محاضرة يا مقلب القلوب للموظفات

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن الله عز وجل قد أسبغ على عباده نعماً ظاهرة و باطنة، واصطفى نعمة هي أنفس النعم وأجلها وأعلاها وهي نعمة الهداية لدينه القويم، منحها لمن يشاء من عباده، وجعل محل الهداية هو القلب. قال تعالى: )فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا(  الأنعام :125

فالقلب عليه مدار الأعمال، فبه تصلح أو تفسد، ولا تقبل الأعمال إلا إذا صلح القلب، قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صَلَحت صَلَح الجسدُ كُلُّهُ, وإذا فسدت فسد الجسدُ كله, ألا وهي القلب ) البخاري

فالقلب ملِكُ الجوارح وسلطانُها والجوارح جنوده ورعيتهُ المطيعةُ له، المنقادَةُ لأوامره فإذا صلحَ الملِك، صلحت رعاياه وجنودُه، وإذا فسد الملك فسدت جنوده ورعاياه، فلا تعمل الجوارح شيئا إلا بعد أمره.

لماذا سمي القلب بهذا الاسم؟

ما سمي القلب إلا من تقلبه....................... فاحذر على القلب من قلب وتحويل

يقول الرسول r في شأنه ( لقلب بني آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً ) صححه الألباني

ويضرب الرسول r  للقلب مثلاً آخر فيقول : (  إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن ) صحيح الجامع .

فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات على الهداية يحتاج إلى جهد ودأب ومصابرة.

لأن نعمة الهداية والثبات على الدين، هي أكثر النعم التي ينبغي أن نخشى عليها من الزوال، قال صلى الله عليه وسلم : ( القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء ) رواه الترمذي

ولذلك تواصى بها الأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى:)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون( البقرة130-132.

 

ولعظيم منة الهداية أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يسألوه الثبات عليها في كل ركعة من صلاتهم فكان من دعائهم )اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ( الفاتحة :6

يقول ابن القيم رحمه الله: ( إن العبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفة عين ) ويقول ابن تيمية :(العبد محتاج في كل وقت إلى الاستعانة بالله على طاعته ، وتثبيت قلبه) فالسعيد من هداه الله وثبته على الدين حتى الممات، وكان r كثيراً ما يسأل الله الثبات على دينه ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال : نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء ) صحيح الترمذي

قال ابن القيم رحمه الله: ( إن العبد إذا علم أن الله سبحانه وتعالى مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه، وأنه تعالى كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويخفض من يشاء، فما يؤمنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه، ويزيغه بعد إقامته وقد أثنى الله على عباده: )رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا  (آل عمران:8 فلولا خوف الإزاغة لما سألوه ألا يزيغ قلوبهم ).قال البيضاوي : وخص نفسه r بالذكر إعلاماً بأن نفسه الزكية إذا كانت مفتقرة إلى الله سبحانه فافتقار غيرها ممّن دونه أحق بذلك ) فتح الباري. وقوله (ثبت قلبي علي دينك) أي اجعله ثابتاً على دينك، غير مائل عن الدين القويم والصراط المستقيم .

والثبات معناه أن يستمر المرء في طريق الهداية والالتزام بمقتضيات هذا الطريق و المداومة عليه ،وثبات القلب وصبره ويقينه عند ورود كل فتنة.

وهذه التقلبات سببها الفتن وقد حدثنا الرسول r عن مراحل ثبات القلوب وزيغها أمام الفتن يقول r: (تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف مَعروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) رواه مسلم

و أنواع القلوب كما ذكرها ابن القيم رحمه الله:

  • قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذه بيتاً ووطناً وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن .
  • قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهواء فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع.
  • قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات.

وهذا هو القلب السليم الذي ينجو صاحبه يوم القيامة،كما قال إبراهيم عليه السلام في دعائه : )وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ( الشعراء: 83 ـ 89

والقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره.

وسلامة القلوب و صلاحها لا يكون إلا بفضل الله وعونه سبحانه وتعالى ، ولكن علينا أن نسعى إلى سلامة قلوبنا وصلاحها فهي سبب الثبات والنجاة يوم القيامة.

ولنا أن نتساءل ما هي أهمية الثبات وما مدى الحاجة إليه ؟

إن المتأمل في حال الرسول r وشدة خوفه من تقلب قلبه وكثرة سؤاله الله الثبات؛ تُبقي قلوبنا بين الرغب والرهب وتفتح لنا باباً من التعلق بالله سبحانه وسؤاله الثبات في كل حال ، فالثبات على دين الله مطلب مهم والحاجة إليه ماسة ،وتمكن أهميته لعدة أمور منها :

  1. خوفاً من النكوص على الأعقاب والزيغ، فعندما تخبو جذوة الإيمان في القلوب ، ويتعلق القلب بالدنيا وزينتها ويتعرض لفتنتها، عندئذٍ تصعب عليه الاستقامة على دين الله ،قَالَ رَسُولَ اللَّهِ r :

( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ) . رواه مسلم ، وفي أحاديث ورود الحوض يوم القيامة ومنع أناس منه عظة وعبرة لكل غافل. فعن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : قال النبيr:  ( إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب مني ومن أمتي؟  فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. وفي رواية أخرى فأقول : ( سحقاً سحقاً ) رواه البخاري.

ففي قوله: ( ما برحوا يرجعون على أعقابهم ) كناية عن عدم الثبات ، والتراجع البطيء المتواصل المؤدي إلى الهاوية. فليحذر المسلم من زلة يعقبها خسران، ومن تهاون بالطاعات يعقبه تنازل عن الدين ومن كبوة ليس من بعدها نهوض.

 

  1. كثرة الفتن التي تعرض للمسلم،وترجع الفتن بكل أنواعها إلى قسمين رئيسين :

أ- فتنة الشبهات : مثل التشكيك في الدين والوقوع في الشرك، أو البدع أو اختلاط الأمر على الإنسان فلا يميز بين الحق والباطل.

ب- فتنة الشهوات : وهي الغالبة : كفتنة المال أو المنصب أو الجاه، وأيضاً فتنة الظلم والبغي والتعدي على العباد بغير حق وغيرها.

وفي الحديث يقول r : ( إنه لم يكن نبي قبلي ، إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيراً لهم وينذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء شديد، وأمور تنكرونها، وتجيء فتن، فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة ، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن : هذه هذه . فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ، الذي يحب أن يؤتى إليه ...) صححه الألباني ، فكل زمن يمضي فإن الذي يليه أشد حاجة منه للثبات.

يقول أنس بن مالك :( اصبروا فأنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ، سمعت هذا من نبيكم  r) البخاري.

  1. توهم أن الثبات لا يحتاجه إلا حديثو العهد بالدين أو بالاستقامة (المسلمين حديثاً أو صغار السن) فإذا كان أنبياء الله عليهم السلام يكثرون من سؤال الله الثبات وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم وهم الذين تربوا في مدرسـة النـبوة، وهؤلاء أنبياء الله وصفوة خلقه، فحـاجتنـا له أشد !!
    فيوسف عليه السلام يثبت ويواجه الفتنة ثم يقول بعد ثباته :) وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( يوسف : 33 ، وإبراهيم عليه السلام يحطم الأصنام بيده ويواجه قومه، ثم ظل يطلب الثبات من ربه ويقول :  ) وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ( إبراهيم : 35.

قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع : (والإنسان مادامت روحه في جسده فهو معرض للفتنة، لهذا أوصي نفسي وإياكم أن نسأل الله دائماً الثبات على الإيمان وأن تخافوا، لأن تحت أرجلكم مزالق فإذا لم يثبتكم الله عز وجل وقعتم في الهلاك، واسمعوا لقوله - سبحانه وتعالى – لرسوله r أثبت الخلق وأقواهم إيماناً: )وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا( الإسراء:74 ، فإذا كان هذا للرسول r، فما بالنا نحن؟ ......... إلى أن قال: فعلينا أن نسأل الله الثبات على الحق وألا يزيغ قلوبنا..)

  1. ارتباط الثبات بحسن الخاتمة ،فمن ثبت في حياته يثبته الله عند الموت وعند البعث وعلى الصراط قال تعالى :) إِنَّالَّذِين َقَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمّ َاسْتَقَامُوا تَتَنَـزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ( فصلت:30، وأما من حاد عن طريق الاستقامة وأسرف على نفسه بالمعاصي فقد عرّض نفسه لسوء الخاتمة قال ابن كثير: إن الذنوب تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له ، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان ، فيقع في سوء الخاتمة.

وقال تعالى :) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ( إبراهيم : 27.

فيثبتهم عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة ، وفي القبر عند سؤال الملائكة.

وإن ورود هذه الأحاديث الصحيحة يجعل الإنسان أكثر حرصاً على سؤال الله الثبات و التمسك بدينه وسلوك طريق النجاة والبعد عن أسباب الفتنة .

فحاجة المسلم اليوم للثبات أعظم من حاجة من سبقه ، والجهد المطلوب لتحقيق الثبات أكثر وذلك لضعف المعين ؛ ولذلك ذكر النبي r  بالأجر العظيم لمن تمسك بالدين في هذه الأزمنة وجعلها بشارة لمن  استقام على دين الله وصبر على ما أصابه فيه وتلك البشارة تثبيتا منه لمن بعده من المؤمنين قال r:   ( إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين ، قالوا :يا نبي الله،منّا أو منهم ؟ قال :بل منكم ) صححه الألباني .

ما هي الأمور المعينة على الثبات:

تعرفنا فيما سبق على الحاجة الماسة للثبات على دين الله وسنذكر بعض الأمور التي تعين على الثبات مستقاة من كتاب الله وسنة رسوله r.

  1. الإيمان بالله :-

إن الإيمان بالله من أعظم أسباب التثبيت وقد وعد الله المؤمنين بالثبات أحوج ما يكونون إليه ،قال تعالى :  )يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ  (  إبراهيم : 27.

فأهل الإيمان أهدى الناس قلوباً، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات، وذلك لما معهم من الإيمان.

قال تعالى : ) وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ( التغابن: 11، قال السعدي رحمه الله في شرح الآية : "هي في مقام المصائب بشكل خاص، وأما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي فإن الله أخبر أن كل من آمن أي الإيمان المأمور به وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره ، وصَدَّق إيمانه بما يقتضيه هذا الإيمان من لوازمه وواجباته، أن هذا السبب إذا قام به العبد هو أكبـــر سبب لهداية الله له في أقواله وأفعاله وجميع أحواله وفي علمه وعمله، وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان كما قال تعالى - مخبراً - أنه يثبت المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".

قال أيضاً رحمه الله عن أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته : "وهذا فصل عظيم النفع والحاجة، بل الضرورة ماسة إلى معرفته ........ وذلك: أن الإيمان هو كمال العبد، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة. والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها: وقد جعل الله له مواد كبيرة تجليه وتقويه، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه...وأعظم أسباب تقويته : معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله بها. فقد ثبت في الصحيحين عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) الشيخان أي: من حفظها وفهم معانيها، واعتقدها، وتعبد لله بها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون. فعلم: أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته.

ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات . وهذه الأنواع هي روح الإيمان ، وأصله وغايته . فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه، وقوي يقينه. فينبغي للمؤمن: أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات".

 

2 .  الدعاء و سؤال الله الثبات على الهداية:-

إن أعظم ما يعين العبد على الثبات على دين الله أن يتوجه إليه بقلب منكسر بين يديه ليسأله الثبات على الهداية ، فإن الدعاء حبل متين من الله عز وجل، من استمسك به نجا، ومن استعصم به أغاثه الله، قال تعالى : )وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ( آل عمران : 101

فالدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى أبلغ ما يثبت به الله قلوب المؤمنين وما من عبد يسأل الله بصدق أن يثبت قلبه على الهداية إلا كان حقاً على الله أن يثبته قال تعالى : ) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ( غافر : 60

وسؤال الله الثبات هو فعل الأنبياء والأخيار ودأب الصالحين والأبرار، حكاه الله جلّ وعلا عنهم في محكم التنزيل قال تعالى :) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ( آل عمران : 8.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان يكثر رسول الله r أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فقلت :يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: (نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء ) حديث حسن

  1. الاعتصام بالكتاب والسنة وتعلم العلم الشرعي :

الاعتصام بالكتاب والسنة سبيل العز و النجاة و الفلاح في الدنيا والآخرة،  وتعاهد النفس بتعلم العلم الشرعي والنهل من معينه ؛ لأن العلم الشرعي سبب لحصول التفريق بين الحق والباطل وسبب للثبات عند الملمات. وأعظم مصادر العلم :

  • كتاب الله العظيم وهو من أعظم وسائل التثبيت على دين الله ،لأنه يزرع الإيمان، ويقوي الصلة بالله سبحانه وتعالى ،وهو العاصم من الفتن ، لاشتماله على الترغيب والترهيب والوعد والوعيد قال تعالى: ) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ( الحجر 49-50

وهو شفاء لأمراض الشبهات والشهوات،وقال أيضاً):قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ( فصلت: 44

وإذا سلم القلب من أمراض الشبهات والشهوات كان أقوى على مواجهة الفتن وأكثر ثباتاً على الحق ، فالله سبحانه وتعالى أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب تثبيتاً للمؤمنين، قال تعالى: )قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا ( النحل: 102

فمن تمسك بالقرآن الكريم ثبته الله ونجاه من الفتن، فقد ورد عن الرسول r قوله لأصحابه يوماً :(أبشروا أليس تشهدون أن لا إله  إلا الله وأني رسول الله ، قالوا: نعم. قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله  وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً )صحيح الترغيب والترهيب ، فما يحدث من انحراف عن دين الله، أو فساد القلب، أو انحراف السلوك سببه هو البعد عن كتاب الله عز وجل تعلماً وعملاً به.ولهذا من جعل القرآن إمامه وعمل به قاده إلى الجنة ومن جعله وراء ظهره بترك العمل به ساقه إلى النار فعن جابر رضي الله عنه قال : ( القرآن شافع مشفع و ماحل مصدق من جعله إمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ) صححه الألباني صحيح الجامع.  معنى الماحل أي الشاهد الساعي.

  • الالتزام بالسنة من أسباب الثبات على الدين والسلامة من الفتن فقد ثبت في حديث العرباض بن سارية أن النبي r قال :- ( إنه من يعش منكم ، فسيرى اختلافا كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) صححه الألباني

وذم من يرد السنة في الحديث الذي رواه المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: أنه  r قال :

( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوا ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما حرم الله...... الحديث ) صححه الألباني

فالنجاة إنما تكون بالتمسك بالسنة والبعد عن البدع والأهواء ، وأن يحكّم المرء السنة على نفسه فيما يأتي ويذر في حركاته وسكونه وجميع شؤونه فمن كان هذا شأنه ، فإنه يعصم ويوقى بإذن الله من كل شر وبلاء وفتنة، لإن الاستجابة لله ورسوله والالتزام بأوامرهما سبب في تثبيت قلب المؤمن ، وقد حذر الله سبحانه وتعالى من عدم الاستجابة وجعلها سبباً في أن يحال بين المرء و قلبه ـ قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( الأنفال: 24. قال ابن عباس: أي يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان.

  1. المداومة على الأعمال الصالحة :

إن المثابرة والمداومة على الأعمال الصالحة ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى ، مستوجبة لتثبيت الله سبحانه وتعالى قال تعالى : )وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا( النساء  :66.

فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر، والنواهي، والمصائب.، فيحصل لهم الثبات يوفقون به لفعل الأوامر وترك الزواجر التي يتهاون بفعلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. والفرائض هي أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه ففي الحديث القدسي (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ من افترضته عليه...... ).

فالطاعات تقرب إلى الله سبحانه وتعالى إذا قام بها العبد على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب. ثم الإكثار من نوافل العبادات من الصلاة والصوم والصدقة والإحسان إلى المحتاجين مما يثبت به الله العبد ويحفظه من الفتن، فكثرة النوافل سبب لمحبة الله عز وجل(... ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) رواه البخاري.

مــا أعظمها من مــنزلة! أي درجة من التثبيت والــتوفيق والسداد سينالها هذا المحبوب!! فهنيئاً لمن حاز على تلك المنزلة العظيمة وهي أن يكون محبوباً من ربه.

وأحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قلّ لأن المداومة على الأعمال الصالحة تعني استمرار اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتاً وتعلقاً بالله عز و جل.

وقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال :(أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل . قال : وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته) .

 وقد حث الرسول  rالمسلمين على الإقبال على الله حال الفتن وقال r : (العبادة في الهرج كهجرةٌ إلي) رواه مسلم. وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح الحديث : ( المراد بالهرج هنا : الفتنة ، واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد ) فالحفاظ على الطاعات والاستكثار من العبادات من أسباب السلامة من الفتن فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت استيقظ رسول الله  r فزعاً يقول: ( سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن ، وماذا أنزل من الفتن ، من يوقظ أصحاب الحجرات – يريد أزواجه - لكي يصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ) أخرجه البخاري

فأخبر عن نزول الفتن ثم حث أزواجه على قيام الليل ، فدلّ على أن قيام الليل من أسباب السلامة من الفتن والثبات على الدين؛ ذلك لأن جوف الليل خاصة الثلث الأخير منه وقت مبارك يستجاب فيه الدعاء.

  1. 5. الحذر من العجب والاغترار بالأعمال الصالحة:

العجب والغرور هو الذي أوقع الشيطان فيما أوقعه و مهما كان الإنسان من الإيمان والتقوى والصلاح فبدون تثبيت الله و توفيقه لن يستطيع أن يثبت أبداً.فليحذر المؤمن النظر إلى النفس بعين الكمال فأكمل الخلق وأعلاهم عند الله منزله كان يقول في دعائه : (رب اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي، وعمدي وجهلي وهزلي ، وكل ذلك عندي . اللهم اغفر لي ما قدمت و ما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير )صحيح البخاري.

وكان r كثيراً ما يردّد" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ".

 

6 . تدبر قصص الأنبياء والصالحين :

إن المتأمل في قصص الأنبياء والصالحين والمتدبر في سيرتهم وحياتهم وما لاقوه وكابدوه وصبروا عليه من الابتلاءات يزرع الثقة في النفوس ويغرس الأمل في القلوب ويوّلد لدى المؤمن قوة إيمانية تدفعه للثبات على الحق.

وأورد الله سبحانه وتعالى القصص في القرآن الكريم تثبيتاً لفؤاد النبي r وأفئدة المؤمنين معه.

قال الله تعالى: )وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ( هود: 120

ولنتأمل ثبات إبراهيم عليه السلام عندما قرر الكفار إحراقه ،وأضرموا ناراً وجمعوا الناس على ذلك فلم يرجع إبراهيم عن دينه وزاده ثباتاً على الحق، قال الله تعالى:) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيم*وَأَرَادُوا به كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ  (الأنبياء: 70

قال ابن عباس : كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار (حسبي الله ونعم الوكيل) .

وتتجلى معاني الثبات وأقواها في قصة سحرة فرعون بعد إيمانهم، كيف ثبتوا أمام تهديدات ذلك الظالم: ) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى( طه :71

هددهم بتقطيع الأيدي والأرجل والصلب في جذوع النخل فما صدهم عن دينهم بل ثبتوا ثبوتاً لا يشوبه أي تراجع أو تردد فقالوا له : )قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (طه : 72

وقصة أصحاب الأخدود كما وردت في سورة البروج وكما ذكرها الرسول r ، حقيقة بأن يتأملها المسلم فهي تحكي قصة قوم فتنوا في دينهم وأحرقوا في خنادق النار مع نسائهم وأطفالهم، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد وكان نكالاً دنيوياً بالغ القسوة من أعداء جبارين لكن الإيمان ارتفع بهذه القلوب المؤمنة على الفتن وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة ولم تفتن بدينها و ثبتت على ما علمت من الحق والإيمان.

 

 

 

7 . البعد عن مواطن الفتن:

إن أعظم ما ينتفع به العبد من عوامل الثبات على الدين: عدم التعرض للفتنة بالبعد عنها وعن
أسبابها فيصفوا حال القلب و يتذوق طعم الإيمان، وقد جاء في حديث النبيr  عن الدجال:

( من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث من الشبهات ) صححه الألباني.

وقد أمر رسول اللهr بالتعوذ من الفتن حيث قال : ( تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها

و ما بطن ) صحيح مسلم. وأمرنا أن نستعيذ بالله من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات.

فالسعادة كل السعادة في التوفيق لتجنب الفتن والبعد عنها قال: r ( إن السعيد لمن جنب الفتن، إن
السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواهاً ) صححه الألباني.

وعدّ ابن الجوزي مقاربة الفتنة من أعظم الفتن لمظنة الوقوع فيها فقال : "ما رأيت فتنة أعظم من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه".

واذا أراد الله بعبد خيراً رزقه اليقظة في حياته فيكون حذراً خائفاً من أن يزيغ قلبه بعد هدايته محاسباً لنفسه يفر بدينه من الفتن، وخاصة في الأزمنة التي تموج فيها الفتن موج البحر، والتي يرقق بعضها بعضاً فالابتعاد عن مواطن الفتن وقاية لصاحبه أن تزل قدمه بعد ثبوتها ".

ومن صور التعرض للفتن أمور كثيرة منها:

أ. مصاحبة رفقاء السوء، فإن للصحبة تأثير بالغ على المرء، وشبّه الرسول  rالجليس السوء بنافخ الكير فلا بد أن يصيبك منه سوء.

ب. قراءة كتب الإلحاد والزندقة، أو دخول المواقع الإلكترونية المشككة في الدين أو تبث العقائد الفاسدة، للاطلاع آمنين من الانزلاق، فلا يأمن من شيء حذر الله نبيه منه. قال الله تعالى: )وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ( المائدة 49 : .فإذا كان هذا التحذير للرسول  rفكيف بمن هو دونه. وقال r : ( إنها ستـكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، من يستشرف لها تستشرفه فمن استطاع أن يعوذ بملجأ
أو معاذ فليفعل ) أخرجه البخاري

فلا يخاطر المسلم بدينه ولا يعرض نفسه للفتنة ثم يبحث عن مخرج فالوقاية خير من العلاج.

فالإنسان قد يفتن نفسه بأن يوقعها ويوردها مواطن الفتن في دخول مواقع الشبهات والمناظرات أو يحاور أهل الضلال أو يستمع لأهل البدع والطوائف الضالة وهو لا يملك العلم الشرعي.

  1. التحلي بالحلم والأناة :-

ومن الضوابط لاتقاء الفتنة وتجنبها الحلم والأناة وعدم استعجال العواقب ، والتأمل والنظر في عواقب الأمور ، فإن العجلة لا تأتي بخير ومن كان عجولاَ في أموره فإنه لا يأمن من الزلل والوقوع في الانحراف والخطأ .

وأما من كان حليماً في أموره متأنياً في أهدافه ومقاصده بعيداً عن العجلة والاندفاع متأملاً وناظراً في عواقب الأمور ، فإنه بإذن الله يصل إلى العاقبة الحميدة التي يسعد بها في الدنيا والآخرة ، وقد جاء عن الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال – ( إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتؤدة فإنك أن تكون تابعاً في الخير ، خيراً من أن تكون رأساً في الشر)
فمن ابتعد عن سبيل الأناة فتح على نفسه وعلى غيره من عباد الله باباً من الشر والبلاء .

قال  r ( إن من عباد الله من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر ومنهم من هو مغلاق للخير مفتاح للشر، فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخير على يديه ، وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه ) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح

ومما يعين المرء على التؤدة والأناة مشاورة أهل العلم والعقل وعدم الانفراد بالرأي عند اتخاذ القرار وبخاصة أوقات الفتن ، وقد كان هذا فعل الرسول r فكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول (ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله r ) رواه ابن حيان .

  1. التثبت وحفظ اللسان :-

فالعاقل لا يتكلم في شيء إلا إذا تثبت من صحته وكانت هناك فائدة من نشره والحديث فيه ، فإن كان خيراً وللمصلحة العامة أظهره وإن كان خلاف ذلك ستره.

قال تعالى:) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْرَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ( سورة النّساء 83 .

يقول السعدي رحمه الله : (ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ؛ ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ أهل الرأي والعلم والعقل الذين يعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين و سروراً لهم وتحرزاً من أعدائهم فعلوا ذلك ، وإن رأوا ليس من المصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه )  .

وحفظ اللسان واجب في جميع الأوقات والأحوال لكن يتأكد ذلك عند الفتن وذلك لكثرة الإشاعات والمبالغات والأباطيل ، وتكون عندها الأنفس مستعدة لاستقبال كل ما يقال، قال r: (من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : ( قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما النَّجاةُ؟ قال: أمسِكْ عليْكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئتِكَ ) صحيح الترمذي

فمن السلامة للمؤمن أن يبتعد عن كل ما يضعف الإيمان ويجر إلى المعصية مثل مجالس الجدال بالباطل والغيبة والنميمة  والوقوع في أعراض الناس خصوصاً أهل العلم والفضل، لاسيما في أوقات الفتن التي يكثر فيها اللغط والجدل.

......................................................................

خـــــــــــتــــــــــــامـــــاً

أمر الثبات على الدين أمر عظيم يحرص عليه كل مسلم حتى يفوز في الدنيا والآخرة، وحاجتنا إليه خاصة في هذا الزمان أعظم. فعلى المسلم أن يكون ثابتاً في الفتن، وأن يكون له دور مع من حوله وله أثرٌ في تثبيتهم، ويتأكد ذلك إن كان معلماً ومربياً، فالمربي هو قدوة لمجتمعه ولمن تحت يده، وحتى يصل لتلك المرتبة وقت الشدائد عليه أن يحرص على وسائل الثبات التي من أهمها: الإيمان بالله عز وجل والاستعانة به وكثرة الدعاء ، والتمسك بالكتاب والسنة وتعلم ما فيهما من علم ، والمداومة على الأعمال الصالحة ، وتدبر سير الأنبياء والصالحين ، والبعد عن مواطن الفتن، كما أن عليه أن يعود نفسه على التخلق بالأخلاق المعينة على الثبات كالصبر والحلم والأناة، وحفظ اللسان .

نسأل الله أن يثبتنا على الإيمان و يختم لنا به ، و يعصمنا من الفتن ما ظهر منها و ما بطن،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات