مختصر خطبتي الحرمين 17 من ربيع الأول 1438هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن ما وقع بالأمة في كثيرٍ من مواطِنِها التي لا تخفَى، وما حلَّ بها جميعًا من مخاوِف ومخاطِر لا مُنتَهى لها إلا برحمةٍ من الله، إن هذه الأحوال تجعَلُكم أمام الله - جلَّ وعلا - في فرضٍ وواجبٍ تُحاسِبُون أنفسكم، تضَعُون أحوالَ الأمة في ميزان الشرع، تعمَلُوا بجدٍّ وصدقٍ وإخلاصٍ للإصلاح بما يُرضِي الله - جلَّ وعلا -. هذه المصائبُ ليس لها من دُون الله كاشِفة، ففِرُّوا إلى الله - يا أمة الإسلام -، أصلِحُوا بالطاعةِ ما فسَدَ بالمعصِيَة، بدِّلُوا ما أظلَمَ من حياتكم بالمعاصي والموبِقات، أبدِلُوه بنور التقوَى..

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "السيرة النبوية والنصر المُبين"، والتي تحدَّث فيها عن سيرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - العطِرة، ووجوبِ قراءة المُسلمين لها قراءةً مقاصديَّة؛ فهي المنهَلُ العذبُ، والمنبَعُ الذي ينضَب، مُبيِّنًا شيئًا مما اشتملَت عليه هذه السيرةُ من أخلاقِ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحروبِ والقتالِ مع أعداءِ الإسلام؛ من الرِّفقِ، والسماحَة، وعدم قتلِ غير المُقاتِلَة، والعُبَّاد، والأطفال، والنساء، والشيُوخ، ثم ذكرَ ما ينبغي على العُلماء وشباب المُسلمين تجاه هذه الحملات الشعواء على الإسلام ومُسلَّماته ومُحكَماته.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: ألا فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وتزوَّدُوا التقوَى فإنها خيرُ الزاد.

 

وأضاف الشيخ: من توسَّم بحُسن زكَنِه معانِي التأريخ، وأمضَى إلى وِفاضِه رِكابَ الطلبِ، ترأْرَأَ له منهَلٌ أعظمُ من ماءِ البارِق، وأصفَى من جنَى النَّحل، وما هذا المنهَلُ يا رعاكُم الله إلا الصفحاتُ المُشرِقاتُ المُضِيئاتُ من سِيرة حسَن الشمائِل والصفات، عاطِرِ النَّفَحات خيرِ البريَّات، صلَّى الله عليه وسلَّم، فهي موئِلٌ لزكِيِّ الطِّباع، ومنهَلٌ للبِرِّ المُشاع.

 

وقال حفظه الله: لقد كان التأريخُ قبل بِعثةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلاً غُدافِيَّ الإهاب، حتى جاء بالهُدى المُتلألِئِ الوضَّاء، وصرَّح الحقُّ عن محضِه بالآياتِ البيِّنات القوِيمَة، والسُّنَّةِ المُطهَّرة الكريمَة، والسيرَة العَطِرَة الكريمَة؛ فهي أعذَبِ منبَعٍ للوارِدِين، وأعظمُ مورِدٍ للمُقتَدين المُقتَفِين الذين يرُومُون السعادةَ والفلاحَ، والبناءَ والإصلاحَ.

 

ولقد استقَرَّ ذلك لدَى العُمُوم والخُصوص، وأيَّدَته الأدلَّةُ والنصوصُ، إنها النورُ المُتلألِئُ المُشرِقُ لكلِّ قضايَانا العقديَّة والتعبُّديَّة، والمِعَلُ الوضَّاء للسمُوِّ بالجوانِبِ السلُوكيَّة والتربويَّة والأخلاقيَّة، وهي أيضًا الشمسُ الساطِعةُ للعلاقاتِ الإنسانيَّة والدوليَّة؛ لأنها حوَت المقاصِدَ الشرعيَّة، والآدابَ المرعِيَّةَ.

 

وأكد الشيخ: لقد زخَرَت السيرةُ النبويَّةُ بصُورٍ وضِيئاتٍ تجسَّدَت فيها مقاصِدُ الشريعة، بل وازدانَت هذه المقاصِدُ الأثِيلةُ إشراقًا بعد أن تحلَّت بالسيرَةِ العطِرَة، فالمقصِدُ العامُّ من الرسالة المُحمدية: الرحمةُ بالإنسانيَّة، وما ذاك إلا بالدعوةِ إلى توحيدِ ربِّ العالمين، وإتمام مكارِم الأخلاق، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بُعِثتُ لأُتمِّمَ مكارِمَ الأخلاق»؛ رواه الإمامُ أحمد في "مسنَده".

 

وقال وفقه الله: ومن معالِي المقاصِد في السيرة النبويَّة العطِرَة: النهيُ عن قتلِ النساء، والشيُوخ، والجرحَى، والزَّمنَى، والمرضَى، والرُّهبَان، كلُّ ذلك حِفظًا للنفسِ عن الهلاكِ. وجاء أيضًا: النهيُ عن قتلِ الأطفالِ والصِّبيَان، حِفظًا للنفسِ وللنَّسلِ. وكما تألَّقَت برأفَتها المتلُوَّة، ومقاصِدِها المرجُوَّة بالنفسِ البشريَّة وحفظِها عن الإبادَة والتقتِيل، تألَّقَت أيضًا بحفظِ العقلِ، فجاءَ النهيُ النبويُّ الكريمُ عن المُسكِرات والمُخدِّرات، وكلِّ ما من شأنِه تغييبُ الفِكرِ والوعيِ.

 

وأشار الشيخ إلى أن العقل أعظمُ الحواسِّ، وعُمدةُ التكليفِ. وكما نهَى عن المُسكِرات والمُخدِّرات، نهَى أيضًا أن يكون المُسلمُ ضعيفَ الرأيِ إمَّعَة. كما تصدَّى - صلى الله عليه وسلم - للأفكارِ الجانِحَة عن الوسطيَّة والاعتِدال؛ كالغُلُوِّ والتطرُّفِ. فأين من ألسِنَتُهم لاغِيَة .. وقلوبُهم لاهِية .. رانَ عليها كسبُها .. وضلَّ في الحياةِ الدنيا سعيُها .. وانهمَكُوا في غوايتَهم، وتغوَّلُوا في عَمايَتِهم، من هذا النُّور المُشرِق الذي يحُثُّ على إعمالِ العقلِ وفهمِ الأمور، والتيسير على الخلقِ، ورفعِ الحرَجِ عنهم.

 

وتابع الشيخ: ودُرَّةٌ أُخرى تُستخرَجُ من جنَبَات السيرَةِ العطِرَة، وهي من ضرُورات الحياة، ألا وهي: حِفظُ المال، حتى ولو كانت أموالَ العدُوِّ، وفي وقتِ الحربِ والقتالِ فجاء النهيُ عن تحريقِ الأشجارِ، والزُّرُوع، والدوابِّ، وهدمِ البُنيَان والديار، وتخريبِ العَمَار؛ حِفاظًا على البيئَةِ من الدمار. وجاء أيضًا: النهيُ عن الإسلالِ والإغلالِ، وأخذِ النُّهبَة؛ لأن قصدَ ذلك لذاتِهِ من شِرعَة الفسادِ في الأرض، والله لا يُحبُّ المُفسِدين.

 

وأكد الشيخ أن السيرة الزكيَّة النقيَّة الرائِقة اشتملت - مع المقاصِد الضروريَّة - المقاصِدَ الحاجيَّة، فوسَّعَت على الخليقَةِ في أمورِهم الدينيَّة، ورفَعَت عنهم الضِّيقَ والحرَجَ المُؤدِّي إلى المشقَّة، اللاحِقةِ بفواتِ المطلُوب. وقد نزلَ بالصحابَةِ - رضي الله عنهم - في هذا اليوم من الشدَّةِ والعَنَتِ والحرَجِ، ما لا تتحمَّلُه الجبالُ الراسِيَات، وظنُّوا أنهم أعطَوا الدنِيَّةَ في دينِهم. لكن حقيقةَ الأمر: أن هذا الصُّلحَ كان فَتحًا مُبينًا. لقد أسفَرَ صُلحُ الحُديبِيَة عن معانٍ عظيمةٍ، وقِيَمٍ جليلةٍ، أسنَاها وأجلاهَا: ذلكمُ المقصِدُ الإسلاميُّ العظيمُ "تفويتُ المصالِحِ الصُّغرَى في سبيلِ تحقيقِ المصالِحِ الكُبرَى"، وأن الإسلام دينُ التعايُشِ والتصالُحِ، والسلام والتسامُحِ.

 

وأضاف الشيخ: وهكذا كان المنهجُ النبويُّ الأخلاقيُّ، حتى إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – مدَحَ حِلفَ الفُضُولِ الذي كان في الجاهليَّة، وكان مُحالَفتُهم على الأمرِ بالمعروفِ، والنهيِ عن المُنكَر، وألا يدَعُوا لأحدٍ عند أحدٍ فضلاً إلا أخذُوه، ونحو ذلك من القواسِمِ المُشتَرَكة لمصالِحِ الناس؛ كرفعِ الظُّلم، وإحقاقِ الحقِّ والعدلِ والخيرِ، والأمنِ والسلامِ. وهكذا تتجلَّى المقاصِدُ الشرعيَّةُ في كل وقائِعِ وأحداثِ السيرةِ النبويَّة.

 

وأكد فضيلته أن لسيرَةِ المُختار - صلى الله عليه وسلم - هديرَها ورِواءَها في سُويدَاء النفوس التي أحبَّتْه وأجلَّتْه، والأفئِدةِ المُولَّهةِ العَمِيدَة بخِصالِه وشمائِلِه. كيف لا، وهو رسولُ الملِكِ العلاَّم، وحامِلُ ألوِيَةِ العدلِ والسلام، ومُخرِجُ البشريَّةِ - بإذن ربِّه - من دياجِيرِ الانحِطاط والوثنِيَّة، ووِهادِ الأرجاسِ والآثام، فهي للأجيال خيرُ مُربٍّ ومُؤدِّب، وللأمةِ أفضلُ مُعلِّمٍ ومُهذِّب؟! لاسيَّما في هذه الأزمِنةِ المُعاصِرة؛ حيث الغلُوُّ والإرهابُ، والتفجيراتُ والطائفيَّة، وكثرةُ البِدَع والأهواء، والتطاوُل على مُحكَمات الدين ومُسلَّمات الشريعَة. والله المُستعان.

 

وبيَّن الشيخ أن فِئامًا من الناسِ في أعقابِ الزمَن استبدَلُوا بنُور الوحيَين سِواهُما، واكتَفَوا من السيرةِ النبويَّة بالقصصِ والحِكايات، وغَفَلُوا عن المقاصِدِ والغاياتِ، آثَرُوا الشكليَّات والمظاهِر عن الحقائِقِ والجواهِر، والمآلاتِ البواهِر. ألا فلنُعلِنها مُدوِّيَةً خفَّاقةً، وشجًى في اللَّهَوات المُغرِضةِ الأفَّاكة: أن السيرةَ النبويَّةَ، والمناقِب المُحمديَّة - على صاحبِها أزكَى السلام - والتحيَّة هي مناطُ العزِّ والنصرِ؛ تحقيقًا وتنقيحًا وتخريجًا، وأجلَى لُغات العصر التي تعرُجُ بالأمةِ إلى مداراتِ السُّؤدَد والتمكِين. وإن على عُلماءِ الأمة أن يُبيِّنُوا للعالَم أجمَع - وبكل فخرٍ واعتِزازٍ - مقاصِدَ السيرة السنِيَّة، وما اكتنَزَت من رحمةٍ وعدلٍ وسلامٍ، وأخلاقٍ وشمائِلَ وأمنٍ ووِئام.

 

فلم تكُن حاجةُ الأمة في عصرٍ من العُصور إلى الاقتِباسِ من مِشكاةِ النبُوَّة، ومعرِفَة السيرةِ العطِرَة معرفَةَ اهتِداءٍ واقتِداءٍ على الدوامِ، أشدَّ إليها من هذا العصر؛ حيث فاءَت الأمةُ إلى يَبَابِ التبعِيَّة والذَّيلِيَّة والوهَن، وصارَت والتنافُرَ والتناثُرَ في قَرَن، وشطَّ بها المزارُ عن هديِ سيِّدنا النبيِّ المُختار - صلى الله عليه وسلم -، وصارَت مُقدَّساتُ المُسلمين يعيثُ فيها أعداءُ المُسلمين فسادًا.

 

وعلى شبابِ الأمةِ العِنايةُ بتحصينِ أفكارِهم، وأن يُسقِطُوا الرايات المشبُوهة، ويدحَضُوا الشِّعارات الزائِفَة، ويستظِلُّوا بظِلال السيرَةِ الوارِفَة؛ فهي الرصيدُ التأريخيُّ، والمنهجُ الحضاريُّ، والمنهجُ العمليُّ والعلميُّ والأخلاقيُّ والقِيَميُّ الذي تستمِدُّ منه الأجيالُ المُتلاحِقةُ من ورثَةِ ميراثِ النبُوَّة.

 

وختتم الشيخ خطبته بالحث على قراءة السيرة قراءة مقاصدية وتفهم أصولها، فقال: ألا فلنُجلِّي للعالَمين محاسِنَ هذا الدي بمَزيدِ التمسُّكِ بهَديِ وسيرةِ سيِّد المُرسَلين، واستِثمارِ وسائلِ العصر وتِقاناتِه في نشرِ السنَّة والسيرة النبويَّة. وما أحوَجَنا إلى قراءةِ السيرةِ النبويَّة قراءةً مقاصِديَّة؛ لنستشرِفَ مآلاتِ الأفعال وسطَ عالَمٍ تغمُرُه أمواجُ الفتن، ويُعانِي إخوانُنا في بِقاعٍ شتَّى صُنوفًا من الصِّراعات والقتلِ والتشريدِ.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أسباب النصر"، والتي تحدَّث فيها عن الأسباب التي أدَّت إلى وقوع المصائِب والكوارِث بالمُسلمين مُجتمعاتٍ وأفراد، مُبيِّنًا سُبُل العلاج والخرُوج من هذه البلايا، وأعظمُ هذه السُّبُل: الرجوعُ إلى كتابِ الله تعالى وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فيا أيها الناس: أُوصِيكم ونفسي بتقوَى اللهِ - جلَّ وعلا -، فهي وصيتُه للأولينَ والآخرين.

 

وأضاف الشيخ: إن المصائبَ التي تُصيبُ المسلمين، والكُرباتُ التي تلحقُ بهم، ومُختلَف أنواع العذابِ التي تقَعُ بساحَتِهم، يجبُ أن تجعَلَهم في موقفِ مُحاسبةٍ، وموطِنِ تساؤلٍ عن علاقاتِهم بربِّهم، ومدَى تمسُّكهم بدِينهم، والتِزَامهم بهَديِ نبيِّهم - عليه أفضلُ الصلاة والتسليم -.

 

وقال حفظه الله: إن هذه المصائِب لا يقدِر أحدٌ من البشر على دفعِها، فينبغي أن تكون أسبابًا دافعةً لهم حافزةً للمسلمين لتعقُّلِهم في مسالِكهم وتوجُّهاتهم، يجب أن يرفَعُوا عنهم الغفلةَ التي أصابَتهم فيما يتعلَّقُ بالتقصير في التِزامهم بشريعة ربهم وسُنَّة نبيِّهم - عليه أفضلُ الصلاة وأزكى التسليم -. لقد حلَّ بالمسلمين من المصائب الاجتماعية والفردية، والإقليمية والدولية ما يجعَلُهم في ضرورةٍ إلى البحث عن الأسبابِ التي ترفَعُ عنهم البلوَى، وتكشف عنهم الضرَّاء.

 

وبيَّن فضيلته أن أصلَ هذه الأسباب: هذا الأصلُ الذي يغِيبُ عن كثيرٍ، إنه تحقيقُ الطاعة الكامِلَة الصادِقة لله - جلَّ وعلا -، الاستِجابةُ لما شرَعَه لخلقِه، المُراقبةُ الدائمةُ له - سبحانه - في السراء والضراء، وفي السر والنجوَى، فمتى حقَّق المسلمُ هذا الأصلَ في نفسه ومُجتمعه، صار له مخرَجًا من كلِّ شيءٍ ضاقَ عليه، متى تمسَّكَت مُجتمعاتُ المسلمين بهذا الأصلِ صلُحَت أحوالهم، وطابَت حياتهم، وتيسَّرت أمورهم، وتحقَّق أمنُهم وأمانهم، واندَحَر عدوهم.

 

وأكد فضيلته أنه متى تمسَّكَ بتقوَى الله - جلَّ وعلا - حاكمٌ من حكام المسلمين، أو مسؤولٌ بذلك تحقَّق عزُّه، وعلا شأنُه، وقوِيَ مُلكُه، ودام في الحياة سُؤدَدُه، وحسُن مُنقلَبُه ومآلُه، فهم مهما أصابهم فإن معِيَّة الله الخاصَّةِ معهم، يحفَظُهم ويكلَؤُهم ويرعَاهم، إذا تقرَّر هذا الأصلُ القطعيُّ، فإن المسلمين اليوم وهم يُعانُون من أنواع البلاء في دينِهم وأنفسِهم، في أموالهم وأعراضِهم، في معايِشهم وأرزاقهم، يعيشُون بما لا تَطيبُ به حياتهم، ولا يسعَدُ به عيشُهم، ولا تُؤمَنُ به سُبُلُهم، ولا تستقرُّ به معه أحوالهم.

 

وأشار الشيخ إلى أن عليهم أن يستَفِيقُوا، إن عليهم أن يتعقَّلُوا، وأن يتَّخِذُوا من هذه المصائب أسبابًا للرجوعِ إلى خالقِهم، أن يعلَمُوا أنه مهما بلَغَت قسوةُ هذه المصائِبِ، فإنها ليسَت بشيءٍ عند مصائِبِ الآخرة حينما يلقَون ربهم، إذا أعرَضُوا عن دين الله، وتولَّوا عن شرعِه، وارتَكَبُوا نواهِيَه، وقارَفُوا معاصِيه.

 

وأكد الشيخ أن الله - سبحانه وتعالى - يُذكِّرُنا بحقيقةٍ تغيبُ عن كثيرٍ من المسلمين، مع تعدُّد التحاليل السياسية التي موضوعُها دنيويٌّ لا دينيٌّ، وإنه ليس لما أصابَ المسلمين ويُصِيبهم من فُنون العذابِ، وألوان البلاء، إلا أن يرجِعوا إلى ربهم، ويتضرَّعُوا إليه، ويتُوبُوا إليه توبةً صادقةً نَصُوحًا من جميع الذنوب والموبِقات، وأن يُنيبُوا إليه - سبحانه -، مُعاهِدين ربهم بنبذ كل أنواع المعاصي وكافة السيئات، مُحاربين لكافة سُبُل القبائح والموبِقات في أنفسهم، وفي مجتمعاتهم، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام: 42].

 

قال حفظه الله: هذه المصائبُ ليس لها من دُون الله كاشِفة، ففِرُّوا إلى الله - يا أمة الإسلام -، أصلِحُوا بالطاعةِ ما فسَدَ بالمعصِيَة، بدِّلُوا ما أظلَمَ من حياتكم بالمعاصي والموبِقات، أبدِلُوه بنور التقوَى والتقرُّب لربِّ الأرض والسماوات، والالتِزام بسنَّة أفضلِ المخلُوقات - عليه أفضل الصلاة والسلام -. يا أمةَ سيد الأنبياء وأفضل المرسلين: أنتُم خيرُ الأمم، كرَّمَكم الله بموعدٍ لا يُخلَف، وفضلٍ إلهيٍّ لا يُتخلَّف إن أنتم رجعتُم إلى ربكم عند الزَّلَل، وأنَبتُم إليه بعد الخلَل، فلن يدُوم بكم كربٌ، ولن يحِلَّ بكم عذابٌ، ربُّنا - جلَّ وعلا - يقول: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].

 

وخاطب فضيلته حكام المسلمين قائلاً: إن ما وقع بالأمة في كثيرٍ من مواطِنِها التي لا تخفَى، وما حلَّ بها جميعًا من مخاوِف ومخاطِر لا مُنتَهى لها إلا برحمةٍ من الله، إن هذه الأحوال تجعَلُكم أمام الله - جلَّ وعلا - في فرضٍ وواجبٍ تُحاسِبُون أنفسكم، تضَعُون أحوالَ الأمة في ميزان الشرع، تعمَلُوا بجدٍّ وصدقٍ وإخلاصٍ للإصلاح بما يُرضِي الله - جلَّ وعلا -.

 

الأمةُ أمانةٌ في ذِمَمكم، الأمةُ أمانةٌ في أعناقِكم أمام الله - جلَّ وعلا -، سُوسُوا الناسَ بشرع الله، قُودُوهم بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حكِّمُوا في المجتمعات شرعَ الله الواجِبَ على خلقه، حارِبُوا كلَّ ما لا يُرضِي اللهَ - جلَّ وعلا - في أحوال مُجتمعاتكم، أنتم بكم يُصلِحُ الله أحوال الأمة، إن أقَمتُموها على مُراد الله، فأصلِحُوا كل شأنٍ من شؤُونِ بُلدانكم بالإسلام، فبذلك تأمَنُ الأمةُ جميعًا من الشُّرُور، تنجُو من كافة المخاوِف والأخطار، تتخلَّصُ من الهوانِ والخزيِ والعارِ.

 

دافِعُوا عن بيضة الإسلام - يا حُكَّام الإسلام -، قِفُوا صفًّا واحدًا أمام كل عدوٍّ لَدُودٍ لا يأْلُوا في المسلمين إلًّا ولا ذمة، اتَّحِدُوا على درءِ الأخطار، تعاوَنُوا على الوقوف أمام كيد الأشرار، أعِدُّوا العدَّة لمكر الأعداء الحاقدين، والغُزاة الطامِعِين، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال: 60].

 

ختم الشيخ خطبته ببيان وسائل دفع البلاء، فقال: لقد أحزنَ كلَّ مسلمٍ ما أصاب المسلمين في حلَب الحبيبة؛ من مجازِر مُروِّعة، بلَغت في القسوةِ ما لا حدَّ له، ولكن لئِن طال المُصاب، فلنتضرَّع للعزيز الوهَّاب، وندعُوه خوفًا وطمعًا، ونُخلِص له العمل. وإن من أسباب دَفع البلاء، ورفع المصائِب: الإحسانَ بأنواعه المختلفة، ومنها: الصدقة، ومُعاونة المحتاج، لاسيَّما إخواننا المُستضعَفين في مواطِن الصراع التي أصابَت بلاد المسلمين؛ كحلَب، والموصل، واليمن، وفلسطين، وغيرها مما تسمَعُون.

 

فيا تجَّار المسلمين: عليكم مسؤوليةٌ عظيمةٌ تعُودُ عليكم بالخير في دينِكم ودُنيَاكم، فقدِّمُوا لأنفسكم، ساعِدُوا إخوانَكم، قدِّمُوا يدَ العَون لكل فقيرٍ ومسكِين، يحفَظ الله لكم أموالكم، ويُبارِك في تجاراتكم، ويدفَع عنكم وعن بُلدانكم كل سوءٍ ومكرُوه، فالله - جلَّ وعلا - يقول: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات