مختصر خطبتي الحرمين 12 من رمضان 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

وللصوم مقاصِدُ وحِكَمٌ عظيمة: فبِه يمتثِلُ العبدُ مُراقبةَ ربِّه في سرِّه وإعلانِه، ويتَّقِيه ليفوزَ بجنَّته ورِضوانه، ويقِيهِ سخطَه ونيرانَه. وفيه تحقيقُ الصبر على طاعة الله وأوامره، وعن نواهِيه وعِصيانِه. وإصلاحُ النفسِ وتزكيتُها يكمُلُ في الصيام. وحفظُ الجوارِحِ وتهذيبُ الأخلاق عاجِلُ بُشرى الصائِم، والشهواتُ تنكسِرُ بالصيام، وبه صحَّةُ الأبدان وسلامةُ الأذهان، ورِقَّةُ القلبِ، والقُربُ من الرحمن، كما أنه يصُونُ الجوارِحَ عن المعاصِي ويخذُلُ الشيطانَ. وبه يعرِفُ العبدُ نعمَ الله عليه فيشكُرُها.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خصائص شهر رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وأنه له خصائِص اختصَّه الله بها دُون ما سِواه من شهور العام، كما ذكرَ سُنَّةً نبويَّةً حرِيٌّ بكل مُسلمٍ أن يحرِصَ عليها في هذا الشهر، وهي سُنَّةُ مُدارسَة القرآن الكريم وما فيها من عظيمِ الأجر.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله -، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

 

وأضاف الشيخ: إن من نِعَم الله السابِغة، ومِنَنه المُتتابِعة، وآلائِه الجليلة: أن جعلَ للأمة أوقاتًا تسمُو على أشباهِها، وتمتازُ على نظائِرِها، وخصَّها بأزمنةٍ هي غُررُ الزمان وتِيجانُ الأيام، يُضاعَفُ فيها أجرُ العاملين، ويسمُو فيها قدرُ المُجتهِدين، الذين يستبِقُون فيها الخيرات، ويهتبِلُون فيها الفُرصَ السانِحات. وتسمُو نفوسُهم إلى سنِيِّ المراتِب، وتنزِعُ هِمَمُهم إلى شريفِ المطالِب، وتحفِزُهم إلى حِيازَة الدرجات الرفيعة، والحَظوَة بالنعيمِ المُقيم في جناتِ النعيم.

 

وبيَّن الشيخ أن من هذه الأزمِنةِ الشريفة: هذا الشهر المُبارَك رمضان، إنه سيِّد الشهور، الشهرُ الذي اختُصَّ من بين سائر شُهور العام بخصائِصَ تبوَّأ بها مقامَ الصدارَة بينها، وارتقَى بها إلى رِفعةٍ لا تُسامَى، وشرفٍ لا يُضاهَى. وحسبُك أنه الشهرُ الذي أُنزِل فيه الهُدى والنور والشفاءُ لما في الصدور: القرآنُ حبلُ الله المتين، والنورُ المُبين، والشفاءُ النافِع، والعصمةُ لمن تمسَّك به، والنجاةُ لمن اتَّبَعه، وأيُّ شرفٍ يعدِلُ هذا الشرفَ؟! وأيُّ فضيلةٍ تعدِلُ هذه الفضيلة؟!

 

وأكد الشيخ أن شهر رمضان اختُصَّ بخصائِص ازدادَ بها شرفًا، وعلا بها قدرًا، وتضاعَفَ بها فضلاً، فمن هذه الخصائِص: أنه شهرٌ تُفتَّحُ فيه أبوابُ الجنة، وتغلَّقُ فيه أبوابُ النار، وهو تعبيرٌ بيِّنٌ عن سعَة رحمته - سبحانه -، وفيضِ جُوده بالعفوِ والمغفرة والعتقِ من النار، كما جاء في بعضِ طُرقِ هذا الحديث عند الشيخين: «إذا دخلَ شهرُ رمضان فُتِّحت أبوابُ الرحمة». وفي بعضِها: «فُتِّحت أبوابُ السماء».

 

وأشار الشيخ إلى أن صيامَه وقيامَه سببٌ لغُفران ما تقدَّم من ذنوبِ العبدِ، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه». وقال: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه». لكنَّه غُفرانٌ مخصوصٌ عند جُمهور أهل العلمِ بما دُون الكبائِر؛ إذ لا تُكفِّرُها غيرُ التوبة، وردُّ الحقوق إلى أهلِها إن كانت مُتعلِّقةً بحُقوق العبادِ.

 

وذكر الشيخ من فضائل رمضان: أن فيه ليلةَ القدر التي هي خيرٌ من ألفِ شهر، وهي الليلةُ المُبارَكة التي من قامَها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.

 

وبين فضيلته من فضائل الشهر: أنه شهرُ الصبر؛ إذ الصبرُ لا تظهرُ حقيقتُه، وتتَّضِحُ صُورتُه أكثر من ظُهورها في الصيام؛ فإنه نصفُ الصبر، والصابِرُ يُوفَّى أجرَه بغير حسابٍ، وفيه دعوةً مُستجابةً لكل مُسلمٍ، وهذا باعِثٌ قويٌّ للعبدِ يحمِلُه على اهتِبال هذه الفُرصة، واغتِنام هذه الفضيلَة،في الازدِلافِ إلى مولاه محبَّةً وشوقًا، تضرُّعًا وانكِسارًا، واطِّراحًا على بابِه - سبحانه -، والتِجاءً إلى جنابِه؛ أملاً في الحَظوَة عنده، وطمَعًا في الرِّفعَة لدَيه.

 

وأكد الشيخ أن جِماع الدين: ألا يُعبَد إلا الله، وألا يُعبَد إلا بما شرَع، ولن يصِحَّ للصائِم صيامٌ ولا عبادةٌ إلا إذا وُزِنَت بهذا الميزان الذي تقومُ كِفَّتاه على الإخلاصِ لله والمُتابَعَة لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. ولذا كان الصومُ كلُّه - كما قال بعضُ العلماء -: "خُضوعًا للأمر الإلهيِّ، فلا أكلَ ولا شُربَ ولا مُتعةَ بما حُظِر على الصائِم بعد تبيُّن الخيطِ الأبيَضِ من الخَيطِ الأسوَدِ من الفَجر إلى غُروبِ الشمسِ، مهما جمَحَت النفسُ، وطغَت شهوةُ الطعام والشراب. ولا إمساكَ عن الطعام والشرابِ أيضًا وما حُظِر في النهار بعد غُروبِ الشمسِ، مهما جمَحَت طبيعةُ الزُّهد والتنسُّك.

 

وأكد الشيخ أن تذكُّر الصائِم لهذه الفضائِلِ والخصائِصِ العظيمةِ المُبارَكة لهذا الشهر المُبارَك، يجبُ أن يكون باعِثًا على كمالِ الشكر لله تعالى المُنعِمِ بهذه الصفة، وذلك بتمام الحِرصِ على حُسن أدائِها، ورِعايتِها حقَّ رِعايتِها، والحذَرِ من إضاعَة فُرصتِها وتفويتِ مغنَمِها، والتفريطِ في جَميلِ الموعُود عليها.

 

وقال حفظه الله: لقد كان من السُّنَن النبويَّة العظيمة التي سنَّها رسولُ الهُدى - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر: سُنَّةُ المُدارسةِ القُرآنية، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه الشيخان في "صحيحيهما"، عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -، أنه قال: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقَاهُ جبريلُ فيُدارِسُه القرآن، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخير من الرِّيح المُرسَلَة". وفي الحديثِ: دلالةٌ ظاهرةٌ على الفضلِ العظيمِ لمُدارسَة القرآنِ في شهر القُرآن، وعلى استِحبابِ الإكثارِ من التلاوةِ في هذا الشهر، وأنها أفضلُ من سائرِ الأذكار، وإلى توجيهِ الأنظارِ إلى ما بين المُدارسَة القرآنيَّة والجُودِ بالخير من وَثيقِ صِلة.

 

وقال وفقه الله: إن مدارسة القرآن تُجدِّدُ له العهدَ بمزيدِ غِنَى النفسِ، وغِنى النفسِ سببُ الجُود الذي هو أعمُّ من الصدقةِ، وأيضًا رمضانُ موسِمُ الخيرات؛ لأن نعَمَ الله على عبادِهِ فيه زائِدةٌ على غيرِه. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُؤثِرُ مُتابعَة سُنَّة الله في عبادِه، ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - في الإسراعِ بالجُودِ أسرعَ من الرِّيحِ المُرسَلَة؛ أي: التي هي دائِمةُ الهُبُوبِ بالرحمةِ. وهي إشارةٌ إلى عُموم النفعِ بجُودِه - صلى الله عليه وسلم -، كما تعُمُّ الرِّيحُ المُرسَلةُ ما تهُبُّ عليه. ووقعَ في روايةِ أحمدَ في آخر هذا الحديث: "لا يُسألُ - أي: - صلى الله عليه وسلم - - لا يُسألُ شيئًا إلا أعطاه". وهي كنايةٌ عن كمالِ الجُودِ ومُنتهاه.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على اغتنام أيام الرحمات فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله -، واجعَلوا من أوقاتِ هذا الشهر فُرصةً لإحياءِ هذه السُّنَّة النبويَّة المُبارَكة، تنكشِف لكم أسرارُ القُرآن وغاياتُه، وتتجلَّى لكم عِبَرُه وعِظاتُه وهداياتُه، وتُشرِقُ في قلوبِكم أنوارُه وبيِّناتُه.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "العمل الصالح في رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وما يكتنِفُ أيامَه وليالِيه من أعمالٍ صالحةٍ ينبغي على العبدِ ألا يُضيِّعَها.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوَى.

 

وأضاف الشيخ: شرفُ الإنسان في استِسلامِه لأوامر الله وتحقيقِ العبوديَّة له دُون ما سِواه، وهو ميزانُ التفاضُل بين العباد، ومن أرادَ السعادةَ الأبديَّةَ فليلزَم العبوديَّةَ لله. والزمانُ ميدانٌ فسيحٌ للتنافُسِ فيها، ولله في أيامِه نفَحَاتٌ يمُنُّ فيها على عبادِه، والمُؤمنُ يتعرَّضُ لها لعلَّه أن تُصيبَه نفحَةٌ لا يشقَى بعدَها أبدًا. وها هو رمضانُ سيِّدُ الشهور نعيشُ لحظَاته، موسِمُ الخيرات والسِّباقُ في القُرُبات، تكثُرُ فيه المِنَحُ والبركاتُ، وتزدادُ فيه العطايا والهِبات، يُضاعِفُ الله فيه الأجرَ ويُجزِلُ المواهِبَ ويفتَحُ أبوابَ الخير لكل راغِبٍ.

 

وقال حفظه الله: خصَّه الله بالفضلِ دُون سائر الشهور، واختصَّت أمَّتُنا بصيامِ شهرٍ تامٍّ على سائر الأُمم في الدُّهور. السعيُ فيه مشكُور، والمُؤمنُ فيه محبُور. حلَّ بنا وهو عن قليلٍ راحِلٌ عنَّا، شاهِدٌ لنا أو علينا، ومُؤذِنٌ بسعادةِ أقوامٍ وشقاءِ آخرين.

 

وبيَّن الشيخ أن رمضان شهرٌ مُبارَكٌ أنزلَ الله فيه أعظمَ كُتُبه، قال - سبحانه -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]. وفيه تُفتَّحُ أبوابُ الجنة، وتُغلَّقُ أبوابُ النيران، وتُصفَّدُ الشياطين ومرَدَةُ الجان. محفوفٌ بالرحمةِ والمغفرةِ والرِّضوانِ، وفيه ليلةُ القدر ليلةٌ مُبارَكةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، ولشرفِها تنزَّلُ الملائِكةُ والرُّوحُ فيها، وفيها الخيرُ والسلامُ حتى مطلَعِ الفجر.

 

وأكد فضيلته أنه: شهرٌ تُكفَّرُ فيه الذنوبُ والآثام، وفيه تجتمِعُ أصولٌ من العباداتِ ويكثُرُ الخيرُ ويُجدَّدُ فيه الإيمان، شرعَ الله فيه من الأعمالِ ما به يثقُلُ الميزان. وكان من هديِه - عليه الصلاة والسلام -: الإكثارُ فيه من أنواعِ العبادة، ويجتهِدُ في أيامِه وليالِيه ما لا يجتهِدُ في غيرِه.

 

وأشار الشيخ إلى أن أفضل القُرُبات: إخلاصُ العملِ لله وتوحيدِه، ومُتابعَة سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -. والصلاةُ عامُود الدين ونورُ المُؤمنين، وبها صلاحُ العمل وقبولُه، وهي أولُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ من دينِه، ومن نامَ عن فرضِها لم يعرِف رمضان، ومن تكاسَلَ عن سُنَنها ورواتِبِها فقد غفَلَ عن فضلِ رمضان. وصومُ رمضان شِعارُ الطاعة فيه، فرضَه الله على الأنام، وجعلَه أحدَ أركان الإسلام.

 

وذكر الشيخ بعض خصائص الصيام فقال: خصَّه الله لنفسِه دون سائر الأعمال، وجعلَ ثوابَه بغير عدٍّ ولا حساب، وهو عبادةٌ في الإسلام عظيمة، فـ«من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه» (متفق عليه). «وفتنةُ الرجلِ في أهلِه ومالِه ونفسِه وولدِه وجارِه يُكفِّرُها الصيام» (متفق عليه). وهو فِديةٌ لبعضِ الأعمال أو كفَّارةٌ لها، وبه يسترُ العبدُ نفسَه من الآثامِ والنار، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الصوم جُنَّة» (رواه الترمذي). و«لخلُوفُ فمِ الصائِمِ أطيَبُ عند الله من رِيحِ المِسكِ» (متفق عليه).

 

وقال وفقه الله: وللصوم مقاصِدُ وحِكَمٌ عظيمة: فبِه يمتثِلُ العبدُ مُراقبةَ ربِّه في سرِّه وإعلانِه، ويتَّقِيه ليفوزَ بجنَّته ورِضوانه، ويقِيهِ سخطَه ونيرانَه. وفيه تحقيقُ الصبر على طاعة الله وأوامره، وعن نواهِيه وعِصيانِه. وإصلاحُ النفسِ وتزكيتُها يكمُلُ في الصيام. وحفظُ الجوارِحِ وتهذيبُ الأخلاق عاجِلُ بُشرى الصائِم، والشهواتُ تنكسِرُ بالصيام، وبه صحَّةُ الأبدان وسلامةُ الأذهان، ورِقَّةُ القلبِ، والقُربُ من الرحمن، كما أنه يصُونُ الجوارِحَ عن المعاصِي ويخذُلُ الشيطانَ. وبه يعرِفُ العبدُ نعمَ الله عليه فيشكُرُها.

 

وأضاف فضيلته: بالصيامِ يعرِفُ العبادُ ضعفَهم وحاجتَهم إلى ربِّهم، وفيه يتجلَّى يُسرُ الإسلام وسماحتُه؛ فنهَى عن الوِصالِ واستحبَّ السحورَ وتأخيرَه، وتعجيلَ الإفطار، ورخَّصَ في الفِطرِ للمُسافِر  والمريضِ والحاملِ والمُرضِعِ.

 

وفي رمضان يتأكَّدُ استِحباب القيام، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه» (متفق عليه). و«من قامَ مع الإمامِ حتى ينصرِفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة» (رواه الترمذي). وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا دخلَت العشرُ شدَّ مئزَرَه، وأحيَى ليلَه. وفيها ليلةُ القدر، من قامَها «إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه» (متفق عليه).

 

وقال حفظه الله: والصدقةُ بُرهانٌ، وأفضلُها ما كان في رمضان، وإذا أصابَك الجوعُ والظمأُ فتذكَّر إخوانًا لك يُكابِدون دهرَهم ذلك، والله كريمٌ يُحبُّ الكرم، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أجودُ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقَاهُ جبريلُ فيُدارِسُه القرآن، فلهو أجودُ بالخير من الرِّيحِ المُرسَلَة، ولا يُسألُ شيئًا إلا أعطاه. فأنفِقُوا من طيِّبِ كسبِكم، واحتسِبُوا عند اللهِ أجرَكم، فبالصدقةِ بركةُ الأموال وطهارةُ الأنفُس، وكلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقَتِه يوم القيامة، وممن يُظلُّهم الله في ظلِّ عرشِه: «ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلَمَ يمينُه ما تُنفِقُ شِمالُه» (متفق عليه).

 

وقال وفقه الله: وعُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّة. وأعظمُ الناسِ أجرًا في هذا الشهرِ أخلصُهم لله وأكثرُهم له ذِكرًا، وخيرُ الذكرِ تلاوةُ القرآن العظيمِ، ومن قرأَ حرفًا من كتابِ الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، والماهِرُ به مع السَّفَرَة الكرامِ البرَرَة. ومن الفوزِ: الإقبالُ على كتابِ الله بقلوبٍ حاضِرةٍ، وتدبُّر آياتِه، والعملُ بمُحكَمه. وليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاءِ، وهو حبلٌ ممدودٌ بين العبدِ وربِّه، لا واسِطةَ فيه ولا حائِل، ودعوةُ الصائمِ لا تُردُّ، وأسمعُ الدعاءِ: جوفُ الليل الآخرِ ودُبُر الصلواتِ المكتُوبات. والاعتِكافُ قُربةٌ وسُنَّةٌ.

 

وأكد الشيخ أن الأبناء هبةٌ من الله وأمانةٌ، والله سائِلُك عنهم، وبصلاحِهم تنتفِعُ بعد موتِك، وتعلُو درجاتُك عند ربِّك، وعلى الصائِمِ أن يتعاهَدَ أبناءَه وأُسرتَه، وأن يكون خيرَ مُعينٍ لهم على الطاعةِ، فيُرشِدُ جاهلَهم، ويُذكِّرُ غافلَهم، ويُعوِّدُ صِغارَه على الصيامِ والقيامِ والمُسابقَة إلى ما يُرضِي الرحمن.

 

وبيَّن الشيخ أن في بِرِّ الوالدَين وصِلةِ الأرحام رِفعة الدرجات، وفي الأيامِ الفاضِلَةِ يزدادُ الابنُ الصالِحُ قُربًا من والدَيه وخدمةً لهما. ومن دعا إلى هُدًى كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من تبِعَه إلى يوم القيامة، ولئن يهدِيَ الله بك رجُلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النَّعَم. والصُّحبةُ الصالحةُ عونٌ وقوةٌ وثباتٌ، ولا غِنى لعاقلٍ عنها، والتوبةُ بابُها مفتوحٌ وعطاءُ الله ممنُوح، والمُوفَّقُ من طرقَ بابَها وأكثرَ الإلحاحَ على ربِّه، وطُوبَى لمن وجدَ في صحيفتِه استِغفارًا كثيرًا.

 

وختم الشيخ خطبته بالمحافظة على الصيام مما ينقص أجره فقال: ففي الطاعاتِ لذَّةُ المُؤمن وسُرورُه وفلاحُه وحُبورُه، والتقوَى لا تُفارِقُ ليلَه ونهارَه، والمُسلمُ لا يقعُدُ فراغًا؛ فإن الموتَ يطلُبُه. ومن حاسبَ نفسَه ربِحَ، ومن غفَلَ عنها خسِر، ومن نظرَ العواقِبَ نجا، وطُوبَى لمن تركَ شهوةً حاضِرةً لموعِدٍ غُيِّبَ لم يرَه. التقرُّبُ إلى الله بالصيامِ لا ينفَعُ مع تركِ الفرائِض، وإذا صُمتَ فليصُم معك سمعُك وبصرُك ولسانُك ويديك، ولا تجعَل يومَ صومِك كيوم فِطرِك. فاحفَظُوا صيامَكم من القوادِح والمُنغِّصات، واحذَروا انتِهاكَ الحُرُمات وسماعَ المُحرَّمات، وإياكُم والنظرَ إلى المُحرَّمات، ومن أطلقَ بصرَه في المُحرَّمات دامَت حسرتُه وطالَ ندمُه.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات