اقتباس
إنَّ من أعظم الأسباب الجالِبة لمحبَّة الله تعالى: اتِّباعَ السنَّة النبوية والعملَ بها، وكمالَ الاقتِداءِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمامَ التأسِّي به، والاهتِداء بهديِه في الأقوال، والأعمال، والأخلاق. وبحسب هذا الاتِّباع تكونُ المحبَّة؛ فهي دائرةٌ عليه، تقوَى وتزدادُ بقوَّته، وتضعُفُ وتنقُصُ بضعفِه ونقصِه، فإنك لن تظفَرَ أبدًا بمحبَّة الله لك إلا إذا تابعتَ حبيبَه - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وهي دليلٌ على أنه ليس الشأن في أن تُحِبَّ الله، ولكن الشأنَ أن يُحبَّك الله، ولا يُحبُّك الله إلا إذا اتَّبعتَ حبيبَه - صلى الله عليه وسلم -، ظاهِرًا وباطِنًا...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما فيه من خيراتٍ ونفَحَات، مُبيِّنًا الأسبابَ العشرة الجالِبة لمحبَّة الله تعالى؛ فليس الشأن في أن تُحبَّ الله، ولكن الشأنَ أن يُحبَّك الله، مُحفِّزًا على التنافُس في فعل الخير واغتِنام الأوقات في ما بقِيَ من شهر رمضان المُبارَك.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه، وأخلِصُوا له العمل؛ فطُوبَى لمن أخلصَ عملَه لله، وابتغَى إليه الوسيلةَ واتَّقاه.
وأضاف الشيخ: إنَّ فرحَتَي الصائم الواردتَين في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، والإمام النسائي في "سننه"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله –تعالى-: كلُّ عمل ابنِ آدم له، إلا الصيام فإني لي وأنا أجزِي به .."، فذكر الحديث، وفيه قال: "وللصائم فرحتان يفرَحُهما: إذا أفطرَ فرِح بفِطرِه، وإذا لقِيَ ربَّه فرِح بصومِه"؛ إن هاتين الفرحتَين لتُصوِّران أبلغَ تصوير، ذلك الرِّباط الوثيق بين فريضة الصيام، وبين آثارها النفسية، التي تتمثَّلُ في مشاعر السعادة الغامِرة لنفوسِ وعقولِ الصائِمين، إيمانًا واحتِسابًا.
وقال حفظه الله: وفي ذلك السُّرور التي تفيضُ به قلوبُهم، وتمتلِئُ به جوارِحُهم، وتسمُو وتُحلِّقُ به أرواحُهم محبَّةً وشوقًا، تعبُّدًا ورِقًّا، خضوعًا وتذلُّلاً وإخباتًا وزُلفَى إلى الربِّ الخالق العظيم، لا لأجل جميل موعوده على الصيام فحسب؛ بل أيضًا لوافِر إحسانه وعظيم امتِنانه، وعُموم آلائِه، وتتابُع نعمائِه على عباده. إذ منَّ عليهم بهذا الشهر العظيم المُبارَك، لتكون أيامُه وليالِيه مشغولةً بأسباب محبَّته، عامرةً بسُبُل مودَّته. ذلك أن هذا الشهرَ يستوفِي جُملة الأسباب الجالِبة لمحبَّة الله تعالى، والمُوجِبة لها، ويستوعِبُ جمهرَتها، ويأتي على خُلاصتها ولُبابِها، وهي عشرةٌ ذكرها الإمام ابن القيم - رحمه الله -:
منها: قراءةُ القرآن بالتدبُّر والتفهُّم لمعانيه، وما أُريدَ به، كتدبُّر الكتاب الذي يحفظُه العبدُ ويشرَحُه، ليتفهَّم مُرادَ صاحبه منه.
ومنها: التقرُّبُ إلى الله بالنوافل بعد الفرائض؛ فإنها تُوصِلُه إلى درجة المحبُوبِيَّة بعد المحبَّة.
ومنها: دوامُ ذكره على كل حالٍ، باللسانٍ والقلبِ والعملِ والحالِ، فنصيبُه من المحبَّةِ على قدرِ نصيبِه من هذا الذكر.
ومنها: إيثارُ محابِّه على محابِّك عند غلَبَات الهوَى، والتسنُّمُ إلى محابِّه وإن صعُبَ المُرتَقَى.
ومنها: مُطالَعةُ القلب لأسمائه وصفاته، ومُشاهدتُها، ومعرفتُها، وتقلُّبُه في رياضِ هذه المعرفة ومبادِيها؛ فمن عرَفَ الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبَّه لا محالةً.
ومنها: مُشاهدةُ بِرِّه وإحسانِه وآلائِه ونعمِه الباطِنَة والظاهِرَة؛ فإنها داعيةٌ إلى محبَّته، فلقَدرِ مُشاهَدة ذلك تكون قوَّةُ المحبَّة، فإن القلوبَ مجبولةٌ على حبِّ من أحسنَ إليها، وبُغضِ من أساءَ إليها، وليس للعبدِ قطُّ إحسانٌ إلا من الله، ولا إساءةٌ إلا من الشيطان.
ومنها: انكِسارُ القلب بكُلِّيَّته بين يدَي الله -تعالى-، وليس في التعبيرِ عن هذا المعنى غيرُ الأسماءِ والعِبارات.
ومنها: الخلوةُ به - سبحانه - وقتَ النُّزولِ الإلهيِّ في ثُلُث الليل الآخر، لمُنَاجَاته وتِلاوَةِ كلامِه، والوقوف بالقلبِ، والتأدُّبِ بأدبِ العبوديَّة بين يديه، ثم يختِمُ ذلك بالاستِغفارِ والتوبة.
ومنها: مُجالسةُ المُحبِّين الصادقين، والتِقاطُ أطايِب ثمرات كلامهم، كما يُنتَقَى أطايِب الثمر، وعدم التكلُّم إلا إذا ترجَّحَت مصلحةُ الكلام، وعلمتَ أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعةً لغيرك.
ومنها: مُباعدةُ كل سببٍ يحُولُ بين القلبِ وبين الله - عز وجل -.
تلك المُباعَدةُ - يا عباد الله - هي التي تجعلُ من المُحبِّ لربِّه - كما قال بعضُ السلف -: "تجعلُ منها عبدًا ذاهبًا عن نفسِه، مُتَّصِلاً بذِكر ربِّه، قائمًا بأداء حقوقِه، ناظرًا إليه بقلبِه، قد أضاءَت قلبَه أنوارُ هيبَته، وصفا شِربُه من كأس وُدّشه، وتجلَّى له الجبَّارُ من أستار غيبِه. فإن تكلَّم فبالله، وإن نطقَ فعن الله، وإن تحرَّك فبأمرِ الله، وإن سكنَ فمع الله، فهو بالله، ولله، ومع الله".
وقال وفقه الله: إنَّ هذه الأسبابَ الجالِبَةَ لهذه المحبَّة لتتراءَى في شهر رمضان لكل ذوِي البصائر، في كل لمحةِ عين، ومع كل خفقَة قلبٍ، أو تردُّدِ نفَس، تدعُو المُحبِّين لربِّ العالمين إلى أن يأخُذوا منها بأوفَر حظٍّ، وأن يحُوزُوا منه أعظمَ نصيبٍ، وأن يعلَموا أنها سِمةُ المُسافِرين إلى ربِّهم، الذين ركِبُوا جناحَ السفرِ إليه، ثم لم يُفارِقوه إلى حين اللِّقاء.
وأضاف الشيخ: إنَّ من أعظم الأسباب الجالِبة لمحبَّة الله تعالى: اتِّباعَ السنَّة النبوية والعملَ بها، وكمالَ الاقتِداءِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمامَ التأسِّي به، والاهتِداء بهديِه في الأقوال، والأعمال، والأخلاق. وبحسب هذا الاتِّباع تكونُ المحبَّة؛ فهي دائرةٌ عليه، تقوَى وتزدادُ بقوَّته، وتضعُفُ وتنقُصُ بضعفِه ونقصِه، فإنك لن تظفَرَ أبدًا بمحبَّة الله لك إلا إذا تابعتَ حبيبَه - صلى الله عليه وسلم -، وهي دليلٌ على أنه ليس الشأن في أن تُحِبَّ الله، ولكن الشأنَ أن يُحبَّك الله، ولا يُحبُّك الله إلا إذا اتَّبعتَ حبيبَه - صلى الله عليه وسلم -، ظاهِرًا وباطِنًا، وصدَّقتَ خبرَه، وأطعتَ أمرَه، واجتنَبتَ نهيَه، وحكَّمتَ شرعَه، ولم تجِد في نفسِك حرَجًا مما قضَى به - عليه الصلاة والسلام -؛ بل سلَّمتَ له، وأذعَنتَ طائِعًا راضيًا بقضائِه، طيِّبَ النفس، مُنشرِح الصدر، مُستيقِنًا أنه الحقُّ والهُدى والصواب.
وأوصى الشيخ في ختام الخطبة باغتنام ما بقي من رمضان فقال: وإن في صيامِ هذا لشهر وقيامِه - يا عباد الله - خيرَ حافِز لاتِّباع الحبيبِ - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -، بالتِزام هديِه في الصيام، وفي القيام، وفي العبادات التي كان يخُصُّ بها شهرَ رمضان، وفي سائر العبادات، وبالحذَر من الإحداثِ في دينِ الله بشرعِ ما لم يأذَن به الله، ولم يسُنَّه رسولُه - صلى الله عليه وسلم -.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "كنوز رمضان وأعمال البرِّ فيه"، والتي تحدَّث فيها عن فضائل شهر رمضان، ثم تطرَّق إلى الأعمال الصالِحة التي اختصَّ بها شهرَ رمضان، أو زادَ أجرَها في هذا الشهر، مُستدلاًّ على ذلك بآياتٍ من الكتاب العزيز، وبعضَ أحاديث النبي - عليه الصلاة والسلام -، مُنبِّهًا في نهاية خطبتِه إلى خمسة أشياء هي دواءُ القلب.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوثقَى.
وأضاف الشيخ: فضَّل الله الليالي والأيام بعضَها على بعضٍ، واصطفَى من الشهورِ شهرًا جعلَه قُرَّة شهورِ العام، خصَّه بمزيدٍ من الفضل والإكرام، نهارُه صيامٌ وليلُه قِيام، آياتُ الكتاب فيه تُقرأ وتُتلَى، تُغلَّقُ فيه أبوابُ النيران، وتُفتَّحُ فيه أبوابُ الجِنان، فيه تُضاعَفُ الأعمالُ، وتُكفَّرُ الخطايا والأوزار. موسِمُ العفو والغُفران، شهرُ الخير والبركات، تخرُجُ النفوسُ فيه من الغفلة والكسَل إلى حلاوة العبادة. فالألسُنُ فيه ضارِعة، والنفوسُ مُقبِلة، وللعبادةِ فيه لذَّة، ولها في النفسِ بهجةٌ، وفي الوقتِ بركة.
وقال حفظه الله: وإخلاصُ الأعمال لله من صيامٍ وغيره أصلٌ في الدين، ولذلك أمرَ الله رسولَه بالإخلاصِ في قوله: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر : 2]، وأُمِر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُبيِّن أن عبادتَه لله قائمةٌ على الإخلاص، فقال له: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر : 11].
وقال وفقه الله: والصلاةُ منزلتُها في الدين بعد الشهادتين، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يأمرُ بها في أوائِل دعوتِه؛ وهي أحبُّ الأعمال إلى الله؛ سُئل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: "الصلاةُ على وقتِها، ثم بِرُّ الوالدَين" (متفق عليه).
وأضاف فضيلته: والزكاةُ قرينةُ الصلاة في كثيرٍ من آي القرآن، وأصلٌ من أركان الإسلام، تُطهِّرُ النفسَ من البُخل والشُّحِّ، وتُنمِّي المالَ وتحفَظُ؛ قال - جلَّ شأنُه -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة : 103]، تقِي المرءَ من عقوباتِ الذنوبِ، وتصرِفُ عنه عظيمَ المصائِب والكُروب، وتُيسِّرُ له الأمور.
وقال حفظه الله: ورمضانُ زمنُ البذل والعطاء، كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أجودَ ما يكونُ في رمضان. وكل إنفاقٍ فهو مخلوفٌ عند الله، وقرضٌ مُستردُّ، والمالُ يزيدُ بالصدقة ولا تُنقِصُه، والمرءُ في صدقَته يوم القيامة.
وقال وفقه الله: والدعاءُ مِفتاحُ الفرَجِ، وسُلَّمُ الصعودِ للخيراتِ، والله تفضَّل بإجابةِ دعوة الصائم.. ومن كرمِ الله أن يزيدُ الفضائلَ في رمضان؛ فجعلَ العشرَ الأواخرَ منه صفوةَ الشهر؛ ففيها ليلةٌ العبادةُ فيها تعدِلُ عبادةَ ألف شهر، ولقدرِها عند الله يكثُرُ تنزُّلُ الملائكةِ في هذه الليلة لكثرةِ بركتِها، والملائكةُ يتنزَّلون مع تنزُّل البركة والرحمة.
وأوصى الشيخ الصائم فقال: واحذَر خوارِقَ الصوم ومُفسِداته، وإياكَ أن تقعَ في أعراضِ المُسلمين، واحفَظ لِسانَك وسمعَك وبصرَك عمَّا حرَّم الله. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "ينبغي للصائِم أن يتعاهَد صومَه من لِسانِه، ولا يُمارِي في كلامِه، كانوا إذا صامُوا - أي: الصحابة - قعَدوا في المساجد، وقالوا: نحفَظُ صومَنا ولا نغتابُ أحدًا".
وأضاف الشيخ: دواءُ القلب في خمسة أشياء: قراءةُ القرآن بالتدبُّر، وخُلُوُّ البطن، وقِيامُ الليل، والتضرُّع عند السَّحَر، ومُجالسةُ الصالِحين. وليكُن لك في شهر الصوم عملٌ وتهجُّدٌ وقُرآن، فاجعَل شهرَ صومِك عملاً مُتواصِلاً ضدَّ شهوات النفس، وانقِطاعًا إلى الله بالعبادة والطاعة، ومُدارسةً لآيات التنزيل، وقِيامًا مُخلِصًا بالليل. فهو موسِمُ التوبة والإنابة، وبابُ التوبة مفتُوح، وعطاءُ ربِّك ممنُوح.
وأوصى الشيخ في ختام خطبته بالمسارعة إلى رضوان الله تعالى فقال: فبادِر بالعودة إلى الله واطرُق بابَه، وأكثِر من استِغفارِه، واغتنِم زمنَ الأرباح؛ فأيامُ المواسِم معدُودة، وأوقاتُ الفضائِل مشهُودة، وفي رمضان كنوزٌ غالِية، فلا تُضيِّعها باللهو واللعِب وما لا فائِدةَ فيه، واللَّبيبُ من نظرَ في حالِه وفكَّر في عيوبِه، وأصلَح نفسَه قبل أن يفجَأه الموتُ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم