مختصر خطبتي الحرمين 27 ذي القعدة 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

اقتباس

فالسعيدُ من اغتنمَ مواسِم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب إلى الله بما فيها من وظائِف الطاعات، فعسى أن تُصيبَه نفحةٌ من تلك النفحَات، فيسعَدُ سعادةً يأمَنُ بعدها من النار وما فيها من اللَّفَحات، ويفوز بجنةٍ عرضُها الأرضُ والسماوات.. لقد حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحلٍ رثٍّ، وقطيفةٍ خلَقَةٍ - يعني: بالية - تُساوي أربعةَ دراهم أو لا تُساوي، ثم قال: "اللهم حجّةً لا رياءَ فيها ولا سُمعة"...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مظاهر الإحسان في الحج"، والتي تحدَّث فيها عن الإحسان في الحج وأنه يبلغ بالعبد مبلغًا عظيمًا، مُورِدًا بعضَ صور هذا الإحسان، كما تحدَّث في خُطبته عن بعض فضائل الحج والعُمرة، وذكَّر بضرورة اغتنام أيام العشر من ذي الحجة في الطاعات والأعمال الصالحة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله -، وأنيبُوا إلى ربكم وأسلِموا له، واذكرُوا أنكم مُلاقوه، فأعِدُّوا لذلك اللقاء عُدَّته.

 

وأضاف الشيخ: إن رغبةَ المؤمن في الخير، وسُمُوَّ همَّته إلى بلوغ الدرجات العُلى، والمنازل الرفيعة من رِضوان الله وكريم ثوابه، لتحمِلُه على سُلوك سبيل الإحسان.

 

وقال حفظه الله: وإن في فريضة الله على عباده في الحج إلى بيته العتيق أعظمَ مِضمارٍ، وأوسعَ ميدان، يستبِقُ فيه المُستبِقون لإحراز أوفَى الحظ من ذلك الجزاء الضافي الذي أخبرَ به رسولُ الهدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بقوله: "العُمرةُ إلى العُمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة".

 

وقال وفقه الله: وإن الإحسان في الحج ليبلُغ بالمُحسنين مبلغًا عظيمًا؛ إذ به يكون حجُّهم مبرورًا، وهو الذي أدَّاه صاحبُه بإخلاصٍ لله ومُتابعةٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فإن العمل - كما قال الفضيل بن عياضٍ - رحمه الله -: "إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا". والخالصُ أن يكون لله، والصوابُ ما كان على السنة.

 

وأضاف فضيلته: فإخلاصُ الحاج لله في أداء هذه الفريضة يقتضي ألا يكون مقصودُه بحجِّه الفخرَ والمُباهاة والسُّمعة، أو الثناء والمدح وحمل الألقاب، فكلُّ ذلك مما يُنافِي إخلاصَ العمل وإرادةَ الله به، والله تعالى لا يقبلُ من العمل ما خالطَته إرادةُ غيره به. ومنه أيضًا - يا عباد الله - ألا يتغالَى الحاجُّ في لباسه أو في مركبه أو في موضع نزوله وإقامته، أو في أي شأنٍ من شؤون حجِّه، فإنه إنما خرج ابتغاءَ رِضوان الله، ورجاءَ ثوابه، ولم يخرُج فخرًا ولا رياءً ولا مُباهاةً لغيره م الحجاج.

 

وقال حفظه الله: فيجبُ على الحاجِّ لذلك أن يتحرَّى السنةَ الصحيحةَ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في كل عملٍ يعملُه، منذ أن يُغادرَ بلدَه حتى يرجِع إليه، بأن يتَّخذ مما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة الحجِّ وأعماله منارًا يهتدي به، وقبسًا يقتبِسُ منه، ومرجعًا يرجعُ إليه، ومُعتمَدًا يعتمِدُ عليه ويحتكِمُ إليه عند النزاع.

 

وقال وفقه الله: ومن الإحسان الذي يصيرُ به الحجُّ مبرورًا - يا عباد الله - أن يتوخَّى الحاجُّ الحلالَ الطيب، ويجتنِبَ الخبيثَ الحرام في نفقَته، حذرَ ألا يُقبل حجُه، ولا يُستجابَ دعاؤُه.

 

وأضاف الشيخ: وإن مواقفَ الدعاء والضراعة والابتِهال والمُناجاة لله رب العالمين لتغمُرُ حاجَّ بيت الله، وتُحيطُ به، وتعرِضُ له في كل خطوةٍ من خطواته، وفي كل شوطٍ من أشواط رحلتِه، منذ أن يُبارِح بيتَه حتى يقضِيَ مناسِك حجِّه، وذلك يقتضِي منه ومن غيرِه أن يُطيِّب كسبَه، وأن يُطهِّر مالَه، وأن يُزكِّي نفقتَه.

 

وقال حفظه الله: ألا وإن من الإحسان الذي يكونُ به الحجُ مبرورًا: أن يجتنِبَ الحاجُّ ما نهَى الله تعالى عنه بقوله - عزَّ من قائل -: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197]. والرَّفثُ هو غِشيانُ النساء ومُقدِّماتُه وما يتَّصلُ به. والفسوقُ شاملٌ لكل المعاصِي سواءٌ ما كان مننها بالقلب؛ كالشرك بالله والنفاق، والحقد والحسد والعُجب والغُرور، وسائر ما قبُح من الأعمال التي يكون مصدرُها القلب. وكذا ما كان منها بالجوارِح؛ كالكذب والشتم والقذف والعُدوان، وسائر محظورات الإحرام. والجدالُ هو المُماراةُ والمُنازعةُ والمُخاصمةُ، بطلب الغلَبَة والانتِصار للنفس، وإفحام المُجادَل وهزيمته، وإظهار عجزه وانقِطاعه، لا لأجل إظهار الحقِّ، وبيان الصواب، وهداية الضال.

 

وقال حفظه الله: ومن الإحسان في الحجِّ أيضًا: أن يضرِبَ الحاجُّ بسهمٍ في أعمال الخير والبرِّ؛ بالصدقة وبذل المعروف للمُحتاج من الفقراء واليتامَى والأرامِل، ودعم المُؤسسات والمراكز والجمعيات الخيرية، لإغاثة الملهُوفين من المُسلمين الذين عصفَت بهم وبديارهم الحروبُ، ونزلَت بهم البلايا، وتكالَبَت عليهم الأعداء، وتقطَّعَت بهم السُّبُل، وضاقَت عليهم الأرضُ بما رحُبَت. فغدَوا لاجئين مُشرَّدين، ونازِحين محرُومين بائسين، لا شيءَ يقِيهم قسوةَ زمهرير الشتاء، أو يُكِنُّهم من شدَّّة حرِّ الصيف. شأن إخواننا السوريين، والفلسطينيين، والأراكانيين الروهينجا، واليمنيين، والصوماليين، وغيرهم مما يعظُم افتِقارُهم، وتشتدُّ حاجتُهم إلى رِفد وعون ودعم كافَّة المُسلمين.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على التزود بالتقوى فقال: إن في ختم ربِّنا - سبحانه - النهيَ عن الرَّفث والفُسوق والجِدال في الحج بقوله: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197]، وما تضمَّنه هذا الختمُ من غاية الحثِّ على فعل الخير، فيه ما يستنهِضُ الهِمَم، ويشحَذُ العزائِم للاستِزادة من خير زادٍ، باستِباق الخيرات، والتنافُس في الباقيات الصالِحات، وتدارُك ما فرطَ وفات. لاسيَّما وقد بلغَ الحاجُّ - بنعمة الله - هذه الديارَ المُبارَكة، والمنازلَ الشريفة، وأدركَ فيها هذه الأوقات النفيسة التي أظلَّ زمانُها، وآنَ أوانُها، ألا وهي: عشرُ ذي الحجة، وإنه لفضلٌ كبيرٌ - يا له من فضل - أفلحَ من اغتنَمه، واهتبَل فُرصتَه، واجتهَدَ في مرضاة ربِّه، وتزكيةِ نفسه، ورِفعةِ درجاته.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أعمال أيام العشر من ذي الحجة"، والتي تحدَّث فيها عن أيام العشر من ذي الحجة وفضلها وعِظَم منزلتها، وما ينبغي على المسلمين من اغتنامها في الأعمال الصالحة؛ من صيامٍ، وصدقةٍ، وذكرٍ لله تعالى، مُبيِّنًا فضلَ الحج ومكانته والحكمة من جعله في هذه الأيام، كما بيَّن فضلَ الأضحية وما يجبُ على المسلم أن يعمله إذا أراد أن يذبَح.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: يصطفِي الله من خلقه ما يشاء، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68]، فاصطفَى من الملائكة رُسُلاً ومن الناس، واختارَ من الكلام ذكرَه ومن الأرض بيوتَه، واجتبَى من الشهور رمضانَ والأشهرَ الحُرُم.

 

وقال حفظه الله: والتفاضُل بين الليالي والأيام داعٍ لاغتِنام الخير فيها، وقد أظلَّتنا عشرُ ذي الحجة أقسمَ الله بلياليها، فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1، 2]، وهي من أيام الله الحُرُم، وخاتمةُ الأشهر المعلومات التي قال الله فيها: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [البقرة: 197]، نهارُها أفضلُ من نهار العشر الأواخر من رمضان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: "أفضلُ أيام الدنيا أيامُ العشر" (رواه ابن حبان).

 

وقال وفقه الله: وفضيلةُ عشر ذي الحجة للمكان اجتماع أمهات العبادة فيها؛ من الصلاة، وصيام التطوع، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيرها. وكلُّ عملٍ صالحٍ فيها أحبُّ إلى الله من نفس العمل إذا وقع في غيرها، قال - عليه الصلاة والسلام -: "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام" يعني: أيام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسه وماله فلم يرجِع من ذلك بشيءٍ" (رواه أبو داود، وأصلُه في البخاري).

 

وأضاف فضيلته: ومن فضل الله وكرمه تنوَّعت فيها الطاعات؛ فمما يُشرعُ فيها: الإكثارُ من ذكر الله، قال - سبحانه -: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج: 28]، قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "هي أيامُ العشر". وذكرُه - سبحانه - فيها من أفضل القُربات، قال - عليه الصلاة والسلام -: "ما من أيامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فيهن من هذه العشر، فأكثِروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد).

 

وقال حفظه الله: وأفضلُ الذكر: تلاوةُ كتاب الله، فهو الهُدى والنورُ المُبين. والتكبيرُ المُطلقُ في كل وقتٍ من الشعائِر في عشر ذي الحجة، و"كان ابن عُمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يخرُجان إلى السوق في أيام العشر يُكبِّران ويُكبِّر الناسُ بتكبيرهما" (رواه البخاري). ويُشرعُ التكبيرُ المُقيَّد عقِبَ الصلوات من فجر عرفة للحُجَّاج وغيرهم.

 

وقال وفقه الله: ومما يُستحبُّ في العشر: صيامُ التسعة الأولى منها. قال النووي - رحمه الله -: "إنه مُستحبٌّ استحبابًا شديدًا". والصدقةُ عملٌ صالحٌ، بها تُفرَّجُ كروب، وتزول أحزان، وخيرُ ما تكونُ في وقت الحاجة وشريف الزمان. والتوبةُ منزلتُها في الدين عالية؛ فهي سببُ الفلاح والسعادة، أوجبَها الله على جميع الأمة من جميع الذنوب. وما أجملَ التائبَ يتوبُ في أحبِّ الأيام إلى الله، ومن صدقَ في توبته على درجات، وبدَّل الله سيئاته حسنات.

 

وأضاف الشيخ: وفي أيام عشر ذي الحجة حجُّ بيت الله الحرام، أحدُ أركان الإسلام ومبانيه العِظام، وهو من أفضل الأعمال عند الله، والحجُّ المبرور جزاؤُه الجنة، به تُحطُّ الذنوب والخطايا، والله يُباهِي بأهل عرفاتٍ أهلَ السماء. وللحج حِكَمٌ عظيمةٌ، وغاياتٌ حميدةٌ، ومقاصِدُ نبيلةٌ في الدين والدنيا والمعاشِ والمعاد، وأولُ تلك الحِكَم: تحقيقُ التوحيد، ومن تمامه: تجريدُ الإخلاص لله والمُتابَعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وقال وفقه الله: فالسعيدُ من اغتنمَ مواسِم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب إلى الله بما فيها من وظائِف الطاعات، فعسى أن تُصيبَه نفحةٌ من تلك النفحَات، فيسعَدُ سعادةً يأمَنُ بعدها من النار وما فيها من اللَّفَحات، ويفوز بجنةٍ عرضُها الأرضُ والسماوات.

 

وختم الشيخ خطبته بالتحذير من المعاصي وخاصة في الأزمان الفاضلة فقال: المعاصِي سببُ البُعد عن الله، كما أن الطاعات سببُ القُرب منه؛ فالذنوبُ شُؤمٌ على الأفراد والمُجتمعات، ويعظُم خطرُ المعاصِي بارتِكابها في مواسِم الرحمة والخيرات، قال - سبحانه -: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]. قال قتادةُ - رحمه الله -: "الظلمُ في الأشهُر الحُرُم أعظمُ خطيئةً ووِزرًا فيما سِواها، وإن كان الظلمُ على كل حالٍ عظيمًا ولكن الله يُعظّّم من أمرِه ما شاء". وكما أن الذنبَ فيهنَّ جُرمٌ عظيم، فالعملُ الصالحُ والبرُّ فيها أجرٌ كبيرٌ. فاغتنِموا مواسِم الخيرات، وابتعِدوا عما يحجِبُ مغفرةَ الله في مواسِم الرحمات وغيرها.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات