لو كنت خطيبا

الشيخ هلال الهاجري

2022-06-10 - 1443/11/11 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حيرة الخطيب فيما سيتناول من المواضيع 2/نماذج للمواضيع التي يحار الخطيب في الاختيار من بينها 3/الخطبة مشاعر قبل أن تكون كلمات

اقتباس

وهَلْ تَستطيعُ أن تُصْلِحَ في مُجتَمَعِكَ الأخلاقَ؟، وكَيفَ تَستَثيرُ إلى التَّوبَةِ الأَشواقَ؟؛ فَالخُطبَةُ ليسَ كَلماتٍ جَامدةً يَقولُها الخَطيبُ فِي عِدَّةِ سُطورٍ، بَل هِيَ مَشاعرُ وأحاسيسُ يُشاركُ بِها الجُمهورَ، فالكَلامُ إذا كَانَ مِنَ القَلبِ فإنَّ لَهُ نُوراً وأَثَراً وقَبولاً...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد: فإنَّ أحسنَ الحديثِ كلامُ اللهِ -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ مُحمدٍ -صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وشرَّ الأمورِ مُحْدثاتُها، وكُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ.

 

وَهَكَذَا في كُلِّ جُمْعَةٍ، بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ الخَطِيبُ بِحَمْدِ اللهِ -تعالى- والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِهِ، تَتَقَافَزُ المَوَاضِيعُ أَمَامَ عَيْنِيهِ كَالأمْطَارِ، وَتَتَسابقُ إلى قَلَمِهِ الاقْتِرَاحَاتُ والأفْكَارُ، فَمَاذا عَسَى أَن يَطْرَحَ مِنْ المَواضِيعِ التَي تَمَسُّ الوَاقِعَ؟ وبِأَيِ خِطَابٍ يَبْدَأُ مِمَّا يُهِمُّ السَّامِعُ؟ فَأَخْبِرنِي: مَاذَا سَتَطْرَحُ لَو كُنْتَ أَنتَ خَطِيبَ الجُمْعةِ؟.

 

هَلْ سَتَبدَأُ بالحَدِيثِ عَنِ العَقِيدَةِ والتَّوحِيدِ، الذي هُو أحَقُّ وَاجِبٍ عَلَى العَبِيدِ؟؛ فَهُنَاكَ قَبْرٌ يُدْعَى مِنْ دُونِ اللهِ وتُراقُ عَلَى جَوَانِبِهِ دِمَاءُ القَرَابِينِ، وهُنَاكَ أَبْراجٌ تُخْبِرُ النَّاسَ بِعِلْمِ الغَيبِ الذي لا يَعْلَمُهُ إلا ربُّ العَالَمينَ، حَلِفٌ بِغَيرِ اللهِ، اِعْتِمادٌ عَلَى غَيرِ اللهِ، قَلَقٌ مِنَ الرِّزقِ والمُسْتَقْبَلِ والوَبَاءِ، وَسُوءُ ظَنٍّ بِمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ، تَمييعٌ لِثَوابتِ الإسْلامِ النَبِيلةِ، وتَشْكِيكٌ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ الأَصِيلةِ، أَصْبَحَ اليَهوديُّ والنَّصرَانيُّ أَصدِقاءَ، وأَصْبَحَ المُسْلِمُ والصَّالحُ أَعْدَاءً، فَلا وَلاءَ ولا بَراءَ، وأُمورٌ كَثيرةٌ يَحْتَارُ فِيهَا الحُكَمَاءُ!.

 

أَمْ سَتُخْبِرُنَا عَنِ مُقَدَسَاتِنا التِي فِي يَدِ أَحْقَرِ شَعْبٍ، وَأَذَلِّ أُمَّةٍ، يَفْعَلونَ بِالمَسجِدِ الأَقْصَى مَا يَشاؤونَ، ويَتَسَلَّطونَ عَلَى إخوَانِنا بِما يُرِيدونَ، فلا نَسمعُ إلا الشَّجبَ والاسْتِنكَارَ، الذي لا يَزِيدُهم إلا الطُّغيانَ والاسْتِكبَارَ، في الوَقْتِ الذِي يُحَاولُ البَعضُ أن يُظْهِرَ اليَهودَ أنَّه شَعبُ سَلامٍ، وأنْ يَجِدَ للتَّطبيعِ مَعَ إسرائيلَ الأعذارَ والأوهَامَ، واللهُ -تعالى- يَقُولَ: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة: 82]، بَل للأَسَفِ أنَّ هُناكَ مَنْ يُحاوِلُ التَّشكِيكَ في قَضيَّةِ فِلسطِينَ، وَلا يَدْري أنَّها الجُرحُ الأَعمَقُ في قُلوبِ جَميعِ المُسْلِمينَ.

 

يَا أُمَّةَ الحَقِّ إِنَّ الجُـرْحَ مُتَّسِعٌ *** فَهَلْ تُرَى مِنْ نَزِيفِ الجُرْحِ نَعْتَبِرُ؟!

 

أمْ لَعَلَّكَ تُحَدِّثُنا عَن حَالِ إخوانِنا المُسلِمينَ، في بِلادِ الغَربِ والهِندِ والصِّينِ، حَيثُ إنَّ الحُقوقَ فِي بِلادِ الحُرِّيَّاتِ مَكْفُولةٌ للجَميعِ إلا المُسلمينَ، ولا عَجَبَ ولا غَرَابةَ، فَقدْ أَخْبَرَنا اللهُ بِهَذهِ العَدَاوةِ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120]، فإذا كَانَ هَذَا في أَهلِ الكِتابِ وهُم الأَقربُ لأهلِ الإيمانِ، فَكِيفَ بِعَدَاوةِ عُبَّادِ البَقرِ والأصنامِ والأوثانِ؟، فَهُناكَ قَهْرُ الرِّجالِ، وهُناكَ سَلْبُ الأطْفَالِ، مَساجدُ مَحروقةٌ، وأموالٌ مَسروقةٌ، والسِّجنُ والتَّعذيبُ والإجلاءُ، جَزاءُ مَنْ يَعتَرضُ أو يَقُولُ: لا.

     

كَمْ يَسْتَغِيثَ بِنَا الْمُسْتَضْعَفُونَ وَهُمْ *** قَتْلَى وَأَسْرَى فَمَا يَهْتَزُّ إِنْسانُ

 

أَمْ قَدْ تُخَاطِبُ المَرأةَ المُسْلِمةَ، وأَنتَ تَرى حَالَها المُؤلِمةَ؛ فَقدْ أَصبَحَ أَهونُ ما لَدِيها، هو أَعظَمُ ما عَليها، وهُو الحِجابُ وما أَدرَاكَ ما الحِجَابُ؟! الذي جاءَتْ وَصيَّتُه في الكِتابِ، فَيَقولُ اللهُ لنبيِّهِ: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب: 59]، فَهو لَيسَ قِطْعَةُ قُماشٍ عَاديَّةٍ، بَل هُو السِّلاحُ العَجِيبُ، في وَجهِ الاستعمارِ والتَغريبِ؛ ولِذَلِكَ تُحَارِبُه دُولٌ كُبرى، حَتى قَالَ غلادستون رَئيسُ وزراءِ بريطانيا: "لَنْ يَستقيمَ حَالُنَا في الشَّرقِ مَا لم يُرفعْ الحِجابُ عَنْ وَجهِ المَرأةِ، ويُغَطَى بِهِ القُرآنَ"، فَهَل نَنْتَبهَ قَبلَ فَواتِ الأوانِ؟.

 

أَقولُ قَولي هَذا، وأَستغفرُ اللهَ العَظيمَ لي ولكم ولسَائرِ المُسلمينَ، فاستغفروه إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ حَمدًا َكَثيرًا كَما أَمرَ، وأَشكرُه وَقدْ تَأذَّنَ بالزيادةِ لمِنْ شَكرَ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ مُحمداً عَبدُه وَرَسولُه، صَلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وأَصحابِه وَسلَّمَ تَسليمًا كَثيرًا.

 

أَما بعدُ: فَهلْ لا زِلْتَ تُفَكَّرُ في مَوضوعِ خُطبةِ الجُمْعَةِ؟، قَدْ تَقْتَرحُ أَنْ تَنظُرَ إلى مُجتَمَعِكَ فَتُشاركَ الحُضُورَ هُمُومَهم، وَتَخْطُبُ فِي مَوضُوعٍ يُلامِسُ قُلُوبَهم، ولَكِنْ: هَلْ تَستطيعُ أَن تَصِلَ إلى مَشَاعرِ أَبٍّ يُقاسي عُقوقَ الأبناءِ؟، أَم هَلْ تَقْدِرُ أن تَدْرِكَ مِقْدَارَ حُزنِ مَنْ فَقَدَ الأحبَابِ والآباءَ؟، وهَلْ سَتَشعُرُ بآلامِ المَريضِ وسَهَرِهِ اللَّيلَ الطَّويلَ؟، وكَيفَ سَتُواسي الفَقيرَ ومَا يُعَاني مِنْ هَمِّ الدَّيْنِ الثَّقيلِ؟، وهَلْ تَستطيعُ أن تُصْلِحَ في مُجتَمَعِكَ الأخلاقَ؟، وكَيفَ تَستَثيرُ إلى التَّوبَةِ الأَشواقَ؟؛ فَالخُطبَةُ ليسَ كَلماتٍ جَامدةً يَقولُها الخَطيبُ فِي عِدَّةِ سُطورٍ، بَل هِيَ مَشاعرُ وأحاسيسُ يُشاركُ بِها الجُمهورَ، فالكَلامُ إذا كَانَ مِنَ القَلبِ فإنَّ لَهُ نُوراً وأَثَراً وقَبولاً، وإذا لَمْ يَكنْ مِنَ القَلبِ خَرَجَ مَيتَاً مُظْلِماً مَخْذولاً، وهَكَذا تُكْتَبُ الخُطَبُ المُؤثرةُ، بالدَّمِ والدُّموعِ المُنهَمرةِ.

 

عَجَزَ الكَلامُ عَنِ الكَلامِ وخُطْبَتِي *** لم تُبقِ دَمْعَاً أو دَمَاً في المَحْبَرَةِ

 

هَل رَأيتُم الحيرةَ في اختِيارِ مَوضوعٍ واحدٍ فقط لِجُمعَةٍ واحدةٍ، فكَيفَ إذا كانَ هَذا هَمَّاً أُسبوعياً، يَقِفُ بِهِ الخَطيبُ أَمامَ النَّاسِ؛ ليُشارِكَهم المَشاعرَ والإحساسَ!، فَيَا سَامِعَ الدُّعاءِ والرَّجاءِ، اِشرَحْ صَدرَ الخُطَباءِ.

  

اللهمَّ أَصلِحْ أَحوالَ المسلمينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللهمَّ احقِن دِماءَهم، واجمعْ على الحَقِّ والهُدى كَلمتَهم، وَلِّ عَليهم خِيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرخاءَ في دِيارِهم، وأَعِذهُم من الشُّرورِ والفِتنِ ما ظَهرَ مِنها ومَا بَطَنَ، اللهمَّ ارفع عَنَّا الغَلاءَ والوَباءَ، والرِّبا والزِّنا، والجُوعَ والعُرِيَّ، والزَّلازلَ والمِحَنَ، وسوءَ الفِتنِ مَا ظَهرَ مِنها ومَا بطَنَ عن بَلدِنا وعن سَائرِ بِلادِ المُسلمينَ يا ربَّ العَالمينَ، اللهمَّ عَليكَ باليهودِ الغَاصبينَ المُحتلِّينَ فإنَّهم لا يُعجِزونَكَ، اللهمَّ أنزِلْ بهم بَأسَكَ الذي لا يُردُّ عن القَومِ المُجرمينَ، اللهمَّ إنَّا نَدرأُ بكَ في نُحورِهم، ونَعوذُ بِكَ من شُرورِهم، اللهمَّ إنَّ لنا إخوانًا مُستضعفينَ مَظلومينَ قد مسَّهم الضُّرُّ، وحَلَّ بهم الكَربُ، واشتدَّ عليهم الأمرُ، وتعرَّضوا للظلمِ والطُّغيانِ، وسُفِكَتْ دِماءُ، وقُتِلَ أَبرياءُ، ورُمِّلتْ نِساءُ، ويُتِّمَ أَطفالُ، فاللهمَّ يا نَاصرَ المُستضعفينَ، ويا مُنجِيَ المؤمنينَ، انتصِر لهم، وتولَّ أَمرَهم، واكشِفْ كربَهم، وارفعْ ضُرَّهم، فَلَيسَ لَهَا مِنْ دُونِكَ كَاشفةٌ، سُبحانَكَ اللهمَّ وبِحمدِكَ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلا أنتَ، نستغفرُكَ ونَتوبُ إليكَ.

 

المرفقات

لو كنت خطيبا.pdf

لو كنت خطيبا.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات