عناصر الخطبة
1/ الثبات على الاستقامة والمداومة على الطاعات 2/ أين آثار الصيام؟ أين دروسه وتهذيبه على الأنام؟ 3/ فوائد المداومة على الأعمال الصالحة.اقتباس
يجب على العبد أن يستمر على الطاعة، ويثبت على الاستقامة، ويواصل العبادة، ويستقيم على دينه، فلا يعبد الله في شهر دون شهر، ولا في يوم دون يوم، ولا في زمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، متمثلاً قول الحق الرحيم الرحمن: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، وقوله تبارك وتعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: 112]، ولا حظ قوله (كَمَا أُمِرْتَ)، ولم يقل كما اشتهيت أو متى أردت أو متى فرغت أو جعل له الخيار، بل كما أُمرت بأمر الواحد القهار...
الخطبة الأولى:
الحمد لله على الدوام حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه على ممر العصور والأعوام، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله عليه ورضي الله عن أصحابه الكرام لاسيما أهل الفضل والإحسان كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أصحاب ولد عدنان وأمهات أهل الإيمان، رضي الله عنهم ورزقنا حبهم، وحشرنا في زمرتهم.
عباد الله: يجب على العبد أن يستمر على الطاعة، ويثبت على الاستقامة، ويواصل العبادة، ويستقيم على دينه، فلا يعبد الله في شهر دون شهر، ولا في يوم دون يوم، ولا في زمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، متمثلاً قول الحق الرحيم الرحمن: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، وقوله تبارك وتعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود: 112]، ولا حظ قوله (كَمَا أُمِرْتَ)، ولم يقل كما اشتهيت أو متى أردت أو متى فرغت أو جعل له الخيار، بل كما أُمرت بأمر الواحد القهار.
وقال سبحانه: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6]، وفي مسلم عن أبي عبدالله سفيان بن عبدالله قلت: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك؟ قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
فعليه -عباد الله- وإذا انتهت أعمال في رمضان وقربات في شهر القرآن، وأيام بالطاعة معمورة وليالي بالعبادة مغمورة، فإن الأعمال لا تنتهي، والعبادات لا تنقضي فلئن ختمنا قراءة القرآن وسماعه في رمضان فالقرآن مطلوب قراءته وتدبره وسماعه وعدم هجره، ولئن انقضى شهر الوتر والدعاء فالدعاء ليس له وقت ولا انتهاء.
ولئن انتهى شهر الصيام فهناك أنواع من نوافل الصيام كالست من شوال فمن صام الست من شوال كان كمن صام الدهر؛ كما رواه مسلم.
ولئن انقضى شهر القيام فالقيام مستمر طوال العام (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذاريات: 17]، ولئن ذهبت الصدقة؛ فالصدقة أبوابها مشرعة ونوافذها متعددة وهكذا سلسلة الأعمال، فاجتهد -بارك الله فيك- أخي المسلم في الطاعات، وبادر الساعات، واحذر الكسل والتفريط والإهمال والفتور والعجز ونقص الأعمال.
وإياك الرجوع إلى القهقرى والنكوص على الأعقاب، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن السلب بعد العطاء، فإن أبيت أخي المسلم، وقصرت وضعفت وكسلت فاحذر التهاون والكسل في المفروضات والقيام بالواجبات وارتكاب المحرمات والمنهيات.
أيها المسلمون: لقد ودعتم شهرًا كريمًا وموسمًا عظيمًا، فكم لله من جهود بُذلت! وأجساد عملت، وقلوب خشعت، وأكفّ رفعت! ودموع زرفت، وعبرات سكبت!!
لقد مر علينا وهو شاهد لنا أو علينا، فنسأل أنفسنا ونتساءل ماذا أودعنا؟ هل كان همنا بعد انتهائه الفرح بإكماله وإتمامه، فحمدنا الله وشكرنا؟ هل وجلت قلوبنا وذرفت عيوننا وحزنت نفوسنا؟ هل كان إشفاقنا على قبول صيامه وقيامه كما كان السلف الصالح حيث كانوا يهتمون لقبول أعمالهم لأن المعول على القبول.
سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله سبحانه (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصمون ويتصدقون ويخافون ألا يقبل منهم" (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه).
ولا غرو -عباد الله- حينما نسمع عن السلف أنهم يدعون الله ستة أشهر أن يقبل منهم صيامهم، غريب جد غريب أولئك الذين سرعان من انتكسوا فعادوا إلى السيئات وهجروا الطاعات وضيعوا الصلوات واتبعوا الشهوات.
غريب وعجيب أولئك الذين لا يعملون الطاعات ويتركون السيئات إلا في مواسم معينة وأوقات محدودة، ولما سئل بعض السلف عن أناس لا يتعبدون الله إلا في رمضان، فإذا انسلخ الشهر تركوا قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان".
الله أكبر وسبحان الله..
إخوتي في الله: أين آثار الصيام؟ أين دروسه وتهذيبه على الأنام؟ أين الرغبة في المتاجرة مع الرحيم الرحمن؟
المؤمن -عباد الله- يعبد الله في السراء والضراء في السر والعلانية لا ينتهي حتى ينتهي أجله وقد قال سبحانه لنبيه (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، ولما قرأ الحسن البصري هذه الآية قال: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت"، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كلمته الجميلة: "من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".
فنداء للإشفاق والحنان إلى تلك النفوس الضعيفة التي ودّعت صالح الأعمال لوداعها شهر رمضان، أولئك الذين عزموا على العودة إلى المعاصي؛ أن يتقوا الله ويراقبوه ويرجوه ويخافوه، فالعمر قصير والزمان يسير والآجال محدودة والأنفاس معدودة.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الإله الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأكرمين والتابعين وعنا معهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوة الإسلام: إن للمداومة على الأعمال الصالحة فوائد مثمرة ونتائج محققة، فمنها على سبيل المثال أنها أحب إلى الكبير المتعال، فـ"أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل"، وكذا محبوب إلى الرسول المصطفى، فقد سأل مسروق عائشة: أي العمل أحب إلى رسول الله؟ قالت: "أدومه" (متفق على صحته).
ومنها اتصال القلب بالخالق، وتعليق القلب بالله سبحانه، ومنها تعهد النفس عن الغفلة والنسيان، وسبب للسلامة من الوقوع في المآزق وحصول المضايق، اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
وكذا منها أنها سبب لمحو السيئات والخطايا ورفع الدرجات.
ومنها وهو ختام مسكها أنها سبب لحسن الختام، رزقني الله وإياكم حسن الختام والوفاة على الإسلام.
فقد أجرى الكريم عادته أن من عاش على شيء مات عليه، وفي صحيح السنة "أن من مات على شيء بعث عليه".
ثم اعلموا يا عباد الله، واسمعوا يا رعاكم الله أن من داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا".
قال ابن حجر: "هذا في حق من كان يعمل الطاعة، فمنع منها، وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه" (رواه النسائي).
وأخيرًا فإنه لا يحسن بمن داوم على عمل صالح أن يتركه فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" (متفق عليه).
ثم اسألوا الله –عز وجل- قبول أعمالكم، فإبراهيم وإسماعيل يبنيان أشرف بيت وهما يقولان (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127]، فالشأن في قبول العمل أيها الأحبة (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].
فالله اللهَ بسؤال الله قبول الأعمال وصلاحها والاستقامة عليها.
ومن دعاء الحسن البصري "اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة".
فاستقيموا بارك الله فيكم على قراءتكم وتلاوتكم، وصلاتكم وتهجدكم وقراءتكم ولو كان شيئا يسيرا، تسيرون به إلى ربكم، فالله الله بالجد والاجتهاد والمسارعة والمسابقة إلى رب العباد، فهنيئًا لمن داوم، وهنيئا لمن عمل وعند الصباح يَحْمَد القوم السُّرى.
هذا وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين.
ربنا تقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم