السؤال
السلام عليكم
أنا شاب في أوائل العشرينات، وأواجه مشكلة منذ سنة ونصف.
أعمل في مجال المبيعات، ولم أوفق في عملي، مع أنني أحب عملي وأنجزه بتقوى وإتقان، وتخصصي هو بيع العقارات، أي خال من المحرمات.
كنت أتبع عادات سيئة لكن بفضل الله وبرحمته، ابتعدت عنها، واستبدلتها بعبادات وطاعات، مثل قراءة القرآن والتضرع والتصدق، ورغم كل ذلك ما زلت أبذل مجهوداً كبيراً من غير أن أرزق.
أنا بار بوالدي، وأحاول الابتعاد عن الذنوب قدر المستطاع، لا أسرق ولا أزني ولا أشرب المحرم، ولا أدخن.
أصلي الفجر، وهي طاعة من أسباب رزق العبد، وباختصار يمكن القول أنني أتبع معظم أسباب سعة الرزق، ومع ذلك لم أرزق منذ أكثر من سنة!
هل هذه علامة أن الوظيفة ربما ليست ملائمة أم أن أحدا قد سحرني أو حسدني؟ وفي هذا الحال كيف أعرف؟ وكيف أبطِل السحر والحسد؟ وإذا لم يكن أي سبب من هذه الأسباب، فماذا عساي أن أفعل؟
هل يحق للإنسان التساؤل عن احتمال، أن الله ربما لم يكتب له الرزق؟ إيماني يحسسني بأن هذا التفكير خاطئ، وأحيانا لا تغيب هذه الأفكار عني.
أرجو منكم المساعدة، وشكراً.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يوسِّع رزقك، وأن ييسِّر أمرك، وأن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، وأن يجعل لك على الخير أعوانًا، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل- من أنك تعاني من عدم التوفيق في عملك، رغم وجود إمكانات طيبة جدًّا أكرمك الله تبارك وتعالى بها من حيث الصلاح والديانة والاستقامة، إلى غير ذلك من الأعمال الطيبة، فأنا أحب أن أقول لك:
إن قضية الأرزاق مما لا شك فيه قضية مهمة جدًّا في حياة الناس، ولكنَّ الله الملك جل جلاله سبحانه وضع لها نظامًا خاصًا، لا يستطيع أحد من العباد أن يقوم على تغييره، إلا إذا رجع مرة أخرى إلى الله تبارك وتعالى جل وعلا، فالله تبارك وتعالى عندما أمر القلم، عندما خلق القلم وأمره أن يكتب، قال الله تبارك وتعالى: (اكتب) قال القلم: ماذا أكتب؟ قال: (اكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله قدَّر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة).
من هذه المقادير الأرزاق، فالأرزاق سواء كانت مالية أو كانت صحيَّة، أو كانت اجتماعيَّة - أو غير ذلك – مُقدَّرة لله تبارك وتعالى قبل خلق السموات والأرض، والله تبارك وتعالى أعلم بما يُصلح العبد وما يُفسده، وسبحانه وتعالى يعلم السِّرَّ وأخفى، وهو على كل شيء قدير، لا يُعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، إنه بعباده خبيرٌ بصير، ولذلك يقول: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سبحانه جل جلاله، بلى يعلم.
من هنا فإني أقول لك: إن قضية ضيق الأرزاق لا يلزم أن تكون حسدًا أو مسًّا أو سحرًا أو عينًا، وإنما هي تجري بأقدار الله تبارك وتعالى، وأنت تسلك وسائل، لعل الله لم يشأ أن يجعل رزقك في هذه الحرفة التي تحترفها أو المهنة التي تمتهنها، ولعل هذه رسالة أن تبحث عن مهنة أخرى أو وظيفة ثانية، خاصة وأنك ما زلت في العشرينات من عمرك، تستطيع أن تبحث عن عملٍ آخر، لعل الله ما جعل رزقك في هذا المجال، لأن الله تبارك وتعالى عندما قدَّ المقادير قسَّم الأرزاق وقسَّم الأعمال أيضًا، ولذلك الله سبحانه وتعالى قال: {والله خلقكم وما تعملون}.
أنت مخلوق لله تعالى، وعملك الذي تعمله أيضًا مخلوق لله عز وجل، ولعل هذا العمل الذي تعمله لم يجعل الله رزقك فيه، ولذلك لا مانع أن تقوم بتغيير النشاط الذي تمارسه، وأن تتوجه إلى الله بالدعاء – السلاح العظيم النافذ – عسى أن يفتح لك أبواب الرزق، وأن تظنَّ في الله الظن الحسن، فهو عند ظنه بك، وأن تقول: {وارزقنا وأنت خير الرزاقين} من قول عيسى عليه السلام في سورة المائدة، وأن تُكثر من قوله تعالى: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وأن تُكثر من الاستغفار، مفتاح الأرزاق: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفّارًا * يُرسل السماء عليكم مدرارًا * ويُمددكم بأموال وبنين * ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا} وأن تبتعد عن المعاصي، فإن للمعاصي شؤما، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه).
وهذا لا ينفي أنك في حاجة إلى الدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى بأن يوسِّع الله رزقك، وأن ييسِّر الله أمرك، إضافة للأعمال الرائعة التي تقوم بها.
لكن اعلم أن الله تبارك وتعالى ما ابتلاك إلا لأنه يُحبك، وهذا عملاً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط) واعلم أنه لن يدوم ذلك، فتلك الأيام يُداولها الله بين الناس، فتتحول أحوال وأوضاع الناس في عشيةٍ وضُحاها.
هذا عبارة عن نوع من الابتلاء والامتحان والاختبار، والله تبارك وتعالى قادر على أن يبسط رزقك ما بين عشية أو ضُحاها.
لذا أقول: حاول أن تجتهد في الأخذ بالأسباب، وأن تبحث عن نشاط آخر، حتى وإن كان فيه بعض المشقة، لعل الله أن يجعل رزقك فيه، ولكن شريطة أن تكون راضيًا بما قدَّره الله لك وقضاه في هذا المجال أو غيره، وأن تعلم أن البحث عن مجال عمل آخر ليس معناه أن الأرزاق سوف تأتيك كأمواج البحر، وإنما هي وسيلة من الوسائل، قد تكون سببًا في سعة الأرزاق، وقد يكون الأمر على خلاف ذلك، وأسأل الله أن ييسِّر أمرك، ويوسِّع ويبسط في رزقك، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم