لمن أراد البركة في حياته

الشيخ عايد بن علي القزلان التميمي

2023-09-01 - 1445/02/16 2023-09-11 - 1445/02/26
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/كثرة نعم الله 2/الشكوى من قلة البركة 3/وسائل استجلاب بركة الله في الأرزاق والأعمار 4/من أسباب تحقيق البركة 5/ فواتح الخير وخواتمه 6/لا تحزن على الدنيا.

اقتباس

فالبكور فيه خير وبركة، ومن أعظم البكور: أن تصلي الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس، فليس ذلك ببكور، بل ذلك تأخير وفتور. ومن البركة أن تعمل بتجارتك وأعمالك باكراً، وتسافر باكراً...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله الحكيم العليم، يضع البركة في القليل الضئيل، فإذا هو كالبحر الواسع (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 261].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-؛ فبها تكثر الخيرات وتُستجلب البركات.

 

أيها المسلمون: إننا في هذا العصر، وفي هذا الزمان المتطور والمتقدم، يسّر الله للناس نِعمًا كثيرة لا تُحصى، في العلم والتعليم والإعلام والتواصُل والطبّ والعلاج والاقتصاد والنّقل والمواصلاتِ والتجارَةِ واللباس والزينةِ، وفي كلِّ أمور حياتنا، ومع تلك النِّعم نسمع الكثير من الناس مَن يشكو قلة البركة في الكثير من شؤون حياته.

 

البركة ما نزلت في قليل إلا كثَّرته، ولا نُزعت من شيء إلا محقه الله وإن كان كثيرًا.

فالبركة هي كثرة الخير ودوامه ولو بدا للناس قليلاً.

 

عباد الله: فمن أراد البركة في حياته فعليه أولا بتقوى الله -عز وجل-؛ قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96]. وقال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق: 2-4].

 

وقيل التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؛ بفعل الطاعات، واجتناب المنهيات. فالتقوى تزيد في بركة العمر والرزق.

 

عباد الله: ومن أراد البركة في حياته فلْيُكْثِر من قراءة القرآن الكريم؛ قال -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)[الأنعام: 92]؛ فتلاوة القرآن الكريم من جملة الأعمال الصالحة النافعة المباركة -بإذن الله تعالى-؛ فالله -عز وجل- يرفع بالقرآن أقواماً، ويخفض به آخرين.

 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ"؛ أي: السحرة(أخرجه مسلم).

 

عباد الله: ومن أسباب البركة: الصدق في البيع والشراء؛ فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"(متفق عليه)؛ فمن كذب في بيعه وشرائه، فهذا ممحوق البركة، والعياذ بالله.

 

عباد الله: ومن أسباب البركة: البُكُور في كل أمر؛ فعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم بارك لأمتي في بُكُورِها"(أخرجه أحمد).

 

فالبكور فيه خير وبركة، ومن أعظم البكور: أن تصلي الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين، ولا تؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس، فليس ذلك ببكور، بل ذلك تأخير وفتور.

 

ومن البركة أن تعمل بتجارتك وأعمالك باكراً، وتسافر باكراً، فكل ذلك مجلبة للبركة، وفوز بحصول بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

عباد الله: ومن أسباب البركة: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع جماعة المسلمين. قال -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238]؛ وقال الله -سبحانه وتعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132].

 

فالصلاة أكثر الفرائض ذِكراً في القرآن الكريم، وإذا ذُكرت مع سائر الفرائض قُدِّمت عليها، لا يَقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً، ولا صدقةً، ولا جهاداً، ولا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، ولا أي عملٍ من الأعمال حتى يؤديها.

 

هي فواتح الخير وخواتمه؛ يفتتح المسلم بالصلاة نهاره، ويختم بها يومه، بها افتتحت صفات المؤمنين المفلحين، وبها خُتمت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون: 1-2]؛ ثم قال في آخر صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 9- 11].

 

هذه هي الصلاة؛ لأنها الصلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة ونورٌ في الوجه والقلب، وصلاحٌ للبدن والروح، جالبة للبركة، مبعِدة من الشيطان، مُقَرِّبة من الرحمن. وفي الصلاة إعانة على أمور الدنيا والآخرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 153].

 

عباد الله: ومن أسباب البركة: الاستخارة: فإذا أراد المسلم أن يُقْدِم على أمر من الأمور، فعليه بصلاة الاستخارة، وهي ركعتين من غير الفريضة، يستخير رب الأرض والسماء، فهو -سبحانه- أعلم بما ينفع عباده، فعند الله الخير لعباده، وهو -سبحانه- الهادي إلى أفضل الطرق، وأقوم السبل.

 

ومن أسباب البركة -عباد الله- بر الوالدين، وصلة الرحم؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه"(متفق عليه).

 

ومن أسباب البركة والرزق: المحافظة على الأذكار وكثرة الاستغفار.

بارك الله لي ولكم......

 

 

الخطبة الثانية:

 

 الحمد لله على تمام فضله وإكرامه، وعلى سابغ إحسانه وإنعامه، وهو الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فيا عباد الله: فمن أراد بركة الدنيا وخيرها، فليعمل عملاً صالحاً وليأخذ بأسباب البركة بالعمل المباح والكسب المباح، والتوكل على الله في جميع الأمور. ولا يأكل إلا مالاً حلالاً، ولتكن غايته رضا ربه وخالقه.

 

ولا تحزن -يا عبد الله- إذا لم يصبك شيء من متاع الدنيا، فإن الله يعطي الدنيا مَن يُحب ومَن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا مَن يحب، وليكن لسان حالك: الحمد لله على كل حال.

 

فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ".

 

اللهم بارك لنا فيما أعطيت، اللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا ولا مبلغَ علمِنا، ولا إلى النار مصيرنا.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله .....

المرفقات

لمن أراد البركة في حياته.doc

لمن أراد البركة في حياته.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات