اقتباس
في معترك هذه الحياة وهمومها وغمومها وعجر الإنسان وبجره التي تغلي بفؤاده غلياناً لا يحتمل معه هواءً ولا وقوداً يزيده اشتعالاً، ولا ماءً يزيد طينه بلة حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين، إنها صروف حياة موجعة ترى الناس فيها يغدون فبائع نفسه منهم فمعتقها أو موبقها، هكذا هم الناس مع الغير والمحن التي تصيبهم أو تحل قريباً من دارهم، ‘لا من رحم الله. إننا لنشاهد بأعيننا ونسمع بآذاننا المصائب إثر المصائب، والأحزان إثر الأحزان لإخواننا في الدين أو جيران أو قرابة أو لنا نحن قبلهم أو بعدهم، عافانا الله وإياكم منها، فنقف أمامها محدقي الأبصار..
الحرم المكي:
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله -عز وجل-.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة: "في معترك هذه الحياة وهمومها وغمومها وعجر الإنسان وبجره التي تغلي بفؤاده غلياناً لا يحتمل معه هواءً ولا وقوداً يزيده اشتعالاً، ولا ماءً يزيد طينه بلة حتى يكون حرضاً أو يكون من الهالكين، إنها صروف حياة موجعة ترى الناس فيها يغدون فبائع نفسه منهم فمعتقها أو موبقها، هكذا هم الناس مع الغير والمحن التي تصيبهم أو تحل قريباً من دارهم، ‘لا من رحم الله. إننا لنشاهد بأعيننا ونسمع بآذاننا المصائب إثر المصائب، والأحزان إثر الأحزان لإخواننا في الدين أو جيران أو قرابة أو لنا نحن قبلهم أو بعدهم، عافانا الله وإياكم منها، فنقف أمامها محدقي الأبصار نخبط في التعامل معها خبط عشواء، يغلب علينا بسببها اليأس والقنوط والتشاؤم الذي لا يزيد الكرب إلا ضيقاً، ولا الضيق إلا حرجاً، كأنما يصعد أحدنا في السماء، فلا يزيد الجرح إلا إيلاماً، كل ذلكم يعترينا على فترة من الفأل والأمل بالله؛ إذ كلنا أحوج ما نكون في المضائق والمدلهمات إلى استحضار طيف السعة، وفي الكروب إلى استحضار طيف الفرج".
وأضاف يقول: "إن أي مجتمع لم تطله نيران الحروب والتدمير من الداخل والخارج لهو في عافية وسلامة، فليرعها وليستجلب أسباب أمنه الفكري والغذائي والصحي والمالي والجنائي على حد سواء، وليبذل قوته وجهده لدفع أسباب الفوضى والتفرق والتشرذم قبل ألا ينفع حول لنا ولا قوة، فإن الوقاية خير من العلاج، والدفع أولى من الرفع، وإذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار، إن أحسن أدوية المحن والملمات وأنفعها في الحال والمآل هو حسن الظن بالله، من خلال وجود الفأل الحسن في داخل المرء؛ إذ بالفأل يحسن ظنك بربك وتقتدي بهدي نبيك -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة وهي التشاؤم لأنها سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق؛ فإن الله -جل وعلا- يجري للعباد بالمصائب الأجور ويرفع الدرجات ويكفر السيئات، ثم يتبعها الفرج وحسن العواقب، فكم من المحن في طياتها منح".
وأوضح فضيلته أن بداية طريق الوصول من العسر إلى اليسر هو الفأل وحسن الظن بالله، فإنه يجعلك تحس بالنور ولو كنت أعمى البصر؛ لأن التشاؤم لا يريك إلا الظلام ولو كنت أبصر الناس، ولذا فإن من سبر حياة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وجدها مليئة بالفأل والتفاؤل حتى في لقائه مع عدوه اللدود فإنه -صلى الله عليه وسلم- لما كان في صلح الحديبية وأقبل عليهم رجل من قريش هو سهيل بن عمرو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد سهل أمركم".
فما أعظم الفأل في سيرة حبيبنا وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يريد لأمته أن تيأس أو أن تتشاءم لأنه لم يبعث إلا رحمة للعالمين، يقربهم إلى الله ويحيي روح التفاؤل وحسن الظن به، حتى في حال الدعاء بين العبد وبين ربه يذكرنا -صلى الله عليه وسلم- بالفأل فيقول: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "إن للمرء أن يعجب كل العجب حينما يرى مصارع أهل المصائب والابتلاءات أفرادًا وجماعات، كيف سفلت نفوسهم وخارت هممهم فلم يطلبوا رفعة ولم يستجلبوا فألاً، وإنما خيم على أفئدتهم جيوش اليأس والقنوط والحطة، فلم يجعلوا للأمل بريقاً ولا للفأل طريقاً، أما لو أدرك هؤلاء جميعًا أن الله بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لما أمكن مع ذلك أن يتحكم فيهم اليأس أو تغتالهم غائلة القنوط التي تودي ببعضهم إلى حزن وقلق واكتئاب، ولربما كانت حبلاً ممدوداً لانتحار الهلكى منهم".
وبيّن فضيلته أن الفأل فيه معنى الصبر والرضا والنصر والعزة والرجاء، واليأس والتشاؤم فيه معنى السخط والهزيمة والذلة والقلق، وأن الفأل لا يعني تحقق الأشياء بالضرورة، لكنه أس علاج التشاؤم واليأس، ففي جو الفأل يتعافى الفكر والبدن، ويكون العبد أقرب إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهما أمرا به، وفي جو اليأس يبعد العبد عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- لأنهما قد نهيا عنه، فالفأل ثقة بالله وإيمان بقضائه وقدره، وفي التشاؤم سوء ظن بالله وريبة في قضائه وقدره.
المدينة النبوية:
من جانبه أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير المسلمين بتقوى الله تعالى في السراء والضراء؛ لأنه بالتقوى تندفع البلوى وينجي الله المتقين.
وأبان فضيلته في خطبة الجمعة أن المسلم يشاطر أخاه أساه ويواسيه في بلواه ويتوجع له في عثرته وشكواه، وإنه قد حل بأهل الإسلام بلاء وجوع وكوارث وحروب ذميمة بلغت منهم مبلغاً أليماً ونزلت بهم كربتها وأحاطت بهم شدتها ولازمتهم محنتها حتى صار ألمها أشد من ألم الموت.
وحثّ إمام وخطيب المسجد النبوي أهل الشفقة والإحسان وأهل التقوى والإيمان على الصدقة وإنقاذهم من مهاوي الذل والانكسار، مستشهداً بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن أو تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً".
وأورد فضيلة الشيخ صلاح البدير قول ابن القيم: على قدر الإيمان تكون المواساة، متطرقًا إلى ضرورة الحث على مواساة المظلوم وإسعاف المكلوم وإغاثة المهضوم ورحمة المنكوب: فـ(إن الله لا يضيع أجر المحسنين) و(إن الله يجزي المتصدقين).
وخلص فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي إلى تحذير الذين يبذلون أموالهم في الملاهي والمفاخرة، والمكاثرة، والتباهي، ومجاوزة الحد من زوال النعمة والحرمان.
المصدر: واس
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم