ليس منا من لم يوقر كبيرنا

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تقدير الرسول صلى الله عليه وسلم وإجلاله للكبار والمسنين 2/حثّ الإسلام على توقير الكبيرِ وإكرامِه 3/من حقوق الكبير في الإسلام 4/الشيخوخة موجب للخير والبركة 5/سبق الإسلام إلى تكريم كبار السن.

اقتباس

والشيخوخة مُوجِبٌ للخير والبركة، وكلما دنا العبد من الشيخوخة يتوجّه إلى الله، فيذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، ويحمده، ويسبِّحه، ويهلِّله ويكبره كلما سنحت له الفرصة. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَرَأَى شَيْخًا كَبِيرًا، فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ! أَيَسُرُّكَ أَنْ تَمُوتَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ. قَالَ: وَلِمَ؟ وَقَدْ بَلَغْتُ فِي السِّنِّ مَا أَرَى! قَالَ: ذَهَبَ الشَّبَابُ وَشَرُّهُ، وَجَاءَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،...

 

أما بعد: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فلمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيِ أَنْتَ إِلَيْهِ. فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ- صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ: أَسْلِمْ فَأَسْلَمَ.. الحديث..(رواه أحمد).

 

وَعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةً -مفردها قباء وهو ثوب يلبس فوق الثياب- وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ، فَادْعُهُ لِي، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا، فَقَالَ: "خَبَأْنَا هَذَا لَكَ"، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "رَضِيَ مَخْرَمَةُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

أيها الإخوة: وقفت متأملاً هذين الموقفين، وكيف كان رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعامل مع كبارِ السنِ، فمع أَبُي قُحَافَةَ قَالَ لِأَبُي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- معاتباً له أن جشَّم الشيخ الحضور مقدِّراً كِبَر سِنّه: "هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ" وخَرَجَ إلَى مَخْرَمَةَ مقدراً كِبَرَ سنه كذلك ومبادراً له بما جاءَ من أجلِه وقَالَ لَهُ: "خَبَأْنَا هَذَا لَكَ" فعل ذلك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إكراماً لهما لكبرِ سنهِمَا..

 

أيها الإخوة: هذه نماذج من فعل رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-… أما سنته فتزخرُ بمواقف وأقول أخرى تظهر تقديره وإجلاله للكبير وترسخ مبادئ كثيرة منها.. أَنَّ الرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حث على توقير الكبيرِ وإكرامِه.. فَعَنْ أَنَس بْن مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، ويَعْرِفْ حَقَ كَبِيرِنَا؛ فَليْسَ مِنَّا"(رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود، وصححه الألباني).

 

"يَرْحَمْ صَغِيرَنَا" أي: لعجزه وبراءته عن قبائحِ الأعمالِ، وقد يكون صغيرًا في المعنى مع تقدم سِنّه؛ لجهله وغباوته وخَرَقَهِ وغفلته فيرحم بالتعليم والإرشاد والشفقة.. "وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا" لما خُص به من السبقِ في الوجودِ وتجربةِ الأمور..

 

قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير معلقاً على هذا الحديث: "فالتحذير من كل منهما وحده؛ فيتعين أن يعاملَ كلاً منهما بما يليق به؛ فيُعطَى الصغيرُ حقَّه من الرفقِ به والرحمةِ والشفقةِ عليه، ويُعطَى الكبيرُ حقَّه من الشرفِ والتوقير"، وقيل: يقابل كلاً منهما بما يليق به فيعطي الصغير حقه من الرفق واللطف والشفقة.. والكبير حقه من التعظيم والإكرام..

 

ومن حقوق الكبير في الإسلام إحسانُ معاملته بحسن خطابه بطيبِ الكلام وسديد المقال والتودد إليه؛ لأن إكرام الكبير وإحسان خطابه من إجلال لله -عز وجل-.. فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ -أَيْ: تَبْجِيلِه وَتَعْظِيمِه- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ -أَيْ: تَعْظِيمُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَام، بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ، وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْو ذَلِكَ- وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"(رواه أبو داود وحسنه الألباني).

 

ومن إجلال الكبيرِ: إحسانُ خطابه فنناديه بأحب اسم وألطف خطاب وأجمل عبارة وألين بيان، ورحم الله أياماً كان كبارُ السنِ ينادون بـ"يا عم"، "ويا خالة"، وقد تبدلت الآن هذه الألفاظ مع الأسف عند بعض الناس فصاروا ينادون الكبير والصغير: بأبي فلان.. والكبار بالشايب والعجوز.. بل ربما تجد أحد الجهال ممن لا يعرفُ للكبير قدراً يقول باندفاع: عم!! "عمي أخو أبوي وبس"..!!

 

كم هو سيئ هذا التحول بالمفاهيم والخطاب.. وإذا نهيت مَن لم يوقر الكبير بقوله.. رد برد أفجّ من فعل فقال: متعودين ولا يزعلون من ذلك..!! أقول: تبّاً لعادةٍ تخالفُ الأدبَ الإسلامي، ويا أسفا على مَن أجلَّه الله وأكرمه فَرَضِيَ بالهوان..

روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ -حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا- فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ.؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي يَا عَمِّ وَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ..

 

وفي صحيح البخاري -أيضاً- عن أَبِي بَكْرِ بْن عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: "العَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ".. قال العيني: "وَهَذَا من بَاب التوقيرِ وَالْإِكْرَامِ لأنسٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَمهُ على الْحَقِيقَةِ".

 

الله أكبر؛ لاحظوا، نداءات الصحابيين والتابعي كلها بـ"يا عم".. ولَيْسَ بأعَمَامٍ لهمُ على الْحَقِيقَةِ؛ فما أجمله من نداء وأطيبه من تعامل!!

 

أيها الإخوة: ومن حقوق الكبير في الإسلام: بَدْؤه بالسلام إذا لقيناه احترامًا وتقديرًا له، ولا ننتظر منه المبادرة.. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ"(رواه البخاري)، وزاد الترمذي وصححه الألباني: "وَالرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي".

 

ومن حقوق الكبير: تقديمه في الكلام المجالس، وتقديمه في الطعام، والشراب والدخول والخروج؛ ففي صحيح البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ، إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلاً -أَيْ يَضْطَرِبُ فَيَتَمَرَّغُ فِي دَمِهِ- فَدَفَنَهُ ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ -أخو القتيل- وَمُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَبِّرْ كَبِّرْ" وَهُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ، فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا..

 

والشاهد من هذا كيف أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلب من صغير السن السكوت مع أنه أخو القتيل وله مقال، وقال: "كَبِّرْ، كَبِّرْ" قال العيني: أَي: "قدم الأسنَ يتَكَلَّم، وَهُوَ أَمر من التَّكْبِير كَرَّرَه للْمُبَالَغَة".

 

وقَالَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا"(رواه البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-).

 

أسأل الله بمنّه وكرمه أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه…

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوة: كفى الإسلام عناية بالكبير المستقيم على الطاعة أن جعله من خير الناس؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ.؟ فَقَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

وفي حديث أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ"، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ"(رواه الترمذي وقال الألباني: صحيح لغيره)؛ لأنه كلما طَال عمره وَحسن عمله يغتنم من الطَّاعَة الْمُوجبَة للسعادة الأبدية؛ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا"(رواه أحمد وابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال الألباني: صحيح لغيره).

 

والشيخوخة موجب للخير والبركة، وكلما دنا العبد من الشيخوخة يتوجّه إلى الله، فيذكر الله قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، ويحمده، ويسبِّحه، ويهلِّله ويكبره كلما سنحت له الفرصة.

 

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَرَأَى شَيْخًا كَبِيرًا، فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ! أَيَسُرُّكَ أَنْ تَمُوتَ؟ قَالَ: لَا وَاللهِ. قَالَ: وَلِمَ؟ وَقَدْ بَلَغْتُ فِي السِّنِّ مَا أَرَى! قَالَ: ذَهَبَ الشَّبَابُ وَشَرُّهُ، وَجَاءَ الْكِبَرُ وَخَيْرُهُ، فَإِذَا قَعَدْتُ؛ ذَكَرْتُ اللهَ، وَإِذَا قُمْتُ؛ حَمِدْتُ اللهَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَدُومَ لِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ. (ذكره أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري في المجالسة وجواهر العلم).

 

أجل أيها الإخوة: هذا ديننا إذا ضعفت قوى الإنسان وكبر سِنّه ربما يستثقله من حوله؛ لذا عوَّضه الله بمكانة كبيرة وخصَّه بميزات عظيمة.. بل جعل إكرامه تبجيلاً لله وتعظيماً "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ"!

 

أما الآخرون فلم يتفطنوا لقدره إلا قبل أقل من ثلاثين سنة؛ فقد تكرموا وجعلوا يوماً عالميا للمسنين أو يوماً عالمياً لكبار السنّ، يهدفون منه: رفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن، كالهرم وإساءة المعاملة.

 

وهو أيضاً يوم للاحتفال بما أنجزه كبار السنّ للمجتمع.. وأغدقوا عليهم العطف فجعلوه أحد أعياد الأمم المتحدة ومناسبة سنوية عالمية يتم إحياؤها في الأول من أكتوبر من كل سنة. وكان أول احتفال لليوم العالمي للمسنين في الأول من أكتوبر 1991م.

فرق بين الثرى والثريا؛ فالحمد لله أن جعلنا مسلمين.

 

 

المرفقات

ليس منا من لم يوقر كبيرنا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
10-06-2022

تبارك الله تعالى

ممتاز. 

 

 

وفقهاـ زادكم علماً