مختصر خطبتي الحرمين 2 رمضان 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

سباق محموم عبر القنوات المرئية، باستِنفارٍ مُثيرٍ للدهشة، إلى ما يخدِشُ الحياء، ويُشيعُ الفاحِشةَ، وينشُرُ الإثمَ بكل بلادةٍ وقحَة، فيحلِقون الدين قبل أن يحلِقوا العفاف والحياء. إنه يؤُزُّون من خلالِه الأبصار والأسماع أزًّا، ويأطُرونَها أطرًا على أن تجعلَ مفهومَ رمضان أنه شهرٌ للتسلِية والترفيه والانفِلات، بمُشاهَداتٍ تُضادُّ خاصيَّةَ هذا الشهر المُبارَك؛ من أفلامٍ هابِطة، ومشاهِد تُفسِد ولا تُصلِح، وتُفرِّقُ ولا تجمع. ولسانُ حال مُواقِعيها أنهم يُنغِّصون أجواءَ الشهر المُبارَك عن الشياطين المُصفَّدة بالوكالَة. فأين هؤلاء من عُقوبة انتِهاك حُرمة شهر الله المُبارَك؟! فضلاً عن كونها مُحرَّماتٍ في رمضان وغير رمضان. أُفٍّ لهؤلاء ثم أُفٍّ!...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "شهر رمضان والتنافس في الخيرات"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما حبانا الله فيه من خيراتٍ وبركاتٍ، مُذكِّرًا بوجوب اغتِنام موسِم الخيرات قبل فوات الأوان في الطاعات، والبُعد عن كل ما يُغضِبُ اللهَ تعالى، ويُفسِد الصيام.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله - سبحانه -؛ فهي للمُؤمن وِجاء، وللخائِف رجاء، وللظمآن سِقاء.

 

وأضاف الشيخ: لقد حلَّ بكم ضيفٌ اشرأبَّت للُقياه نفوسُ الصالحين .. ضيفٌ له في قلوب العارِفين مُخيَّمٌ ضُرِبَت أوتادُه .. وتسابقَت إلى استِقباله جِيادُه .. ضيفٌ تسمُو بمُجالسَته القلوبُ المُخبِتة، وتشرَقُ بحُلُوله القلوبُ المريضة .. ضيفٌ لا يأنسُ به إلى غُرٌّ كريم، ولا يأنَفُ منه إلا غِرٌّ لئيم. لقد أتاكم - أيها المؤمنون - شهرُ ضياء المساجِد .. شهرُ الذكر والمحامِد .. شهرُ البُطولات والانتِصار، ومُجاهدة النفس والهوَى والشيطان، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].

 

وقال حفظه الله: لقد أظلَّ أمةَ الإسلام هذا الشهرُ المُبارَك، وهي تُعالِجُ من اللأواء والخُطوب والشحناء، والعداوَة والبغضاء، ما فرَّقَت به مُجتمِعَها، وباعَدَت قريبَها؛ فخُوِّن أمينُها، واؤتُمِنَ خائنُها، وصُدِّق كاذِبُها، وكُذِّب صادِقُها. فكان حلولُه عليها ضيفًا عزيزًا، فُرصةً سانِحةً إلى أوبةٍ بعد شُرود، وكَورٍ بعد حَور، ويقظَةٍ بعد غفلة. إنه إن لم يكُن شهرُ رمضان المُبارَك نُقطةً فاصِلةً للأمة، بين ماضٍ جريحٍ، وحاضرٍ كيِّسٍ قويٍّ فطِنٍ. فما هو إلا الجُوعُ والعطش، ولاتَ ساعة اغتِنام!

 

وقال فضيلته: إنه شهرُ تنقية النفس من عوالِق الحياة وزُخرفها، يُذكِّر بالجُوع والعطَش، ويُلجِمُ المرءَ عن التَّرَف والعبِّ من الشهوات كما الهِيم. إنه شهرُ المُحاسَبة والجِدِّ مع الذات، إنه شهرُ ذمِّ النفس عن كل حظٍّ بغيض وخُلُقٍ دنِيء. إنه شهرُ اغتيال المعاصِي، وإذكاء المُمانَعة أمام الشيطان، وما يجلِبُه على الأمة بخَيلِه ورجِلِه، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء: 120].

 

وقال وفقه الله: إن الله - جلَّ شأنُه - حينما شرعَ لنا صومَ شهر رمضان، جعلَ التنافُس فيه مُشاعًا لعُموم عباده، فهو لم يفرَض للأغنياء وحسب، ولا للفُقراء وحسب، ولا للعُبَّاد وحسب، كلا؛ بل هو لعُموم الأمة. فهو سُلوة العُبَّاد، وتجارةُ الأغنياء، وخلوةُ الذاكرين، كلٌّ بما وهبَه الله من همَّةٍ وشِرَّة؛ فإن للغنيِّ فيه حظًّا، وللفقير فيه حظًّا، ولقارِئ القرآن حظًّا، ولقائمٍ ليلَه حظًّا. وإن المُحصِّلة في ذلكم كلِّه: تحقيقُ التقوى التي شرعَ الله الصومَ لأجلها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

 

وقال حفظه الله: إن من أعظم الأخلاق التي يتجاذبُها الصائِمون في شهر رمضان المُبارَك - بعد كبحِ جِماح النفس بالصوم، إبَّان تصفيدِ الشياطين - هو ذلكم الخُلُق الرفيع، الذي يتجلَّى في التراحُم والتعاطُف؛ إذ يزدادُ توقُّدًا، يضطرُّ النفسَ إلى أن يرهَفَ طبعُها، ويأسَفَ قلبُها، فيحمِلُ الصائمُ في نفسه معنى الناس لا معنى ذاتِه المُقصِّرة، فإن من فاقَ الناسَ بنفسِه الكبيرة، ستكونُ عظمتُه في أن يفُوقَ هو نفسَه الكبيرة دون بطَرٍ أو غمطٍ. وإذا عظُمَت نفسُ المرء هانَ عنده المال والبذل والجُود، فاغتالَ شُحَّه ووأدَ أنانيَّتَه وهي حيَّة، فلم يُصبِح حينَها حِلسَ شُحٍّ، أو كنَدٍ، أو بُخلٍ، أو كسلٍ أو تسويف.

 

وقال وفقه الله: هناك سباق محمُوم عبر القنوات المرئية، باستِنفارٍ مُثيرٍ للدهشة، إلى ما يخدِشُ الحياء، ويُشيعُ الفاحِشةَ، وينشُرُ الإثمَ بكل بلادةٍ وقحَة، فيحلِقون الدين قبل أن يحلِقوا العفاف والحياء. إنه يؤُزُّون من خلالِه الأبصار والأسماع أزًّا، ويأطُرونَها أطرًا على أن تجعلَ مفهومَ رمضان أنه شهرٌ للتسلِية والترفيه والانفِلات، بمُشاهَداتٍ تُضادُّ خاصيَّةَ هذا الشهر المُبارَك؛ من أفلامٍ هابِطة، ومشاهِد تُفسِد ولا تُصلِح، وتُفرِّقُ ولا تجمع. ولسانُ حال مُواقِعيها أنهم يُنغِّصون أجواءَ الشهر المُبارَك عن الشياطين المُصفَّدة بالوكالَة. فأين هؤلاء من عُقوبة انتِهاك حُرمة شهر الله المُبارَك؟! فضلاً عن كونها مُحرَّماتٍ في رمضان وغير رمضان. أُفٍّ لهؤلاء ثم أُفٍّ!

 

وقال حفظه الله: وإذا كان شهرُ رمضان المُبارَك شهرَ الدعاء والِّكر وطُول القُنوت، فحرِيٌّ بالمُؤمن الغُرِّ ألا يُزاحِم شيئًا من ذلكم بصوارِفِها، ليستحِقَّ بذلك أن يدخُل في جُملة الذين إذا دعَوا ربَّهم استجابَ لهم، من الذين أرشدَهم الله غِبَّ آيات الصيام بقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]. والدعاءُ المُستجابُ هنا هو دعاءُ المُخبِت الخاشِع، المُوقِن بالإجابةِ.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته باغتنام أيام رمضان، فقال: إنكم تُقبِلون في هذا الشهر إلى كريمٍ رحيمٍ، قريبٍ ودودٍ، يمينُه ملأَى لا يغيضُها نفقةٌ، سحَّاءَ الليلَ والنهار، يبسُطُ يدَه في الليل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويبسُطُ يدَه في النهار ليتوبَ مُسيءُ الليل، يُحبُّ التوابين ويُحبُّ المُتطهِّرين. وإنه لأشدُّ فرَحًا بتوبةِ عبدِه وإقبالِه إليه ممن ضلَّ راحلتَه في صحراء مُهلِكةٍ، ثم وجدَها. فأرُوا اللهَ من أنفُسِكم في هذا الشهر المُبارَك، قبل انفِراط عِقده، وتصرُّم أيامِه وليالِيه؛ فإن الشهرَ المُبارَك أشدُّ تفلُّتًا من الإبِل في عُقُلها. فبينَا الناسُ يُهنِّئُ بعضُهم بعضًا بقُدومه، إذ بهم يُعزِّي بعضُهم بعضًا بفِراقِه. بين ظالمٍ لنفسِه ومُقتصِد، وسابقٍ بالخيرات بإذن الله.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "هنيئًا لنا بشهر رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن موسِم الخير شهر رمضان، مُبيِّنًا أنه نعمةٌ كبيرةٌ من الله تعالى، كما حثَّ فيه على استغلاله بالأعمال الصالحة؛ من الإخلاص، والقيام، والذكر، والدعاء، والبُعد عن المُنكرات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتَّقاه وقاه، وأسعدَه ولا أشقاه.

 

وأضاف الشيخ: إن بلوغ هذا الشهر نعمةٌ كُبرى، ومنَّةٌ عُظمَى من المولَى - جل وعلا -. كيف لا، وهو تُكفَّر فيه السيئات، وتُغفَرُ فيه الزلاَّت، وتُحطُّ فيه الخطايا؛ فالمُوفَّق من يسعَى إلى نيلِ رِضَا ربِّه - جل وعلا -، ليفوزَ بالدرجات العُظمى، ويسعَد دُنيًا وأخرى.

 

وقال حفظه الله: إن الفلاحَ الأتمَّ، وإن السعادةَ الكُبرى تكمُنُ في المُبادَرة إلى الخيرات، والمُسابقَة إلى الطاعات، ونيل رِضا ربِّ الأرض والسماوات؛ فلقد كان رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - جوادًا كريمًا في حقوق ربِّه وحقوق الخلق، وكان - صلى الله عليه وسلم - أجودَ ما يكونُ في رمضان، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ بالخير من الرِّيح المُرسَلة. ألا وإن من الخُسران ومن الغَبن المُبين: أن يُضيِّع الإنسانُ أوقاتَ الشهر سُدًى، كيف وبعضُنا يُضيِّعُها في معاصِي الله - جل وعلا -؟!

 

وقال وفقه الله: إن رمضان مدرسةٌ كُبرى لبناء صفة التقوى للمولَى - جل وعلا -. فلنكُن على هذه الصفة في كل وقتٍ وحينٍ، لاسيَّما في هذا الشهر العظيم، شهرُ رمضان شهرُ مدرسةٍ لتربية النفوس، وتزكِية الأخلاق، لتكون في كل زمنٍ وحينٍ مُجانِبةً كلَّ زورٍ وباطلٍ ولغوٍ، يقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الجماعة -، قال: "فإذا كان صومُ يوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن شاتَمَه أحدٌ أو قاتَلَه فليقُل: إني امرُؤٌ صائِم".

 

وقال وفقه الله: رمضان مدرسةٌ عظيمةٌ لتربية الإنسان على العطاء والسَّخاء، وعلى البذل والجُود لكل مُحتاجٍ ومسكين، يقول - صلى الله عليه وسلم -: "ومن فطَّر فيه صائِمًا كان له مثلُ أجره"، فعلينا جميعًا أن نستغلَّ هذا الشهر في المُبادَرة إلى الطاعات، والمُسابقَة إلى القُرُبات. جعلَنا الله وإياكم مُوفَّقين.

 

وقال وفقه الله: إن من أفضل الأعمال في هذا الشهر: تلاوةَ القرآن بتدبُّر وتعقُّل وتمعُّن، بما يسوقُك للعمل في هذه الحياة؛ ليرضَى عنك ربُّ الأرض والسماوات، يقول - جل وعلا -: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 29، 30]، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كان يُدارِسُه جبريلُ القرآنَ في رمضان، فلقد صارَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تسعَ رمضانات كان يُدارِسُه جبريلُ فيها القرآن، وفي آخر سنةٍ من عُمره عرَضَ عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ مرتين.

 

وأوصى الشيخ المصلين في ختام خطبته بالإكثار من الدعاء فقال: قال علماؤُنا أهلُ التفسير: "إن الله - جل وعلا - جاء في ثنايا آيات الصوم بقولِه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]. قال أهلُ التفسير: "وفي هذا إشارةٌ إلى أن ينبغي للعبدِ أن يُكثِر من الدعاء في هذا الشهر"، وهذا ما أشارَ إليه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم .."، وذكرَ منهم: "الصائِم حين يُفطِر". وفي روايةٍ حسَّنها بعضُ أهل العلم: "والصائِم حتى يُفطِر". فينبغي لنا أن نجتهِد في هذا الشهر بالدعاء، بخيرَي الدنيا والآخرة، وأن نستغِلَّ جُزءًا من أوقاتِنا في الدعاء لأمَّتنا التي أصابَها ما أصابَها من البلاء والمِحَن؛ فالاهتِمامُ بأمور المُسلمين من خِصال المُتَّقين المُؤمنين.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات