عناصر الخطبة
1/ تأملات في واقع الأمة المسلمة اليوم 2/ أسباب ما يمس الأمة من بلايا ونكبات 3/ الثقة واليقين بأن المستقبل لهذا الدين 4/ واجب المُسلمين تجاه إخوانهم المستضعفين.اقتباس
ولئن توالت على المسلمين مصائب أليمة، ونكبات عظيمة، وتسلط غاشم من عدو يهودي ورافضي وروسي، وغيرهم من الأشرار المعتدين الذين استرخصوا الدماء، وقتلوا الأبرياء، وانتهكوا الحرمات، وأخرجوا أهل الإسلام من ديارهم بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله؛ فلا عجب في هذا يا عباد الله؛ فالمسلمون مستهدفون بالعداوة بأصل إيمانهم وتوحيدهم، وليس بسبب كسبهم أو فعلهم في كثير من الأحيان.. والعاقبة فتكون للمؤمنين، ودين الله منصور، وسيبقى على رغم أنوف الأعداء.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبيه عبده ورسوله الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يقتدون.
أما بعد: فيا أيها المسلمون (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71].
وأدوا عباد الله ما عليكم من حقوق وواجبات، واحذروا ظلم الناس أو التعدي عليهم بقول أو فعل أو غير ذلك؛ فإن هذا من الظلم المحرم، وويل للظالمين من عذاب شديد.
أيها المسلمون: وعد الله حق لا ريب فيه، قال -عز وجل-: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:7].
ودين الله منصور غالب ولو كره الأعداء (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21]، والباغي مصروع والظالم له يوم عبوس (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227].
فأخذ الله شديد لكل جبار عنيد (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم:42] يُذكر بهذا والحال في الشام عمومًا وحلب خصوصًا وفي فلسطين لا تخفى، وحال أهل السنة والجماعة في العراق علم بها كل أحد.
ولله -عز وجل- الحكمة البالغة في كل ما يقع في هذا الكون الفسيح ولرب محنة في داخلها منحة والله -عز وجل- لا يتهم في قضائه .
ولئن توالت على المسلمين مصائب أليمة، ونكبات عظيمة، وتسلط غاشم من عدو يهودي ورافضي وروسي، وغيرهم من الأشرار المعتدين الذين استرخصوا الدماء، وقتلوا الأبرياء، وانتهكوا الحرمات، وأخرجوا أهل الإسلام من ديارهم بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله؛ فلا عجب في هذا يا عباد الله؛ فالمسلمون مستهدفون بالعداوة بأصل إيمانهم وتوحيدهم، وليس بسبب كسبهم أو فعلهم في كثير من الأحيان؛ كما قال ربنا الخلاق العليم (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج:8]، علمًا بأن تسلط العدو على أهل الإسلام ليس تسلط إبادة واستئصال وإنما هو تسلط أذًى؛ لحِكَم عظيمة، كما قال -عز وجل-: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) [آل عمران:111].
وأما العاقبة فتكون للمؤمنين، ودين الله منصور، وسيبقى على رغم أنوف الأعداء.
هذا الظلم والأذى الذي يقع على المسلمين هناك، وإن كان يحزن الغيور ويؤلم قلب كل مؤمن؛ إلا أنه رفْع درجات وتكفير سيئات، وليتخذ منكم شهداء، وليتميز المؤمن من غيره، ولعلهم يتضرعون، ويرجعون إلى ربهم، ويوحدون كلمتهم ويتآلفون ليكونوا قوة واحدة في وجه العدو كما قال -عز وجل-: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].
أيها المسلمون: ولقد جرى للأنبياء والصالحين ومن تبعهم ما جرى من الأذى فصبروا حتى جاءهم نصر الله -عز وجل- ، لقد وقع ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حال الأمة حين قال: "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قال قائل: "ومن قلة نحن يومئذ؟"، قال: "بل إنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن"، قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حبّ الدنيا وكراهية الموت" رواه الإمام أحمد وأبو داود.
قال الطيبي معلقًا على هذا الحديث: " إن حب البقاء في الدنيا وكراهية الموت يدعوهم إلى إعطاء الدَّنية في الدين، واحتمال الذل عن العدو، نسأل الله العافية فقد ابتلينا به وكأننا نحن المعنيون بذلك".
فإذا كان الطيبي يقول ذلك وقد عاش في المائة الثامنة من الهجرة، فماذا سيقول لو رأى ذل أهل الإسلام اليوم، واستئساد أعدائهم في هذا العصر لاسيما اليهود والروافض الذي كانوا أذلة عبر التاريخ، وما الذي قواهم وأضعف المسلمين، ولماذا صارت أمم الأرض تعمل لصالح اليهود ضد المسلمين مع أن الله لم يرتضِ ذلك للمسلمين ولا يحبه لهم، ولكنه أراده كونًا وقدرًا عدلاً منه تعالى بما كسبت أيدينا (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30].
إن عقد مقارنة بين ما يجب أن يكون عليه المسلمون من العزة والكرامة والائتلاف والاجتماع الذي شرَّفهم الله -عز وجل- به، وبين واقعهم المهين ليكشف حقيقة الأمر، ويبين المدى الذي وصلت إليه الأمة من انحراف عن الصراط المستقيم، فكم هو حزن عظيم أن يرى المسلمون إخوانهم يؤذون ولا يستطيع أن يفعل شيء.
إن من رحمة الله بهذه الأمة أن فضَّلها على سائر الأمم، وجعلها خير الناس، وشرَّفها بأفضل نبي، وحفظ كتابها من التحريف ودينها من التبديل: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، جعلها الله شاهدة على سائر الأمم؛ لأنها أفضل الأمم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].
يخبرنا تعالى باختيار أمتنا واصطفائها وتفضيلها على غيرها في الوقت الذي يخبر فيه أن أهل الكتاب في ضعف وذلة واستكانة وتفرُّق واختلاف؛ بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) [آل عمران:112].
وقد نُهيت أمة الإسلام أن تتشبه بأعدائها، ومن ذلك التفرق والاختلاف، وتضييع أمر الله، ونبذ الكتاب المنزل منه سبحانه وتعالى، نهينا عن الجزع عند المصائب والنكبات وأمرنا بالصبر والثبات ودوام التضرع والدعاء.
أيها المسلمون: الواقع اليوم مؤلم محزن يحتاج إلى معرفة السبب، والعمل على إصلاح الحال، ما حال أكثر المسلمين اليوم تجاه ما أمر الله تعالى به هل حققوا أخوة الإيمان بينهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، ما حالهم تجاه الأوامر والنواهي الشرعية، هل حققنا التوحيد الخالص لله؟ هل أقمنا الصلاة كما أراد الله؟ هل انتهينا عن الربا الذي هو محاربة لله؟ هل أخرجنا الزكاة لمستحقيها؟ هل أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر؟ هل وهل.. مما لا يخفى على الجميع ما فرطت فيه أمة الإسلام اليوم!
لقد ضيَّع كثيرٌ من المسلمين دين الله، فوكلهم الله إلى أنفسهم، وركنوا إلى هيئات الذين كفروا ومنظماتهم، ولم يركنوا إلى القوة التي لا تُغلب، إلى القوي العزيز جل شأنه، فوكلهم الله إلى من ركنوا إليهم فظلموهم وأهانوهم (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحج: 18].
فهل من عودة صادقة لكتاب الله ودينه القويم؟ هل من محاسبة دقيقة لأنفسنا ليغير الله ما بنا من تفرق وهزيمة وضعف وذل (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
عودا إلى الله أيها المسلمون، تضرعوا إليه واستكينوا تفلحوا، فقد قال -عز وجل- (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون:76].
اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألك أن تلطف بإخواننا المسلمين في بلاد الشام وفي حلب خصوصا، اللهم الطف بهم وانتصر لهم ممن ظلمهم وأنت القوي العزيز.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، وأوصوا بالتقوى كل أحد.
إن التباكي على وضع الأمة أو قل المآسي لا يقدم شيئًا، والأمة الراشدة هي التي تستفيد من دروس الهزيمة كما تستفيد من دروس النصر والأمة الواعية هي التي تجعل من أيام البلاء فرصة للتفكير في المخرج، ولا تلقي باللائمة على العدو فحسب.
إنها فرصة لأمة الإسلام عمومًا لمحاسبة النفس، والتوبة الصادقة، والتضرع؛ ففي ظل الفساد المستشري والضعف والظلم يتذكر من أراد الله بهم خيرًا قول الله -عز وجل- (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة:126].
وأما الطغاة والمفسدون في الأرض فهم على سبيل من سبقهم من الهالكين (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196- 197].
وأما أنتم معاشر أهل الإسلام فحق إخوانكم عليكم هو الدعاء؛ فالدعاء سلاح عظيم ولاسيما إذا كان من مؤمن صادق يتضرع إلى ربه يأكل الحلال ويدعو دعاء المتضرع المخلص، قال -عز وجل-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62].
ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية عن وهب بن منبه قال: "قرأت في الكتاب الأول بعزتي أنه ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السموات بمن فيها والأرض بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجًا، وما عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأسخت الهوى من تحت قدميه".
فالله -جل جلاله- يكفي عبده، ويجيب دعاءه ويسمع شكواه ويقوي ضعفه ويشفيه من مرضه ويكيفه من أراده بسوء (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
فعليكم عباد الله بالدعاء لأنفسكم وإخوانكم وعليكم بالدعاء على أعدائكم المفسدين، ففي مسند الإمام عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وقال: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء".
ولا تستعجلوا وتستبطئوا الإجابة؛ فإن مثل ذلك كمثل من يضع بذرًا في الأرض أو يغرس غرسًا يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كمال هذا الزرع أو الغرس تركه وأهمله.
وحسِّنوا الظن بالله -عز وجل-، واطلبوا منه الخير واعبدوه وتضرعوا إليه، جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا".
اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا سميع الدعاء يا ناصر المستضعفين، ويا غوث المستغيثين، ويا ناصر المنتصرين؛ انصر إخواننا أهل السنة على أعداء الملة، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم