محاسن الإسلام

عبدالله بن صالح القصير

2019-05-03 - 1440/08/28 2023-03-04 - 1444/08/12
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/استعراض لبعض صور محاسن الإسلام وجماله 2/دعوة لعبادة الله وحده واتباع نبيه الكريم وكثرة ذكر الله تعالى

اقتباس

اقتضت حكمة الله كذلك أن يكون دينه كاملاً مبرءاً من النقصان، سمحاً ميسراً مراعياً للحال والزمان، وكثر فيه من الشرائع والخصال المكفرة للسيئات والمضاعفة للحسنات، والتي ترفع العبد درجات، وجعل فيه مواسم فاضلة، وخص...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً، ولا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله إلى النار يوم القيامة.

 

أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وتوبوا إليه من كل ذنب واستغفروه، وما تقدموا لأنفسكم من خير فعند الله -تعالى- ستجدوه؛ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران:30].

 

عباد الله: إن الدين عند الله الإسلام الذي أكمله سبحانه وأتم به على أهله الإنعام، وفضل به أهله على من سواهم من الأنام، وقال بشأنه: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة:3]، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران:85].

 

أيها المسلمون: إن الله اصطفى لكم الدين وفضلكم به إذ هداكم له من بين من سواكم من العالمين، فهداكم للدين القويم، وجعلكم من أمة رسوله الكريم محمد -عليه من ربه أكمل الصلاة وأزكى التسليم-، قال تعالى: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17]، وقال سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[آل عمران:164]، وقال سبحانه في المنة بالقرآن العظيم والرسول الكريم: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58].

 

معشر المسلمين: إن دين الإسلام العظيم القويم هو خاتمة وخلاصة الأديان السماوية السابقة، قد اشتمل على خير وأحسن ما فيها، وضمنه ربنا -تبارك وتعالى- تشريعات وأحكاماً فيها مصلحة للأنام، وصالحة إلى آخر الأيام، فما في الكتب الإلهية المتقدمة من تشريعات حسنة فقد ضمن الله الإسلام مثلها وأحسن منها، وما فيها من تشريعات مؤقتة فقد انتهت بانتهاء توقيتها، وفناء أهلها المخاطبين بها ولذا نسخها الله -تعالى- بالقرآن العظيم وهدي الرسول الكريم، وأغنى بهما عنها، وما طرأ عليها من التحريف والتبديل لألفاظ نصوصها ومعانيها وكيفية العمل بها، فقد تضمن ما بلغه النبي -صلى الله عليه وسلم- من القرآن والهدي والبيان على صحيح نصه، وواضح حكمه، وأحسن كيفية لتطبيقه وتحقيقه مع يسر أمره، وأما ما في تلك الكتب السابقة من الآصار والأغلال التي اقتضت الحكمة الإلهية تكليف أهلها بها فقد عافا الله -تبارك وتعالى- هذه الأمة منها لطفاً ورحمة بها، فكان القرآن العظيم بحق: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[المائدة:48]؛ أي: موافقاً ومؤكداً على أحسن ما فيها، وناسخاً لما كان مؤقتاً من أحكامها وما لا تحتاج الأمة إليه، ومشتملاً على أحكام جديدة صالحة مصلحة للأمة، فأغنى الله بالقرآن وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها.

 

أيها المؤمنون: ولما كان القرآن العظيم وبيان وهدي الرسول الكريم -عليه من ربه أكمل الصلاة وأزكى التسليم- بهذه المثابة من الحسن والتيسير والكفاية اقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى- أن يكون دين الإسلام الذي جاء به الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- ناسخاً لما قبله من الأديان عاماً لجميع المكلفين من الإنس والجان، منذ بعثه الله وإلى أن يأتي الله بأمره آخر الزمان.

 

معشر المؤمنين: ولما اقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى- أن يكون رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين وأشرف وأعظم المرسلين وأكمل أسوة للمؤمنين، وأن يكون دينه خير وأعظم وأكمل دين، وآخر ما يتعبد به لله -رب العالمين- قبل يوم الدين، اقتضت حكمة الله كذلك أن يكون دينه كاملاً مبرءاً من النقصان، سمحاً ميسراً مراعياً للحال والزمان، وكثر فيه من الشرائع والخصال المكفرة للسيئات والمضاعفة للحسنات، والتي ترفع العبد درجات، وجعل فيه مواسم فاضلة، وخص أماكن مباركة يضاعف فيها العمل والثواب، وخصالاً تعتق بها الرقاب، وفتح ووسع أبواب ووقت المتاب، ونوَّع فيه الأعمال الصالحات، وفرض قضاء ما فات ويسر أموراً يمكن بها إبراء الذمة بعد الممات من أنواع من الحقوق والواجبات، وجعل من شرائعه وشعائره مهمات تؤدي جماعة تعاوناً على البر والتقوى، وإظهاراً للعلم والهدى وإغاظة للأعداء، ومع هذا كله فمن اعتقاد العمل ثم شُغل عنه أو عجز كتب له ما اعتاد، وإذا شق العمل عظم أجره وعُدَّ من الجهاد، ومن غاب عقله رفع عنه قلم التكليف ومن شاخ في الإسلام كتب له أحسن عمله ولم يكتب عليه سيئه لطفاً من اللطيف، ومن انقطع عمله بموته ووصل له بالعلم الذي ينتفع به والصدقة الجارية بعده، والولد الصالح يدعو له، وكل حسنة منها فعمل بها من بعده.

 

 معشر المؤمنين: وفوق هذا كله أن المحسن في الإسلام يجزي بمعدل أحسن عمله، ويضاعف له ثوابه، ولم يؤاخذ على إساءته في الجهل، ويعطى زيادة على ذلك ثواباً غير مقابل عمل، وكذلكم ينتفع المسلم في الإسلام بعد موته بدعوات الداعين، وصدقات المحسنين، وشفاعة الشافعين المرضيين، وتفضل رب العالمين الرحمن الرحيم بالعفو عنه، والمغفرة له يوم الدين.

 

أمة الإسلام: ومن محاسن هذا الدين وتفضل الله -تبارك وتعالى- به أهله على من قبلهم من المؤمنين أن الله -تعالى- جعل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- خير أمة أخرجت للناس، وهم الأمة الوسط العدول الخيار الشهداء يوم القيامة على الناس، وهم أكثر الأمم مؤمناً برب العالمين، وأكثرها تابعاً لرسولها محمد خاتم النبيين، وأكرمها يوم القيامة على رب العالمين، وهم أول أمة يقضى بينها قبل الخلائق وأكثرها وارداً لحوضه -صلى الله عليه وسلم- الذي يطرد عنه كل مرتد ومنافق، وهم أول من يجوز الصراط وأول أمة تدخل الجنة، وهم أكثر أهل الجنة فإنهم ثلثا أهل الجنة، وخاصتهم أشراف أهل الجنة بعد المرسلين والنبيين -صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين-؛ (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

 

بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني إياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على منه وهداه، ونشكره سبحانه على مترادف وسابغ نعماه، ونستغفره ونتوب إليه من كل ما لا يحبه ولا يرضاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا معبود بحق سواه، جل ربي عن الأنداد والأضداد، فكما لا رب غيره لا إله سواه.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ومصطفاه، المبعوث بالهدى ودين الحق إلى عامة المكلفين من الخلق منذ بعثه الله إلى أن تطلع الشمس من مغربها إيذاناً باقتراب الوعد الحق والقيام لله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان على دينه وهداه.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى بأن يُذكر فلا يُنسى، ويطاع فلا يُعصى، ويُشكر فلا يُكفر.

 

أيها الناس: اشهدوا لله -تعالى- بالتفرد بالإلهية والعبادة، واعبدوه سبحانه بما شرع مخلصين له الدين عن إيمان واحتساب لا على الإلف والعادة، واجتنبوا الكفر والشرك والبدع وكبائر الذنوب، وتوبوا توبة نصوحاً من كل ما اقترفتم إلى علام الغيوب، شأن من قال: ربي الله ثم استقام.

 

واشهدوا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتم النبيين، وخليل رب العالمين، المبعوث إلى عامة المكلفين بأكمل شرعة وأحسن دين، إلى يوم يبعثون، المخصوص بالشفاعة العظمى لعامة الخلق، والمقام المحمود بين يدي الحق، والوحيد الذي يستفتح باب الجنة وعد صدق، فآمنوا به -صلى الله عليه وسلم- وصدقوه فيما أخبر، وأطيعوه فيما أمر، واجتنبوا ما نهى عنه وزجر، ولا تعبدوا الله إلا بما شرع.

 

أيها المسلمون: اذكروا الله -تبارك وتعالى- واشكروه أن هداكم للإسلام، وأظهروا الاغتباط بذلك بين الأنام، وأظهروا محاسنه وأحسنوا الاستقامة والتعامل مع الناس بخلقه لتحببوه وتغروا به الخاص والعام، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:161-163]، وبذلك تصبحوا هداة مهتدين، وأئمة للمتقين، غير ضالين ولا مضلين.

 

معشر المؤمنين: احذروا أن تكونوا صادين بأنفسكم أو صادين لغيركم عن شيء من أحكام ربكم -تبارك وتعالى- أو سنة من سنن نبيكم المصطفى بقول أو فعل أو حال، فإن كل ما تجاهرون به من مخالفة لحكم قطعي من أحكام الإسلام، أو لسنة معلومة من سنن النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- حتى تُعرفون به لاعتيادكم إياها وملازمتكم لها، فإن ذلكم يُفهم أو يوهم ترددكم في قول ذلكم الحكم أو التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك السنة، وهو أيضاً نوع من الاعتراض على الله -تعالى- في الشرع أو على النبي -صلى الله عليه وسلم- في البلاغ أو العمل، وذلكم هو حقيقة المعصية وعين الضلال؛ قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا)[الأحزاب:36]، وقد توعد الله جل وعلا على ذلك بأشد الوعيد، قال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء:14].

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

المرفقات

محاسن الإسلام.doc

محاسن الإسلام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات