للبيت رب يحميه

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ عظم خطر الرافضة واغترار بعض المسلمين بهم 2/ دلائل عداء الرافضة على البيت الحرام 3/ الثقة بحفظ الله للكعبة والبيت الحرام وبمكر الله بالمعتدين 4/ الحروب الرافضية ليست موجهة إلى بلدان وإنما لأهل السنة 5/ أعذارهم الواهية والكاذبة وعدم قبولها

اقتباس

فَلْنَطمَئِنَّ وَلْتَسكُنْ نُفُوسُنَا وَلْتَهدَأْ قُلُوبُنَا، فَمَا زَالَ لِلبَيتِ رَبٌّ يَحمِيهِ، وَإِذَا كَانَ عَبدُالمُطَّلِبِ وَقَومُهُ وَهُم عَلَى الشِّركِ قَد وَثِقُوا بِأَنَّ العَذَابَ حَالٌّ بِأَبرَهَةَ وَجُنُودِهِ وَلا بُدَّ، فَإِنَّنَا نَحنُ المُسلِمِينَ أَولَى بِأَن نَثِقَ بِاللهِ رَبِّنَا، وَأَنَّ طُغيَانَ هَؤُلاءِ البَاطِنِيَّةِ وَتَجَاوُزَهُم وَاعتِدَاءَهُم عَلَى الحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرَ وَالمُقُدَّسَاتِ، إِنَّمَا هُوَ ..

 

 

الخطبة الأولى:

 

أَمَّا بَعدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا) [الطلاق:2] (وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بما يَعمَلُونَ مُحِيطٌ) [آلعمران:120].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِمَّا يُؤسَفُ لَهُ وَيُؤلِمُ قَلبَ كُلِّ مُؤمِنٍ أَنَّهُا مَرَّت سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ بِأَهلِ السُّنَّةِ، وَفِيهِم مَن لم يَزَلْ يُصَوِّرُ الخِلافَ مَعَ الرَّافِضَةِ عَلَى أَنَّهُ خِلافٌ سِيَاسِيٌّ مُتَأَصِّلٌ مُنذُ قِيَامِ الدَّولَةِ الأُمَوِيَّةِ فَحَسبُ، أَو أَنَّهُ خِلافٌ فِقهِيٌّ في الفُرُوعِ دُونَ الأُصُولِ، أَو أَنَّهُ تَنَازُعٌ عَلَى قَضَايَا اقتِصَادِيَّةٍ خَالِصَةٍ، أَو عِرَاكٌ بَينَ حُكُومَاتٍ؛ لِبَسطِ النُّفُوذِ عَلَى أَمَاكِنَ بِعَينِهَا.

 

وَيَشُبُّ الرَّافِضَةُ الأَنجَاسُ حُرُوبًا مُتَوَالِيَةً في العِرَاقِ وَالشَّامِ وَاليَمَنِ، تُطحَنُ تَحتَ رَحَاهَا مُدُنٌ بِأَكمَلِهَا، وَتُهدَمُ مِئَاتُ المَنَازِلِ عَلَى أَهلِهَا، وَمَعَ هَذَا يَظَلُّ المُغَرَّرُ بِهِم مِن بَني جِلدَتِنَا في شَكٍّ مِن عَدَاوَةِ أُولَئِكَ البَاطِنِيِّينَ لِلإِسلامِ وَحِقدِهِم عَلَى أَهلِهِ، وَيَستَمِرُّونَ يَذُبُّونَ عَنهُم وَيَبسُطُونَ أَيدِيَهُم لِلحَوَارِ مَعَهُم، وَقَد يَزُورُونَهُم في بُيُوتِهِم وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيهِم بِغَضِّ الطَّرفِ عَن قَضَايَا الخِلافِ العَقَدِيِّ مَعَهُم، وَتَنَاسِي مَا يَقعَونَ فِيهِ مِن بِدَعٍ مُكَفِّرَةٍ وَسَبٍّ لِلصَّحَابَةِ وَتَكفِيرٍ لَهُم، أَو تَخوِينٍ لأُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ وَطَعنٍ في عِرضِ رَسُولِ اللهِ.

 

وَأَمَّا النَّاصِحُونَ -وَهُم قَلِيلُونَ- فَلَم يَزَالُوا مُنذُ قُرُونٍ يُحَذِّرُونَ، وَيَصِيحُونَ بِأَعلَى أَصوَاتِهِم مُنذِرِينَ، بَل تَزَايَدَ تَحذِيرُهُم مُنذُ سَنَوَاتٍ مِن مُخَطَّطٍ رَافِضِيٍّ خَبِيثٍ، بَدَت مَعَالِمُهُ تَتَّضِحُ عَلَى الوَاقِعِ بِلا غَبَشٍ، حَيثُ تُهَدَّدُ مُقَدَّسَاتُ المُسلِمِينَ وَيُستَهدَفُونَ في دِينِهمِ وَعَقِيدَتِهِم، وَتُحَقَّقُ أَطمَاعٌ مَجُوسِيَّةٌ وَيَزدَادُ ظُهُورُ الحِقدِ الرَّافِضِيِّ، وَيَبرُزُ تَوَافُقُ المَجُوسِ مَعَ القُوَى العَالَمِيَّةِ الكَافِرَةِ عَلَى حَربِ أَهلِ السُّنَّةِ.

 

أَمَّا وَقَد حَصَلَ مَا حَصَلَ في الأُسبُوعِ المَاضِي مِنِ استِهدَافِ مَكَّةَ المُشَرَّفَةِ وَالبَيتِ الحَرَامِ، بِصَارُوخٍ أَطلَقَهُ الحُوثِيُّونَ الرَّافِضَةُ مِن أَرضِ اليَمَنِ قَاصِدِينَ قِبلَةَ المُسلِمِينَ وَمَشَاعِرَهُمُ المُقَدَّسَةَ؛ فَإِنَّهُ لم يَبقَ عُذرٌ لِمَن بَاتَ يَشُكُّ في عَدَاوَةِ الرَّافِضَةِ لِلمُسلِمِينَ، أَو يَرتَابُ في مُنَابَذَتِهِم لِلمُؤمِنِينَ، أَو يَتَعَامى عَن تَعمُّدِهِم أَهلَ السُّنَّةِ وَتَرَبُّصِهِم الدَّوَائِرَ بِهِم. وَلَو كَانُوا مُسلِمِينَ حَقًّا وَصِدقًا، لَمَا تَجَرَّؤُوا عَلَى مُجَرَّدِ الهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ في البَيتِ الحَرَامِ، فَضلاً عَن قَصدِهِ بِهَذَا الفِعلِ الفَظِيعِ الشَّنِيعِ، كَيفَ وَقَد قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلمٍ نُذِقْهُ مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25]؟! نَعَم، مَن يُرِيدُ وَلَيسَ مَن يَفعَلُ، مَن يَهُمُّ وَلَيسَ مَن يُنَفِّذُ، يُذِيقُهُ اللهُ مِنَ العَذَابِ الأَلِيمِ.

 

وَهَذَا الهَمُّ وَتِلكَ الإِرَادَةُ الَّتي يُعَذِّبُ اللهُ عَلَيهَا، تَشمَلُ مَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ في البَيتِ الحَرَامِ، صَغِيرَةً كَانَت أَو كَبِيرَةً، حَقِيرَةً كَانَت أَو عَظِيمَةً، مَعصِيَةً كَانَت أَو كُفرًا، لا يَهُمُّ أَحَدٌ في البَيتِ الحَرَامِ بِسُوءٍ مَهمَا كَانَ وَلا يُرِيدُ شَرًّا، إِلاَّ عَذَّبَهُ اللهُ وَإِن لَم يَفعَلْهُ؛ فَكَيفَ بِمَن تَجَرَّأَ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ وَاستَخَفَّ بِبَيتِهِ الحَرَامِ.

 

وَمَا زَالَ مُنذُ عُقُودٍ وَسَنَوَاتٍ، في مُحَاوَلاتٍ مُتَكَرِّرَةٍ لإِيذَاءِ عِبَادِ اللهِ وَصَرفِ ضُيُوفِ الرَّحمَنِ عَن بَيتِ اللهِ، يُنَظِّمُ المَسِيرَاتِ وَالمُظَاهَرَاتِ، وَيَرفَعُ صَوتَهُ بِالشِّركِيَّاتِ وَالكُفرِيَّاتِ، وَيُحَاوِلُ نَقلَ المُتَفَجِّرَاتِ، حَتَّى بَلَغَت بِهِ الجُرأَةُ إِلى إِرسَالِ صَارُوخٍ مُدَمَّرٍ عَلَى مَكَّةَ؟! أَيَّ قُلُوبٍ يَحمِلُ هَؤُلاءِ الرَّافِضَةُ الأَنجَاسِ؟! وَأَيَّ نُفُوسٍ تَنطَوِي عَلَيهَا أَضلُعُهُم؟! وَأَيُّ صُدُورٍ خَاوِيَةٍ مِنَ الإِيمَانِ هَذِهِ الصُّدُورُ المُمتَلِئَةُ حِقدًا وَحَسَدًا؟!

 

إِنَّ مَن كَانَ في قَلبِهِ ذَرَّةٌ مِن إِيمَانٍ أَو قَدرٌ وَلَو يَسِيرٌ مِن خَوفٍ مِن رَبِّهِ وَتَعظِيمٍ لِشَعَائِرِهِ، إِنَّهُ لا يَرضى أَن تُوَجَّهَ إِلى قِبلَةِ المُسلِمِينَ وَمَهوَى أَفئِدَتِهِم رَصَاصَةٌ وَاحِدَةٌ، بَل لا يَرضَى أَن تَمَسَّ أَهلَ البَيتِ الحَرَامِ شَوكَةٌ وَهُم في بُيُوتِهِم، فَضلاً عَن أَن يُطلِقَ عَلَيهِم صَارُوخًا مُدَمِّرًا، يَهدِمُ وَيَقتُلُ وَيُخَرِّبُ وَيُؤذِي!!!

 

وَوَاللهِ لَو كَانَ هَؤُلاءِ المُشرِكُونَ الأَنجَاسُ الأَرجَاسُ يَقرَؤُونَ كِتَابَ اللهِ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيُوقِنُونَ بما جَاءَ فِيهِ لَمَا تَجَرَّؤُوا عَلَى إِرسَالِ صَارُوخٍ إِلى الجِهَةِ الَّتي فِيهَا الكَعبَةُ وَالبَيتُ الحَرَامُ وَالمَشَاعِرُ المُقَدَّسَةُ، نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- لَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِكِتَابِنَا وَقُرآنِنَا وَكَلامِ رَبِّنَا، لآمَنُوا بِسَورَةٍ كَامِلَةٍ تُتلَى إِلى أَن يَرفَعَ اللهُ كَلامَهُ مِنَ الصُّدُورِ وَالسُّطُورِ، اختُصِرَ فِيهَا جَزَاءُ مَن هَمَّ أَن يَنَالَ مِنَ البَيتِ أَوِ اقتَرَبَ مِن حِمَاهُ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحَابِ الفِيلِ * أَلَم يَجعَلْ كَيدَهُم في تَضلِيلٍ * وَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيرًا أَبَابِيلَ * تَرمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكُولٍ) [سورة الفيل]

 

لَقَد كَانَ كُفَّارُ مَكَّةَ وَمُشرِكُو العَرَبِ في الجَاهِلِيَّةِ وَهُم يَعبُدُونَ الأَصنَامَ وَيَسجُدُونَ لِلأَوثَانِ، كَانُوا وَبِمَا بَقِيَ لَدَيهِم مِن دِينِ إِبرَاهِيمَ يَعرِفُونَ عَظمَةَ الحَرَمِ وَيَحفَظُونَ لَهُ قُدسِيَّتَهُ، وَكَم نَعجَبُ كُلَّمَا قَرَأَنَا أَو سَمِعَنَا بِمَوقِفِ شَيخِ قُرَيشٍ في وَقتِهِ وَسَيِّدِ أَهلِ مَكَّةَ في زَمَانِهِ، لَمَّا أَقبَلَ أَبرَهَةُ مِنَ اليَمَنِ بِجَيشِهِ وَاستَاقَ جُنُودُهُ أَنعَامَ أَهلِ مَكَّةَ وَإِبِلَهُم، فَأَقبَلَ عَبدُالمُطَّلِبِ بنُ هَاشِمٍ عَلَى أَبرَهَةَ وَسَأَلَهُ أَن يَرُدَّ إِبِلَهُ عَلَيهِ، فَاحتَقَرَهُ أَبرَهَةُ لِذَلِكَ، لَكِنَّ ذَلِكَ الشَّيخَ بما بَقِيَ مَعَهُ مِن تَعظِيمٍ لِلبَيتِ وَمَعرِفَةٍ بِمَكَانَتِهِ عِندَ مَن جَعَلَهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمنًا، قَالَ لَهُ: أَنَا رَبُّ الإِبِلِ -أَيْ صَاحِبُهَا- وَلِلبَيتِ رَبٌّ يَحمِيهِ!!! فَيَا لَهَؤُلاءِ الرَّافِضَةِ البَاطِنِيَّةِ مَا أَشَدَّ كُفرَهُم وَإِلحَادَهُم!!

 

فَلْنَطمَئِنَّ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْتَسكُنْ نُفُوسُنَا وَلْتَهدَأْ قُلُوبُنَا؛ فَمَا زَالَ لِلبَيتِ رَبٌّ يَحمِيهِ، وَإِذَا كَانَ عَبدُالمُطَّلِبِ وَقَومُهُ -وَهُم عَلَى الشِّركِ- قَد وَثِقُوا بِأَنَّ العَذَابَ حَالٌّ بِأَبرَهَةَ وَجُنُودِهِ وَلا بُدَّ، فَإِنَّنَا نَحنُ المُسلِمِينَ أَولَى بِأَن نَثِقَ بِاللهِ رَبِّنَا، وَأَنَّ طُغيَانَ هَؤُلاءِ البَاطِنِيَّةِ وَتَجَاوُزَهُم وَاعتِدَاءَهُم عَلَى الحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرَ وَالمُقُدَّسَاتِ، إِنَّمَا هُوَ بِدَايَةُ نِهَايَتِهِم بِإِذنِ اللهِ، رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَبغَضُ النَّاسِ إِلى اللهِ ثَلاثَةٌ: مُلحِدٌ في الحَرَمِ، وَمُبتَغٍ في الإِسلامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبٌ دَمَ امرِئٍ بِغَيرِ حَقٍّ لِيُهرِيقَ دَمَهُ".

 

فَعَلَينَا -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- مَعَ تَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- في أَنفُسِنَا، أَن نُكثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ إلى اللهِ الَّذِي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ أَن يَنصُرَ جُنُودَ السُّنَّةِ وَعَصَائِبَ الإِيمَانِ، وَأَن يَخذُلَ شَرَاذِمَ الظُّلمِ وَالعُدوَانِ وَالطُّغيَانِ، فَالنَّصرُ بِيَدِهِ وَحدَهُ، وَمَا السِّلاحُ وَالعُدَدُ وَالعَتَادُ إِلاَّ أَسبَابٌ تُبذَلُ.

 

وَعَلَينَا أَن نَتَذَكَّرَ دَائِمًا أَنَّ هَذِهِ الحُرُوبَ الحُوثِيَّةَ في اليَمَنِ، أَوِ الإِيرَانِيَّةَ في العِرَاقِ، أَوِ النُّصَيرِيَّةَ في الشَّامِ، لَيسَت ضِدَّ أَهلِ تِلكَ البُلدَانِ وَحدَهُم، وَلَكِنَّهَا مُوَجَّهَةٌ لأَهلِ السُّنَّةِ في كُلِّ مَكَانٍ، وَلأَهلِ هَذِهِ البِلادِ بِالذَّاتِ وَعَلَى وَجهٍ خَاصٍّ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ وَالتَّقَرُّبَ إِلى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَا سُلِّطَ عَلَينَا هَؤُلاءِ المُجرِمُونَ إِلاَّ بِذَنبٍ مِنَّا، وَلا -وَاللهِ- لَن نَنتَصِرَ عَلَيهِم إِلاَّ بِتَقوِيَةِ العِلاقَةِ بِاللهِ القَائِلِ -سُبحَانَهُ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم * ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم * أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَولَى لَهُم) [محمد:7-11] وَالقَائِلِ -جَلَّ وَعَلا-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج:40-41]

 

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ مَهمَا حَاوَلَ هَؤُلاءِ الحُوثِيُّونَ الأَنجَاسُ أَن يَنفُوا عَن أَنفُسِهِم تَعَمُّدَهُم لِمَكَّةَ بِذَاكَ الصَّارُوخِ الذي أَطلَقُوهُ، أَو يَدَّعُوا أَنَّهُم إِنَّمَا قَصَدُوا بِهِ جِهَةً أُخرَى، فَإِنَّهُم كَاذِبُونَ غَيرُ صَادِقِينَ، فَهُم في الحَقِيقَةِ لا يَحمِلُونَ لِلحَرَمَينِ أَيَّ تَقدِيرٍ في قُلُوبِهِم، وَلَيسَ لَهُمَا أَيُّ إِجلالٍ في نُفُوسِهِم، وَهَذِهِ كُتُبُهُم وَتِلكَ مَرَاجِعُهُم، تَنضَحُ بِادِّعَائِهِم أَنَّ أَرضَ كَربَلاءَ أَفضَلُ مِن مَكَّةَ، وَأَنَّ أَرضَ الكَعبَةِ بِالنِّسبَةِ لِكَربَلاءِ لَيسَت إِلاَّ بِمَنزِلَةِ الإِبرَةِ غُرِسَت في البَحرِ فَحَمَلَت مِن مَاءِ البَحرِ، وَأَنَّهُ لَولا تُربَةُ كَربَلاءَ مَا فَضَّلَ اللهُ الكَعبَةَ، وَلَولا مَا تَضَمَّنَتهُ أَرضُ كَربَلاءَ، مَا خَلَقَ اللهُ الكَعبَةَ وَلا خَلَقَ البَيتَ الَّذِي بِهِ افتَخَرَت، وَأَنَّ زِيَارَةَ قَبرِ الحُسَينِ تَعدِلُ عِشرِينَ حَجَّةً، وَأَفضَلُ مِن عِشرِينَ عُمرَةً وَحَجَّةً.

 

وَالتَّأرِيخُ يَشهَدُ بِجَرَائِمِ الرَّافِضَةِ في البَيتِ الحَرَامِ مِن لَدُنِ القَرَامِطَةِ الأَنجَاسِ الَّذِينَ قَتَلُوا الحُجَّاجِ في القَرنِ الرَّابِعِ وَرَمَوا جُثَثَهُم في بِئرِ زَمزَمَ، وَاقتَلَعُوا الحَجَرَ الأَسوَدَ وَأَخَذُوهُ مَعَهُم أَكثَرَ مِن عِشرِينَ عَامًا، إِلى جَرَائِمِهِم خِلالَ العُقُودِ الثَّلاثَةِ المَاضِيَةِ؛ مِن تَهرِيبِ المُتَفَجِّرَاتِ وَالدُّخُولِ بها إِلى البِلادِ المُقَدَّسَةِ، وَطَعنِ الحُجَّاجِ وَقَتلِ الجُنُودِ، وَالتَّمثِيلِ بِالجُثَثِ وَتَعلِيقِهَا في أَعمِدَةِ الإِنَارَةِ بِاسمِ التَّندِيدِ بِأَمرِيكَا، وَالتَّفجِيرِ قُربَ الحَرَمِ وَقَتلِ أَعدَادٍ مِنَ الحُجَّاجِ، وَالتَّفجِيرِ في نَفَقٍ في مِنى، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ المَسِيرَاتِ وَالمُظَاهَرَاتِ الَّتي لم يَخلُ مِنهَا مَوسِمٌ مِن مَوَاسِمِ الحَجِّ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلْنَحَذَرْ مِن أَعدَائِنَا مِنَ الكَفَرَةِ وَالمُشرِكِينَ وَالبَاطِنِيِّينَ وَالمُنَافِقِينَ، وَلْنَكُنْ صَفًّا وَاحِدًا مَعَ وُلاتِنَا وَعُلَمَائِنَا وَرِجَالِ أَمنِنَا، وَلْنَحذَرْ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالتَّنَازُعِ، فَقَد قَالَ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:45-46]

 

 

 

المرفقات

رب يحميه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات