ليلة القدر

محمد عز الدين توفيق

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/تحديد ليلة القدر 2/دعاء ليلة القدر 3/فضل الاعتكاف والحث عليه 4/فضل ليلة القدر

اقتباس

أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- تفضل علينا، فعوضنا عن قصر أعمارنا، وضَعفِ عبادتنا، وقلة طاعتنا بمواسم الخير والفضل، ومنها: هذا الشهر الكريم الذي جعل فيه الحسنة بعشر أمثالها في غيره، ثم تفضل علينا بهذه الليلة منه، فجعل قيامها خيرًا من ألف شهر. وليس هذا هو كل فضل هذه الليلة، بل كما يزداد فيها المسلم من الأجر يتخفف...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لنا مع ليلة القدر ثلاثة وقفات:

 

أولاً: تعيينها، هذه الليلة متى هي؟ الأرجح أنها في العشر الأواخر، وأرجى الليالي هي ليالي الوتر، وأرجى ليالي الوتر ليلة السابع والعشرين، كما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أرى رؤياكم قد تَوَاطَأت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحريها فليتحرّها في السبع الأواخر".

 

ووردت آثار موقوفة على بعض الصحابة، منهم عمر بن الخطاب مُحَدَّث هذه الأمة، وحذيفة بن اليمان أمين سر رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وأُبي بن كعب شيخ القراء، أنها ليلة السابع والعشرين.

 

ومما يُقوِّي أنها ليلة السابع والعشرين هذا الإجماع الحاصل في الأمة الإسلامية عبر مئات السنين، فهم يتحرّونها في هذه الليلة، والله -سبحانه- لا يجمع الأمة على ضلالة.

 

الوقفة الثانية: لتلك الليلة ليلة القدر دعاء علّمه النبي لعائشة، علينا أن ندعو به في سجودنا، وفي قنوتنا هذه الأيام، وهو: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني".

 

عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني" [رواه الخمسة غير أبي داود وصححه الترمذي والحاكم].

 

وقد جمع هذا الدعاء آداب السؤال، فابتدأ بهذا النداء: "اللهم"، وأصلها: يا الله، واسم الجلالة الله هو اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وفي قوله: "إنك عفو تحب العفو" توسّل إلى الله -تعالى- بأسمائه وصفاته، وهنا توسل إليه بصفة العفو، فإنه العَفُوُّ، وتضمن قوله: "فاعف عني" كل خير؛ لأن العفو يمحو الماضي ويسقط المتابعة.

 

وليس هذا هو الدعاء الوحيد الذي يُدعَى به في ليلة القدر، بل ندعو بأدعية أخرى، فليلة القدر ليلة الدعاء والاستغفار؛ لأن الدعاء فيها مستجاب.

 

الوقفة الثالثة: التنبيه على سنة نبوية في هذه العشر الأواخر، وهي سنة الاعتكاف، فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر، طلبًا لليلة القدر، لما قوي ظنه أنها فيها.

 

وأجمعت الأمة أنه ليس بفرض، ولكنه سنة مؤكدة، واظب عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى توفاه الله، واقتدى به في ذلك أزواجه وأصحابه -رضي الله عنهم أجمعين-.

 

فمن تيسرت له تأسيًا به فهو أفضل وسيلة لترصّد ليلة القدر والتعرض لها، ومن لم تسمح له الظروف فليكثر المكث في المسجد في هذه العشر، وليشهد صلاة القيام حيث تقام في المسجد، فمن حرم فضل هذه الليلة فقد حرم خيرًا كثيرًا.

 

ولا تنسَوا أن تأمروا بهذا أولادكم وبناتكم وزوجاتكم، فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا أقبلت العشر الأواخر أيقظ أهله وشد المئْزر، كناية عن شدة الاجتهاد.

 

وأبعِدهم عن الملهيات، خاصة ما يعرض في التلفاز من برامج فارغة ساقطة تلهيهم وتفتنهم.

 

فمن لم يعتكف فليجعل الاعتكاف حالة نفسية يعيشها، يقطع علاقته بفضول الأغراض وكل ما يمكن تأجيله من الحاجات والمصالح، وليعشْ في خلوة بربه، ولو كان في بيته ومتجره وعمله، فالاعتكاف من العكوف، وهو حبس النفس على أمر وملازمته والمواظبة عليه.

 

هذه العشر لقراءة القرآن الكريم بآدابه المعلومة عند التلاوة والاستماع، وهي للدعاء، وهي لملازمة المساجد وشهود الصلوات فيها، وهي لحضور مجالس المواعظ.

 

وليلة القدر هي الليلة التي تنسخ فيها مقادير السنة، وتفرق فيها الآجال والأرزاق، فتتلقاها الملائكة من اللوح المحفوظ، وتنزل بها بأمر الله: (إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا)[الدخان: 3-5].

 

أما فضل هذه الليلة فهي خير من ألف شهر: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القدر: 3].

 

ومَنْ مِنَ الناس يستطيع أن يحيا ثلاثة وثمانين عامًا صائمًا نهاره قائمًا ليله بلا كلل ولا فتور.

 

إن ليلة القدر لمن أدركها قائمًا داعيًا متضرعًا تضيف لعمره عند الله -تعالى- ألف شهر من العبادة.

 

أيها المسلمون: إن الله -عز وجل- تفضل علينا، فعوضنا عن قصر أعمارنا، وضَعفِ عبادتنا، وقلة طاعتنا بمواسم الخير والفضل، ومنها: هذا الشهر الكريم الذي جعل فيه الحسنة بعشر أمثالها في غيره، ثم تفضل علينا بهذه الليلة منه، فجعل قيامها خيرًا من ألف شهر.

 

وليس هذا هو كل فضل هذه الليلة، بل كما يزداد فيها المسلم من الأجر يتخفف فيها من الوزر، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدم من ذنبه".

 

إن سورة القدر تثبت زيادة الأجر، والحديث يثبت سقوط الوزر، فهل بعد هذا الفضل من فضل؟! وهل يجود بمثل هذا غير الجواد الكريم -سبحانه وتعالى-؟!

 

فأبشروا -يا معشر المسلمين-، سيروا وبشِّروا، واعلموا أنه لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، وإنما يدخلها بفضل الله ورحمته.

 

ومن فضل الله ورحمته: أنه يضاعف الحسنات، ولا يضاعف السيئات، ومن فضله أنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ومن فضله أنه نصب لعباده مواسم الخير ليتعرضوا لها، ومن فضله أنه بينها لهم في كتابه وعلى لسان رسوله، هل من الناس من يفعل من هذا من شيء؟!

 

اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا، ورحمتك أرجى من أعمالنا، اللهم اغفر لنا في هذا الشهر أجمعين.

 

 

الخطبة الثانية

 

لم ترد..

 

 

 

 

المرفقات

القدر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات