مآسي حلب والصمت العالمي

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ تدمير طاغية الشام لمدينة حلب 2/ الابتلاء سنة ماضية وبعض حكمه 3/ تتابع المحن على أمة الإسلام ونتائج ذلك 4/ بعض أسباب استجلاب النصر من الله 5/ وسائل نصرة أمة الإسلام للمستضعفين

اقتباس

معاشر المؤمنين: الكل يرى ويسمع ما يحل بإخواننا في بلاد الشام خصوصا في مدينة حلب هذه الأيام، من تهجير أهلها، وهدم منازلهم عليهم، وحرق البلد بأكمله، وحصار بعض بلدان الشام، وتجويع أهلها، وتكبر وتجبر طاغية الشام الذي لا يرقب في أهل السنة إلاًّ ولا ذمة، فما هو موقف المسلم من ذلك؟

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

يا أيها الناس: اتقوا الله ربكم، واعبدوه كما أمركم، ينجزكم ما وعدكم، وانقادوا لأمره، وارضوا بقضائه وقدره، فإن الأمر أمره، والملك ملكه، والخلق خلقه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].

 

معاشر المؤمنين: الكل يرى ويسمع ما يحل بإخواننا في بلاد الشام خصوصا في مدينة حلب هذه الأيام، من تهجير أهلها، وهدم منازلهم عليهم، وحرق البلد بأكمله، وحصار بعض بلدان الشام وتجويع أهلها، وتكبر وتجبر طاغية الشام الذي لا يرقب في أهل السنة إلاًّ ولا ذمة، فما هو موقف المسلم من ذلك؟

 

عباد الله: إن ما يحصل في البلدان الإسلامية هو سنة الله في خلقه؛ كما قال سبحانه: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل (140) عمران: 140].

 

فسنة البلاء ماضية: (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال: 37] وليعلم الله الذين آمنوا ويعلم المنافقين.

 

فالفتن لا بد منها في هذه الحياة إما في النفس أو المال أو الولد والأهل أو في الأمة، قال سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2].

 

وقال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

 

ففي وقت الفتن، ينجم ويظهر النفاق والكفر والإلحاد، ويثبت أهل الإيمان، ولقد رأينا ذلك جليا في بلاد الشام، فرأينا من يعترض على قضاء الله وقدره، ويتلفظ بألفاظ الكفر، ساخطا على ربه، ورأينا من يكفر بوجود إله مدبر للكون، ورأينا من يخرج من تحت الأنقاض وهو يحمد الله -تعالى-، ويدعو على الظالمين، هكذا يبتلى الله عباده ليمحصهم، ثم تكون العاقبة لهم.

 

عباد الله: إن ذنبا واحدا كاد أن يذهب بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخيرة أصحابه، حتى هشمت البيضة على رأس خير الخلق وكسرت رباعيته، ودخلت حلقات المغفر في وجنته، واغمي عليه وسقط في حفرة وأحاط به المشركون ليقتلوه، لولا أن حال الله بينهم وبين ما يريدون، وقتل سبعون من خيرة الصحابة، ومثل بهم، وارتفعت راية الكفر في غزوة أحد، كل ذلك بذنب واحد؛ كما قال سبحانه: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 152].

 

وهذا الذنب هو نزول الرماة من مواقعهم بعد نهاية المعركة، فكيف بالمعاصي التي لا تعد ولا تحصى في جنب الله وبعضها يصل للكفر في وقتنا هذا، ثم يأتي من يقول لماذا يقع البلاء علينا؟ ما ذنبنا؟ لماذا ينتصر الباطل على الحق؟

 

إن المتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية يعلم كيف توالت المحن عليهم؟ وكيف كانت العاقبة للمتقين؟

 

لقد بين الله لنا في كتابه قواعد وسنن لا تتخلف مهما طال الزمن فقال: (إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود: 49].

 

وقال: (جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].

 

وقال: (وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: 49].

 

فهذه وعود لا تتخلف، ولكن الناس يستعجلون، وما ذاك إلا لبعد الناس عن التاريخ، وكم حصل للأمة من بلاء ومحن حتى ظن البعض أنه لن تقوم لهم بعدها قائمة، ثم تكون العاقبة للمؤمنين، بعد أن يحقق الله حكما أرادها، ويمحص ا لناس، ثم يمحق الكافرين والظالمين.

 

وما حروب التتار عن الذاكرة ببعيد، فمن قرأ في تلك الفترة الزمنية ماذا حصل للمسلمين على أيدي التتار من القتل والذل علم يقيننا أن البلاء ينصب على الناس متى ما ابتعدوا عن دينهم، فيبتلى الله الخلق بما يؤدبهم، ويردهم إلى رشدهم، ويراجعوا دينهم.

 

أيها المؤمنون: ثقوا بربكم، وتوكلوا عليه، وكونوا له كما يريد منكم، يكن لكم كما تريدون، لا تنتظروا النصر من الله ولم تطيعوا أمره، ولم تطبقوا شرعه، إن البعض من الناس في هذه الأيام مسلم بالاسم فقط، أو مسلم يحتاج إلى تأديب وتربية، أو مسلم على حرف، إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة .

 

اللهم أبرم لهذه الأمة...

 

أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: اتقوا الله -جل في علاه- فهو أهل أن يتقى، وراقبوه في أعمالكم فهو المطلع على السر وأخفى، وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه إخوانكم المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها لتسلم لكم دنياكم، ويمكن لكم في الأرض، ولعل البعض يقول: وما عساي أن أقدم للمستضعفين في الأرض وأنا لوحدي؟

 

فأقول: إن كل واحد منا يستطيع أن يقدم الكثير لإخوانه، فمن ذلك: التمسك بالدين حقا، والعمل بشرع الله بإخلاص، وإصلاح النفس بالإيمان الصادق، فبذلك تهيئ الأمة للنصر والرفعة وقيادة الأمم، يذكرون عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- أنه لما أراد فتح بيت المقدس قال: "لن نذهب للجهاد لفتح بيت المقدس حتى يمتلئ المسجد في صلاة الفجر كما يمتلئ في صلاة الجمعة"، ويقصد بذلك إصلاح النفس والتمسك بالدين .

 

وكذلك: بإصلاح البيت ومن تحت يدك، وتعليمهم حق الأخوة في الدين وواجب النصرة، حتى نكون كالجسد الواحد، وتحذيرهم من مغبة التخاذل، وأن يعلموا أن الدنيا دوارة، والأيام دول، فمتى أصلح المسلم بيته، صلح المجتمع بأسره، وإذا صلح المجتمع صلحت الأمة -بإذن الله-، وارتفع عنها الذل، وعادت لها عزة الدين.

 

وكذلك: بإصلاح المجتمع بنفي البدع والمنكرات، ونشر السنن والطاعات، فإن انتشار البدع والمعاصي من أسباب تكالب العدو والهزيمة.

 

وكذلك: تثقيف المجتمع بدوره المهم في نصر الأمة، من خلال الإعلام والمدارس والجامعات، وتعريف شباب الأمة بالتاريخ الإسلامي الصحيح وأخذ الدروس والعبر من خلاله.

 

وكذلك: الدعاء، فإنه من النصرة للمستضعفين، فاجعل لإخوانك المستضعفين نصيبا من دعائك، وألح على الله في رفع البلاء عن الأمة، فإن من فقه الرجل دعاءَه للمسلمين أجمعين.

 

ومنها: كذلك نشر ثقافة الجهاد في سبيل الله على الكتاب والسنة، لنشر الدين، وقمع المعاندين والظالمين، فإن صورة الجهاد قد شوهت في عقول المسلمين وغير المسلمين.

 

والجهاد يكون بالنفس وبالمال وباللسان، كل على حسب طاقته واستطاعته، و (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286].

 

اللهم اغفر للمسلمين...

 

 

المرفقات

حلب والصمت العالمي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات