مختصر خطبتي الحرمين 22 شوال 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

متى كان القتلُ والترويعُ أمرًا مشروعًا في هذا الدين؟! ومتى كان البغيُ والعُدوانُ على المُسلمين طريقًا إلى رِضوان الله، وسبيلاً إلى جناته؟! ومن المُنتفِعُ بهذه الأعمال على هذه الحقيقة - يا عباد الله -، من المُنتفِع؟! وكيف يرضَى أحدٌ لنفسِه أن ينقلِبَ إلى أداةٍ طيِّعةٍ بيد أعداء دينِه، وخصوم وطنه وأمَّته، يبلُغون بها ما يُريدون من الشرِّ والخَبال، وهم قارُّون موفورون لم يمسَسهم سُوءٌ؟! وكيف لا تقرُّ أعينُ هؤلاء الموتورين وهم يرَون من يُقاتِلُ عنهم، ويضرِبُ بسلاحهم، ويتحيَّزُ إلى فئتهم؟!...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "تحريم البغي وقتل النفس المعصومة"، والتي تحدَّث فيها عن البغي والعُدوان الذي وقع أمس في منطقة عسير، وما تبِع ذلك من مقتل وإصابة العديد من رجال الأمن، مُبيِّنًا حُرمة قتل النفس المعصومة، وخطورة الغدر وعاقبته يوم القيامة، كما ذكر بعضَ أقوال أهل العلم في الخوارِج ومذهبهم الفاسِد، وحذَّر في آخر خطبته من ترك العناية بالشباب وتعليمهم وتثقيفهم للتصدي لهذا التطرُّف والانحِراف.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -؛ فتقوَى الله خيرُ زاد السالِكين، وأفضلُ عُدَّة السائرين إلى ربِّ العالمين.

 

وأضاف الشيخ: إن الحذرَ من خُسران العمل، والنُّفرة من ضلال السعي نَهجُ أُولِي الألباب، وسبيلُ عباد الرحمن، وطريقُ الراسِخين في العلم؛ لأنهم يستيقِنون أن سعادةَ المرء هي في توفيق الله له إلى إصابة الحقِّ، ولزوم الجادَّة، والاهتِداء إلى الصراط المُستقيم، والسلامة من العِثار، والنجاة من الزَّلَل؛ بعبادةِ الله على بصيرةٍ، ففي هذا صيانةٌ للعبد ووقايةٌ له من أن يُضمَّ إلى زُمرة الأخسَرين أعمالاً، الذين نبَّأنا - سبحانه - بأحوالِهم، وأوضحَ حقيقتَهم بقوله - عزَّ اسمُه -: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103، 104].

 

وقال حفظه الله: ألا وإن ضلالَ السعي ضُروبٌ وألوانٌ لا يكادُ يحدُّها حدٌّ، أو يستوعِبُها بيان. غيرَ أن من أقبَحها وأشدِّها نُكرًا، وأعظمها ضررًا: شقَّ عصا الطاعة، ومُفارقَة الجماعة، والتردِّي في حمئَة التمرُّد والعِصيان، واستِباحة الدماء المعصُومة، وقتل النفسِ التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحقِّ، بالتأويلات الباطلة، والآراء الفاسِدة المدخُولة، والفتاوى المُغرِضة التي لا تستنِدُ إلى دليلٍ صحيحٍ، ولا ترجِعُ إلى فقهٍ ولا نظرٍ سليمٍ قويمٍ.

 

وقال وفقه الله: ومن ذلك - يا عباد الله -: ما حدثَ في منطقة عسير ظهيرة الأمس، مما جاء خبرُه، واتصلَ بكم نبؤُه، فأحدثَ شرًّا ونُكرًا وفسادًا عريضًا، لا يُمكن لمُؤمن صادقٍ يحذرُ الآخرةَ ويرجُو رحمةَ ربِّه أن يقبَل به، أو يدعُو إليه، أو يحُضَّ عليه. كلا والله، لا يُمكن ذلك أبدًا.

 

وأضاف فضيلته: إذ متى كان القتلُ والترويعُ أمرًا مشروعًا في هذا الدين؟! ومتى كان البغيُ والعُدوانُ على المُسلمين طريقًا إلى رِضوان الله، وسبيلاً إلى جناته؟! ومن المُنتفِعُ بهذه الأعمال على هذه الحقيقة - يا عباد الله -، من المُنتفِع؟! وكيف يرضَى أحدٌ لنفسِه أن ينقلِبَ إلى أداةٍ طيِّعةٍ بيد أعداء دينِه، وخصوم وطنه وأمَّته، يبلُغون بها ما يُريدون من الشرِّ والخَبال، وهم قارُّون موفورون لم يمسَسهم سُوءٌ؟! وكيف لا تقرُّ أعينُ هؤلاء الموتورين وهم يرَون من يُقاتِلُ عنهم، ويضرِبُ بسلاحهم، ويتحيَّزُ إلى فئتهم؟!

 

وقال حفظه الله: وما زال هؤلاء البُغاةُ الضالُّون سادِرين في غيِّهم، يُخِبُّون ويُوضِعون في الإثم والعُدوان الذي يتجلَّى في أبشَع صُوره وأشدِّها نُكرًا، بقتل أهل الإسلام المُصلِّين الراكِعين الساجِدين لرب العالمين، مُزدلِفين إليه بأداء فريضةٍ من فرائضِه.. وشتَّان - يا عباد الله - شتَّان بين من يقدُم على ربِّه راكعًا ساجدًا مُصلِّيًا، وبين من يقدُم عليه مُحادًّا لله ولرسولِه بقتل نفسه، وبقتل النفس التي حرَّم الله قتلَها بغير حقٍّ. إن بين الخاتمتين لموعظةً وذكرى للذاكرين، وإن بينهما لمُدَّكرًا لقومٍ يعقِلون.

وأضاف الشيخ: إن هذه الأحداث الأليمة التي تقَضُّ لها مضاجِعُ أُولِي النُّهى، وتهتزُّ لها أفئدةُ أُولِي الألباب، وإن هذا العُدوان الذي تعرَّضَت له هذه البلاد المُبارَكة هو أمرٌ مرفوضٌ، لا شكَّ في رفضِه عند كل العُقلاء، أمرٌ مرفوضٌ يُنكِرُه كل العُقلاء أشدَّ الإنكار؛ لأنه مُحرَّمٌ بنُصوص الكتاب والسنة، ولأنه تعدٍّ لحدود الله، وانتِهاكٌ لحُرماته، وعُدوانٌ على عباده، ولأنه فسادٌ نهَى الله عنه، وأخبرَ أنه لا يُحبُّه، وأنه لا يُصلِحُ عملَ المُفسِدين، وتوعَّدهم عليه بالعذاب الأليم.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على تضافر الجهود للتصدي لهذه المخاطر فقال: إن تضافُر الجهود، وتكاتُف المساعي، ووقوف الأمة كلِّها صفًّا واحدًا في وجه هذا البغي والإجرام الذي لا يرقُبُ مُقترِفُه في مُؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة. وإن تحصينَ الشباب من صَولَة هذا الباطل، وحِراستَه من هذا الانحِراف، وذودَ الخطر عن ساحتهم، وتطهيرَ كل القنوات والروافِد التي تُغذِّي هذا الفكر الضالَّ، وتمُدُّه بأسباب البقاء والنَّماء، وإن قطعَ الشرايين التي تضمنُ له الحياة، إن كل أولئك حقٌّ واجبٌ على كل أهل الإسلام.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حق المسلم على المسلم"، والتي تحدَّث فيها عن حقوق المسلمين فيما بينهم، مُبيِّنًا منزلةَ الإنسان عمومًا والمسلم خصوصًا عند الله تعالى، كما تحدَّث عن وجوب صيانة دمه وماله وعِرضِه وعدم التعرُّض لأيٍّ منها بسوء، مُنوِّهًا إلى هذا الحادث الإرهابي الذي حدث أمس في منطقة عسير، كما وجَّه حديثَه إلى العلماء والدعاة بضرورة اهتمامهم بالشباب وتوجيههم، ناصحًا الشباب بالرجوع إلى الكتاب والسنة، والالتفاف حول علمائِهم، ففي ذلك النجاة والفلاح في الدارَين.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فالتقوَى في اتِّباع الهُدى، والعمَى في اتِّباع الهوَى.

 

وأضاف الشيخ: خلقَ الله آدم بيدَيه، وأمرَ الملائكةَ بالسجود له؛ فسجَدوا إلا إبليس أبَى واستكبرَ وكان من الكافرين، فاستحقَّ الإبعادَ من رحمةِ الله. وسُنةُ الله في خلقه أن من أطاعَ ربَّه واتبعَ رسلَه فازَ بالسعادة في الدارَين، ومن عصَى واستكبرَ ولم يتَّبع المُرسلين كان من الأشقياء الهالِكين.

 

وقال حفظه الله: وقد أعلى الله مكانةَ المؤمنين المُوحِّدين، فالملائكةُ تدعُو لهم بالمغفرة ودخول جنات النعيم؛ ودعا الأنبياءُ للمُؤمنين والمُؤمنات بالمغفرة؛ وأحبَّ الله المُؤمنين وقرَّبهم إليه ونصرَهم، وهو - سبحانه - معهم بالتأييد والتثبيت، وأنزلَ جُنودًا من السماء لنُصرتهم، وقلَبَ نعمًا في الأرض نِقَمًا على أعداء المُسلمين؛ فجعل نسيمَ الرياح ريحًا صرصرًا على من عداهم، والله يرمِي سهمَهم ويُسدِّد نبلَهم، وهو الذي يكشِفُ كُربَهم، ويهديهم في الشدائد، وهو الذي ينتصِرُ لهم على عدوِّهم، وجعلَ لهم المودَّة والمحبَّة والقبولَ في قلوب العباد.

 

وقال وفقه الله: والمُؤمنُ موعودٌ بالحياة الطيبة، وجعلَ -سبحانه - أعمالَه مُبارَكةً في حياتِه وبعد مماته؛ والقُربُ من المُؤمن خيرٌ، وزيارتُه من أجلِّ العبادات.

 

وأضاف فضيلته: وجميعُ أحواله وتقلُّباته من الأحزان والأفراح خيرٌ له، وأعمالُه الصالحةُ مُضاعفَة، ومصائبُه لسيئاته مُكفِّرة؛ ومرضُه ذُخرٌ له عند ربِّه، وعيناهُ إن فقدَهما عوَّضه عنهما الجنة، ولا يُغسَّلُ أحدٌ من ذريَّة آدم بعد وفاته سوى المُسلم، ومن تبِع جنازتَه وكان معها حتى يُصلَّى عليها ويُفرَغ من دفنها رجعَ من الأجر بقيراطين، وكسر عظمِه بعد موته ككسرِه وهو حيٌّ، ودِيَتُه على الضِّعف من دِيَة غيره.

 

وقال حفظه الله: وجِماعُ الشرِّ في احتقار المُسلم وازدِرائِه، ولحُرمته عند الله أمرَ أن تكون نفسُ المُسلم مُطمئنةً في الحياة، فلا تُراعُ ولا تُؤذَى؛ بل كل أمرٍ يُخشَى أن ينالَه أذًى منه نهَى الله عنه؛ وأذيَّتُه باللسان مُحرَّمة؛ ولعنُه كقتلِه، ومن قذفَه بغير بيِّنةٍ جُلِد ثمانين جلدةً. ومالُ المُسلم مُصانٌ، لا يُسلَبُ ولا يُنهَبُ ولا يُغتصَب. ومن حلَفَ يمينًا بغير حقٍّ ليأخُذ مالَ أخيه المُسلم أكبَّه الله في النار، ومالُه مُحترمٌ بعد مماته، فلا يحلُّ مالُه لأحدٍ إلا لورثَته ممن كان على الإسلام.

 

وقال وفقه الله: وأما دماءُ المُسلمين فشأنُها عند الله عظيم، فهي أولُ ما يُفصلُ فيها من الخُصومات، لعظيم أمرها، وكبير خطرها، ودمُ المُسلم أعزُّ الدماء عند الله؛ ومن تعدَّى على نفسٍ مُسلِمةٍ فكأنما تعدَّى على الخلق كلِّهم؛ قال - عز وجل -: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، وسفكُ دم المُسلم مُوجِبٌ لغضب الله ولعنته؛ قال - جل وعلا -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

 

وأضاف الشيخ: لقد فُجِع العالمُ من استِطالة المُفسِدين فيها بسفك الدماء المعصُومة وترويع الآمنين، واستِهدافُ المُصلِّين في بيوت الله مُنكرٌ عظيم، وظلمٌ غاشِم، وصفَ الله فاعلَه بأنه لا أظلَم منه؛ قال - سبحانه -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) [البقرة: 114]، والغدرُ بحُماة الأمن في بيوت الله وهم يُؤدُّون شعائِر الله انسِلاخٌ عن صفات الإنسانيَّة وتجرُّدٌ من الخوف من الله، واستِخفافٌ بمحارِمِه وحُرماته وشعائِره.

 

وقال حفظه الله: ما الذي دهَى شبابَنا؟! من الذي أفسدَ عقولَهم؟! من الذي حرَّف فِطرتَهم؟! من الذي سمَّ أفكارَهم؟! ومن الذي بدَّل عقيدتَهم؟! من الذي قلبَ برَّهم لبلدهم وآبائِهم وإخوانهم إلى عقوقٍ ونُكرانٍ وقتلٍ وإفساد؟!

 

وقال وفقه الله: إن المسؤولية الكُبرى هي على عاتِق العلماء الراسِخين، وأهل العلم الربَّانيين عليهم أن ينبُذوا الفُرقة والنزاع عنهم..، وأن يقوموا برسالتهم التي ائتمنَهم الله عليها، فيشرَحوا صُدورَهم للشباب ويُكثِرون الجلوسَ معهم، ويتبسَّطوا في الحديث معهم، ويُوجِّهوهم ويُتحاوَروا معهم بكل أناةٍ وحلمٍ، ويكشِفوا شُبَههم ويُزيلُوا اللبسَ عنهم.

 

وحذر من ابتعاد أهل العلم عن الشباب فقال: وإذا ابتعدَ أهلُ العلم عن الشباب تلقَّفَهم الأعداءُ وأهلُ الشُّرور، وأمرُوهم ونهَوهم بما يشتَهون، وخدعُوهم كيف يقتُلون ويُدمِرون.

 

وأوصى الأب برعاية أبنائه فقال: وعلى الأبِ أن يتفقَّد صُحبةَ بنِيه، ويُبعِد رُفقةَ السوء عنهم، ويغتنِمُ في كل لحظاته ما منحَه الله له من دعوةٍ مُستجابةٍ لأبنائِه.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته الشباب بعدة وصايا مهمة فقال: أيها الشابّ! إن الفتنَ تتخطَّفُ من حولِك، ولن تُعصَم منها إلا بالإكثار من تلاوة القرآن العظيم وحفظِه، والتمسُّك بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإذا رغِبتَ فأفضلُ الجهاد وأعلاه منزلةً وأكثرُه أجرًا هو طلبُ العلم، بحفظِ القرآن العظيم وما تستطيعُه من حديثٍ ومن متون أهل علم. واحذَر أن تكون آلةً لمن هم خلفَ كواليسِ الشبكات العنكبوتية، من مجاهيل وجُهالٍ من ذوي النفاق والحِقد الدَّفين على الإسلام وأهلِه. واحذَر أن تكون مركبًا للأعداء لتحقيق مآربِهم بتدمير بلادِك، وقتل المُسلمين الآمِنين فيها. والزَم في حياتِك العلماء الربَّانيين، والصُّحبةَ الصالحةَ الحافظةَ لدينها، وسلْ عما شئتَ مما أشكلَ عليك من الشُّبُهات، وصاحِبِ الدعاءَ في كل أحوالِك أن يهدِيَك ربُّك للصواب، وألا يُزيغَ قلبَك، وأن يصرِف عنك الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات