اقتباس
أليس هذا الدينُ الحقُّ خليقًا بأن يُوصَف بالعدالة والسلام والحرية الحقَّة، لا أن يُوصَف بالإرهاب والقتل والتعطُّش لسَفكِ الدماء؟! بلى والله، هو ينبُوع السلام، ومَعينُ الإسلام، ودوحةُ الأمن، ومأرِزُ الإيمان. ولن يُعكِّرَ صفوَه ولُوغُ الوالِغين، ولن يُعكِّر نقاءَه غُلُوُّ الخارِجين المارِقين؛ بل سيبقَى كما أرادَ الله له نورًا وضياءً للناسِ أجمعين، وهُدًى ورحمةً للمُؤمنين، وعدلاً ينشُرُ رداءَه في الخافقَين، ومنارًا يهتدِي به السائِرُون إلى يوم الدين.
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - في السِّلم والحرب"، والتي تحدَّث فيها عن نعمةِ بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - للخلق كافَّة، وأنها أفضلُ النِّعم، لما اشتملَت عليه من الرحمةِ في كل مناحِي الحياة ومع كل أطيافِ المُجتمع، ثم بيَّن جانبًا من جوانب هذه الرحمة مُتمثِّلاً في أخلاقِ النبي - صلى الله عليه وسلم - في حالتَي السِّلم والحربِ، وكيف كان حريصًا على الأنفُس من أن تُسفَك، والأموال أن تُسلَب بغير حقٍّ، وكذا أصحابُه - رضي الله عنهم - ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتقوا الله؛ فتقوى الله خيرُ ما تزوَّد به العبدُ في سَيره إلى الله، وأفضلُ ما اعتدَّ به المرءُ في قطع أشواط الحياة بمنأًى عن العِثار، ومنجاةٍ من الأوضار والأوزار.
وأضاف الشيخ: إن النعمَةَ الكُبرى التي لا تعدِلُها نعمة، والمنَّة العُظمى التي لا تفضُلُها منَّة، هي: بعثةُ هذا النبي الكريم - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بالهُدى ودين الحقِّ، ليُخرِج الناسَ برسالته من الظلمات إلى النور، ويهدِيهم به سُبُل السلام، ويضعُ عنهم الآصارَ والأغلالَ التي كانت على من قبلَهم، ويسمُو بهم إلى ذُرى الخير والفضيلة، وينأَى بهم عن مهابِط الشرِّ وحمئَاتِ الرَّذيلة، ويسلُكُ بهم كلَّ سبيلٍ يُبلِّغُهم أسبابَ السعادة في العاجِلة، والفوزَ والفلاحَ والنجاةَ في الآجِلة. ولذا كانت بعثتُه - صلواتُ الله وسلامُه عليه - رحمةً للخلق كافَّةً ونعمةً على البشر قاطبةً، كما أخبرَ بذلك - سبحانه - بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
وقال حفظه الله: فكانت رسالتُه - صلواتُ الله وسلامُه عليه - رحمةً للخلق جميعًا، عربيِّهم وأعجميِّهم، أسودِهم وأبيضِهم، ذكرهم وأُنثاهم، إنسِهم وجانِّهم؛ إذ جاءهم - كما قال بعضُ أهل العلم -: "جاءَهم بهذا الإيمان الواسِع العميق، والتعليم النبوي المُتقَن، وبهذه التربية الحكيمة الدقيقة، وبشخصيَّته الفذَّة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المُعجِز الذي لا تنقضِي عجائِبُه، ولا تخلَقُ جِدَّتُه".
وبيَّن الشيخ أن جوانبَ هذه الرحمة العامَّة الشامِلة في رسالة هذا النبي الكريم - صلواتُ الله وسلامُه عليه - لتجِلُّ عن الحصر، وتربُو على العدِّ، غيرَ أن من أظهر تلك الجوانِب وأعظمها دلالةً على هذا المعنى، وتصديقًا له، وبُرهانًا عليه: ما جاءَت به هذه الرسالةُ من عنايةٍ ظاهرةٍ لا نظيرَ لها بحفظِ الأرواح، وصيانةِ الدماءِ، وعصمةِ الأنفُس. تلك العنايةُ التي لم تكُن مقصورةً على أهل الإسلام فحسبُ؛ بل شمِلَت أيضًا غيرَهم من أهل المِلَل.
وأشار إلى أن من أوضح الدلائِل على هذه العناية: ذلك المنهاجُ النبويُّ الفذُّ المُتفرِّدُ الذي رسمَه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمَّته، وأمرَها بالأخذ به، ونهاها عن المُخالفة عنه وتعدِّي حُدوده، في وقت السِّلم والحربِ على حدٍّ سواء.
وأضاف الشيخ: أما في السِّلم: فقد ثبتَ عنه - عليه الصلاة والسلام - الترهيبُ الشديدُ، والوعيدُ الصارِخُ لمن قتلَ المُعاهَد، وهو الرجلُ من دار الحربِ يدخلُ دارَ الإسلام بأمانٍ من المُسلمين، وذلك فيما أخرجه البخاري في "صحيحه"، عن عبد الله بن عمرو بن العاصِ - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتلَ مُعاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحَها يوجدُ من مسيرة أربعين عامًا». وإنه لوعيدٌ - يا عباد - مُرعبٌ مُرهِب، تقَضُّ له مضاجِعُ أُولِي النُّهى، وتفرَقُ منه نفوسُ أُولِي الألباب.
وقال وفقه الله: وأما في حالِ الحربِ: فإن في وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - لقادَة جيوشِه، وأوامره لهم عند عقدِ الألوِية ما لا يحتاجُ إلى بيان، ولا يفتقِرُ إلى بُرهان؛ إذ هو يُقيمُ الشواهِد على أن للدماء حُرمتها، وللأنفُس والأموال قيمتها. فلا يصِحُّ أن تُترَك نهبًا للاجتهادات المُبتناة على الآراء والظُّنُون والتأويلات التي لا يُسنِدُها علمٌ ولا هُدًى ولا كتابٌ مُنير. من ذلك: ما أخرجه مُسلمٌ في "الصحيح"، عن بُريدة - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اغزُوا في سبيل الله، وقاتِلوا من كفرَ بالله، اغزُوا ولا تغُلُّوا، ولا تغدِروا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتُلوا وليدًا ..» الحديث. ومن ذلك: ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، عن ابن عُمر - رضي الله عنهما -، أنه قال: وُجِدَت امرأةٌ مقتولةً في بعضِ مغازِي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلِ النساء والصِّبيان.
وأضاف الشيخ: وقد استمسَك بهذا الهدي النبوي، ومضَى على هذا النَّهج المُحمديِّ خُلفاءُ النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده، وأُمراءُ المُؤمنين على تعاقُب العُصور. يبدُو ذلك بيِّنًا جليًّا في وصاياهم لقُوَّاد جُيوشِهم، عند بعثِهم لمُصاولَة الأعداء. فمن ذلك: أن الخليفةَ الراشِد أبا بكرٍ الصدِّيق - رضي الله عنه -، أوصَى يزيدَ بن أبي سُفيان - أحدَ قُوَّاده الذين بعثَهم إلى الشام -، فقال له: "إني مُوصِيكَ بعشر خِلال: لا تقتُل امرأةً ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هرِمًا، ولا تقطَع شجرًا مُثمِرًا، ولا تُخرِّب عامرًا، ولا تعقِرَنَّ شاةً ولا بعيرًا إلا لمأكلَة - أي: لطعام -، ولا تعقِرنَّ نخلاً ولا تُحرِّقه، ولا تغلُل"؛ أخرجه الإمام مالكٌ في "الموطأ".
وقال حفظه الله: ومن ذلك: ما أوصَى به أميرُ المُؤمنين عُمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - قُوَّاد جيوشِه عند عقد الألوِية لهم؛ إذ كان يقولُ لهم: "بسمِ الله، وعلى عَون الله، سِيرُوا بتأييد الله، وما النصرُ إلا من عند الله، ولُزوم الحقِّ والصبر، فقاتِلوا في سبيل الله من كفرَ بالله، ولا تعتدُوا إن الله لا يُحبُّ المُعتَدين، ولا تجبُنوا عند اللِّقاء، ولا تُمثِّلوا عند القُدرة، ولا تُسرِفُوا عند الظُّهور، ولا تقتُلوا هرِمًا ولا امرأةً ولا وليدًا، واجتنِبُوا قتلَهم إذا التقَى الصفَّان، وعند شنِّ الغارات".
وأكَّد الشيخ أنه قتالٌ لله، وفي سبيل الله، لا للاستِكبار والعلُوِّ في الأرض وإصابَة المغانِم، وحيازَة الموارِد، وبَسطِ السُّلطان، ولا لاستِغلال الأنفُس والتحكُّم في رِقابِ العباد، ولكن لتكونَ كلمةُ الله هي العُليا، ولضمان حُرية الدعوة وإزالة العقبَات من أمامها، حمايةً لحقِّ الناسِ في حُرية القرار وحرية الاختيار. فهو إذًا قتالٌ عادلٌ لقضيَّةٍ عادلةٍ، فلا مجالَ فيه للعُدوان ولا للتخريب ولا للفساد في الأرض. ودينٌ جاء كتابُه ونبيُّه - صلواتُ الله وسلامُه عليه - بمثلِ هذا الضياءِ الذي انجابَت به ظُلماتُ الأرض. أفلا يكونُ جديرًا بأن تُشرِقَ شمسُه على الدنيا اليوم، كما أشرقَت بالأمس؟!
وتساءل الشيخ: أليس هذا الدينُ الحقُّ خليقًا بأن يُوصَف بالعدالة والسلام والحرية الحقَّة، لا أن يُوصَف بالإرهاب والقتل والتعطُّش لسَفكِ الدماء؟! بلى الله، هو ينبُوع السلام، ومَعينُ الإسلام، ودوحةُ الأمن، ومأرِزُ الإيمان. ولن يُعكِّرَ صفوَه ولُوغُ الوالِغين، ولن يُعكِّر نقاءَه غُلُوُّ الخارِجين المارِقين؛ بل سيبقَى كما أرادَ الله له نورًا وضياءً للناسِ أجمعين، وهُدًى ورحمةً للمُؤمنين، وعدلاً ينشُرُ رداءَه في الخافقَين، ومنارًا يهتدِي به السائِرُون إلى يوم الدين.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من اليأس وذكر أن المستقبل لهذا الدين، فقال: اذكُروا على الدوامِ أنه مهما اغبرَّ وجهُ الحقِّ، وغشِيَته غواشِي الباطل؛ فإن الظُّهورَ والغلبةَ والعزَّ والتمكينَ هو لدينِ الله في نهاية الأمر، فهو - سبحانه - كما أنزلَ الذِّكرَ وتكفَّل بحفظِه، وعدَ أيضًا بإظهار دينِه ورفعِ لوائِه، ووعدُه حقٌّ لا يتبدَّلُ ولا يتخلَّف؛ حيث قال - سبحانه -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33]. فعلى المُؤمن إذًا أن يُحسِن الظنَّ بربِّه، وأن يثِقَ بوعدِه، وأن يُوقِنَ بموعُودِه، وأن يأخُذ نفسَه بالعمل للظفَر بهذا الموعُود، وأن يحذَرَ من اليأسِ والقُنوطِ أن يتسرَّبَا إلى قلبِه، أو يُخالِطَا نفسَه. فليس ذلك شأنَ المُؤمنين، ولا خُلُقَ المُتقين.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " الحقوق الواجبة على العباد"، والتي تحدَّث فيها عن أعمال العباد لهم أو عليهم وفضل أداء الحقوق الواجبة على العبد، وبيَّن خطورة التقصير في بعض الحقوق الواجِبة على المُكلَّف، وأشار إلى أعظم الحقوق بعد حقِّ الله ورسوله منوهًا بفضائل بر الوالدين، وذكر صورًا من عقوق الوالدين.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله فلا تُضيِّعوا فرائِضَه، ولا تعتَدوا على حُدوده؛ فقد فازَ من اتَّقى، وخابَ من اتَّبعَ الهوى.
وأضاف الشيخ: اعلموا أن أعمال العباد لهم أو عليهم، لا ينفعُ اللهَ طاعةُ الطائعين، ولا تضُرُّه معصيةُ العاصِين، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [الجاثية: 15]، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر: 40]. وقال - عز وجل - في الحديث القُدسي: «يا عبادي! إنكم لن تبلغُوا ضرِّي فتضرُّوني، ولن تبلغُوا نفعِي فتنفَعوني . يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه»؛ رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -.
وبيَّن الشيخ أن أداء الحقوق الواجبة على العبد نفعُها في آخر الأمر وأوله يعودُ إلى المُكلَّف بالثواب في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) [الأنبياء: 94]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف: 30].
وأشار الشيخ أن التقصير في بعض الحقوق الواجِبة على المُكلَّف، أو تضييعُها وتركُها بالكلية، يعودُ ضررُه على الإنسان المُضيِّع للحقوق المشروعة في الدين؛ لأنه إن ضيَّع حقوقَ ربَّ العالمين فما ضرَّ إلا نفسَه في الدنيا والآخرة، فالله غنيٌّ عن العالمين، قال الله تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
وأكَّد الشيخ أن حقَّ الربِّ الذي يجبُ حفظُه هو التوحيد، وقد وعدَ الله عليه أعظمَ الثواب، قال تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [ق: 31]. ومن ضيَّع حقَّ الله - عز وجل - بالشرك به، واتخاذ وسائط من دون الله يعبُدهم ويدعُوهم لكشف الضُّرِّ والكُربات، وقضاء الحاجات، ويتوكَّل عليهم، فقد خابَ وخسِرَ وأشركَ بربِّه، وضلَّ سعيُه، لا يقبلُ الله منه عدلاً ولا فِدية، ويُقال له: ادخل النار مع الداخلين، إلا أن يتوبَ من الشرك.
وأضاف الشيخ: وإن ضيَّع المُكلَّف وترك حقوقَ الخلق الواجِبةَ فقد حرمَ نفسَه من الثواب في الدنيا والآخرة، وإن قصَّر في بعضِها فقد حُرِم من الخير بقدر ما نقصَ من القيام بحقوق الخلق. والحياةُ تمضِي بما يلقَى الإنسانُ من شدَّة ورخاء، وحِرمان وعطاء، ولا تتوقَّفُ الحياةُ على نَيل الإنسان حقوقَه الواجِبة له، وعند الله تجتمِعُ الخُصوم، فيُعطِي اللهُ المظلومَ حقَّه ممن ظلمَه وضيَّع حقَّه.
وأكَّد الشيخ أن أعظم الحقوق بعد حقِّ الله ورسوله: حقوقُ الوالدَين، ولعِظَم حقِّهما قرنَ الله حقَّه بحقِّهما، وعظَّم الله حقَّ الوالدَين؛ لأنه أوجدَك وخلقَك بهما، والأمُّ وجدَت في مراحل الحمل أعظمَ المشقَّات، وأشرفَت في الوضع على الهلاك، ورَضاعُه آيةٌ من آيات الله، والأبُ يرعَى ويُربِّي، ويسعَى لرزقِ الولد، ويُعالِجان من الأمراض، ويسهرَ الوالِدان لينام الولد، ويتعبَان ليستريح، ويُضيِّقان على أنفسهما ليُوسِّعَا عليه، ويتحمَّلان قذَارَة الولد ليسعَد، ويُعلِّمانه ليكمُل ويستقيم، ويُحبَّان أن يكون أحسنَ منهما.
وأضاف الشيخ: فلا تعجَب - أيها الولد - من كثرة الوصيَّة بالوالدَين، ولا تعجَب من كثرة الوعيد في عقوقهما، ولن يبلغَ ولدٌ كمال البرِّ بالوالد مهما اجتهَدَ وبذَلَ إلا في حالةٍ واحدةٍ؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يجزِيَ ولدٌ والدَه إلا أن يجِدَه مملوكًا فيشترِيَه فيُعتِقَه»؛ (رواه مسلم وأبو داود والترمذي).
وبيَّن الشيخ أن برَّ الوالدَين هو طاعتُهما في غير معصية، وإنفاذُ أمرهما ووصيَّتهما، والرِّفقُ بهما، وإدخالُ السرور عليهما، والتوسِعةُ عليهما في النفقة، وبذلُ المال لهما، والشفقةُ والرحمةُ لهما، والحُزنُ لحُزنهما، وجلبُ الأُنس لهما، وبرُّ صديقهما، وصِلةُ وُدِّهما، وصِلةُ رحِمهما، وكفُّ جميع أنواع الأذى عنهما، والكفُّ عما نهيَا عنه، ومحبَّةُ طول حياتهما، وكثرةُ الاستغفار لهما في الحياة وبعد الموت. والعقوقُ ضدُّ ذلك كلِّه.
وقال حفظه الله: وكثرةُ العقوق من أشراط الساعة، ومن أعظم العقوق للوالدَين: تحويلُهما أو تحويلُ أحدهما إلى دار المُسنِّين، وإخراجُهما من رعاية الولد - والعياذ بالله -. وهذه ليست من أخلاق الإسلام، ولا من كرم الأخلاق، ولا من الشَّهامة والمُروءة. ومن أعظم العقوق: التكبُّر على الوالدَين، والاعتداءُ عليهما بالضرب والإهانة، والشتم، والحِرمان؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الجنةَ يُوجد ريحُها من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجِدُ ريحَها عاقٌّ».
وختم الشيخ خطبته بالوصية ببر الوالدين مع بيان عظم حقوقهما، فقال: إن حقوق الوالدَين مع ما في القيام بها من عظيم الأجور والبركة، فهي من مكارِم الأخلاق، وأكرم الخِصال التي يقوم بها من طابَت سريرتُه، وكرُم أصلُه، وزكَت أخلاقُه. وجزاءُ الإحسان الإحسان، والمعروف حقُّه الرعاية والوفاء، والجميلُ يُقابَلُ بالجميل، ولا يُنكِرُ المعروفَ والجميل إلا مُنحَطُّ الأخلاق، ساقطُ المُروءة، خبيثُ السريرة، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! من أحبُّ الناس بحُسن صحابَتي؟ قال: «أمُّك، ثم أمُّك، ثم أمُّك، ثم أباك، ثم أدناك فأدناك» رواه البخاري ومسلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم