مختصر خطبتي الحرمين 26 رجب 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ابتُلِيَت الأمةُ بأشباهِ رِجالٍ، يتحالَفُ أحدُهم مع عدوِّ أمَّته، ويُشهِرُ سيفَ الغدر على بني جِلدَته، ويزرعُ الفتنة، ويُمكِّنُ للانقِلاب والفوضَى، طمعًا في منصِبٍ رئاسيٍّ، يُعلِّق أوسِمةَ الخِزيِ والعار، ولو على جماجِم الأبرِياء، وأشلاء الأطفال. وكيف يأمَنُ الناسُ من خدعَ شعبَه، وخانَ وطنَه، واستنصَرَ أولياءَ الباطل على قومِه وجيرانه؟! وآخرُ يطحَنُ شعبَه، ويقتُلُ ويُدمِّر أهلَه بالقنابِل الحارِقة، والبرامِيل المُتفجِّرة، والغازات السامَّة، في سُورية الصبر والإباء...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "واقع المسلمين وكيفية تغييره"، والتي تحدَّث فيها عن واقع المسلمين اليوم في ضعفهم وهوانهم، ووجوب قيامهم بأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحينها ستنهَضُ الأمةُ من رقادِها، وتفيقُ من سُباتها، مُشيرًا إلى الوسائل التي ينبغي أن يُعوِّل عليها المُسلمون في سبيل عزِّهم وتمكينهم ونجاحهم في الدنيا على جميع الأصعِدة؛ ليكون ذلك سببًا في إعلاء دين الله تعالى وتمكين دينِه.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله - سبحانه -؛ إذ بها المغنَم، وعليها المُعوَّل والمُعتصَم.

 

وأضاف الشيخ: إن الهيمَنَة لنَزعَة الشهوة والأثَرَة، وحبِّ الدنيا وكراهية الموت، قد ولَّدَت في كوامِن كثيرٍ من المُجتمعات المُسلِمة قِسطًا وافِرًا من القُنوط واليأس، وذوَبَان الأمل، والشعورِ المُستحكِم بأن سيادتَها في الأرض وريادتَها فيهما نوعُ استِحالةٍ تجعلُ القناعةَ بمثلِ ذلكم لونًا من ألوان الرِّضا بالواقِع، والاستِسلام للمُستجدَّات والمُدلهِمَّات أيًّا كان نوعُها، حتى لو كان فيها ظُلمُ الإنسان وقهرُه، وإهدارُ كرامته، ومحوُ هويَّته.

 

وقال حفظه الله: مع أن حقيقةَ الإسلام وواقِعَه يُؤكِّدان أنه لا انفِصال بين العمل للدنيا والعمل للأخرى، وأن ليس ثمَّة تغليبٌ للجسَد على حساب الروح، ولا للروح على حساب الجسَد. إنما هناك تنظيمٌ دقيقٌ يجعلُ همَّة الإنسان المُسلِم والمُجتمعِ المُؤمن في أن يتولَّى القيادة ويُمسِك بالزِّمام، فلا هي رهبانيَّةً تقتُلُ نداءَ الفِطرة والجِبِلَّة، ولا هي ماديَّةً جوفاء، وأفئِدةً هواء، تتجاهلُ سناءَ الروح وتطلُّعاتها إلى الرِّفعة والتمكين.

 

وقال وفقه الله: ومن هذا المُنطلَق - عباد الله - كان لِزامًا على أمة الإسلام أن تُدرِكَ أمرَين جدُّ عظيمَين، تحمِلُ عليهما الضرورةُ تارةً، ويهدِي إليهما الدينُ تاراتٍ أخرى؛ بل كلٌّ منهما يستلزِمُ الآخر ويستصحِبُه استِصحابًا حثيثًا. والأمران - عباد الله - هما: التآخي والائتِلاف بلا تفرُّقٍ واختِلاف، وعلوُّ الهمَّة لبلوغِ الأرَب في الرِّفعة والرِّيادة، دون استِكانةٍ أو خُنوعٍ لغير الله - سبحانه وتعالى -. بهذين الأمرَين - عباد الله - تنمُو الأُمم، فتعظُم فتسُود ما شاء الله أن يحيَا فيها هذا الأمران.

 

وأضاف فضيلته: ومن تصفَّح تاريخَ الأُمم والشعوب، وتأمَّل واقِعَها من خلال كتاب الله وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ومصادر التأريخ المُسطَّرة؛ وجدَ أن حظَّ الأُمم والشعوب من الوجود على مِقدار حظِّها من الوحدة، ووجدَ مبلغَها من العلوِّ والهيمَنة على قدرِ تطلُّعها إلى التمكين في الأرض لإثبات وُجودِها.

 

وأكد سماحته أن: الاتِّحاد والاتفاق والائتِلاف - أيها المسلمون - تقارُبٌ يُحدِثُه شعورُ كل فردٍ من أفراد أمة الإسلام، بما ينفعُها وما يضُرُّها. شعورٌ يبعَثُ كلَّ واحدٍ منَّا على التفكُّر في أحوال أمَّته، ويجعلُ لهذا التفكُّر جُزءًا من زمنه وهمِّه، وألا يكون هذا التفكُّر أقلَّ من همِّه بمعاشِه ورِزقِه، فضلاً عن أن يكون مُجرَّد تفكُّر لا يُجاوِزُ جُدرانَ مُخيِّلة المرء نفسِه؛ بل تفكُّرٌ يتبَعُه عمل، وعزيمةٌ يخلُفُها إصرار.

 

وأضاف الشيخ: ثمَّ عنصرٌ آخر - عباد الله -، وهو: عنصُر الهمَّة نحو بلوغ العزَّة والرِّفعة والتمكين في الأرض، من خلال السعي الصادق لبثِّ دين الإسلام والتمكين له، والإعلاء لكلمة الله في أرضه، وعمارتها بالعدل والقِسط. وإن آيات القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حافِلةٌ بذِكر ذلكم، داعيةً إليه، جاهِرةً بالحضِّ عليه، حاظِرةً عليهم أن يستكِينُوا أو يتوانَوا في المفروض والقيام به.

 

وقال حفظه الله: إن كل الرَّزايا التي تحُلُّ بأقطار المُسلمين وتضعُ من أقدارهم ما كان قاذِفُهم ببلائِها، ورامِيهم بسِهامها إلا افتراقُهم وتدابُرُهم، الذي نهاهم الله عنه، ونهاهم عنه رسولُه - صلى الله عليه وسلم .- وإن الوحدة والتطلُّع إلى الغلَبَة، وصِدقَ الرَّغبة في حفظِ حوزَة الإسلام، كلُّها صفاتٌ كامِنة في نفس كل فردٍ وكل مُجتمعٍ مُسلمٍ.

 

وقال وفقه الله: إن علينا جميعًا أن نُدرِك حجمَ عداوَة من لا يُحبُّنا، ولا يهمُّه أمرُنا، كما أن علينا جميعًا أن نُدرِك السُّبُل والوسائل التي يتربَّصُ بها عدوُّنا، وأن نُذكِيَ محلَّها الوسائل الإيجابيَّة، مع الرجوع إلى الله، والأُلفة، والعزيمة، والتغلُّب على الهوَى والرغبة الشخصية، وتقديم مصلَحة الإسلام والمُسلمين على كل مصلحةٍ دونَها.. وإذا عرفنا وسائلهم السلبيَّة .. فأين نحن من الوسائل الإيجابيَّة؟! وإذا كانت هذه هي هِمَمهم الدَّؤُوبة .. فلماذا هِمَمنا خِواء، وغاياتُنا هواء، وعزائِمُنا غُثاء؟! لما تمسُّ أصابِعُهم الأشياء فتنجَح، وتمسُّها أصابِعُنا فتضطرِب؟!

 

وختم الشيخ خطبته حاثًّا المسلمين على تفعيل الوحدة بينهم فقال: إن مُستقبَل المُسلمين ينبغي أن يُزرَع في بلادِهم وعلى أرضِهم، بأخلاقهم، وفِكرهم، وقوَّتهم، وأن يكفُّوا عن صفات التسوُّل بكل صُنُوفِه في طاقاتهم وإعلامهم وثقافتهم، وألا يضيعُوا في تِيه العقل الذي يشحَذ ولا يُؤسِّس! فيُنحَّى حينئذٍ عن القيادة والرِّيادة قسرًا، ولاتَ ساعةَ حيلة.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مظاهر نصرة المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن نصرة المسلمين ووجوبها؛ لما يجب أن يكون عليه المسلمون من التلاحُم والتراحُم والتعاطُف، مُبيِّنًا مظاهر هذه النُّصرة وأماراتها، والوسائل التي من خلالها ينصُر المسلمون بعضهم بعضًا.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

 

وأضاف الشيخ: النُّصرةُ علامةُ الإيمان، وأمارةُ صدقِ الإسلام.. وإذا نصرَت الأمةُ المظلوم، وأخذَت على يدِ الظالِم، ومنعَته من الظُّلم، نجَت من عقاب الله؛ قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25]، ومن نصرَ المظلُومَ نصرَه الله، وسخَّر له من ينصُره في الدنيا والآخرة؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نصرَ أخاه بظهر الغيبِ نصرَه الله في الدنيا والآخرة".

 

وقال حفظه الله: النُّصرةُ تحالُفٌ إسلاميٌّ، وتعاضُدٌ إيمانيٌّ، وهي قوةٌ للمُسلمين، وعزَّةٌ للمؤمنين، تُوقِظُ الهِمَم من سُبات، وتجمعُ المُسلمين في صفٍّ واحدٍ، وعلى قضيَّةٍ واحدةٍ، وهمٍّ واحدٍ، مع الكرامة والتضحِية.

 

وأضاف فضيلته: النُّصرةُ فريضةٌ شرعيَّة، وضرورةٌ دنيويَّة؛ فقد غدَا العُدوانُ على الإسلام والكيدُ له سِمةَ العصر، في صُورٍ مُتعدِّدة، ومظاهِر مُتنوِّعة. وإذا ضعُفَت النُّصرةُ بين المُسلمين تسلَّط العدُوُّ، وزادَ من بطشِه، وتمادَى في غيِّه، ونكَّل بالمُسلمين، وسحَقَ الآمِنين، وأذلَّ المُوحِّدين، وسلَبَ الأرض، وانتهَكَ العِرض.

 

وقال وفقه الله: إن الفسادَ الكبير، والفتنةَ المُشتعِلة في بُلدان المُسلمين أساسُها التفريطُ في مبدأ النُّصرة، ولذا جاء النهيُ عن خِذلان المُسلم والتنصُّل عن نُصرته ومُوالاته.

 

وقال حفظه الله: ومن تقاعَسَ عن مدِّ يدِ النُّصرة لمظلُومٍ ذلَّ في دُنياه، وخسِر أُخراه، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مُسلمٍ يخذُلُ امرأً مُسلِمًا في موضعٍ تُنتهَكُ فيه حُرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرضِه، إلا خذَلَه الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه، وما من امرِئٍ ينصُرُ مُسلمًا في موضِعٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا نصَرَه الله في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه".

 

وأضاف فضيلته: وقد ابتُلِيَت الأمةُ بأشباهِ رِجالٍ، يتحالَفُ أحدُهم مع عدوِّ أمَّته، ويُشهِرُ سيفَ الغدر على بني جِلدَته، ويزرعُ الفتنة، ويُمكِّنُ للانقِلاب والفوضَى، طمعًا في منصِبٍ رئاسيٍّ، يُعلِّق أوسِمةَ الخِزيِ والعار، ولو على جماجِم الأبرِياء، وأشلاء الأطفال. وكيف يأمَنُ الناسُ من خدعَ شعبَه، وخانَ وطنَه، واستنصَرَ أولياءَ الباطل على قومِه وجيرانه؟! وآخرُ يطحَنُ شعبَه، ويقتُلُ ويُدمِّر أهلَه بالقنابِل الحارِقة، والبرامِيل المُتفجِّرة، والغازات السامَّة، في سُورية الصبر والإباء. وقِطاعُ غزَّة الذي يئِنُّ من حِصارٍ ظالِمٍ، ومكرٍ فاجِر، وبلغَ الظُّلم مُنتهاه بمنع سائر مُقوِّمات الحياة، من طعامٍ، وشرابٍ، ودواء.

 

وقال سماحته: من النُّصرة: مُقاطعةُ بضاعة العدوِّ، ومن يُموِّل العدوَّ ويدعمُه معنويًّا وفِكريًّا ويتآمرُ معه، وهي سلاحٌ فعَّال ومُؤثِّر بضوابِطه الشرعيَّة، وتُلقِّن العدوَّ درسًا، وبه تبقَى الأمةُ شامخةً في وجه من أراد بها سوءًا.

 

وأضاف الشيخ: تكون النُّصرة للعقيدة: ببيان أصالتها ومفاهيمها، وردِّ الشُّبهة عنها، وبيان البِدع، ومنهج الفِرق المُختلِفة، والتي وجدَ العدوُّ فيها ضالَّته فتحالَفَ معها، وزرعَها في خاصِرة الأمة، يُحرِّكها كيفما شاء لزعزعَة الأمن، وإثارة القلاقِل، وابتِزاز الأمة ونهب خيراتها، وإنهاك قُوها؛ لتبقَى في مُؤخرة الرَّكب مقُودةً لا قائِدةً، وتابِعةً لا متبُوعة.

 

وقال حفظه الله: النُّصرةُ الإعلامية بتوثيق ظُلم الظالِم، والتشهير بأفعاله، وبيان حقيقته، وزَيف باطله. وأثرُ البيان في بعضِ المواقِف أشدُّ وأنكَى من فِعلِ السِّنان؛ فللكلمة قوَّتُها، وللصورةِ أثرُها، وللقلم سِهامُه، وللشعر حُضورُه. والنُّصرةُ لقضايا الأمة بالتوعية بها، والدفاع عنها، وفضحِ دسائِس رُؤوس الشرِّ ومُؤامراتهم، وبيان منهَجهم في كل وسيلةٍ ومحفَلٍ ومُناسَبَة.

 

وقال وفقه الله: والنُّصرةُ - عباد الله - بالدعاء؛ فهو سلاحُ الخُطوب، ودواءُ الكُروب، كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينصُرُ المظلُومين بالدعاء في القُنوت. فالالتِجاءُ إلى الله وقتَ المِحَن، وتقويةُ الصِّلة به عند الشدائِد سِمةُ المُؤمن.

 

وختم الشيخ خطبته متحدثًا عن سمات النصرة الحقيقية الفاعلة فقال: النُّصرةُ الفاعلة التي يتحقَّقُ بها الأثر، وتنكشِفُ بها الغُمَّة هي النُّصرةُ الدائِمة المُستمرَّة، التي لا ينقطِع حبلُها، ولا يتوقَّفُ مدَدُها، حتى لا نُؤتَى من قِبَلنا بحماسٍ لا يدوم، ووهنٍ يعُوقُ بلوغَ الأهداف.. وقد ينجَحُ أهلُ الباطل للتجمُّع في مُعسكَرٍ واحدٍ، وهذا في الظاهر، أما في الحقيقة: فهو تجمُّع قائمٌ على اختلاف المصالِح، وهم مُتفرِّقو الأهواء والقلوب، وسينكشِفُ الشِّقاق، ويسقُط السِّتارُ الخادِع، ثم ينهارُ باطِلُهم، ويتفكَّكُ جمعُهم، (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14].

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات