عناصر الخطبة
1/ منهج الإسلام في إعداد الشخصية المسلمة 2/ من صفات المنافقين أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون 3/ عقوبات من يخالف عمله قوله.اقتباس
وهناكم خصلة شنعاء وخلة نكراء، تحط من قدر المؤمن وتخفف من قيمته، ومن كرامته، ومن مركزه الاجتماعي، مهما تستر عليها فقديماً قيل:
فمهما تكن عند امرئ من خليقة*** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
ألا وهي: مخالفة الفعل للقول المتضمنة خلق وصفات المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ويبطنون خلاف ما يظهرون، يقول الله -سبحانه وتعالى- في علماء بني إسرائيل ومن شابههم في هذه الصفة من علماء وقادة هذه الأمة ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، أحمده تعالى وأعوذ به من علم لا ينفع ومن دعاء لا يستجاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه وعلى كل من دعاء بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الله جل جلاله وتقدست أسماؤه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج:1-2].
أيها المسلمون: إن دين الإسلام الحنيف الذي أكرمنا الله -تعالى- به، وأنزله -تعالى- رحمة للعالمين ومنهاجاً للمؤمنين، إنه عني كثيراً بإعداد الشخصية المسلمة إعداداً يليق بمن هو أمين على تطبيق منهج الله، في أرض الله، بين عباد الله، بل وخليق بجنة الفردوس الأعلى بجوار الله يوم القيامة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، إعداداً يلتقي عليه المظهر والمخبر مع إعداداً يتسم بل الاستقامة (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)[الشورى:15] .
والوضوح: (فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران:64] بالوضوح والرزانة والصراحة والثبات في المنشط والمكره والضراء والسراء، إعداداً يصون النفس عن أن يعرضها للإهانة أو الإذلال، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[الأنعام:151]، ويقول عليه الصلاة والسلام: "الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"، ويقول: "ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه".
ويقول أحد العلماء في صيانة نفسه:
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى: أي: إذا قيل هذه مصلحه هذا مغنم هذا مشرب.
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى *** ولكن نفس الحر تحتمل الضما
أنزهها عن بعض مالا يشينها *** مخافة أقوال العداء فيما أو لما
وهناكم خصلة شنعاء وخلة نكراء، تحط من قدر المؤمن وتخفف من قيمته، ومن كرامته، ومن مركزه الاجتماعي، مهما تستر عليها فقديماً قيل:
فمهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
ألا وهي: مخالفة الفعل للقول المتضمنة خلق وصفات المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ويبطنون خلاف ما يظهرون، يقول الله -سبحانه وتعالى- في علماء بني إسرائيل ومن شابههم في هذه الصفة من علماء وقادة هذه الأمة يقول: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)[البقرة:44]، ويقول في منافقي هذه الأمة (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ) أي: أمرنا وشأننا طاعة لولي الأمر لك يا قائدنا (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ)[النساء:81]، ويقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ)[البقرة:204].
هذه أيها المؤمنون إشارات إلى صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ولقد حدث في إبان نزول القرآن حدث أن تمنى رجال من المؤمنين فريضة الجهاد قبل أن يفرض عليهم، تمنوا الجهاد، فلما نزل القرآن يأمر بالجهاد تقاعس بعض من تمنى فريضته ونكل، فأنزل الله -تعالى- توبيخاً لمن نكل وتقاعس وتشنيعاً لمن غبر إلى يوم القيامة، أنزل قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)[الصف:2-3].
فإذا كان هذا التوبيخ إذا كان لرجال من المسلمين تمنوا الجهاد فلما فرض عليهم تقاعسوا وجبنوا، فما بالكم أيها الإخوة بمن يقول: هذا منكر فاجتنبوه، وهذا معروف فافعلوه، هذه سنة فافعلوها، وهذه بدعة فاتركوها، وأفعاله وواقعه ومشاعر مستمعيه تجاوبه بلا صدقت ولا بررت.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها*** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى*** بالقول منك وينفع التعليم
أيها الإخوة المؤمنون: إن جرم هذا الذنب لعظيم، وإن أثره على أهله لخطير، إنه يعرض أهله لفتنة عمياء، إنه يكشف أهله، ويحط من قدرهم، ويكذبهم، ويقلل من شأنهم، بل ويعرضهم للفتن ولتكذيب ولردود فعل، بل ولعذاب جهنم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد روي: "أشد الناس عذاباً عالم لم ينفعه علمه"، رحماك اللهم يا رب.
وقد جاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مررت حين أسري بي، ذكر حال رجل من النار فقال له الناس: ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال: بلى. ولكنني كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وفي رواية لأحمد أنه قال عليه الصلاة والسلام: "مررت حين أسري بي برجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطبا أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون".
فاتقوا الله أيها الإخوة المؤمنون، وانهجوا بأعمالكم وأقوالكم نهج الإسلام، انهجوا فيها أن يكون واقعكم مطابقاً لما تعتقدونه، وأن توافق أفعالكم أقوالكم واعتقاداتكم، انهجوا في أمركم ونهيكم وسركم وجهركم وحكمكم وتحاكمكم وجميع شأنكم، نهج الإسلام الذي أمر الله به، نهج رسل الله عليهم الصلاة والسلام، أمثال ما حكاه الله عن نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام، (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود:88].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأسال الله بأسمائه الحسنى أن يجعلنا صادقين في اعتقاداتنا، وأقوالنا، وأفعالنا، مبتغين بها وجه الله في ضرائنا وسرائنا، وفي كل شأن من شؤوننا، نسأله أن يقينا شر أنفسنا، وأن يغفر لنا، وأن يرحمنا، إنه -تعالى- حسبنا ونعم الوكيل.
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده -تعالى- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وعلى أصحابه، وعلى كل من دعاء بدعوة واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم على النار لا تقوى، وأن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم فخذوا حذركم، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
جاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر رضي الله -تعالى- عنه يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك".
فاتقوا الله أيها المسلمون، واتعظوا بمواعظ الله، واستمسكوا بهدي رسول الله، إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلالة. وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
وصلوا على أكرم نبي وأعظم رسول، فقد أمرنا الله -تعالى- بذلكم في قوله جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وصلِّ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الرحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم (اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم