لقمان الحكيم ووصاياه التربوية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-06-11 - 1442/11/01 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/التربية على العقيدة الصحيحة 2/التربية على بر الوالدين 3/التربية على مراقبة الله 4/التربية على إقامة الصلاة 5/التربية على الاتصاف بالأخلاق الحسنة وترك الأخلاق السيئة.

اقتباس

إِذَا رُبِّيَ الْإِنْسَانُ عَلَى سَلَامَةِ الْمُعْتَقَدِ، وَصِحَّةِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى جَانِبٌ مُهِمٌّ مِنْ جَوَانِبِ صَلَاحِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، هَذَا الْجَانِبُ هُوَ: التَّحَلِّي بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَالتَّخَلِّي عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ، وَهُوَ وَاسِعٌ جِدًّا...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: التَّرْبِيَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَظِيفَةٌ جَلِيلَةٌ يُبْنَى عَلَيْهَا صَلَاحُ الْجِيلِ، وَاسْتِقَامَةُ سُلُوكِهِ، وَمِنْ خِلَالِهَا تَنْشَأُ الْأَجْيَالُ مُكَوِّنِينَ لَبِنَاتٍ صَالِحَةً، يَقُومُ عَلَيْهَا بِنَاؤُهُ الشَّامِخُ، وَسُمُوُّهُ الْبَاذِخُ؛ وَلِهَذِهِ التَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَسَائِلُ تُوَصِّلُ إِلَى غَايَتِهَا الْمَنْشُودَةِ، فَمِنْ تِلْكَ الْوَسَائِلِ: التَّرْبِيَةُ بِالْقِصَّةِ؛ فَفِيهَا تَأْثِيرٌ قَوِيٌّ عَلَى النُّفُوسِ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مَلِيءٌ بِالْقِصَصِ الْفَرِيدَةِ الَّتِي تُرَبِّي عَلَى الْفَضَائِلِ، وَتُبْعِدُ عَنِ الرَّذَائِلِ:

قِصَّةُ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ؛ فَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى وَصَايَا تَرْبَوِيَّةٍ نَافِعَةٍ لِلْمُرَبِّينَ وَالْمُرَبِّيَاتِ، وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ فَمَا أَحْوَجَ آبَاءَ الْيَوْمِ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَ لُقْمَانِ الْأَمْسِ، وَاعِظِينَ نَاصِحِينَ مُرْشِدِينَ، وَمَا أَحْوَجَ أَبْنَاءَ الْجِيلِ أَنْ يَكُونُوا مُسْتَمِعِينَ عَامِلِينَ مُطِيعِينَ كَابْنِ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ آتَى اللَّهُ -تَعَالَى- لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ؛ وَهِيَ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ فَكَانَ مِنْ نَتَائِجِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ: هَذِهِ الْوَصَايَا التَّرْبَوِيَّةُ الْمُهِمَّةُ، وَلَقَدِ ابْتَدَأَهَا بِالتَّرْبِيَةِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَضَائِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُرَسَّخَ فِي النَّفْسِ إِلَّا عَلَى قَاعِدَةِ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ؛ "وَالتَّرْبِيَةُ الْحَقَّةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي تَدْرِيبِ الطِّفْلِ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَإِرْشَادِهِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتَعْلِيمِهِ الْأَخْلَاقَ الطَّيِّبَةَ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَعَدَمِ الشِّرْكِ بِهِ -تَعَالَى-"؛ وَلِهَذَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ؛ (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لُقْمَانَ: 13].

 

وَتَأَمَّلُوا -رَعَاكُمُ اللَّهُ- هَذَا الْأُسْلُوبَ التَّرْبَوِيَّ الْبَدِيعَ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ؛ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ مَعَهُ نِدَاءَ "يَا بُنَيَّ"، الْمَكْسُوَّ بِدِفْءِ الْأُبُوَّةِ، الْمُطَيَّبَ بِنَدَاوَةِ الرَّحْمَةِ؛ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا تَوْجِيهًا عَظِيمًا لِلْآبَاءِ عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمْ عَلَى لُزُومِ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الشِّرْكِ بِهِ؛ فَهَذَا الْأَمْرُ هُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْعِبَادِ، وَأَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ أَقْوَامَهُمْ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النَّحْلِ: 36].

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ: وَيَسْتَمِرُّ لُقْمَانُ فِي تَوْجِيهِ وَلَدِهِ عَلَى الْفَضَائِلِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَى الْحَثِّ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ؛ إِذْ حَقُّهُمَا بَعْدَ حَقِّ اللَّهِ -تَعَالَى-، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الْإِسْرَاءِ: 23]؛ فَمَنْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ بِتَوْحِيدِهِ، وَحَقَّ وَالِدَيْهِ بِبِرِّهِ فَحَرِيٌّ أَنْ يُؤَدِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةَ الْحُقُوقِ.

 

وَلَا شَكَّ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- أَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ عَظِيمٌ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى أَدَائِهِ؛ لِمَا قَامَا بِهِ مِنَ الْكِفَايَةِ وَالرِّعَايَةِ مَا لَمْ يُقَدِّمْهُ أَحَدٌ، أَفَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْإِحْسَانُ أَنْ يُقَابَلَ بِالْعُقُوقِ بَدَلَ الْبِرِّ، وَبِالنِّسْيَانِ بَدَلَ الذِّكْرِ؟ فَلِذَلِكَ قَالَ -تَعَالَى- فِي قِصَّةِ لُقْمَانَ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[لُقْمَانَ: 14-15].

 

وَانْظُرُوا -مَعْشَرَ الْكِرَامِ- فِي الْآيَةِ الْأُولَى كَيْفَ صَرَّحَ بِبَعْضِ مَا قَدَّمَتْهُ الْأُمُّ لِوَلَدِهَا؛ وَهُوَ الْحَمْلُ وَالْفِطَامُ؛ لِكَيْ يَعْطِفَ قُلُوبَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ إِلَى الْأُمَّهَاتِ لِمَزِيدِ مَا قَدَّمْنَ لَهُمْ، وَلِكَوْنِهِنَّ ضَعِيفَاتٍ؛ فَهُنَّ أَحْرَى بِعِظَمِ الْبِرِّ وَالرَّحْمَةِ، وَهَذِهِ لَفْتَةٌ تَرْبَوِيَّةٌ مُهِمَّةٌ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأُمِّ حَقًّا مُضَاعَفًا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي أَرَادَ أَنْ يَغْرِسَهَا لُقْمَانُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي نَفْسِ وَلَدِهِ فَهِيَ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ -تَعَالَى- بِإِرْشَادِهِ إِلَى سِعَةِ عِلْمِ اللَّهِ وَإِحَاطَتِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ الِابْنُ الْعَاصِي عَنْ عِلْمِ اللَّهِ؟ وَهَذَا الشُّعُورُ الْإِيمَانِيُّ وَالدَّرْسُ التَّرْبَوِيُّ يَغْرِسُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَهُوَ الْقَائِلُ -جَلَّ وَعَلَا-: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْمُلْكِ: 14]، حَتَّى يَغْدُوَ هَذَا الشُّعُورُ حَاجِزًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَصَّى لُقْمَانُ ابْنَهُ فَقَالَ: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لُقْمَانَ: 16].

 

فَيَا أَيُّهَا الْأَوْلَادُ: رَاقِبُوا اللَّهَ قَبْلَ أَنْ تُرَاقِبُوا غَيْرَهُ، فَهُوَ الرَّقِيبُ عَلَيْكُمْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ.

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ: ** خَلَوْتُ، وَلَكِنْ قُلْ: عَلَيَّ رَقِيبُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ طَرْفَةً ** وَلَا أَنْ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا خَيْرَ الْأُمَمِ، وَأَسْبَلَ عَلَيْنَا وَافِرَ النِّعَمِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ كَافَّةً؛ الْعَرَبِ مِنْهُمْ وَالْعَجَمِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَيُتَابِعُ لُقْمَانُ وَصَايَاهُ الْقَيِّمَةَ لِابْنِهِ فَيَأْمُرُهُ بِعِبَادَةٍ عَظِيمَةٍ اتَّفَقَتْ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي كَيْفِيَّتِهَا؛ فَقَالَ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)[لُقْمَانَ: 17].

 

وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ صَلُحَ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ، هَذِهِ الْعِبَادَةُ -يَا أَيُّهَا الْأَبْنَاءُ- الَّتِي قَالَ فِيهَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَهَكَذَا حَثَّ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَحُثَّ الْوَالِدَانِ الْأَوْلَادَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيُتَابِعَا ذَلِكَ مَعَهُمْ، وَيُحَبِّبَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ إِلَى نُفُوسِهِمْ، وَيَجْعَلَا مِنْهَا قُرَّةَ عُيُونِهِمْ، وَرَاحَةَ نُفُوسِهِمْ، فَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِذَا رُبِّيَ الْإِنْسَانُ عَلَى سَلَامَةِ الْمُعْتَقَدِ، وَصِحَّةِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى جَانِبٌ مُهِمٌّ مِنْ جَوَانِبِ صَلَاحِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، هَذَا الْجَانِبُ هُوَ: التَّحَلِّي بِالْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ، وَالتَّخَلِّي عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ، وَهُوَ وَاسِعٌ جِدًّا، غَيْرَ أَنَّ لُقْمَانَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَدْ أَلَمَّ بِبَعْضِ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ؛ فَقَدْ أَمَرَ ابْنَهُ بِلُزُومِ خُلُقِ الصَّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَأَعْمَالِهِمْ جَرَّاءَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَنَهَاهُ عَنِ احْتِقَارِ النَّاسِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ دَعْوَةٌ إِلَى التَّوَاضُعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الْحِجْرِ: 88].

 

ثُمَّ أَمَرَهُ بِخَفْضِ صَوْتِهِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مُخَالِفٌ لِآدَابِ الْإِسْلَامِ وَقِيَمِهِ وَأَخْلَاقِهِ؛ (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لُقْمَانَ: 17-19].

 

فَيَنْبَغِي -يَا عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ تَكُونَ وَصَايَا لُقْمَانَ الْحَكِيمِ لِابْنِهِ هِيَ وَصَايَا كُلِّ أَبٍ غَيُورٍ عَلَى أَبْنَائِهِ؛ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَتَمَثَّلَ الْأَبْنَاءُ هَذِهِ الْوَصَايَا الْمُبَارَكَةَ؛ فَيَنَالَ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ بِذَلِكَ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالسَّلَامَةَ فِي الْآخِرَةِ؛ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التَّحْرِيمِ: 6].

 

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

لقمان الحكيم ووصاياه التربوية.doc

لقمان الحكيم ووصاياه التربوية.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
26-05-2023

بارك الله فيكم