مختصر خطبتي الحرمين 29 من ربيع الآخر 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

كُونوا إلى الله راغِبين، ولدُعائِه مُداوِمين، فما خابَ من دعاه، ولا حُرِم من رَجاه، وكلُّ إنسانٍ له حاجاتٌ مُتجدِّدة، ومطالِبُ في كل وقتٍ مُتعدِّدة، فليسأَل كلُّ أحدٍ ربَّه ما يعلمُه خيرًا له، وليستعِذ بالله مما يعلمُه شرًّا. وأعظمُ سُؤلٍ هو رِضوانُ الله والجنة، وأعظمُ ما يُستعاذُ منه هو النار، وليُلِحَّ المُسلمُ على ربِّه في المطلَبِ الذي يهمُّه، فالله غنيٌّ حميدٌ كريم، جوادٌ عظيمٌ قادِر..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "العقل عند الإنسان"، والتي تحدَّث فيها عن العقل وضرورة حفظِه والعناية به، مُبيِّنًا أهميتَه في دينِنا، ومدَى ارتباط العقل الصريح بالنقل الصحيح، مع مدحِ أُولِي العقول والألبابِ في كتابِ الله تعالى.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتقوا الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

وأضاف الشيخ: لقد كرَّمَ اللهُ الإنسانَ وفضَّله على كثيرٍ ممن خلَقَ، خلَقَه فأحسنَ خلقَه، وكرَّمَه بالاستِعدادات التي أودعَها فِطرتَه، وهيَّأَ له من التسخِير ما يقومُ به في وظيفةِ الاستِخلافِ والتعمير، من إصلاح التفكير واستِقامتَه، وضبط مسَارِه في كلِ جوانِبِ الحياةِ وميادينِها، والعقلُ هو أُسُّ الفضائِل، وينبُوعُ الآداب، هو للدينِ أصلٌ، وللدنيا عِماد، وليس أفضلَ من أن يهَبَ اللهُ عبدَه عقلاً راجِحًا، وتفكيرًا مُستقيمًا.

 

وقال حفظه الله: العقلُ قوةٌ وغريزةٌ اختَصَّ الله بها الإنسانَ، وفضَّلَه بها على سائرِ مخلوقاته، العقلُ قوةٌ مُدرِكة تقومُ بوظائفَ كبرى، وهو نورٌ من الله يُميِّزُ به الحقَّ والباطلَ، والخطأَ والصوابَ في الأقوالِ والأفعالِ والاعتقاداتِ والعلومِ والمعارفِ.

 

وبيَّن الشيخ أن لفظَ العقل لم يرِد في القرآن الكريم، وإنما جاءَت مُشتقَّاتُه ومُرادفاتُه، وأن العقل مُرتبطٌ بالإنسان كلِّه، ومُنتظمٌ لحواسِّه كلِّها، فهو ملَكةٌ وظيفيةٌ يرتبطُ وجودُها وعملُها بوجود أدواتها، وعلى قَدرِ حُسنِ توظيف الإنسان لهذه الأدوات يكون تعقُّلُه في الأمور، ونُضجُه في الإدراك، مما يتبيَّن معه ارتِباطُ العقلِ بالأحداث والتصرُّفات. فالنظرُ العقليُّ عملٌ حيٌّ مُتحرِّكٌ له أبعادُه ومدلُولاتُه التي ترتبِطُ بالأشخاص، والأزمان، والأحداث، وكلِّ حركات الحياة والأحياء.

 

وقال وفقه الله: وقد جعَلَ الله إعمالَ العقل وحُسنَ استخدامِه بيدِ الإنسان، فمن شاءَ فليتقدَّم، ومن شاءَ فليتأخَّر، ولا يكون إعمالُ العقل إلا في التفكيرِ والتذكُّر، والاعتِبارِ والتدبُّر، والنظرِ والتبصُّر، والعلمِ والفقهِ، وكلُّ ذلك جاء الأمرُ به في كتابِ الله - عزَّ وجل - فيه آيات كثيرة.

 

وأكد الشيخ أن العقلَ في الإسلام هو مَناطُ التكليف، ومحلُّ الفَهم، وبه استنباطُ الأحكامُ الشرعية وبيانُ مُرادِ الشارع، وبه حُسنُ التصرُّف في أمورِ الدينِ والدنيا. والعقلُ مُكلَّفٌ تكليفًا صريحًا بالنظرِ في ملكوتِ السماوات والأرض، وإدراكِ العلاقات أسبابًا ومُسبَّبات، واكتسابِ العلوم، والنظر في المصالحِ والمفاسدِ، والمنافع والمضار، والعدلِ والظلم، كلُّ ذلك من أجل أن يستَفيدَ من التسخير للقيامِ بمهمة التعمير.

 

وأوضح فضيلته: أن من أعظمِ مخزُونِ أمَّتنا الثقافي، وقضاياها العُليا: ارتباطَ العقلِ بالنقل، وترتيبَ العلاقة بين المعقول والمنقول، وإن فُحولَ علماءِ الأمة وراسِخِيها، قرَّروا ودقَّقوا وبرهَنوا على موافقةِ صريحِ المعقول لصحيحِ المنقول، فلا تعارُضَ بين عقلٍ صريحٍ ونقلٍ صحيحٍ، فقضايا العقل الصريح خلقُ الله، وما جاء في النقل الصحيح شرعُ الله، فلا تناقُضَ ولا تعارُضَ بين خلق الله وشرعِ الله، فالحقُّ لا يتناقَض.

 

وتابع الشيخ: والعالمُ المُعاصِر بعلومِه وفنونِه ومُكتشفاتِه ومُخترعاتِه، ما أصابَ من خيرٍ ومنافِع فمن إعمالِ العقل، وما أصابَ من سُوءٍ ومفاسِد فمن حريةِ العبَث والهوَى، والبُعدِ عما جاء به المُرسَلون من الحقِّ والهُدى.

 

وأكد فضيلته: أنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عن حفظهِ عقلَه، واللهُ سائِلُه عما استرعَاه في نظرِه وفِكره، وحُسنِ استِخدامهِ لذلك كلِّه، شأنُه في ذلك شأنَ كل النِّعمِ من عُمرٍ وصحَّة، ومالٍ وبنين، وحفظِ حواسٍّ، وسلامةِ أجهزةٍ، ومن أجلِ هذا فإنَّ ذا العقلِ السليم والمنهج المُستقيم يربَأُ بنفسِه عن الدنايا، وينْأَى عن المُحقَّرات، ولا يَميلُ مع الهوَى، ولا يخضَعُ للعادات وما عليه الآباءُ والأسلافُ، ويتجنَّبُ العِنادَ والمُكابَرةَ والمِراء.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على وجود ضوابط وحدود للعقل فقال: ومع مكانةِ العقلِ وكريمِ مقامِه، فإنه آلةٌ ووسيلةٌ للفَهم، له حدودُه التي ليس له أن يتجاوزَها، فإن خرجَ عن حدودِه وقعَ في الضلالِ والانحِراف، والعقلُ بمُجرَّدِه لا يصلُحُ مرجِعًا ولا مِيزانًا، فعقولُ البشر مُتفاوِتة في قوتِها وضعفِها وإدراكِها واستيعابِها، وإنَّ من الخطَل أن يخلِطَ من يخلِط، فيجعلُ عقلَه هو المرجِع، فما يستنكِرُه هوَاه أو رأيُه ورغَباتُه، يحسَبُ أن العقلَ هو الذي استنكَرَه وأبَاه، وما قبِلَه فعنده أن العقلَ هو الذي قبِلَه وارتضَاه، وقد علِمَ أن العقولَ مُختلِفةٌ منازِلُها، والحظُوظ مُتفاوِتةٌ إدراكاتُها.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الدعاء فضائل وأحكام"، والتي تحدَّث فيها فضائل الدعاء وآثار الدعاء وبركاته وخيراته ونتائجه العجيبة، معرجًا على آداب وشروط الدعاء، وذكر بعض أسباب إجابة الدعاء وشروط قبوله.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله حقَّ تقواه؛ فمن تمسَّك بالتقوى جمع الله له الخيرَ في دُنياه وأُخراه، ومن جانبَ التقوى شقِيَ في عواقِب أموره وإن أقبلَت عليه دُنياه.

 

وأضاف الشيخ: إن من أسباب الصلاح والإصلاح والفلاح، وتتابُع الخيرات، وصرف النوازِل والعقوبات، ورفع المصائِب الواقعة والكُرُبات: الدعاءَ بإخلاصٍ، وحضور قلبٍ، وإلحاح، فالربُّ - جل وعلا - يُحبُّ الدعاء ويأمر به.

 

وقال حفظه الله: والدعاءُ ينفع مما نزل ومما لم ينزِل، والدعاءُ هو العبادة، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء»، والدعاءُ مُرغَّبٌ فيه في كل وقتٍ، فهو عبادةٌ يُثيبُ عليها الربُّ أعظمَ الثواب، وهو مُحقِّقٌ للمطالِبِ كلِّها الخاصَّة والعامَّة، الدينية والدنيوية، في الحياة وبعد الممات.

 

وقال وفقه الله: وتشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء دائمًا خاصَّةً في هذا العصر، مع تظاهُر الفتن وكثرتها، وحُلول الكوارِث المُدمِّرة، ونزول الكُرُبات بالمُسلمين، وظهور الفِرَق المُبتدِعة التي تُفرِّقُ صفَّ المُسلمين، وتستحلُّ الدماءَ والأموالَ المعصومة، وتجفُوا العلمَ وأهلَه، وتُفتِي بالجهل والضلال.

 

ولقد أثنَى الله على الذين يدعُونه، ويتضرَّعون إليه -عز وجل- إذا نزلَت بهم الخُطوب والشدائِد، فبالدعاء تُستقبلُ الشدائدُ والكُرُبات إذا لم يقدِر البشرُ على دفعها، كما ذمَّ الله الذين يترُكون الدعاءَ عند نزول العقوبات، وتظاهُر الفتن والكُرُبات، وتركُ الدعاء في الكُرُبات إصرارٌ على الذنوب، واستِخفافٌ ببطشِ الله الشديد، والدعاءُ سببٌ عظيمٌ لنزول الخيرات والبركات، ودفع الشرِّ أو رفعه عن الداعي. والداعي أقوى الأسباب للخروج من الشرِّ الذي وقع، والمكروه الذي حلَّ.

 

وقال حفظه الله: وللدعاءِ شُروطٌ وآداب؛ فمن شروط الدعاء: أكلُ الحلال، ولُبس الحلال، والتمسُّك بالسنَّة، والاستِجابةُ لله تعالى بفعلِ أوامره واجتِناب نواهِيه، فمن استجابَ لله استجابَ الله له، وأما المظلُوم فيُستجابُ له ولو كان كافرًا أو مُبتدِعًا.

 

ومن شرط الدعاء: الإخلاصُ وحُضور القلب، والإلحاحُ على الله، وصِدقُ الالتجاء إلى الربِّ تعالى، وألا يدعُو بإثمٍ ولا قطيعة رحِم، وألا يعتدِيَ في الدعاء. والثناءُ على الله تعالى بأسمائِه الحُسنى وصفاته العُلى، والصلاةُ على النبي - عليه الصلاة والسلام -، وألا يستعجِل الإجابة، بل يصبِرُ ويُداوِمُ على الدعاء، فدوامُ الدعاء معه الإجابة.

 

وأضاف الشيخ: وعلى المُسلم أن يتحرَّى أوقاتَ الإجابة، مثل جوف الليل الآخر، ودُبُر الصلوات المكتوبات، وبين الأذان والإقامة لا يُردُّ الدعاء، وعند رؤية الكعبة، وعند نزول الغيث، وعند الاضطرار، وبعد خَتم القرآن، وبعد الصدقة.

 

وقال حفظه الله: فما أعظمَ سعادةَ وفلاحَ وأجرَ من عكَفَ قلبُه على الله –تعالى-، يدعُوه ويرجُوه ويتوكَّلُ عليه، ويستعينُ به، ويُلِحُّ الدعاءَ على الله! وما أشقَى وما أشدَّ شركَ وكُفرَ من يدعُو الأضرحة والقبور وأصحاب القبور، أو يستغيثُ بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، أو الأولياء، أو يدعُوهم من دون الله تعالى، أو يرفع حاجاته لمَلَكٍ مُقرَّب، أو نبيٍّ مُرسَل! والغائبُ والموتَى لا يستجيبُ أحدٌ منهم الدعاء؛ لأن الدعاءَ لا يقدِرُ على إجابته إلا الله - عز وجل -.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على الرجاء والأمل في كرم الله عند الدعاء فقال: كُونوا إلى الله راغِبين، ولدُعائِه مُداوِمين، فما خابَ من دعاه، ولا حُرِم من رَجاه، وكلُّ إنسانٍ له حاجاتٌ مُتجدِّدة، ومطالِبُ في كل وقتٍ مُتعدِّدة، فليسأَل كلُّ أحدٍ ربَّه ما يعلمُه خيرًا له، وليستعِذ بالله مما يعلمُه شرًّا. وأعظمُ سُؤلٍ هو رِضوانُ الله والجنة، وأعظمُ ما يُستعاذُ منه هو النار، وليُلِحَّ المُسلمُ على ربِّه في المطلَبِ الذي يهمُّه، فالله غنيٌّ حميدٌ كريم، جوادٌ عظيمٌ قادِر. ويُستحبُّ للمُسلم أن يتخيَّر جوامِع الدعاء الوارِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات