عناصر الخطبة
1/ العواصم من الفتن 2/ تهيئة لاستقبال رمضاناقتباس
ومما يعصم من الفتن -وهو جماع ذلك كله- التمسك بالكتاب والسنة، علماً، وعملاً، واعتقاداً؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ) [الأعراف:170]، وقال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:15-16].
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: لقد أخبر رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن حصول الفتن في آخر الزمن، وأرشد إلى المسلك الراشد الذي يعتصم به المسلم حيالها.
ونظراً لكثرة أسئلة الناس حول الفتن وموقف المسلم منها؛ فإني أجمل ذلك فيما يأتي: أولاً: الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص الموافق للسنة، قال -تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
والحياة الطيبة راحة القلب، وطمأنينة النفس، والقناعة برزق الله، وإدراك لذة العبادة.
والحياة الطيبة تستلزم السلامة من الفتن، والإيمان دائماً مقرون في العمل الصالح؛ لأنهما متلازمان، وقد قرنا في كتاب الله في أكثر من خمسين موضعاً، فلا ينفع الإيمان بدون العمل الصالح، ولا ينفع العمل بدون إيمان صادق، وصدق الله العظيم: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [يونس:62-64].
وقد نفى الله عن أوليائه الخوف فيما يستقبلونه، والحزن على ما خلفوه، وبشرهم بالفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، وذلك يتضمن السلامة والعصمة من الفتن، فهنيئاً لهم بذلك!.
ومن ثمرات الإيمان أن الله يدافع عن الذين آمنوا جميع المكاره، وينجيهم من الشدائد، قال -تعالى-: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا) [الحج:38]، ومن ذلك وقايتهم من الفتن.
ومن ثمرات الإيمان حصول البشارة بكرامة الله، والأمن التام من جميع الوجوه، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، وذلك يتضمن الأمن من الفتن، فالمؤمن الصادق له الأمن التام في الدنيا من الفتن، وفي الآخرة من العذاب: (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا) [إبراهيم:27].
ثانياً: ومما يعصم من الفتن لزوم تقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وفعل ما أوجب وترك ما حرم: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطَّلاق:2-3]، فوعَد الله من اتقاه بالخروج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب، فالمؤمن التقي ييسر الله أموره، ويسهل عليه العقاب، ويجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.
ومما يعصم من الفتن ذكر الله كثيراً، قال -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة:152]، قال ابن عباس: اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي، وقال سعيد بن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وقيل: معناه اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء. وصدق الله العظيم: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات:143-144].
والله -جل وعلا- مع من ذكره، يسدده، ويصلح حاله، ويلطف به، ويثبته وقت الشدائد والفتن، وهذه معية خاصة، كما أشار الله إلى ذلك بقوله: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128]. وهذا -دونما شك- يتضمن العصمة من الفتن، والثبات عند المصائب والملمات.
ومما يعصم من الفتن التوبة والاستغفار، قال -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، وقال -تعالى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود:3].
فالاستغفار والتوبة الصادقة يعصمان من الفتن، ويؤمنان العبد وقت الشدائد، وقد جاء في الحديث: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".
ومما يعصم من الفتن الدعاء، وقد أشرنا له في جمعة ماضية في خطبة مستقلة.
ومما يعصم من الفتن التعوذ بالله منها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن"؛ وقد أمر المسلم أن يستعيذ من الفتن: فتنة المحيا، وفتنة الممات، وفتنة المسيح الدجال؛ وهذه هي أصول الفتن والعياذ بالله!.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) [التَّحريم: 8] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي وفق من شاء فعصمهم من الفتن، وثبتهم عند المحن، وأشهد أن لا إله إلا الله لا يجري في هذا الكون إلا ما قدره وقضاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من ثبت وقت الفتن، وتخلص من كل البلايا والمحن، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله.
واعلموا أن مما يعصم من الفتن: التوكل على الله، والاعتماد عليه وحده، في جلب المنافع ودفع المضار، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطَّلاق:3]، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) [آل عمران:173]، فهذه الكلمة ينبغي أن يكثر منها المسلم وقت الشدائد والفتن؛ اقتداء بالخليلين عليهما الصلاة والسلام.
ومما يعصم من الفتن الأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، والنهي عن المنكر الذي نهى عنه ربنا -سبحانه- ونهى عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) [الأعراف:165].
وكل عقوبة تنزل بالناس يسلم منها -بإذن الله- الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، فهو بمثابة السفينة التي يركب بها المسلم لينجو وقت الفتن والشدائد.
وهكذا أهل الشر في كل زمان ومكان، يريدون خرق السفينة لإغراقها، فإن تركهم أهل الخير هلك الجميع، وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم من خرق السفينة نجوا جميعاً.
ومما يعصم من الفتن -وهو جماع ذلك كله- التمسك بالكتاب والسنة، علماً، وعملاً، واعتقاداً؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ) [الأعراف:170]، وقال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:15-16].
فكتاب الله وسنة رسوله أمان من الفتن، ونجاة من الشدائد، وكل ما يصيب المسلمين اليوم فهو بسبب بعدهم عن كتاب الله وسنة رسوله، وقد أخبرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه".
وقال -تعالى-: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه:123] قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وذلك يستلزم العصمة من الفتن.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
واعلموا -يا عباد الله- أنكم تستقبلون شهر الصيام، ولكن ليس كالأعوام الماضية، تستقبله الأمة وهي مثقلة بالجراح، يتغطرس اليهود والكفار، ويتفننون في أنواع الأذى للمسلمين؛ فعليكم بالدعاء في هذا الشهر المبارك نصرة لإخوانكم، لعل الله أن يرفع ما بهم.
واعلموا أن سلف الأمة كانوا يدعون ربهم: اللهم بارك لنا في شعبان، وبلغنا رمضان. فأكثروا من هذا الدعاء؛ لعل الله أن يبلغكم رمضان، وأن يعينكم على صيامه وقيامه.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم