مختصر خطبتي الحرمين 15 شوال 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ولئن كانت قضيةُ الاهتمام بالشباب ورعايتهم، وتحصينِهم وحمايتهم مهمةً في كل زمانٍ ومكانٍ، فإنها تزدادُ أهميةً وتأكيدًا في هذه الأعصار المُتأخرة؛ حيث غلَبَ الانفِتاحُ والتساهُل، وتتابَعَ الغزوُ الفكريُّ والأخلاقيُّ، وتعدَّدت قنواتُه، وتنوَّعَت وسائلُه وآليَّاته. وكم أسهمَ الإعلامُ المفتوحُ لاسيَّما الفضائيُّ منه في إذكاء نار الخلَل الفِكريِّ، وتفنَّن في جذب الأنظار، والتأثير على الرأي العام، مما جعلَ أمنَ الأمة الفِكريِّ عُرضةً للاهتِزاز ومهبِّ الأخطار.

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس -حفظه الله- خطبة الجمعة بعنوان: "الشباب وأزمة الفكر والسلوك"، والتي تحدَّث فيها عن الشباب وأهميتهم في حياة ورُقيِّ المُجتمع والأمة بأسْرِها؛ حيث بيَّن أن الفتوحات الإسلامية افتُتِحَت على أيدي أبطالٍ من شباب الصحابة -رضي الله عنهم-، مُبيِّنًا عِظَم قدرِهم، كما حثَّ كل المسئولين والدعاة والعلماء بتحمُّل مسؤولياتهم تجاهَ الشباب بتثقيفهم وتعليمهم وملئِ أوقات فراغهم بالنافع المُفيد.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله عباد الله.

 

وأضاف الشيخ: إن الشبابَ في الأمة كنزُها الثمين، ورُكنُ حضارتها الرَّكين. فحضاراتُ الأُمم لا تُشادُ إلا بسواعِد أبنائِها، ولا تستكِرُّ إلا بعَزَمَات شبابِها؛ فالشبابُ الريحانةُ الشرِيَّة، والسواعِدُ الفتيَّة، والأملُ المُشرِق، والجَبينُ الوضَّاءُ.

 

وقال حفظه الله: مرحلةُ الشباب مرحلةُ الفُتُوَّة والعُنفُوان، والقوة والحماسَة، فإذا لم تُرشَّد هذه الحماسة انقلَبَت إلى غوغائيَّة وفوضويَّة، وجرَّت على صاحبِها الآهات والحسَرَات، وعلى الأمةِ الفتنَ المُوبِقات، والبلايا المُهلِكات. لذا أولَى الإسلامُ الشبابَ كاملَ العناية، والاهتمام والرعاية؛ لأنهم قلبُ الأمة النابِض، وشِريانُها المُتدفِّقُ عطاءً ونماءً.

 

وقال وفقه الله: ولئن كانت قضيةُ الاهتمام بالشباب ورعايتهم، وتحصينِهم وحمايتهم مهمةً في كل زمانٍ ومكانٍ، فإنها تزدادُ أهميةً وتأكيدًا في هذه الأعصار المُتأخرة؛ حيث غلَبَ الانفِتاحُ والتساهُل، وتتابَعَ الغزوُ الفكريُّ والأخلاقيُّ، وتعدَّدت قنواتُه، وتنوَّعَت وسائلُه وآليَّاته.

 

وأضاف فضيلته: وكم أسهمَ الإعلامُ المفتوحُ لاسيَّما الفضائيُّ منه في إذكاء نار الخلَل الفِكريِّ، وتفنَّن في جذب الأنظار، والتأثير على الرأي العام، مما جعلَ أمنَ الأمة الفِكريِّ عُرضةً للاهتِزاز ومهبِّ الأخطار. لقد أوحَت هذه الفضائيَّات وشبكاتُ التواصُل والمعلومات للناظرين وكأن هذه الدنيا أصبَحَت هدفًا للفوضَى الفكريَّة والأخلاقيَّة، ومسرحًا للضياع في مباءَات الإغراءات والرذيلَة والإباحيَّة، مما لا يحكمُه دينٌ ولا قِيَم، ولا يضبِطُه خُلُقٌ ولا مُثُل.

 

وقال حفظه الله:  وقنواتٌ أخرى لا تفتأُ في إذكاء نار الفتنة بين الرعيَّة والرُّعاة، بدعوَى الإصلاح زعمُوا، وبين الشباب والعلماء، بدعوَى النُّصح والبصيرة، وهم أحوَجُ ما يكونُون إليها.

 

وقال وفقه الله: الخلَلُ في الأمن الفِكريِّ طريقٌ إلى الخلَل في الجانِبِ السلُوكيِّ والاجتماعيِّ، وما سلَكَت فِئامٌ في الأمة مسالِك العُنف والإرهاب، والقتل والتدمير والتفجير والإرعاب، إلا لما تشبَّعَت أفكارُها، وغُسِلَت أدمغتُها بما يُسوِّغُ لها تنفيذَ قناعاتها، وتحسينَ تصرُّفاتها. وأنَّى لمُسلمٍ عاقلٍ أن ينتهِجَ تكفيرَ الخلق، فيُكفِّرُ المُعيَّن بالشُّبهة والظنِّ؟! ولا يلِجُ هذا البابَ إلا صاحبُ خلَلٍ فكريٍّ وسلوكيٍّ واجتماعيٍّ.

 

وأضاف فضيلته: والفكرُ التكفيريُّ يسرِي بقوةٍ في صفوف فئةٍ من شباب هذا الزمان، وهو مُحيطٌ ملغُوم، ومركبٌ مثلُوم، ومُستنقعٌ محمُوم، وخطرٌ محتُوم، زلَّت فيه أقدام، وضلَّت فيه أفهام. وما نراهُ في زماننا من بعضِ الخوارِج ممن شوَّهوا صورةَ الإسلام بنقائِه وصفائِه وإنسانيَّته، وانحرَفُوا بأفعالهم عن سماحَته ووسطيَّته إلا صورا ممسُوخة ممن ولَجَ البابَ فأوغَلَ الولوج، وأُرخِصَت لديها الأعمار، فقامَت بسفك الدماء، وقتل الأبرياء، وجلب الدمار، وإلحاق العار والشَّنار. فالله المُستعان، وما أشبَهَ الليلةَ بالبارِحة!

 

وقال حفظه الله: إن وجودَ أجيالٍ من الشباب دون حَصانةٍ حقيقيَّةٍ فاعِلةٍ، جريمةٌ في حقِّهم وحقِّ المُجتمع، وجِنايةٌ على الأمة بأسْرِها، لذلك كان حقًّا على أهل الإسلام أن يقوموا بمسؤوليَّاتهم في تحقيق هذا الأمر بكل ما أُوتوا من إمكانات، وأن يغرِسُوا في نفوسِ شباب الأمة التوحيدَ الخالِص لله، والعقيدةَ الصحيحةَ، والاعتصامَ بالكتاب والسنة.

 

وبيَّن فضيلته واجب المربين نحو الشباب فقال: كما أن على الآباء والمُربِّين أن يُسهِمُوا في تحصينِ الشباب، وترغيبِه في طلب العلم الشرعيِّ من أهلِه الموثوقين، ويحُثُّوهم على الالتِفافِ حول علماء الأمة الراسِخين، ويُحذِّروهم من الفتاوى الشاذَّّة المُحرِِّضة على العُنف وسفك الدماء المعصُومة. كما يتحتَّمُ - يا رعاكم الله - توعيةُ الشباب بالتحديات التي تُواجِهُهم في عصرٍ رفعَ الصهاينةُ المُعتَدون عقيرتَهم في انتِهاك حُرمة المسجد الأقصى واستِفزاز مشاعِر المُسلمين.

 

وأشار فضيلته إلى كثرة الفتن التي تحيط بالشباب فقال: وفي زمنٍ طغَت فيه فتنُ الشهوات من الفضائيات والإلكترونيات، وشبكات المعلومات ومواقع التواصُلات، والتي جرَّت الفتنَ إلى الأُسَر والبيوت والمُجتمعات، فقوَّضَت أركانَها، وصدَّعَت شامِخ بُنيانها. وفتن الشُّبُهات التي غزَت عقولَ كثيرٍ من أبناء هذه الأمة، لتترُكهم وقد صارُوا مُسوخًا لأعداء الدين، وأبواقًا تنشرُ دعوات المُرجِفين، مع انتشار التنظيمات الإرهابية الخطيرة التي تُزعزِعُ الأمن، وتُروِّعُ الآمِنين، وتبعَثُ الخللَ والفوضَى. لذا كان لزامًا على الشباب أن ينتقِلُوا من أزمَات الوعي إلى وعي الأزمَات، حتى يقوموا بالمسؤولية المنُوطة بهم، ويحذَروا التحديات المُحيطة بهم.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على احتواء الشباب ورعايتهم فقال: إن من أولَى ما يجبُ الاهتمامُ به وإيلاؤُه أوفرَ العناية في هذا المُنعطَفِ التأريخ المهم: تحصينَ مدارِك الشباب وثقافتِهم بأحكام الحُدود الشرعيَّة؛ كتحريم قتل النفس المعصُومة، وحكم الاعتِداء على المُعاهَدين وأهل الذِّمَّة، وخُطورة أمر التكفير والغُلُوِّ والتطرُّف، وإطلاق الأحكام جُزافًا، وترويع الآمِنين وانتِهاك حُرماتهم، وسلبِ أموالهم. والعِبءُ في ذلك يقعُ على عاتق العلماء والدعاة، ورجال التربية والفِكر والإعلام، وحمَلَة الأقلام، انتِشالاً للجيل من حَومَة الضياع ومسالِك الضلال.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة"، والتي تحدَّث فيها عن وجوب اغتنام الحياة فيها في طاعة الله تعالى والإكثار من الصالحات، كما تحدَّث عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووجوب الإيمان به، مُبيِّنًا فضلَه، وأسبابَ الشرب منه، وموانِع وُرودِه.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله بامتِثال ما أمَر، واجتِناب ما نهَى عنه وزجَر.

 

وأضاف الشيخ: اعملوا الأعمال الصالحات لإصلاح آخرتكم، ولا تُبطِلوا الأعمال فتخسَروا أنفسَكم، وأصلِحوا دُنياكم بكسب الحلال، وإنفاقه في أبواب الخير الواجِبة والمُستحبَّة والمُباحَة. واجعَلوا هذه الدُّنيا زادَكم إلى دار النعيم، ولا تغُرنَّكم بمباهِجها، ولا تفتنَنَّكم عن الآخرة؛ فإنها الدار. واعمل - أيها المُسلم - لإصلاح دُنياك، واعمل لإصلاح آخرتِك، وفي الحديث: "ليس خيرُكم من تركَ آخرتَه لدُنياه، ولا من تركَ دُنياه لآخرته"، وكلٌّ يعلمُ يقينًا بأنه مُرتحِلٌ من هذه الدار، وتارِكٌ ما خوَّله الله في الدنيا وراءَ ظهره، لا يصحَبُه إلا عملُه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ.

 

وقال حفظه الله: فإذا كان حالُ كل أحدٍ مُنتهّيًا إلى هذه الغاية، وقادِمًا على هذا المصير وجبَ عليه أن يقدُم على ربِّه بأفضل ما يقدِرُ عليه من العمل الصالِح، فلا وسيلةَ بين العبد وربِّه إلا به، قال الله تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 37].

 

وقال وفقه الله: وليكُن همُّك - أيها المسلم - الفوزَ بالشُّرب من حوضِ النبي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، سيِّد ولد آدم. كيف تعملُ لهذه الغاية؟ فهو أولُ شراب أهل الجنة، فمن وفَّقه الله ومنَّ عليه من الشرب من هذا الحوض فلا خوفٌ عليه بعد ذلك، ومن كان ممن يرِدُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - الحوض يسَّر الله عليه الأهوالَ قبل ذلك.

 

وأضاف فضيلته: والإيمانُ بالحوض إيمانٌ باليوم الآخر، ومن لم يُؤمن بالحوض فلا إيمانَ له؛ إذ أركانُ الإيمان لا يُفرَّقُ بينها، فمن لم يُؤمن برُكنٍ من أركان الإيمان فقد كفرَ بها جميعًا. والحوضُ كرامةٌ من الله تعالى لنبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، تشربُ منه أمَّته في أرض المحشَر وموقِف الحساب يوم القيامة، في يومٍ كان مِقدارُ يومِه خمسين ألف سنة على الكفار، ويُقصِّرُه الله على المؤمن.

 

وقال حفظه الله: يغشَى الناسَ في هذا اليوم فيه موقِف الحساب من الكُرُبات ما لا يُطيقُون، ولولا أن الله أعطَى أبدانَهم قوةَ التحمُّل والبقاء لماتُوا أجمعون. ويُصيبُهم في موقِف الحساب الظمأُ الشديدُ الذي يحرِقُ الأكباد، ويُشعِلُ الأجوافَ عطشًا شديدًا لم يظمَأوا قبلَه مثلَه قطُّ، ويُكرِمُ الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحوض لتشربَ منه أمَّتُه، وهو - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ بأصل الحوضِ ينظرُ إلى أمَّته ويُسرُّ بذلك أعظم السرور، ويدعُو أمَّته للشربِ منه.

 

وقال وفقه الله: وسَعةُ الحوض وصفةُ مائِه تواتَرت بها الأحاديث النبوية، وجاء القرآنُ بذكره في سورة الكوثر، ولكل نبيٍّ حوض، وحوضُ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أكثرُها وأكبرُها وأحلاها كشريعته.

 

وقال حفظه الله: الحَوضُ أرضٌ واسعةٌ في أرض الموقِف، يملؤُها الله ماءً من نهر الكوثر، يصُبُّ في هذا الحَوض ميزابان من ذهبٍ وفضة من نهر الكوثر، الذي أعطاه الله لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينقصُ هذا الحَوض، ويشربُ منه كل مؤمنٍ ومؤمنة على شدَّة ظمأٍ عظيم، فلا يظمَأُ أحدٌ بعد شُربه أبدًا. والذين يرِدُون على النبي - صلى الله عليه وسلم - الحَوض هم المُتَّبِعون لسُنَّته، المُتمسِّكون بهديِِه، المُجانِبون للكبائر من الذنوب.

 

وختم الشيخ خطبته بذكر بعض الموانع التي تمنع الناس من الورود على الحوض، فقال: إن من الموانِع من وُرود الحَوض البِدع والمُحدثات في الدين، والصدَّ عن الإسلام بقولٍ أو فعلٍ أو فتوى، والذين يُغيِّرون بعده - صلى الله عليه وسلم - هم أهلُ البدع وأهل الفتاوى المُخالفة لكتاب الله وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وأضاف: ومن الموانِع لوُرود الحَوض: كبائرُ الذنوب، فإنها خبائِث للقلوب. والرياءُ والسمعة من الموانِع، والمظالِم بين العباد مانعٌ عظيم، ومُناسبةُ الجزاء للأعمال ظاهرٌ لمن تفكَّر فيه؛ فمن اتبعَ في الدنيا شريعةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتمسَّك بهديِه وماتَ على ذلك، وردَ حَوضَه جزاءً على عمله، ومن غيَر وابتدَع مُنِع لصدِّه عن الحق.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات