لنفرح بالعام الدراسي وبالعام الهجري

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/العودة إلى المدارس 2/وصايا للآباء والأمهات 3/رسائل إلى المتذمِّرين من عودة الدراسة 4/وقفات مع عام هجري جديد وحكم التهنئة به.

اقتباس

فيا معشرَ المتذمِّرينَ من عَودةِ الدراسةِ الدوام: ‏تأملوا عظيمَ نعمِ اللهِ عليكم، أنْ رَزقَكم وظائفَ تَكفيكم، وتَكفي أولادَكم عن الحاجةِ والتذللِ للناس؛ لأنكم ما جرَّبتم البَطالة، و‏كم على البسيطةِ مَن يَتمنى عُشرَ مِعشارِ ما نعيشُه. ومن الغفلةِ التي نُعاني منها عدمُ احتسابِ النيةِ في العملِ الرسمي...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ على لطفِه الخفيِ، وفضلِه وإحسانِه الجليِ، والحمدُ للهِ على إمدِاد الأعمارِ وتَعاقُبِ الأجيالِ، وعلى مضاعفةِ أجورِ الأعمالِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه.

 

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ؛ فتقوى اللهِ ما جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَل.

أوصِ أولادَك قائلاً: يا بُني ويا بِنتي، إنكما تتوجهان بعد غدٍ لقلعة العلم، فابدؤوا فيها ببسم الله، ومن كانت له بدايةٌ محرقةٌ كانت له نهايةٌ مشرقة.

 

يا بُني ويا بِنتي: هل أنتما مُستحضِران للنيةِ الصالحةِ لطلبِ العلم؟ وهل ستتذكران يومَ أن تَسعيا كُلَّ صباح إلى أماكنِ الدراسةِ قولَه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"(رواه مسلم).

ومن المؤسفِ أن بعضَ الآباءِ يشاركُ أولادَه نظرةَ مثبطةَ متثاقلةَ عن الدراسة، ويغرسُ في ذهنهِ أن الدراسةَ همٌ ونكَدٌ، ويَسكتُ عن عباراتٍ ساخرةٍ بالمعلم.

 

فيا معشرَ المتذمِّرينَ من عَودةِ الدراسةِ الدوام: ‏تأملوا عظيمَ نعمِ اللهِ عليكم، أنْ رَزقَكم وظائفَ تَكفيكم، وتَكفي أولادَكم عن الحاجةِ والتذللِ للناس؛ لأنكم ما جرَّبتم البَطالة، و‏كم على البسيطةِ مَن يَتمنى عُشرَ مِعشارِ ما نعيشُه.

 

ومن الغفلةِ التي نُعاني منها عدمُ احتسابِ النيةِ في العملِ الرسمي؛ فالموظفُ يقضي قرابةَ ثلثِ يومِه في الدوامِ، أي ثلثَ حياتِك، ولو احتسبتَها عندَ اللهِ ستجدُ أنك احتسبتَ ثلثَ حياتِك للهِ، والنيةُ هي تجارةُ العلماء.

 

أيُّها المعلمُ: إذا دخلتَ فصلَك وأغلقتَ بابَك، فلَمْ يَعُدْ إلا أنتَ وطلابُك بين يديكَ، فتذكرْ ملائكةَ الرحمنِ بين يديك، وأن اللهَ في عليائِه مطلعٌ عليك، ولا يكن همُّك متى تنتهي الحصةُ. واعلمْ أنكَ إذا أحببتَ طلابكَ وأحبوكَ وجدت سعادتَك بينهم أكثرَ مما تجدُها بين الأصحاب.

ولا تَستهِنْ بنفسِك؛ فكلمةٌ تقولهُا بإخلاصٍ سيُبارُك اللهُ فيها، ولا تتعجلْ النتائجَ، وابذُرْ من الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ما شئتَ أن تبذُرَ: (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)[الواقعة:64].

 

معاشرَ معلمي التمهيديِّ والصفوفِ الأوليةِ: أنتم مؤسِّسون، وغيرُكم مكمِّلون، ومن أسَّس البناءَ ليسَ كمَنْ كمَّله، ولا تدرون لعلَّ من بين طلابِكم نابغة.

 

ويا أيُّها المسلمون: هل تتذكرونَ نعمةَ اللهِ علينا ببلادنا أمامَ ضخامةِ التجهيزاتِ والمباني، وتيسُّرِ أسبابِ تحصيلِ العلمِ، وتيسرِ الترددِ على صروِح العلمِ بأمنٍ ورغدِ عيشٍ، يومَ أن اضطربتِ الأحوالُ في بلدانٍ قريبةٍ منا.

 

أيها الأبُ: ها أنتَ توفرُ لأولادِك مستلزماتِهم المدرسيةَ، والتي ربما أرهقتْكَ مادياً، لكنْ هل استحضرتَ أنكَ بهذا مأجورٌ إذا لم تُسرفْ، ولم تَمْنُنْ ولم تتأفَّفْ. فاحتسِبْ ذلك عندَ اللهِ، فالنبيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قَالَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"(رواه مسلم).

 

لكنِ احذروا مما يَشتملُ على شعاراتٍ لمعبوداتِ الكفارِ، كالصلبانِ، أو رسوماتِ الحيواناتِ والآدميينَ على الأدواتِ المدرسيةِ والملابسِ الرياضيةِ. فنبيُّكم -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ"(رواه البخاري).

 

فليتقِ اللهَ من يبيعُها ومن يشتريْها ومن يلبسُها. ولا يُعلِّقوا قلوبَ أبناءِ وبناتِ المسلمين بقدواتٍ فاسدة، وبمحرماتٍ تخالفُ الشرعَ، وأساسيات التعليمِ.

 

أيها المسلمون: إننا هذا الأسبوعَ نستقبلُ عامًا هجريًّا إسلاميًّا جديدًا، نُفاخِرُ به ونُقدِّمُه على الميلادي.

 

فالحمدُ لله مضى عامٌ، وبفضلِك مولانا صلَّينا ألفًا وسبعَمائة وسبعين صلاة، وبإعانتِك ربَّنا صُمنا رمضانَ، وتعيَّدنا عيدَين. مِنا مَن حَجَّ ومِنا مَن اعتمرَ ومنا مَن سافرَ، ومنا مَن فعلَ الثلاثةَ كلَّها. زواجاتٌ‏، استراحاتٌ اجتماعاتٌ، بأمنٍ وإيمانٍ وصحةٍ وسلامةٍ وإسلامٍ. ولاَ بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الحَمْدُ.

 

إن علينا أن نستقبلَ أيامَنا وأعوامَنا بمحاسبةِ أنفسِنا، وإصلاحِ ما فَسَدَ مِن أعمالِنا، وتربيةِ مَن ولانا اللهُ -تعالى-عليه من الأهلِ والرعية. فلنتقِ اللهَ فيما نحن به مَعْنيون، وعنه يومَ القيامةِ مَسؤولونَ، فـ(قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6].

 

ولنغتنمْ الأوقاتَ -عبادَ اللهِ- بطاعةِ اللهِ، ولنكنْ كلَّ عامٍ أصلحَ من العامِ الذي قبلَه؛ فإن كلَّ عام يَمرُّ بنا يُقرِّبُنا من القبورِ، ويبعِّدنا عنِ القصورِ.

 

وأخيرًا: كثيرًا ما يَسألُ الناسُ هذه الأيامَ عن حكمِ التهنئةِ بالعامِ الهجريِ الجديدِ، وقد قال فضيلةُ الشيخِ ابنُ عثيمينَ -رحمه الله-: لا نقولُ: "إنه يُسنُّ لكم أن يُهنئَ بعضُكم بعضاً، لكنْ لو فَعلوه فلا بأسَ، فهيَ من الأمورِ العاديةِ لا التعبديةِ".

 

فيا حيُّ يا قيومُ نسألُك أن تجعلَ عامَنا المزدلِفَ خيرًا من عامنا المنصرم، عامَ أمنٍ وإيمانٍ، عامَ علمٍ نافعٍ وعملٍ صالحٍ، عامًا تُسبغُ به علينا نعمَك وترزقَنا شكرَها.

 

اللهم لك الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ، اللهم وأعنتَنا على ذكرِك وشكرِك فسجدْنا لك وحدَك وصلينا. وضحينا وحججنا وبرمضانَ صمنا، فاللهم بفضلِك فاقبلنا، وثبِّتنا وزِدنا من بركاتِ عمرِنا ولا تنقصنا من فضلِك.

 

ربَّنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاه وأدخلنا برحمتِك في عبادِك الصالحين. اللهم ابسط علينا وعلى والدَينا من بركاتِك ورحمتِك ورزقِك.

اللهم ارزقنا برَّهما أحياءً وأمواتًا.

 

الَّلهم ارزقنا وإياهم عيشًا قارًّا، ورزقًا دارًا وعملاً بارًا.

اللهم وفقْ مليكَنا ووليَ عهدِه، واجعلهم وجنودَنا في ضمانِك وأمانِك وإحسانِك.

اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا ومعلمِينا ومعلماتِنا وقادةَ التعليمِ للسدادِ والرشادِ.

 

 

المرفقات

لنفرح بالعام الدراسي وبالعام الهجري

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات