله أن جبر مصاباً وفتح للصبر طرائق وأبواباً، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراق والدينا لمحزونون، وإن مما يبدد الأسى والأحزان ويخفف المصاب ويبعث على السلوان، صادق العزاء ونبيل المواساة من ولي أمر كريم مضواع، ومحب مطواع، وقريب ملتاع، لا حرم الله الجميع أجره وثوابه، في تلاحم فريد، وتآخٍ رشيد، رحمهم الله وأكرم مثواهم، وجعل جنات النعيم مقرهم ومأواهم، ونفعهم بإيمانهم وتلقاهم بروح الفردوس وريحانه.
المدينة النبوية:
من جانبه أوصى الشيخ صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي، المسلمين بتقوى الله -عز وجل-؛ إذ إن تقواه أفضل المكتسب، وطاعته أعلى نسب، قال تعالى: (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
وأكد في خطبة الجمعة أمس على وجوب تحكيم المرء عقله في أعماله وتصرفاته كافة، بدءاً من صرف العبادة لله وحده لا شريك له، وأن ذلك من تمام العقل.
وقال الشيخ صلاح البدير: "إن العقل موطن التأكيد، ومحل التدبير، ومناط التكليف، وعلامة التشريف، فسمي العقل عقلاً لأنه يمنع صاحبه عن التورط في المهالك، ويحبسه عن ذميم القول والفعل، ويحجره من التهافت فيما لا ينبغي، وما اكتسب المرء مثل عقل يهديه إلى هدى، أو يرده عن ردى، وأصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه".
وأسهب في ذكر محاسن التدبر والتعقل وأثرها على المرء في القول والعمل، محذراً من الجهل ومخالطة الحمقى، مورداً تجارب وأقوال بعض الحكماء وأهل السلف التي تبيّن ميزة العقل، وأثره على صاحبه عملاً وتدبيراً، ومن ذلك قول أحدهم: "العقل أفضل مرجو، والجهل أنكى عدو"، وقيل: "خير المواهب العقل، وشر المصائب الحمق والجهل".
وأبان فضيلته أن آية العقل سرعة الفهم، وقوته العلم، ومداده طول التجارب، وملاكه الشرع، ونوره الدين، والعقل لا يهتدي إلا للشرع، والشرع لا يدرك ولا تفهم مقاصده إلا بالعقل.
كما نقل فضيلته قول سفيان بن عيينة -رحمه الله تعالى-: "ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه، ويعرف الشر فيجتنبه"، وقيل لرجل بلغ العشرين ومائة سنة: ما العقل؟! قال: أن يغلب حلمك جهلك وهواك.
كما ذكر قول أبي حاتم: "أفضل ذوي العقول منزلة، أدومهم لنفسه محاسبة، ومن كمل عقله، وتناهى فهمه، كان لربه مطيعاً وإليه منيباً، وبقدر عقله تكون طاعته وعبادته".
واستدل بقول الله تعالى: (وَمَا يَذّكّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ)، حيث أخبر -جل ثناؤه- أن المواعظ والذكرى لا تنفع إلا ذوي الحجا والحلول، وأهل النهى والعقول.
وبين الشيخ صلاح البدير أن الكفرة والمشركين أقل الناس عقلاً وسمعاً، لأنهم فرحوا بما في حياتهم، وتعالوا على ما فيه نجاتهم، مستدلاً بما قاله الفوج الذي ألقي في النار لخزنة جهنم تحسراً وتندماً: (وَقَالُوا لَوْ كُنا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنا فِي أَصْحَابِ السّعِيرِ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم