متى الساعة؟

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ الهدايات العظيمة للقرآن والسنة لسؤال: متى الساعة؟ 2/ وقفات مع تلك الهدايات 3/ التنبؤ بموعد الساعة كهانة يُحذر منها 4/ السؤال الجدير بالطرح: ماذا أعددنا للساعة؟ 5/ البدار بالتزهّد في الدنيا استعدادا للآخرة

اقتباس

الساعة آتية لا ريب في إتيانها، وقريبٌ مجيئها، ودانٍ قيامها، وليس المهم -عباد الله- أن يبحث السائل عن وقت المجيء، فهي آتيةٌ بلا ريب، وكل آتٍ قريب، ولكن المهم في هذا الباب: كيف الاستعداد؟ وكيف التهيؤ؟ وما هو الزاد لذلك اليوم العظيم؟.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له.

 

وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: معاشر العباد، اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -جل في علاه- في الغيب والشهادة، والسر والعلانية، مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.

 

أيها المؤمنون: السؤال عن الساعة -عن زمن مجيئها ووقت إرسائها- سؤالٌ قد يرِد في أذهان كثيرٍ من الناس بين وقتٍ وآخر وفي مجلسٍ وآخر، والناس -عمومًا- في طرح هذا السؤال على قسمين: ما بين سائلٍ على وجه العناد والمكابرة والاستبعاد، وبين سائلٍ على وجه الإشفاق والمخافة والرغبة في الاستعداد، (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [الشورى:17-18].

 

معاشر المؤمنين: وفي القرآن والسنة، في مواطن عديدة، هداياتٌ عظيمة حول هذا السؤال وجوابه، جديرٌ بكل مسلم أن يتأملها وأن يعيها.

 

يقول الله -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) [الأعراف:187]. ويقول الله -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعات:42-46]. ويقول الله -تبارك وتعالى-: (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) [الأحزاب:63]. ويقول الله -جل في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [لقمان:34]؛ أي: اختص-جل وعلا- وحده بعلمها، فلا يعلم وقت مجيئها لا ملَكٌ مقرَّب، ولا نبي مرسَل، فضلًا عن من هو دونهما.

 

وفي الصحيح -صحيح البخاري- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بَيْنَمَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: "يا رسول الله، مَتَى السَّاعَةُ؟"، فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثَهُ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟" قَالَ الرجل: "هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ"، قَالَ: "فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: "وكَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟". قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".

 

وفي الصحيحين، عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَتَى السَّاعَةُ؟". قَالَ: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" قَالَ: "حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ"، فقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

 

ويروى في المسند -مسند الإمام أحمد- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "السَّاعَة كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا".

 

أيها المؤمنون: الساعة آتية لا ريب في إتيانها، وقريبٌ مجيئها، ودانٍ قيامها، وليس المهم -عباد الله- أن يبحث السائل عن وقت المجيء، فهي آتيةٌ بلا ريب، وكل آتٍ قريب، ولكن المهم في هذا الباب: كيف الاستعداد؟ وكيف التهيؤ؟ وما هو الزاد لذلك اليوم العظيم؟.

 

يقول المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: "أيها الناس، إنكم تقولون: القيامة القيامة؛ فإن من مات منكم قامت قيامته". وشاهد هذا في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ".

 

أيها المؤمنون عباد الله: وقت قيام الساعة أمرٌ أخفاه الله -عز وجل- وغيَّب علمه عن العباد؛ فلا يعلمه الملائكة المقربون، ولا الأنبياء المرسلون، في حديث جبريل المشهور الذي خُتم بقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "هذا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"، في هذا الحديث قال جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "مَتَى السَّاعَةُ؟". فقَالَ النبي -عليه الصلاة والسلام-: "مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". أي: كما أنك لا تعلم متى الساعة فإني كذلك لا أعلم، فلا يعلم ذلك إلا الله -جل في علاه-.

 

فإذا كان -عباد الله- جبريل -عليه السلام- وهو أعلم الملائكة ومحمد -عليه الصلاة والسلام- وهو أعلم البشر لا يعلمان متى قيام الساعة؛ فكيف بمن هو دونهما؟!.

 

ولهذا، يُحذَر في هذا المقام من تخرصات المتخرصين، ودجل الأفَّاكين، وافتراء الكاذبين القائلين على الله وفي شرع الله بغير علم؛ فهؤلاء -عباد الله- أقوالهم كهانة، وكلماتهم دجل وافتراء، والواجب على كل مسلم أن يكون على حذر من أمثال هؤلاء.

 

عباد الله: إن السؤال الجدير بالطرح في هذا المقام: "ماذا أعددت لها؟"، أما: متى الساعة؟ فأمرها مغيَّب، وهي آتية، وأما ساعة كل إنسان فبموته، وكلُّ إنسان لا يدري متى يموت، ولا أين يموت، فكم من إنسان خرج من بيته يقود سيارته فرجع محمولًا على الأكفان، وكم من إنسان قال لأهله: هيئوا لي طعاما، فمات ولم يطعمه، وكم من إنسان لبس ثوبه وزرَّ أزراره ولم يفك أزرار ثوبه إلا الغاسل! نعم عباد الله! ينبغي على كل مسلم في هذا المقام إذا أصبح ألّا ينتظر المساء، وإذا أمسى ألّا ينتظر الصباح، وليأخذ من حياته لموته، يقول الله -جل في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعد: أيها المؤمنون عباد الله، اتّقوا الله؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197].

 

أيها المؤمنون: إنما هذه الحياة الدنيا قنطرةٌ ومعبر إلى الدار الآخرة، الحياة الدنيا ميدان العمل، والدار الآخرة ميدان الجزاء والحساب، قال علي -رضي الله عنه-: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ".

 

أيها المؤمنون: الكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتْبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

 

واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. وعليكم بالجماعة؛ فإنَّ يد الله على الجماعة.

 

وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

 

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعلي؛ وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-, اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا يا رب العالمين، اللهم احفظ وانصر جنودنا في حدود البلاد، أيِّدهم يا ربنا بتأييدك، واحفظهم بحفظك يا حي يا قيوم.

 

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وسدِّده في أقواله وأعماله يا رب العالمين.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم، واصرف عنهم شرارهم يا حي يا قيوم. اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا ومؤيِّدا وحافظًا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم. اللهم من أرادنا أو أراد أمننا أو أوطاننا أو أراد أي مسلم بسوء فأشغله بنفسه يا حي يا قيوم، ورُدَّ كيده في نحره.

 

اللهم آمن روعات المسلمين أينما كانوا، واستر عوراتهم يا حي يا قيوم، واحفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، وجنِّبهم يا رب العالمين الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم من أحييته منَّا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفَّه على الإيمان.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزيدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].

 

 

المرفقات

الساعة؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات