مختصر خطبتي الحرمين 11 ربيع الأول 1436هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن مما يُجرِي شآبِيبَ المَدمَع، ويغُمُّ قلبَ المُؤمن ويُوجِع: التديُّن المغشوش من أناسٍ ظاهِرُهم الدِّيانة، ولكن استَغاثُوا بالرُّفات، يرجُونَهم قضاءَ الحاجات، ونحوِها من مظاهِرَ تخفَى وراءَها عُرَرٌ تقشعِرُّ لها الأبدان، وعِلَلٌ تثلِمُ الأبدان، تُطوِّحُ بفِئامٍ في دياجِير الحوالِك الهوالِك. صدَّقُوا بالشعوَذَات والخُرافات، وبالَغُوا في ادِّعاء الكرامات والوَلايات، واختَصَروا شعائِرَ الدين في أساطِيرٍ وخُرافاتٍ، وجُلُّ فِعالِهم تُخالِفُ صحيحَ المنقُول، وصريحَ المعقُول. واكتَفَوا من الدين بطُقُوسٍ وشِعاراتٍ، ومظاهِر واحتِفالات لم يكُن عليها سَلَفُ الأمة وخيرُ القُرون.

 

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التدين الزائف .. صوره وسِماته"، والتي تحدَّث فيها عن التديُّن الزائِف والذي يتحلَّى به كثيرٌ من الناس في هذه الآونة، مُحذِّرًا من الغلُوِّ والتطرُّف، كما حذَّر من سُلُوك بعض الشباب طريقٍ آخر، وهو الإلحاد والتشكيك في ثوابِت الدين ومُسلَّماته، مُبيِّنًا أن الدين الحقَّ وسطٌ بين الطرفَين.

 

وأوصى الشيخ المصلين بتقوى الله –سبحانه وتعالى-، فقال: اتقوا الله حقَّ التقوى؛ فإنها خيرٌ وأبقَى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

وأضاف فضيلته: في عصر الماديات واعتسافِها، وذُبُولِ الروحِ وجفافِها، واجتِثاثِ كثيرٍ من القِيَم وانتِسافِها، وفي زمنِ التحوُّلات الفكريَّة واجتِرافِها، والتموُّجات الثقافية واختِلافها، وشُرود النفوس دون صحيح التديُّن وانصِرافها؛ تغلغَلَت في الأمةِ آفةٌ قَحِلَة، جَرذَاءُ محِلَة، برَّحَت بالأمةِ وأوهَتها، وطوَّحَت بها وأضنَتها.

 

كيف وإنها لتبُكُّ الفيالِقَ المُجنَّدَة والقواضِبَ المُهنَّدة؛ لذلك حذَّر منها الشارِعُ وندَّد، وأكبَرَ في أمرها المقتَ وشدَّد، تلكم - يا رعاكم الله -: الانفِصامُ عن العُروة الوُثقَى، والتجافِي عن المنهَج الأنقَى، في سُلوكيَّاتٍ تديُّنيَّةٍ خاطِئة، تخلِطُ بين الأولويات، وتُعنَى بالمظاهِر والشكليَّات على حسابِ الحقائِق والثوابِت واليقينيَّات. فقومٌ يقولون ما لا يفعلون، وآخرون يفعلون ما لا يُؤمَرون !

 

وقال -حفظه الله-: لا مِراءَ في حاجة العبادِ الفِطريَّة إلى الدين الحقِّ؛ حيث جاءت الشريعةُ بالمُواءَمة بين مُتطلَّبات الروح والجسد، وأعمال القلوب والجوارِح، جاعِلةً لأعمال القلوب وحُسن العمل لا كثرتِه - القِدحَ المُعلَّى في التديُّن الصحيح. قال - عليه الصلاة والسلام -: "إن الله لا ينظُرُ إلى صُوركم وأجسادِكم، ولكن ينظُرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم" خرَّجه مسلمٌ في "صحيحه".

 

فالدينُ بثوابِتِه ومبادِئِه وقِيَمِه لا يقبَلُ التشكيكَ أو التقليلَ أو المُزايَدَة، ولا يصحُّ من مُسلمٍ عاقلٍ أن ينالَ منه، أو الإساءَةَ إليه؛ فهو دينُ الله الذي ارتَضاهُ لعبادِه، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، ولكنَّ التديُّن كسلُوكٍ بشريٍّ لتطبيقِ تعاليمِ الدين هو الذي يختلفُ فيه المُكلَّفُون بحسبِ العقولِ والعواطِفِ والظروفِ والأحوال والبِيئات.

 

وبيَّن الشيخ أن هذا الفارِق بين الدين والتديُّن يُحتِّمُ مراجعةَ مسيرةِ التديُّن في المُجتمعات، والتحوُّلات الفِكريَّة التي واكَبَتها، في زمنٍ انتشَرَت فيه ظواهِرُ اختِطافِ العقولِ والأفكارِ باسمِ الدين، والصِّراعِ بين الأيدلوجيَّات والأجِندات. مما أفرزَ تناقُضاتٍ سُلوكيَّة، وانتِماءاتٍ فِكريَّة، تتطلَّبُ معرفةَ الضوابِط الشرعيَّة عند الحديثِ عن الثوابِت والمُتغيِّرات.

 

فعَرضُ قضايا الدين ومُحكَماته من أجلِ النَّيل من ثوابِتِه خطٌّ أحمرُ لا يحقُّ تجاوُزُه، ونبذُ السلوكِ والتطبيقِ باعتِدالٍ وإنصافٍ وتثبُّتٍ سائِغٌ مقبولٌ؛ لأنه يُسيءُ للدين الحقِّ، ولا يستحقُّ العِصمةَ والقَداسَة.

 

وقال -وفقه الله-: وفي هذا العصر المُحتدِم بالاختِلافات والانقِسامات، والمُلتهِبِ بالأزمَات والصِّراعات، كثُرَت ضُروبُ التديُّن الخاطِئ وأمَّت، واندَاحَت صُورُ الضلال وعمَّت من أهل الأهواء، الذين أُشرِبُوا فِكرَ الغُلُوِّ والتكفير، والعُنفِ والقتلِ والتفجير، والتخريبِ والتدمير، وغيرِها من الطوامِّ التي يتبرَّأُ منها كلُّ مؤمنٍ يرجُو اللهَ واليومَ الآخرَ.

 

فقدَّمُوا للأعداء خدماتٍ جُلَّى بأطباقٍ مُذهَبة، وضيَّعُوا على الأمةِ فُرَصًا كُبرى في الدعوةِ إلى دينِ الله، وتأذَّى خلقٌ كثيرٌ جرَّاءَ رُعونَتهم وسُوءِ صنيعِهم. وكلُّ ذلك ما هو إلا نِتاجُ فِكرٍ مُتطرِّفٍ مُنحرِف، وغُلُوٍّ شاذٍّ مُنجرِف، يُوقِظُ الفتنَ النائِمة، والمناهِجَ الهائِمَةَ الواهِمةَ، التي تعمَدُ إلى سَفكِ الدمِ الحرام والعُتُوِّ في الأرض والإجرام.

 

فحصَلَ من جرَّاء ذلك ضلالُ أفهام، وزَلَلُ أقدام، وكانوا عونًا لمن رامَ القضاءَ على مُقدَّرات المُسلمين، وطَمسِ معالِم هويَّتهم، حتى تحوَّلَت الانتِكاساتُ النفسيَّة والمُشكِلات الاجتماعيَّة إلى حالاتٍ من التديُّن غير المُنضبِط بضوابِط الشرع، ثم الزجُّ بالأنفُسِ إلى بُؤَر الصِّراع ومواطِن الفِتَن.

 

وأضاف فضيلته: وآخرُون في تطرُّفٍ مُضادٍّ، أصابَتْهم موجاتٌ من التشكيكِ والإلحاد، ولوثَاتٌ من الفساد، الذي يُنذِرُ بعَظيمِ الخطر، ويتستَّرُ به الألِدَّاءُ في كيدٍ وبَطَر. ذلكم الفِكرُ الغامّ، والخُنُوعُ المُزيَّفُ السام، الذي أجلَبَ بتيَّارات الانحِراف، وهملَجَ بمشارِبِ الإتلافِ والإرجافِ، والاستِلابِ العقديِّ والانسِلاخ الثقافيِّ، والاختِطافِ الفِكريِّ والقِيَميِّ.

 

فأفسَدَ فِئامًا من الناس، ولوَّثَ أفكارَهم، وشابَ عقائِدَهم، وسلَخَهم عن قِيَمهم الاجتماعيَّة، وضرَّاهم عن أصولِهم الدينيَّة والأخلاقيَّة، وأسلَمَهم إلى عواصِفِ الحَيرَة والتميُّع والذَّوَبان والانهِزاميَّة، وضياعِ الهويَّة، والتقليدِ والتبَعِيَّة، والتشبُّه بغير المُسلمين. مما أفرَزَ ازدواجِيَّةً وتناقُضاتٍ عند بعضِهم، في أُطروحاتٍ جريئةٍ، تُثيرُ التشويشَ والإثارة، لاسيَّما في المُجتمعات المُتديِّنة المُحافِظة، تمَسُّ أعراضَها، ومسالِكَ العفافِ فيها، وتخدِشُ آدابَها وحياءَها، وتهُزُّ قِيَمَها وكرامَتَها.

 

وأضاف الشيخ: إن المُتأمِّل في واقعِ الأمة المشحُون بهذه التيَّارات المُتضادَّة، والآراء المُتنافِرة المُتنادَّة، يُصابُ بالذُّهولِ وهو يرى فِئاتٍ من بنِي جلدَتنا يُساعِدون في تقويضِ بُنيانها، وزَعزَعة أركانِها، وإغراقِ سفينتِها.

 

فبَين غلُوٍّ في الدين محموم، وتمييعٍ للشرع مذموم، يتقلَّبُ فيه بعضُ أبناء الأمة الخالِدة التي اصطَفاها المولَى - سبحانه - لتكُونَ خيرَ أمةٍ أُخرِجَت للناس، حتى آلَ أمرُ بعض أبنائِها في تديُّنِهم إلى انتِماءاتٍ فِكريَّة، وولاءاتٍ حِزبيَّة، وتيَّاراتٍ مذهَبيَّةٍ وطائفيَّةٍ، وصِراعاتٍ سياسيَّة، والله تعالى يقول: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].

 

وقال -حفظه الله-: ولقد حوَتْ شريعتُنا في أُصولِها ومبادِئِها ما يتواءَمُ وحاجةَ الإنسانيَّة، وما يتواكَبُ ومصلحَةَ البشريَّة في كل زمانٍ ومكانٍ، وما يُحقِّقُ مصالِحَ العباد في أمورِ المعاشِ والمعادِ. والتمسُّكُ بها لا يحتاجُ إلى جُهدٍ جَهيدٍ، أو غلُوٍّ وتشديد، أو تركٍ لمعالِمِها وتفريطٍ؛ بل هي وسطٌ بين كل ذلك، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143].

 

وأضاف فضيلته: فالتديُّنُ الحقُّ هو ذلكم المُستكِنُّ في الفَهمِ السلَفيِّ لصحيحِ النصوصِ ومقاصِدِها، الذي يُظهِرُ عدلَ الدين ورحمتَه، وسماحتَه ورأفَتَه ووسطيَّتَه، ويكشِفُ سُطوعَ كوكبِه السارِي، ونهرِه المُبارَكِ الجارِي، ويحمِلُ للبشريَّةِ صلاحَها وفلاحَها، ورُشدَها ونجاحَها، يحسِمُ شِرَّةَ الخُطوبِ والكُروبِ، وينتشِلُ الإنسانيَّة من أوهاقِ البَغضاءِ والشَّحناء إلى مراسِي التوافُقِ والصفاء، والسِّلمِ والوفاءِ.

 

فاللهَ اللهَ - عبادَ الله - في التمسُّكِ بثوابِتِ دينِكم، لاسيَّما في عصرِ الفِتَنِ وغُربَةِ الإسلامِ،

وفي زمنِ التحديَّات الجِثام، والأزَمات العِظام.

 

وقال -وفقه الله-: وإن مما يُجرِي شآبِيبَ المَدمَع، ويغُمُّ قلبَ المُؤمن ويُوجِع: التديُّن المغشوش من أناسٍ ظاهِرُهم الدِّيانة، ولكن استَغاثُوا بالرُّفات، يرجُونَهم قضاءَ الحاجات، ونحوِها من مظاهِرَ تخفَى وراءَها عُرَرٌ تقشعِرُّ لها الأبدان، وعِلَلٌ تثلِمُ الأبدان، تُطوِّحُ بفِئامٍ في دياجِير الحوالِك الهوالِك.

 

صدَّقُوا بالشعوَذَات والخُرافات، وبالَغُوا في ادِّعاء الكرامات والوَلايات، واختَصَروا شعائِرَ الدين في أساطِيرٍ وخُرافاتٍ، وجُلُّ فِعالِهم تُخالِفُ صحيحَ المنقُول، وصريحَ المعقُول. واكتَفَوا من الدين بطُقُوسٍ وشِعاراتٍ، ومظاهِر واحتِفالات لم يكُن عليها سَلَفُ الأمة وخيرُ القُرون.

 

وأضاف الشيخ: ومن المُؤكَّد تمامًا: أنه لن تُترجَمَ نوابِضُ الحبِّ لهذا الدين إلا بالتوحيد الخالِصِ وصحَّة المُعتقَد، والتمسُّك بالكتاب العزيز والسنَّةِ المُطهَّرة، والاهتِداء بمِشكاةِ خيرِ البريَّة - بأبي هو وأمِّي - عليه الصلاة والسلام -، القائل: "قد تركتُكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها بعدِي إلا هالِك".

 

وختم الشيخ خطبته بوصية عامة بأن على الأمةِ جميعًا شدّ رِكابِها صوبَ العنايةِ بتصحيحِ المفاهِيم الدينيَّة، وربطِ المُصطلَحات الشرعيَّة تنقيتِها مما خالَطَها من المُصطلَحَات المغلُوطة والمشبُوهَة، والتصدِّي لكل الأدعِياء الذين يُغالُون ويُشدِّدُون، أو يُفرِّطون ويُقصِّرون.

 

والفَيصَلُ في ذلك: الردُّ إلى الكتابِ والسنَّة بفَهم سلَف الأمة، يُبيِّنُه العلماءُ الراسِخُون حيث يقعُ على عاتِقِ عُلماء الشريعةِ المُؤتمَنِين على ميراثِ النبُوَّة مهمَّة الاضطِلاعِ بمشروعٍ إسلاميٍّ حضاريٍّ، يضبِطُ مسالِكَ التديُّن في الأمة خاصَّةً فئةَ الشباب، حتى لا يُشوَّه بين الغَالِين والجَافِين. فقيمةُ الحياةِ الحقيقيَّة تكمُنُ في صحيحِ الدين الذي يضبِطُ النفوسَ، ويكونُ في شِغافِ القلوبِ أعزَّ مغرُوسٍ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31، 32].

 

المدينة النبوية:

 

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أحكام المسح على الخفين"، والتي تحدَّث فيها عن المسح على الخفين وأحكامه، مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - وبطاعته؛ فبذلك يحصُلُ كلُّ مطلوب، وينجُو الإنسانُ من كل مرهُوب.

 

وأضاف الشيخ: من رحمةِ الله - جل وعلا - بعبادِه: أن شرَعَ لهم من الأحكام ما يُيسِّرُ لهم أمورَهم، وتستقيمُ به أحوالُهم، وفقَ مبادِئ التيسير والتسهيلِ. فمن قواعِد شريعةِ الإسلام: "المشقَّةُ تجلِبُ التيسير"، ومن جوانِبِ التيسير في شريعةِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: مشروعيَّةُ المسح على الخُفَّين الثابِتِ بالكتابِ العظيم والأحاديث المُتواتِرة عن النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه.

 

فيُسنُّ المسحُ عليهما ما دامَ الإنسانُ لابِسًا لهما، ولا يُشرعُ أن يخلَعَ لخُفَّين ليغسِلَ القدَمَين عند وُضوئِه.

 

وقال -حفظه الله-: ويلتحِقُ بمشروعيَّة المسح على الخُفَّين المصنُوعَين من الجُلود: المسحُ على الجَورَبَين، وهما ما يُتَّخذُ من القُطن أو من الصُّوفِ ونحوِه مما هو في حياة الناس اليوم؛ فيُشرعُ المسحُ على الجَورَبَين بهذا الوصفِ في الوضوء، متى لبِسَهما الإنسانُ على طهارةٍ كامِلةٍ.

 

بمعنى: أن يتوضَّأَ وضوءًا كامِلاً، أو يغتسِلَ غُسلاً مشروعًا كالغُسل من الجَنَابَة مثلاً، ثم يلبَسهما بعد ذلك. والأحوطُ أن يلبَسَ المُتوضِّئُ الخُفَّ أو الجَوربَ حتى يغسِلَ قدَمَيه كليهما، فحينئذٍ له أن يمسحَ بعد ذلك.

 

وأضاف فضيلته: والمسحُ إنما هو في الطهارة من الحدثِ الأصغر، أما الحدثُ الأكبر كمن عليه جنابَةٌ، فلا يجوزُ في ذلك المسحُ على الخُفَّين؛ بل لا بُدَّ من خلعِهما وغسلُ البدَن كامِلاً.

 

وقال وفقه الله: ومُدَّة المسحِ على الخُفَّين للمُقيم يومٌ وليلةٌ، وللمُسافِر ثلاثةُ أيامٍ بليالِيها، وتبدأُ مُدَّةُ المسح من أول مسحٍ بعد الحدث الذي يُصيبُ الإنسان،مما يُسمَّى عند أهل العلم بـ "نواقض الوضوء".

 

فمثلاً: إذا توضَّأ لصلاة الظهر، ثم لبِسَهما، ثم أحدثَ، ثم مسحَ عند صلاةِ العصر، فحينئذٍ تبدأُ مُدَّة المسحِ من مسحِه عند صلاةِ العصر.

 

ومن مسحَ وهو مُسافِرٌ ثم أقامَ في البلد أتمَّ مسحَ مُقيم - أي: يومٌ وليلةٌ – ما دامَت هذه المُدَّة قائِمة، ومن مسَحَ وهو مُقيمٌ في البلَد ثم سافَرَ في أثناءِ هذه المُدَّة، فيمسحُ مُدَّة مسحِ المُسافِر - أي ثلاثة أيامٍ بليالِيها - على الراجِح من قولَي أهل العلم.

 

وبيَّن الشيخ أن: المسح على الخُفَّين مُتعلِّقٌ بغسل الرِّجلَين في الوضوء؛ بمعنى: لا بُدَّ أن يتوضَّأ وضوءًا شرعيًّا بالماء، أما إذا تيمَّمَ الإنسانُ في حالِ مشروعيَّة التيمُّم، ثم لبِسَ خُفَّيه، فلا يجوزُ له أن يمسحَ إذا وجدَ الماء، بحُجَّة أنه لبِسَ الخُفَّين على طهارةٍ شرعيَّة؛ إذ الطهارةُ في المسح على الخُفَّين تتعلَّقُ بغسلِ القدَمَين بالماء مع سائرِ الأعضاء.

 

فمثلاً: من لم يجِد الماءَ أو كان مريضًا لا يستطيعُ استعمالَ الماء في الوضوء؛ فإنه لا مانِع من أن يلبَسَ خُفَّيه ولو على غير طهارةٍ ويُصلِّي بهذا التيمُّم، ولكن إذا وجدَ الماءَ أو شُفِيَ المريضُ فلا بُدَّ من وضوءٍ تامٍّ بما فيه غسلُ القدَمَين.

 

ومتى شكَّ الإنسانُ في ابتِداءِ مُدَّة المسحِ؛ فإنه يبنِي على اليَقين، وهو عدمُ المسح.

فمثلاً: إنسانٌ شكَّ هل بدأَ من صلاةِ الظهر أو من صلاةِ العصر، فالأصلُ أن يبنِي على اليقين، وهو عدمُ المسحِ، فحينئذٍ يحسِبُ المُدَّة من صلاة العصر.

 

وأضاف فضيلته: والواجبُ أن يمسحَ من كان عليه خُفَّين أن يمسحَ أعلى الخُفِّ إذا أراد أن يمسحَ، بأن يبدأَ المسحَ من أصابِعِه - أصابِع قدَمَيه - إلى ساقِه، فيمسحُ اليُمنَى، ثم اليُسرى، وإن مسَحَهما جميعًا - أي: يمسحُ رِجلَه اليُمنَى بيدِه اليُمنَى، ورِجلَه اليُسرَى بيدِه اليُسرَى - دُفعةً واحدةً فلا بأسَ.

 

وهذا هو ظاهرُ حديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم ليمسَح عليهما"، ولا يُسنُّ مسحُ أسفل الخُفِّ ولا عقِبِه، قال عليٌّ - رضي الله عنه -: "لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخُفِّ أولَى بالمسحِ من أعلاه، وقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحُ على ظاهرِ خُفَّيه" (رواه أبو داود، وقال ابن حجر: "إسنادُه صحيح").

 

وأوضح الشيخ أن المسلم إذا لبِسَ الجوارِب، ثم لبِسَ عليهما جوارِبَ أخرى، ومسحَ على العُليا، فلا بأسَ، على الصحيح من قولَي أهل العلم، ما دامَت مُدَّة المسح قائِمةً، وتُحسبُ المُدَّةُ من مسحِه على الجَورَب الأول.

 

وإذا انتهَت مُدَّة المسح والإنسانُ على طهارة، فلا تنتقِضُ طهارتُه بذلك، على القول الراجِح. واختارَه ابن تيمية - رحمه الله - وغيرُه من أهل التحقيق؛ لأن الشرعَ وقَّتَ المسحَ، فإذا تمَّت مُدَّتُه والإنسانُ على طهارةٍ فطهارتُه باقيةٌ، ولكن لا يجوزُ له المسحُ عليهما حتى يأتيَ بوضوءٍ كاملٍ، وتبدأُ مُدَّة مسحٍ جديد.

 

وضرب فضيلته على ذلك مثالاً فقال: ومثالُ هذه المسألة - وهي انتِهاءُ مُدَّة المسح على الخُفَّين -: أن تبتدِئَ مُدَّة المسح من صلاة العصر، فيكونُ الإنسانُ على طهارتِه حتى يأتي العصرُ الجديد من اليوم الثاني، والإنسانُ على طهارتِه بعد أن مسحَ اليوم والليلة باقية ولم ينتقض وضوؤُه. فحينئذٍ نقول: إنه يجوزُ له أن يُصلِّي بتلك الطهارة، ولا دليلَ على نُقضانها وبُطلانها.

 

وأضاف الشيخ: من المعلوم عند علماء الإسلام: أن الأصلَ الذي تقومُ عليه صحَّةُ التعبُّد: مُتابعةُ السُّنَّة النبويَّة، وقيامُ الدليل الشرعيِّ. وإن ما يفعلُه بعضٌ من المُسلمين من الاحتِفال بمولِد النبي - صلى الله عليه وسلم – في اليوم الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول هو أمرٌ مُحدَث، لم يفعَله - صلى الله عليه وسلم - ولا خُلفاؤُه الراشِدون ولا أهلُ القرون المُفضَّلة، مع عظيم محبَّتهم لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

 

والخيرُ كلُّ الخير إنما هو في الاتِّباع، والشرُّ كلُّ الشرِّ إنما هو في الابتِداع، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ" وقال - عليه الصلاة والسلام -:

"من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ".

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أن محبَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلٌ عظيمٌ في الإيمان بالله - جل وعلا -، ولا يستقيمُ إيمانٌ بدون محبَّته - صلى الله عليه وسلم -، ولكن من لوازِمِ وأركان محبَّته: الاقتِداءُ بهديِه، واتِّباعُ شرعِه، وعدمُ الإحداثِ في دينِه ولو كان ذلك في ظنِّ الإنسان حسنًا؛ فإن الحسنَ إنما يكونُ حسنًا بشرعِ الله - جل وعلا -.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات