مختصر خطبتي الحرمين 26 شوال 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

والله ما كانت الخوارِج جماعةً قطُّ إلا فرَّقها الله على شرِّ حالتها، وما أظهرَ أحدٌ منهم قولَه إلا ضربَ الله عُنقَه، ولو مكَّن الله لهم لفسدَت الأرضُ، وقُطِّعَت السُّبُل، وانقطَع الحجُّ، ولعادَ أمرُ الإسلام جاهليةً، وإذًا لقام جماعةُ كلٍّ منهم يدعو لنفسِه بالخلافة، مع كل واحدٍ منهم عشرةُ آلاف يُقاتِلُ بعضُهم بعضًا، ويشهَدُ بعضُهم على بعضٍ بالكفر، حتى يُصبِحَ المؤمنُ خائفًا على نفسِه، وعلى دينه، ودمِه وأهلِه ومالِه، لا يدرِي مع من يكون؟!

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الفتن والاضطرابات .. معالم ووقفات"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن والاضطرابات التي يشهدها العالم في هذه الأيام، مُبيِّنًا أهمية الرجوع فيها إلى الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، كما ذكر بعضَ المعالم والإضاءات التي يستنيرُ بها كل من أراد سبيل الحق.

 

وأوصى فضيلته المصلين بتقوى الله -عز وجل– وحذرهم عيونًا إلى زهرة الدنيا قد مُدَّت، ونفوسًا في طلبِ العاجِلة قد جدَّت، وآذانًا عن سماع الذكر قد سُدَّت، وقلوبًا لكثرة المعاصِي قد اسودَّت، وحثهم على التمسك بالقرآن قائلاً: إن في كتابِ الله لأعظَم زاجِر، وفي مواعِظ الأيام عبرةً لذوي البصائر..

 

وأضاف فضيلته قائلاً: يموجُ العصرُ بمتغيِّراتٍ في أحوالٍ مُضطربات، وتقلُّباتٍ ومُفاجئات.. فتنٌ يُشعِلُها الأعداء. إنه الإشعال من أجل الإشغال؛ إشغال المنطقة بإشعال الحروب الطائفية، والنِّزاعات الحزبيَّة، والصِّراعات الإقليمية، والفتن الداخلية.

 

فتنٌ تُهدِّد العالَ بأسرِه، بما تحمِلُه من خطرِ الإرهاب والإرهابيين، وتشويه دين الإسلام، وتقطيع أوصال أهله، وتمزيق دِياره، من أجل المزيد من الضياع والفقر، والتشريد واليأس.

 

إرهابٌ هو صنيعةُ استِخباراتٍ دوليَّة وإقليمية، يحظَى بالرعاية والتسليح والتمويل. وَقودُه خوارِجُ ضالُّون، وعُملاءُ مُحترِفون ممن ارتهَنوا أنفسَهم لأعداء الدين والأمة والأوطان. إرهابٌ يُكفِّرُ المُجتمعات المُسلِمة، ويستبيحُ الدماءَ المعصومة.

 

وأضاف الشيخ: إن أمام المُتأمِّل نوعَين من الإرهاب: إرهابَ هيئاتٍ ومُنظَّمات، وإرهابَ دول. أما إرهابُ الهيئات والمُنظَّمات؛ فيأتي في مُقدِّمة ذلك: خوارِجُ العصر الذين يقتُلُون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان، من حُدثاء الأسنان، وسُفهاء الأحلام.

 

وحذر فضيلته من مسلك الخوارج قائلاً: أيُّ دينٍ وأيُّ عقيدةٍ يستبيحُون بها عداوةَ إخوانهم المسلمين، وعدوانَهم على أوطانهم وديارهم، يعيثُون فيها فسادًا وتقطيعًا وتمزيقًا، وتمكينًا للأعداء - أعداء الملَّة والعقيدة -، يقِفون خلفَ شِعاراتٍ تتربَّصُ بالإسلام وأهلِه.

 

يُصاحِبُ ذلك - أيها المسلمون - صمتٌ رهيبٌ، ازدهَرَت فيه سوقُ المُخابرات الإقليمية والدولية، لمزيدٍ من التغرير والتوظيف للسُّذَّج من أبنائِنا .. في إذكاءٍ للصراع الطائفي، والتمزيق الإقليمي، والتفريق الحِزبيِّ.

 

وأضاف الشيخ قائلاً: هذه صورةٌ من إرهاب المُنظَّمات والتحزُّبات.. أما إرهابُ الدول؛ فيأتي العدوُّ الصهيونيُّ في موقِع الريادة، فعُدوانُه وجرائِمُه تُمثِّلُ قيمةَ الإرهاب والعُدوان على الحقوق المشروعة لإخواننا في فلسطين المُحتلَّة. وهل ثمَّة صورة تتجسَّدُ فيها صورةُ الإرهاب أكثر مما يُعانيه إخوانُنا في فلسطين، في نسائِهم وأطفالهم ومدارِسهم ومساجِدهم ومُستشفياتهم وملاجئِهم وأنفاقِهم؟!

 

إسرائيلُ دولةٌ مُحتلَّة، تنتهِجُ نهجَ هذه الجماعات الإرهابية، فتجعلُ العُنفَ والقتلَ والإرهابَ والتشريدَ طريقَها؛ لتحقيق غاياتها .. ترتكِبُ أشنعَ المجازِر، وتُمارِسُ أفظعَ صُور الإرهاب، وتمتلِكُ أسلحةَ الدمار الشامِل.

 

وعرّج الشيخ على قضية الساعة، والعدوان على غزة قائلاً: انتصرَت فلسطين، وانتصرَت غزَّة؛ لأنها كشفَت عُدوانَ العدو وإفكَه وهمجيَّته، والتحيَّةُ والتقدير لكل من وقفَ مع الحق، وانتصرَ للمظلوم، ووقفَ في وجه الظالِم.

 

غزَّة صمدَت بعزم، وصبرَت ببأس، وأوقدَت الحجر، وسخِرَت من كثيرٍ من البشر وأشباه البشر. فلا نامَت أعينُ الجُبناء والمُخذِّلين، والحياةُ كما هي مُفاوضات، هي جهادٌ وتضحيات.

 

وليعلَم يهودُ أن الحق لا يضيع؛ فالدفاعُ حقٌّ مشروع، والمُقاومةُ شامِخة، والمُنتصِرُ هو الحقُّ والعدلُ، طالَ الزمانُ أو قصُر، وقضيةُ فلسطين هي قضية المُسلمين الأولى مهما كان عبَثُ السياسة، ومهما عظُمَت التضحيات، فلا تفريط، ولا مُساومَة.

 

ولو أن العالَم تخلَّى عن الازدِواجية في معاييره، وغابَ النفاقُ السياسيُّ في مُداولاته لمَا سالَت هذه الدماء، ولمَا سادَت سوقُ الإرهاب.

 

وأكد الشيخ في ختام خطبته على أن في أجواء الفتن وخضَمِّ الاضطرابات يحسُن التذكيرُ ببعضِ معالِم منهج السلف الصالِح أهل السنة والجماعة.

 

فمن معالِم هذا المنهَج: أنهم يلتزِمون مُقتضَى الدليل، والمصلَحة الشرعيَّة في جهادِهم ودعوتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيِهم عن المُنكر، ومواقِفهم من أهل البِدع، بداعِي النُّصح لله ولرسوله ولجماعة المؤمنين، وليس بداعي الانتقام والتشفِّي والتشهير.

 

يستُرون عيوبَ المُسلمين، ولا يتتبَّعون عوراتهم، ولا يذكُرون أخطاءَ أهل العلم إلا لبيان الحق، مع لزوم الأدب، وحفظِ حقِّ كل ذي حقٍّ، ويلتمِسُون العُذر ما أمكَن؛ ذلكم أن من قلَّة الدين والفقه والورع وقِصَ النظر الظنَّ بأن المُخالِفَ تسقُطُ حقوقُه الشرعية، أو أن العدلَ معه ضعف.

 

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ علي الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضل الإصلاح والمصلحين"، والتي تحدَّث فيها عن الإصلاح بين المسلمين، مُبيِّنًا فضائله وثمراته، كما نبَّه على صِلة الرَّحِم وفضلِها وعِظَم أجرها.

 

وأوصى فضيلته المصلين بتقوى الله -تعالى- ونبههم إلى أهمية الإصلاح قائلاً: اعلموا أن أحبَّ شيءٍ إلى الله الصلاحُ والإصلاح؛ فالصلاحُ هو صلاحُ النفس بالوحي الذي جعله زكاةً وطهارةً، والإصلاحُ هو تقويمُ ما انحرَفَ من أحوال الفرد أو الجماعة، أو إصلاح ما فسَد من العلائق بين اثنين أو بين طائفتين، على مُقتضى الشرع الحَنيف.

 

وأضاف فضيلته: الإصلاحُ هو التقريبُ بين القلوب المُتنافِرة، ولمُّ الشَّعَث في الآراء المُتباعِدة، وإعطاءُ الحقوق الواجِبة لأصحابها بسعي المُصلِحين، واحتِساب الخيِّرين، وحكمةِ الراشدين.

 

وبين الشيخ أن الإصلاح لذاتِ البَين بابٌ من أبواب الجنة، وأمانٌ من الفتن الخاصَّة والعامَّة، وجلبٌ لمصالِح خاصَّة وعامَّة، ودرءٌ لمفاسِد يعُمُّ ضررُها، ويطيرُ شررُها. والإصلاحُ لذاتِ البَين سدٌّ لأبواب الشيطان التي يدخلُ منها على الإنسان.

 

وأضاف: المُتأمِّل لتاريخ الأفراد والأُمم يجدُ أن شُرورًا اتَّسَع دائرتُها في حياتهم؛ بسبب إصلاح ذات البَين، ويجدُ شُرورًا وفتنًا دُفِعَت وصُرِفَت بسبب إصلاح ذات البَين. ومُعظَم النار من مُستصغَر الشَّرر.

 

وإصلاحُ ذات البَين من مقاصِد الإسلام العظيمة، وتعاليمِه الحسنة الكريمة، قال الله تعالى:  (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأنفال: 1].

 

وأشار فضيلته إلى أن مما جاء في فضل صلاحِ ذات البَين: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبِركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة؟»، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «صلاحُ ذات البَين؛ فإن فسادَ ذات البَين هي الحالِقة» (رواه أبو داود والترمذي، وقال: صحيح)، وزاد: «لا أقولُ تحلِقُ الشعر، ولكن تحلِقُ الدين» من حديث أبي الدرداء.

 

وأضاف الشيخ ذاكرًا بعض مجالات الإصلاح بين الناس قائلاً: والإصلاحُ بين الزوجَين يُحافظُ على كِيان الأسرة من التصدُّع والضياع، وتدومُ به الرعايةُ الأُسرية، وتقوَى به الروابطُ بين الزوجَين، وتستمرُّ العِشرة، ويجدُ الأولاد في اجتماع الزوجَين الأبوَين المحضَن الآمِن المُستقرّ، والمأمَن من الانحِراف والفساد.

 

والعطف الأبوِيّ، والنشأة الصالحة، وإذا ازداد الخلافُ بين الزوجَين، وتُرِك الإصلاح، تصدَّعَت الأسرة، وضاع الأولاد، وتعرَّضُوا للفساد والفشل في الحياة بعد الطلاق، وتقطَّعَت علائِقُ الرَّحِم، وتضرَّر الزوجان.

 

وبين الشيخ أن الإصلاح يكون أيضًا بين الأقرباء فيما وقع بينهم من خلاف؛ لتتمَّ صِلةُ الأرحام وتدوم، ولئلا تكون قطيعةٌ بين ذوي القَرابة؛ فصِلةُ الأرحام بركةٌ وخيرٌ وفضائل، وسببٌ من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب صلاح الدين والدنيا وبركة العُمر.

 

ونوه فضيلته إلى أن الإصلاحُ أيضًا يكونُ بين الجيران؛ بالوفاء بحقِّ الجار، والقيام بواجباته التي أوجبَها الله؛ عن عائشة - رضي الله عنها -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجارِ حتى ظننتُ أنه سيُورِّثُه» (رواه البخاري ومسلم).

 

وأضاف الشيخ: أيها المسلم: لا تترُك بابَ الإصلاح، ولا تزهدنَّ في هذا الخير الكثير؛ فقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِحُ بين أصحابِه، وقد سعى في هذا السبيل صحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدِهم التابِعون، والمنقولُ عنهم في إصلاح ذات البَين أكثرُ من أن يُحصَر.

 

وأضاف الشيخ: والمُسلمُ في هذا الزمان يأسَى ويحزَن لقلَّة المُصلِحين، وإعراضِ الكثيرين عن إصلاح ذات البَين في مُجتمع المُسلمين.

       

وأنت - أيها المسلم - مأمورٌ بحُسن النيَّة والاحتِساب، ومُباشَرة الأسباب، وما بعدَ ذلك فهو إلى الله، والله تعالى قد ضمِنَ لك الثواب، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [الجاثية: 15].

 

وختم الشيخ خطبته بحث المصلين على الإصلاح قائلاً: كونوا من المُصلِحين، وانضمُّوا إلى جمع المُحتسِبين؛ فأهلُ المعروف في الدنيا هم أهلُ المعروف في الآخرة. فإذا رزقَ الله العبدَ نيَّةً صالِحة، وإرادةً وعزمًا على فعلِ الخير، ونفع العباد، وباشرَ الأسبابَ النافعةَ بإيمانٍ واحتِسابٍ، وصدقَ، باركَ الله في عملِه، وأثمرَت أفعالُه، وكان مِفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشرِّ.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات