مبطلات الأعمال

ناصر بن محمد الأحمد

2013-02-23 - 1434/04/13
عناصر الخطبة
1/ العبادة وجمع الحسنات 2/ أهمية المحافظة على الحسنات من الضياع 3/ الخوف من حبوط العمل 4/ بعض الأعمال التي تحبط الأجور 5/ مذهبات الحسنات.

اقتباس

إن أداء الطاعات، وأداء العبادات، قد تكون سهلة على الإنسان، وقد يعاني بعضنا بشيء من المشقة في أدائها، ولكن ليس هذا هو المهم، وإنما المهم، هو... ولكن وا أسفاه، إذا تأمل المنصف حال الناس في زماننا هذا، وجدهم بضد ذلك ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن ها هنا انقطعوا...

 

 

 

 

الحمد لله...

أما بعد: عباد الله: نحمد الله عز وجل، أن جمعنا وإياكم، في هذا المكان الطيب الطاهر، ونحن نؤدي شعيرة، من أجل شعائر الإسلام، فأسأل الله عز وجل لي ولكم القبول.

أيها الإخوة: إن أداء الطاعات، وأداء العبادات، قد تكون سهلة على الإنسان، وقد يعاني بعضنا بشيء من المشقة في أدائها، ولكن ليس هذا هو المهم، وإنما المهم، هو المحافظة على هذه الأعمال من الضياع، والمحافظة على هذه الحسنات بعد أدائها، أن تذهب هباءً منثوراً.

لا شك أنكم أيها الإخوة، تتعبون في جمع الحسنات، فمحافظة الإنسان على الصلوات الخمس في المسجد، فيه مشقة، وعدم التخلف عن صلاة الفجر فيه مشقة، والإمساك عن الطعام حال الصوم في رمضان فيه مشقة، والسفر لحج بيت الله الحرام فيه جهد ومشقة.

ولكن هل تعلمون أيها الإخوة، أن هناك أموراً وأعمالاً، لو عملها الإنسان، ووقع فيها، لكانت مبطلة لأعماله، محبطة لها فيذهب هذا التعب، وهذه المشقة، هباءً منثوراً، أدراج الرياح.

أرأيت رجلاً يقوم من أول نهاره، ويتعب ويشقى في جمع المال، ثم في آخر النهار يضيعها، لا يستفيد من جمعه هذا، لا في أمور دينه، ولا في أمور دنياه، ماذا تقولون عن هذا الرجل؟ أنه جمع الحسنات مثل هذا.

إذاً هذه قضية مهمة جداً، وهو أننا نحافظ على حسناتنا وأعمالنا من الضياع، لا بد أن يفكر كل منا في هذه القضية، ولا يكون، من الذين يأتون يوم القيامة، قد ضاعت حسناتهم، وذهبت أعمالهم، وهم لا يشعرون.

عباد الله: لقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يخافون خوفاً شديداً أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، وفي مقدمتهم، الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 57- 60].

عن عائشة رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60].

قالت عائشة، هم الذين يشربون الخمر ويسرفون، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات".

ولقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخشون أن تحبط أعمالهم، وذلك من تمام إيمانهم وكمالهم. قال عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه".

إذا كان هذا هو حال الصحابة رضوان الله عليهم يخافون أن تحبط أعمالهم، ويخافون على أنفسهم من النفاق، فماذا نقول نحن، نتصرف وكأننا ضمنا الجنة، نسأل الله السلامة والعافية.

لقد نظر هؤلاء الصديقون في حق الله عليهم، فأورثهم الله جل جلاله، مقت أنفسهم، فعلموا أن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته.

ولكن وا أسفاه، إذا تأمل المنصف حال الناس في زماننا هذا، وجدهم بضد ذلك ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، ومن ها هنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه ونفسه.

أيها المسلمون، عباد الله: نحاول أن نتتبع معكم، الأمور التي لو وقع فيها الإنسان، لأبطلت أعماله، وأذهبت بحسناته، ولكن منها ما يبطل جميع الأعمال، ومنها ما يبطل العمل نفسه، ولا يؤثر في الباقي، ففي أولها ومقدمتها، الكفر والشرك والردة والنفاق، اعلموا رحمكم الله، أنه إذا مات الإنسان وهو كافر أو مشرك أو مرتداً، فإنه لا ينفعه ما قدمه من أعمال، قال تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217]، وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) [التوبة: 17]. وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 5].

أيها المسلمون: ومن الأمور المبطلة للأعمال أيضاً، الرياء. لقد ذُم الرياء في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون: 4- 7].

والرياء يا عباد الله، أنواع كثيرة، وضروب شتى، وشوائبه وخيمة، فمنها ما هو محبط للعمل بالكلية، ومنها ما دون ذلك، قال تعالى: (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 264].

فاحذروا يا عباد الله من الرياء، فإنه شر بلاء يستأصل الأعمال، واعلموا كذلك بأن المرائين أول ما تسعر النار بهم يوم القيامة، ففروا أيها الإخوة من الرياء فراركم من الأسد، فإن كثير من الناس يظن أنه من عباد الله المخلصين، وقد أثبت في ديوان المنافقين.

ومن مبطلات الأعمال أيضاً، المن والأذى مدح الله عز وجل عباده المنفقين وأثنى عليهم بقوله: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 262]، يبين الله عز وجل في هذه الآية، أن ثواب الإنفاق، إنما هو للمخلص، الذي لا يتبع عمله مناً ولا أذى لأنهما مبطلان لثواب الصدقة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة: 264].

فلنحرص يا عباد الله، على الإنفاق والإعطاء والإطعام، لوجه الله تعالى، ولا تنتظر شيئاً من البشر، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 8- 9].

وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً، عاقٌ، ومنان، ومكذب بالقدر".

وقال الشاعر:
أفسدت بالمن ما أسديت من حسنٍ *** ليس الكريم إذا أسدى بمنان

ومن المبطلات للأعمال، وهي هامة جدًّا، لوقوع كثير من الناس بها، ترك صلاة العصر، أمر الله سبحانه وتعالى، عباده مقيمي الصلاة، بالمحافظة عليها، وخص من بينها الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر، فقال سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238]، وحذر عز وجل من التلهي عنها بمالٍ أو أهلٍ، وخص فاعل ذلك بالوعيد الشديد، فقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون: 4- 7]. روى البخاري في صحيحه، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وُتر أهله وماله"، ومعنى وتر أهله وماله أي نُقص وسُلب، فبقى فرداً بلا مالٍ ولا أهل، وقال عليه الصلاة والسلام، فيما رواه البخاري في صحيحه: "من ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله"، نسأل الله السلامة والعافية.

فاتقوا الله عباد الله، تنبهوا لمثل هذه الأمور، يا من تحافظون على الصلوات مع جماعة المسلمين، يا من تتعبون في جمع الحسنات، لا تضيّعوها، بعد هذا الجهد بأمور، تكون مبطلة لأعمالكم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه...

أما بعد عباد الله: ومن الأمور أيضاً، والتي تكون مبطلة، محبطة لأعمال بني آدم.
انتهاك حرمات الله في السر، فاسمعوا هذا الحديث أيها الإخوة، عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعلمن أقواماً من أمتي، يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورا
قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم، ونحن لا نعلم، قال: " أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".

فاتقوا الله عباد الله، فإن هؤلاء، لم يؤدوا الفرائض فقط، وإنما كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، أنهم إضافة على ذلك، يأخذون من الليل، أي لهم حظ من قيام الله، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، فيجعل الله عز وجل حسناتهم التي أمثال الجبال، هباءً منثورًا. اللهم اجعلنا ممن يتقيك في الخلوة، ويعظم شعائرك، ويجتنب محارمك، في السر والعلن، وجنبنا الإثم والفواحش ما ظهر منها وما بطن.

ومن مذهبات الحسنات أيضاً: عقوق الوالدين قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاقٌ، ومنانٌ، ومكذبٌ بالقدر "، فليحرص المسلم على بر أبويه، والتودد لهما، وخفض جناح الرحمة لهما، وخاصة إذا بلغا الكبر، وليتذكر العبد الصالح، شفقة الأبوين، وتعبهما في تربيته، ليزداد إشفاقاً لهما، وحنانًا عليهما. واستمعوا إلى هذه الأبيات، خرجت من نفس أبٍ، رأى عقوق ولده، فشعر بمرارة في كبده، فقال:
غدوتك مولوداً ومنتك يافعاً *** تُعل بما أجنى عليك وتُنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت *** لُسقمك إلا ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي *** طُرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها *** لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي *** إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظةً وفظاظة *** كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي *** فعلت كما الجار المصاحب يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن *** على بمالٍ دون مالك تبخل

أيها المسلمون: ومما يحبط الأعمال أيضاً، الإدمان على الخمر، وذلك لأنها سبب في لعنة الله، على كل متعامل معها، ولذلك من شربها، كان جزاؤه أن يحبط عمله بالتدريج، إلا أن يتوب توبة نصوحًا، قال صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر، لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحا، فإن تاب، تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الرابعة، لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال " قيل يا أبا عبد الرحمن، وهو راوي الحديث، وما نهر الخبال ؟ قال: نهر من صديد أهل النار.

ومن مبطلات الأعمال أيضاً، اقتناء الكلب إلا كل ماشية أو زرع أو صيد. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أمسك كلباً ينقص من عمله كل يوم قيراط، وفي رواية قيراطان، إلا كلب حرث أو كلب ماشية". متفق عليه.

ومن مبطلات الأعمال أيضاً، العبد الآبق حتى يعود إلى سيده، والمرأة الناشز حتى ترجع إلى طاعة زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: " اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما، عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليه، وامرأة عصت زوجها، حتى ترجع".

أيها المسلمون: هذه بعض الخصال، من مبطلات الأعمال، وقد تبين لكم ضررها على دينكم، فاجتنبوها، واحذروا منها. لكي لا تلقوا الله عز وجل، وقد ذهبت هباء منثورًا.

وصلوا وسلموا.. اللهم يا مقلب القلوب.. الله لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك..
 

 

 

 

المرفقات

الأعمال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات