مختصر خطبتي الحرمين 12 شوال 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن من حُسن العِشرة: النظر في أحوال الأمة، وأشدُّها نِكايةً مأساةُ غزَّة في هذه الأيام .. مأساةُ القتل الجماعيِّ الذي يُمارَسُ بلا هوادةٍ، وبسُلوكٍ وحشيٍّ مقيت .. استِهانةٌ بالدماء التي تسيلُ من أجساد الشيوخ، وأشلاء الأطفال والنساء، في مشهَدٍ أليمٍ تفوحُ منه رائحةُ الموت، وصُورٍ مُحزِنة، لا يُطيقُها الضميرُ الإنسانيُّ الحيُّ.. إن حرب غزة تحكِي عُمقَ الجريمة الإنسانيَّة، التي تصيَّدَت فيها آلةُ القتل والتدمير والخراب، كارثةٌ إنسانيَّة في شتَّى مناحِي الحياة؛ فلا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء. .

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "قصة يونس عليه السلام"، والتي تحدَّث فيها عن قصة نبي الله يونس عليه السلام، وما فيها من عِظاتٍ وعبر، مُستخلِصًا أهم الدروس المُستفادة منها؛ مثل: عدم ترك سبيل الدعوة إلى الله مع ما فيه من مشاقّ ومتاعِب، والالتجاء إلى الله تعالى في السرَّاء والضرَّاء لكشف الكروب، وتفريج الهموم.

 

وأوصى فضيلته المصلين بتقوى الله -عز وجل– والتدبر في قصص الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- ففيها عِبرات وعِبَر .. مواكِبُ من النور في إثر مواكِب، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111]..

 

وأضاف فضيلته أن قصص القرآن كانت تتنزَّلُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكَّة، والقلَّة المؤمنةُ معه محصورةٌ بين شِعابِها، والطريقُ شاقٌّ وطويل، لا يكادُ المُسلمون يرَون له نهاية. فكان هذا القصصُ يكشِفُ لهم نهايةَ الطريق، ويُريهم معالِمَه، وينقُلُ خُطاهم، ويأخذ بأيديهم..

 

وأضاف الشيخ: واليوم نقِفُ عند قصةِ نبيٍّ من أنبياء الله، ألا هي قصةُ يونس -عليه السلام-. وقد كان بعثَه الله إلى أهل "نَيْنَوَى" من أرض الموصل، فدعاهم إلى توحيد الله - عز وجل - وعبادته، فكذَّبوه وتمادَوا على كًُفرهم وعنادِهم، فلما طالَ ذلك عليه من أمرِهم خرجَ من بين أظهُرهم غاضِبًا، ووعدَهم حُلولَ العذابِ بعد ثلاثٍ.

 

وأضاف الشيخ: وأما قومُ يُونس فإنه لما خرجَ من بينهم، وتحقَّقُوا نزولَ العذاب بهم؛ قذفَ الله في قلوبهم التوبةَ والإنابةَ، وندِموا على ما كان منهم إلى نبيِّهم، وتضرَّعوا إلى الله، وتذلَّلُوا بين يدَيه، وكانت ساعةً عظيمةً .. فكشفَ الله بحولِه وقوتِه ورأفتِه ورحمتِه، كشفَ عنهم العذاب الذي كان قد اتَّصلَ بهم سببُه، ولم يكن ذلك لأحدٍ غيرهم.

 

وبين فضيلته –بعد سوق أحداث القصة كاملة- أن الاقتِداءَ العظيمَ في هذه القصة: هو الهديُ الذي قالَه الله لنبيِّه:  (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) [القلم: 48]، فأصحابُ الدعوات لا بُدَّ أن يحتمِلُوا تكاليفَها، وأن يصبِروا على التكذيبِ والإيذاءِ من أجلِها، وتكذيبُ الصادق الواثِق مريرٌ على النفس، لكنَّها التكالِيف.

 

فلا بُدَّ لأتباع الرُّسُل أن يصبِروا ويحتمِلُوا، ولا بُدَّ أن يُثابِروا ويثبُتوا، ولا بُدَّ أن يُكرِّرُوا الدعوةَ ويُبدِؤُوا فيها ويُعيدُوا، ولا يجوزُ لهم أن ييئَسُوا من صلاح النفوس، واستِجابة القلوب، مهما واجَهوا من إنكارٍ وتكذيبٍ، ومن عُتُوٍّ وجُحودٍ.

 

إنه من السهل على المُصلِحين أن يغضبُوا لأن الناس لا يستجِيبُون فيهجُرون الناس، ولكن هذا لا ينصُرُ الحقَّ؛ فالمؤمنُ يكظِمُ غيظَه ويمضِي، وخيرٌ له أن يصبِر، والعاقبة للمتقين،   (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 97- 99]..

 

وبيّن الشيخ: كل مكروب ومهموم ومبتلَى قائلاً: لك في دعاء الأنبياء أُسوة؛ روى الإمام أحمد والترمذي بإسنادٍ صحيحٍ، عن سعد بن أبي وقَّاصٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «دعوةُ ذي النُّون إذ دعا وهو في بطن الحُوت: لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالِمين؛ فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ الله له».

 

وعرّج الشيخ على قضية العرب المحورية قائلاً: فلسطينُ السَّليبة، والقُدسُ الأسير، والشعبُ المُضامُ بين أهله وإخوانه .. كلُّها عناوين للعجز العربي، وساحةٌ للمُتاجرات السياسية، وإرهابُ الدولة الذي يُمارِسُه الكِيانُ المُحتلُّ مهما حاولَت الدولُ التي غرسَتْه ورعَتْه تبريرَ جرائمِه، والتستُّر على مجازرِه؛ فإن الغِطاءَ لا بُدَّ أن ينكشِف، والتعتيمَ لا بُدَّ له من مدى ينتهي إليه.

 

وأكد الشيخ المصلين في ختام خطبته على أن التعتيمَ على جرائمِ المُجرِمين في حقِّ الفلسطينيين وفلسطين هو اللِّحافُ الذي طالَما تستَّر به العدوُّ، وقد انكشفَ وانكشَفَت معه سوءَاتٌ كثيرة .. انكشفَ من كان يسترُه ويُبرِّرُ جرائمَه واحتلالَه، فلم يُحقِّقُوا سوى قتلَ الأطفال والمدنيين، وهدمَ المساجد والمنازِل، ومجازِر جماعيَّةٍ لا تستثنِي أحدًا، وجرائِم حربٍ ضدَّ الإنسانيَّة، دون وازِعٍ أخلاقيٍّ أو إنسانيٍّ، كلُّ ذلك تحت المُجتمع الدولي وبصرِه بكل مؤسساته ومُنظَّماته الصامِتة المُتخاذِلة..

 

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "صور من حسن العشرة"، والتي تحدَّث فيها عن حسن العشرة مع المسلمين، وبيَّن صورَ هذه العشرة مع الوالدين، والإخوة والأخوات، والأرحام والأقارب، وبين الزوجين، كما بيَّنها مع الضعفاء والفقراء والمساكين، وذوي الجاه، والسلطان، وكبار السنِّ، وغيرهم من أبناء المُجتمع المُسلم..

 

وأشار فضيلته إلى أن العِشرةُ علاقةٌ صادقةٌ، وحبٌّ مُتجرِّد، ووئامٌ قلبيٌّ، وعطاءٌ بلا حدودٍ. وأولَى الناس بحُسن العِشرة: الوالِدان، فهما سببُ وجود العبد، فحقُّهما مُؤكَّد، وبِرُّهما مُقدَّم.

 

وأضاف: حُسن عِشرة الوالِدَين ببرِّهما والإحسان إليهما، وخِدمتها بالنفس والمال، والدعاء لهما أحياءً وأمواتًا، وإكرامُ صديقِهما، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أبرَّ البرِّ صِلةُ الولد أهلَ وُدِّ أبيه».

 

ونوه فضيلته إلى أن: حُسن العِشرة بين الإخوة والأخَوات، بأداء الإحسان ببعضِهم على بعضٍ، والأدبِ في القولِ والمُعاملَة؛ الصغيرُ يحترِمُ الكبير، والكبيرُ يرحمُ الصغير، حتى تسُودَ المحبَّةُ، وتزدادَ المودَّة، وتستقرَّ الأُلفَة، وتُظلِّلَهم السعادة، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «يدُ المُعطِي العُليا، وابدَأ بمن تعُول: أمَّك، وأباك، وأُختَك، وأخاكَ، ثم أدناكَ أدناكَ».

 

وأضاف الشيخ: وحُسن عِشرة الضعفاء والمساكين بخدمتهم بالمال والوقت والمشاعِر، يُخفِّفُ عنهم مُصابَهم، يُسلِّيهم على الفَجيعة، يصونُ وجههم عن السؤال، ويُغنيهم عن الاستِجداء، ويسُدُّ جوعتَهم، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الساعِي على الأرملة والمِسكين كالمُجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار».

 

ومن إكرامهم: رعايتُهم صحيًّا، ونفسيًّا، واجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وتقديم الأكبر، والإنصات لهم، والتلطُّف معهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن جبريلَ أمرَني أن أُكبِّر».

 

وبين الشيخ أن من الناس من في مُعاشرتهم شيءٌ من العنَت، وتقذِفُك سلوكيَّاتهم بلسَعاتٍ من الأذَى .. عِشرةُ هؤلاء تتطلَّبُ نوعًا من المُداراة.

 

وبيّن الشيخ أن العِشرة تدومُ وتزدادُ رسوخًا بقضاء حوائِج الناس، ومُشاهَدة حسناتهم، وترك التقصير معهم، وزيارتهم، والسؤال عن أحوالهم، ومُواساتهم بالمال، والصبر على جفائِهم، وإسقاط التُّهمة عنهم، ومُصاحبَة كل إنسانٍ على قدر طريقته.

 

وأضاف الشيخ أن من حُسن العِشرة: النظر في أحوال الأمة، وأشدُّها نِكايةً مأساةُ غزَّة في هذه الأيام .. مأساةُ القتل الجماعيِّ الذي يُمارَسُ بلا هوادةٍ، وبسُلوكٍ وحشيٍّ مقيت .. استِهانةٌ بالدماء التي تسيلُ من أجساد الشيوخ، وأشلاء الأطفال والنساء، في مشهَدٍ أليمٍ تفوحُ منه رائحةُ الموت، وصُورٍ مُحزِنة، لا يُطيقُها الضميرُ الإنسانيُّ الحيُّ..

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن حرب غزة تحكِي عُمقَ الجريمة الإنسانيَّة، التي تصيَّدَت فيها آلةُ القتل والتدمير والخراب، كارثةٌ إنسانيَّة في شتَّى مناحِي الحياة؛ فلا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء. شعبٌ يُعانِي ويتألَّم، يستيقِظُ على عشرات الجُثَث، وينامُ على أصواتِ القنابل، والصواريخِ المُدمِّرة، التي لا تُفرِّق بين حجرٍ وشجرٍ وبشرٍ.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات