مختصر خطبتي الحرمين 22 من رجب 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ومن أدامَ ذكرَ الموت رقَّ قلبُه، وصلُح عملُه وحالُه، ولم يتجرَّأ على المعاصِي، ولم يُضيِّع الفرائِض، ولم تغُرَّه الدنيا بزُخرفها، واشتاقَ إلى ربِّه وإلى جناتِ النعيم. ومن نسِيَ الموتَ قسَا قلبُه، وركَنَ إلى الدنيا، وساءَ عملُه، وطالَ أملُه؛ فتذكُّرُ الموت أعظمُ المواعِظ. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثِروا ذِكرَ هاذِمِ اللذَّات الموت»، ومعنى الحديث: أن الموتَ قاطعُ اللذَّات ومُزيلُها. والسعادة كلّ السعادة، والتوفيق كلّ التوفيق، والفوز كلّ الفوز في الاستِعداد للموت...

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الدعوة إلى الله أسلوب وقدوة"، والتي تحدَّث فيها عن الدعوة إلى الله وشرفِ منزلتها، وكيف بلغَ بها الإسلامُ مشارِقَ الأرض ومغارِبَها، مُتحدِّثًا عن أساليب الدعوة التي ينبغي على كل داعيةٍ أن ينتهِجَها ويسلُك سبيلَها، وأن هذا هو سبيلُ النبي محمدٍ - عليه الصلاة والسلام -.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله -، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

 

وأضاف الشيخ: إذا أُطلِقَت الدعوةُ في المُحيط والنِّطاقِ الإسلامي لم يُرَد بها إلا الدعوةُ التي سعِدَت بها البشريةُ بعد أن غشِيَتها غواشِي الباطل، والتبسَ عليها الحق حينًا من الدهر، فكان لإشراقِ دعوة الإسلام عليها، وامتِداد رِواقها أثرُ البلسَم الناجِع الذي تبرأُ به العلَّة، ويُشفَى به السقيمُ - بإذن الله -.

 

وقال حفظه الله: وكذلك كانت دعوةُ الإسلام حين عالجَت أدواءَ القلوب، فانشرحَت بها بعد الضيق، وارتفعَت عنها الآصارُ والأغلالُ، ومضَت مُهتديةً بنُور الله، مُتَّبِعةً سبيلَه،.. لا يستوِيانِ مثلاً؛ فقد أحيَا الله المؤمنَ بأن قذفَ في قلبِه نورَ الإيمان يهدِيه إلى الجادَّة ويُبصِّرُه بمواقِع قدمَيه، فلا يضعُهما إلا على هُدًى وبصيرةٍ يأمَنُ بهما العِثار، وينجُو من انزِلاقٍ إلى هُوَّة الضلال البعيد.

 

وقال وفقه الله: لقد فتحَ الله لدعوةِ الإسلام أعيُنًا عُميًا، وقلوبًا غُلفًا، وعقولاً أفسدَها التقليدُ للآباء على الضلال، فاندفعَت تجُوبُ الآفاقَ داعيةً إلى الإسلام، تمُدُّ رِواقَه، وترفعُ لِواءَه، وتستميتُ في الذَّودِ عنه، وتقِفُ مُعلِنةً للعالَمين أن الله ابتعَثَها لتُخرِجَ من شاءَ من عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ الله وحده، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعَتها، ومن جَور الأديان إلى عدلِ الإسلام.

 

وأضاف الشيخ: ولقد بلغَ الإسلام في عُصوره الأولى على أيدِي الدعاةِ إليه أمَدًا بعيدًا في الانتِشار والظُّهور، وتفتَّح الوعيُ لدعوتِه الغرَّاء من الأُمم كافَّةً، مع أنه لم يكُن لديهم من الوسائِل لهذا المدِّ سوى بذلِ الجهود في إشاعَة الخير، والهدايةِ إلى صراطِ الله المُستقيم، من طريقِ القُدوة الحسنةِ المُتأثِّرةِ بهديِ النبُوَّة، السائِرةِ على طريقِ الكتابِ والسنَّة، الجامِعةَ بين الإيمان الراسِخ العميق الذي خالطَت بشاشتُه القلوب، وبين الفقهِ الدقيقِ الذي يضبِطُ حركةَ الحياة.

 

وبيَّن الشيخ أن صحابة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من لا يتجاوزُ في تعلُّمه العشرَ من آياتِ القرآن يعِيَ معناها، ويعملَ بمدلُولها. ولقد كان لهم -رِضوانُ الله عليهم- ما يرسُمُ الوجهةَ الصحيحةَ السليمةَ لحياةٍ يتجافَى فيها المؤمنُ عن زُمرة الخاسِرين؛ إذ تُوجِّهُ الأنظارَ إلى أمورٍ مُترابِطةٍ بوثيقِ الرِّباطِ، فلا يُغنِي التِزامُ بعضِها دون البعضِ الآخر، وفي طليعتِها: الإيمانُ ثم العملُ ثم الدعوةُ، مُفتتحةً ومُؤسَّسةً على ما يُعلمُ بالضرورةِ من دينِ الإسلام، كتوحيدِ الله - جل جلاله - في ربوبيته وألوهيَّته وفي أسمائِه وصفاتِه، ثم التواصِي بالصبر الذي هو عُدَّةُ الداعِي والمدرَجُ الذي يصِلُ به إلى الغايةِ في امتِداد دعوةِ الحق والهُدة واتِّساع رُقعتها، مهما كلَّفَه ذلك من مشاقٍّ، ومهما تحمَّل في سبيلِ ذلك من صِعابٍ.

 

وأكد الشيخ أنه لا يكونُ إيمانٌ إلا بعلمٍ، ولا يستقيمُ علمٌ إلا بعملٍ، والعلمُ والعملُ يرتبِطان بأوثَقِ رِباطٍ بالدعوةِ والصبرِ عليها، أو على الأذَى في سبيلِها. فالإيمانُ الناشئُ عن العلمِ بالله وبدينِه هو الحافِزُ لصاحبِه إلى انتِهاجِ سبيلِ الله،.. فهو في كل خُطوةٍ يخطُوها، وفي كل أمرٍ يُعالِجُه أو التِزامٌ يلتزِمُه في مُعاملاته وصِلاتِه بالناس، يسلُكُ فيه السبيلَ السويَّ سبيلَ الله، الذي يُوقِنُ أنه خيرُ سبيلٍ يصِلُ به إلى الله، ويقطعُ أشواطَ الحياة دون عِثارٍ أو تخبُّطٍ أو التِواءٍ.

 

وبيَّن فضيلته أن الإيمان هو الذي يحفِزُه إلى إشاعَة الحق والعمل به والدعوة إليه، يرسُمُ بذلك طريقَ الفضيلةِ والصلاح، ويحُثُّ غيرَه على سُلوكِه، بمُختلف الوسائل، التي تأتي في الطَّليعَة منها: السيرةُ الخيِّرة، والمسلَك الراشِد الذي يلتزِمُه هذا المؤمنُ المُسدَّد. إذ القُدوةُ الصالحةُ والأُسوةُ الحسنةُ هي الضياءُ المُشرِقُ، والكوكبُ اللامِع الذي يجذِبُ إليه الأبصار، ويحمِلُ إلى الاقتِباسِ منه، والاستِنارةِ به، والاهتِداءِ بضِيائِه، وذلك شأنُ من دعَا إلى الله على بصيرةٍ، مُتَّبِعًا نهجَ القرآن في الدعوة بالحِكمة والموعِظة الحسنة.

 

وأضاف الشيخ من سمات الداعية أن يكون مُقتفِيًا آثارَ خاتم النبيين وإمام المُرسَلين - صلواتُ الله وسلامُه عليه - في خفضِ الجناحِ، واللِّين والرِّفقِ، الذي بيَّن - صلى الله عليه وسلم - حُسنَ عاقبتِه، وجميلَ آثارِه بقوله: «إن الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانَه»؛ ذلك الخُلُقُ الكريمُ الذي أثنَى الله تعالى به عليه - صلى الله عليه وسلم -، فقال في مقام الامتِنان والتحذيرِ من التخلُّقِ بضِدِّه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].

 

وختم الشيخ خطبته بالإشارة إلى عظيم أجر الدعاة إلى الله تعالى، فقال: إن فيما جاء من الأجر الضافِي والجزاء الكريم لدُعاة الهُدى وحمَلَة مشاعِل الفضيلة، الوارِد في مثلِ قولِه - عليه الصلاة والسلام -: «من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبِعَه لا ينقُصُ ذلك من أجورِهم شيئًا»، وقولِه - صلواتُ الله وسلامُه عليه-: «لأَن يهدِيَ الله بك رجُلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم»، إن في هذا البيانِ النبويِّ من التوجيهِ إلى عِظَم ثوابِ الدعاةِ إلى الله على بصيرةٍ، وحُسن مآلهم، وجميلِ آثارِهم، ومَسيسِ الحاجةِ إلى دعوتهم ما يحمِلُ على كمال الإقبالِ عليها، وتمام العنايةِ بأمرِها، والرِّعايةِ لحقوقِها، وتحمُّل المشاقِّ والصبر على الصِّعابِ في سبيلِ القيامِ بها، وأدائِها على الوجهِ الذي يُعظِمُ الله به الأجرَ، ويرفعُ به الذكرَ، ويُعلِي به القَدرَ.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الاستعداد للموت"، والتي تحدَّث فيها عن الموت وأنه غايةُ كل مخلوق، ونهايةُ كل حيٍّ، مُبيِّنًا كيف يكون استِعدادُ المرء له بالأعمال الصالحة وأعظمها تحقيق توحيد الله تعالى، كما ذكرَ أسبابَ حُسن الخاتمة وسُوء الخاتمة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال:  فاتقوا الله تعالى بطلبِ رِضوانه، والبُعد عن عِصيانِه؛ فتقوى الله صلاحُ أحوالكم في حياتكم، والعُدَّة لما أمامَكم مما تخافُون وما تحذَرون.

 

وأضاف الشيخ: كلٌّ يسعَى في هذه الحياة لمنافعِه، وإصلاحِ أموره ومطالبِ معاشِه؛ فمنهم من يُصلِح دينَه مع إصلاحِ دُنياه، وهؤلاء الذين آتاهم الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ووقاهم عذابَ النار. ومنهم من يسعَى للدنيا ويُضيِّعُ نصيبَه في الآخرة، وأولئك الذين يتمتَّعُون ويأكلُون كما تأكلُ الأنعامُ والنارُ مثوًى لهم. وكلُّ همٍّ وعملٍ له أجلٌ ينتهِي إليه، قال الله تعالى: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النجم: 42].

 

وقال حفظه الله: والموتُ غايةُ كل مخلُوقٍ على الأرض، والموتُ نهايةُ كل حيٍّ في هذه الدنيا، وقد كتبَه الله حتى على الملائكة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومن دونَهم - عليهم الصلاة والسلام -، وملَكُ الموت يمُوتُ، قال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26، 27].

 

وأكد فضيلته أن الموت آخرُ الحياة الدنيا، وأولُ الدار الآخرة؛ إذ به ينقطِعُ متاعُ الحياة الدنيا، ويرَى الميتُ بعد موتِه إما النعيمَ العظيمَ، أو العذابَ الأليمَ. وأن الموت آيةٌ من آياتِ الله الدالَّة على قُدرة الله - عز وجل - وقَهره لمخلُوقاته، والموت عدلٌ من الله - سبحانه -، تستوِي المخلُوقات فيه، والموتُ يقطعُ اللذَّات، ويُنهِي من البدَن الحركات، ويُفرِّقُ الجماعات، ويحُولُ دون المألُوفات. تفرَّد الله به مع الحياة، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [المؤمنون: 80].

 

وبيَّن فضيلته أن الموت لا يمنعُه بوَّاب، ولا يدفعُه حُجَّاب، ولا يُغنِي عنه مالٌ ولا ولدٌ ولا أصحاب. لا ينجُو منه صغير ولا كبير، ولا غنيٌّ ولا فقير، ولا خطيرٌ ولا حقيرٌ، قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء: 78]، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة: 8].

 

وقال وفقه الله: والموتُ يأتي بغتةً بأجل، ولا يستأذِنُ على أحدٍ إلا الأنبياء؛ فإنه استأذنَ لكرامتهم على الله - عليهم الصلاة والسلام -، فاستأذنَ على كل أحدٍ منهم. وشاءَ الله -تعالى- أن يخرُج ابنُ آدم من الدنيا بالموت، ليقطعَ علائِقَه منها، فلا تحِنُّ شعرةٌ منه إليها إذا كان مُؤمنًا. عن أنسٍ - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أحدٌ له عند الله منزلة يُحبُّ أن يرجِع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيءٍ، إلا الشهيد يتمنَّى أن يرجِع إلى الدنيا فيُقتلَ عشرَ مراتٍ؛ لما يرى من الكرامة» (رواه البخاري ومسلم).

 

وأشار الشيخ إلى أن الموت مُصيبةٌ لا بُدَّ منها، وألمُ الموت لا يقدِرُ أحدٌ أن يصِفَه لشدَّته؛ فالروحُ تُنزعُ به من العُروق واللَّحم والعصَب، وكلُّ ألمٍ شديدٍ فهو دون الموتِ. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالموت عنده قدَحٌ فيه ماء، وهو يُدخِلُ يدَه في القدَح ثم يمسَحُ وجهَه بالموت، ثم يقول: «اللهم أعِنِّي على غمَرات الموت وسكَرات الموت» (رواه الترمذي). وفي بعضِ الروايات: «إن للموتِ لسكَرات».

 

وقال وفقه الله: ومن أدامَ ذكرَ الموت رقَّ قلبُه، وصلُح عملُه وحالُه، ولم يتجرَّأ على المعاصِي، ولم يُضيِّع الفرائِض، ولم تغُرَّه الدنيا بزُخرفها، واشتاقَ إلى ربِّه وإلى جناتِ النعيم. ومن نسِيَ الموتَ قسَا قلبُه، وركَنَ إلى الدنيا، وساءَ عملُه، وطالَ أملُه؛ فتذكُّرُ الموت أعظمُ المواعِظ. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثِروا ذِكرَ هاذِمِ اللذَّات الموت» (رواه الترمذي والنسائي، وصحَّحه ابنُ حبَّان). ومعنى الحديث: أن الموتَ قاطعُ اللذَّات ومُزيلُها.

 

وأكد الشيخ أن السعادةَ كلّ السعادة، والتوفيق كلّ التوفيق، والفوز كلّ الفوز في الاستِعداد للموت؛ فالموتُ أولُ بابٍ للجنة أو أولُ بابٍ للنار. والاستِعدادُ للموت بتحقيقِ التوحيدِ لله رب العالمين؛ بعبادةِ الله لا يُشركُ به شيئًا، ومُجانبَة الشركِ كلِّه. عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «قال الله تعالى: يا ابنَ آدم! إنك لو أتيتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا، لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً» (رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسن").

 

وبيَّن الشيخ سبل الاستعداد للموت بقوله: الاستِعدادُ للموت بحفظِ الحُدود والفرائِض، والاستِعدادُ للموت باجتِناب كبائِر الذنوبِ والآثام، والاستِعدادُ للموت بأداء حقوقِ الخلق، وعدم تضييعها أو المُماطلَة بها؛ فحقُّ الله قد يعفُو عنه إذا كان دون الشركِ، وأما حقوقُ العباد والخلق فلا يعفُو الله عنها إلا بأخذِها من الظالِم وإعطاءِ المظلُوم حقَّه. والاستِعدادُ للموت بكتابة الوصيَّة، وألا يُفرِّطَ في ذلك. والاستِعدادُ للموت بأن يكون مُتأهِّبًا لنُزولِه في كل وقتٍ.

 

وأضاف الشيخ: والسعادةُ أن يُختمَ للميت بخيرٍ؛ ففي الحديث: «الأعمالُ بالخواتِيم». عن مُعاذٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «من كان آخرُ كلامه: لا إله إلا الله، دخلَ الجنة» (رواه أبو داود والحاكمُ بإسنادٍ صحيح).

 

وبيَّن الشيخ أن مما يتأكَّدُ العملُ به: تلقين المُحتضَرِ الشهادةَ برفقٍ ولُطفٍ؛ بأن يذكُر الشهادةَ ليتذكَّرَها المُحتضَر، ولا يُضجِرَه فإنه في كربٍ شديد. عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقِّنُوا موتاكم: لا إله إلا الله» (رواه مسلم).

 

وأكَّد فضيلته أن الشقاوة هي الذُّهولُ عن الموت ونسيانُه، وتركُ الاستِعداد له، والجُرأةُ على المعاصِي والذنوب، وتضييعُ توحيد الربِّ - جل وعلا -، والعُدوانُ والظلمُ بسَفك الدمِ الحرام وأخذ المال الحرام، وتضييعُ حقوق الخلقِ، والانغِماسُ في الشهوات والملذَّات المُحرَّمات، حتى ينزلَ الموتُ فلا ينفعُ عند ذلك الندَم. ولا يتأخَّرُ الأجل، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 99، 100].

ويوم القيامة تعظُمُ الحسرةُ والندامةُ بالتفريط وعدم الاستِعداد للموت.

 

وختم الشيخ خطبته بذكر بعض الأمور المعينة على حسن الخاتمة فقال: حافِظوا على أسبابِ حُسن الخاتمة؛ بإقامة أركان الإسلام الخمسة، واجتِنابِ المآثِمِ والمظالِم.

 

وأضاف الشيخ: ومن أعظم أسباب حُسن الخاتمة: دوامُ الدعاء بحُسن الخاتمة، وقد قال -سبحانه-: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]. فالدعاءُ جِماعُ الخير كلِّه، عن النُّعمان بن بشيرٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاءُ هو العبادة» (رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح"). وفي الحديث: «من أكثَرَ من قولِ: اللهم أحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة، ماتَ قبلَ أن يُدرِكَه البلاءُ».

 

وبيَّن فضيلته في ختام خطبته أن من أسباب سُوء الخاتمة عند الموت: تضييع حق الله وحقوق الخلق، والإصرار على الكبائِر والآثام، والاستِخفاف بعظمَة الله، والرُّكون إلى الدنيا، ونسيان الآخرة.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات