لعلهم يتضرعون

سلمان بن يحيى المالكي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ بعض صفات الله وأفعاله 2/ نظرية الخلقة الانفجارية وحكم القائلين بها 3/ التأمل في أفعال العباد وأفعال الله في خلقه 4/ بعض آيات الله الدالة على عظيم خلقته وكمال عظمته 5/ بعض فوائد التأمل والتدبر في صفات الله وأفعاله

اقتباس

الجبالُ من نصبها؟ الأرضُ من سطحا! الطبيب من أرْداه؟ وقد كان يرجو شفاه؟ المريض وقد يُئس منه من عافاه؟ والصحيح من بالمنايا رماه؟ البصير من بالحفرةْ أهْواه؟ والأعمى في الزُحام من يقود خُطاه؟ الجنين في ظلماتٍ ثلاثٍ من يرعاه؟ والوليدُ من أبكاه؟ والثعبانُ من...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، أحق من ذكر، وأحق من شكر، وأحق من حمد، وأحق من عبد، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استُرْحِم، وأكرم من قُصد، أرحم من الوالدة بولدها، يفرح بتوبة عبده أشد فرحا من الفاقد لراحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة، هو الملك لا شريك له، والفرد لا ند له، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يُطاع فيَشْكُر، ويُعصى فيغفِر، أقربُ شهيد، وأدنى حفيظ، قائمٌ بالقسط، أخذ بالنواصي، وكتب الآثار، القلوبُ له مفضية، والسرُ عنده علانية، والغيبُ لديه مكشوف، وكلُ أحد إليه ملهوف، لا يحيطون به علما، أشرقت لنورِ وجهه السمواتِ والأرض، وصَلَحت عليه جميع المخلوقات، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

 

له الأسماء الحسنى، والصفات العلى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29] يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، يعطي قوما، ويمنع آخرين، يُذل ويعز، يحي ويميت، يَرفع ويخفِض، لا يُشغله شأنٌ عن شأن، ولا تُغرقه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا طولُ مسألةِ السائلين، تدابيره وتقاديره من حكمته، هو القائل: "يا عبادي لن تبلغوا ضُري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقصُ المِخيطُ إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

 

لا يُسأل عما يَفعلُ وهم يُسألون، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، أفعاله سائرةٌ بين الفضل والعدل، فما من تقديرٍ في هذه الحياة إلا داخل تحت فضله وعدله، رحمته سبقت غضبه، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، يعطي على الحسنةِ عشرَ أمثالها، ويعطي على السيئةِ سيئةٍ مثلها، أفعاله سبحانه صادرةٌ عن حكمته، وهذه المسألةُ العظيمةُ لا يفهما كثير من الشرق والغرب، فتراهم في كتاباتهم وفي تصرفاتهم وفي أفلامهم ينتقدون أفعال الله -تعالى-، نضحت أوراقهم بالكفر، وفاضت أقلامُهم بالاعتراض على أفعال الله، ونحن المؤمنين يجب علينا أن نتفقه في أفعاله تعالى، وأن نوقنَ أنه يفعل ما يشاء، وأن ما يفعله لحكمةٍ يريدها سبحانه، فليس في أفعاله عبث: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم) [المؤمنون: 115 - 116]، فلله الحكمة البالغة: (فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام: 149].

 

وهذه النظرياتُ الكفريةُ الإلحاديةُ التي توجد لدى الغرب وكثيرٍ من الشرق؛ كنظرية الخلقةِ الانفجارية، وأن الطبيعةَ أوجدت نفسها، ومنهم من يجزم ألا خالق البتة، أو أنه موجودٌ ولا دليل عليه، وقد قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص: 27] لا حظ -يا مسلم يا عبد الله-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ما الفرق بين عجوز من عجائز المسلمين وبين مخترع صانعٍ من العقول المبتكرة عند أولئك القوم؟

 

إن الفرق أكبر من الأمية هنا، ومن الاختراع هناك، إن الفرق يكمن في أن هذه تؤمن بالله الذي لا إله إلا هو، وترفع يديها في شكايتها، وأولئك لا يعرفون لهم ربا، بل يتندرون به ويهزؤون ويسخرون كما رؤي وسمع ذلك كثيرا في مقالاتهم وصحفهم وكلامهم وقنواتهم، وصدق الله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 16 - 18] أفعاله سبحانه تابعة لحكمته، ومقصودةٌ لغايتها الحميدة، وقد تبدو لنا الحكمةُ من وراء أفعاله وقد لا تبدو، ولهذا كان العلماءُ أخشى الخلق لله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]؛ لأنهم يرون من حكمته في خلقه وشرعه ما لا يراه عامةُ الناس، وكلما تدرج الإنسان في العلم وترقى في العبودية لله -تعالى- كلما ازداد إيمانه، وكثيرٌ من الناس اليوم يصنعون أشياء عبثا، ولو سألته لم تصنع هذا؟ قال لك: أريد أن أدخل كتاب كينيس للأرقام، ليس إلا! كما تراه في طغيان هذه الأمم اليوم، يحتلون ويغزون ويقاتلون للسيطرة لا لينشروا عدلا، أو يقيموا حقا، أو رحمة أو فضلا، كما دل الواقع على ذلك، وكثيرٌ ما يخطئون في الحسابات، فيريدون أشياء، وتحصل لهم أشياءُ أخرى، وهذا يدل على سعةِ علمه سبحانه وهم لا يعلمون، وعلى حكمته سبحانه وهم يعبثون، وعلى فضله وعدله وهم يظلمون.

 

ومن تأمل أفعالَ العباد وقارنها بأفعال خالقهم عرف حكمةَ الله وجهلَ هؤلاء، يفعل الله أمورا ليبتلي بالبأساء والضراء: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام: 42]، فالناسُ بدون ابتلاءات لا يرجعون إلى الله، الناسُ بدون ابتلاءات يغترون بالدنيا، الناس بدون ابتلاءات لا يعرفون الفرق بين الجنة والدنيا، يسلط الله بعض الناس على بعض، فيَقتلون ويخربّون ويدمرون ويظلمون ويغتصبون ويسيطرون لأجل أن يعودوا: (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)، (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]، وقد يتبادر إلى ذهن المسلم فيقول: ما الحكمة من تسليط الكفار على المسلمين؟ لماذا ينهزم المسلمون في بعض المعارك حتى مع النبي -صلى الله عليه وسلمَ-؟

 

فالجواب: (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) [آل عمران: 140].

 

الجواب: (لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) [المائدة: 94].

 

الجواب: (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ) [آل عمران: 140].

 

الجواب: (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) [العنكبوت: 11].

 

الجواب: وليعلم الله الذين كفروا.

 

الجواب: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) [الحديد: 25].

 

فهو سبحانه يفعل ليبتلي وليَظَهَرَ علمه في الواقع، ولتقومَ الحجة، ولذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وشرع وبيّن وبلّغ، وأمر الرسل بالبلاغ، حتى لا يكون للناس على الله حجة، ولو أعطي الكفار فرصة ثانية للعيش في الدنيا بعد قيام الساعة، لعادوا إلى كفرهم وطغيانهم، وهذه حقيقة أخبرنا الله عنها فقال: (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ) [الأنعام: 28].

 

وقد يكون البلاء جدبا ووباءً وقحطا وغلاءً وزلزالا وخسفا ورجفا وخوفا: (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام: 42]، لماذا لا يغني الله أهل الأرض وعنده سبحانه خزائن السموات والأرض ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟ ألسنا نراهم وهم في تلك القاراتِ المنسية والبلدانِ النائية والأماكنِ المجدبة، فتتفطر القلوبُ، وتتألمُ النفوس، وتدمعُ العيون على هذه المناظرِ لهؤلاء الصغار، وهم يقْضُون حياتهم موتا من الجوع والفقر والمسغبة: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى: 27]، ومن فهم الحكمة من وراء الابتلاء، تغيرت حياته، استقامت أموره، ورجع إلى ربه، وتاب وأناب وعاد وأحسن العلاقة مع خالقه.

 

عباد الله: إن أفعال الله -جل وعلا- عظيمة، ومن أفعاله ما يدلك على عظمته وجبروته وسلطانه: (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر: 22]، (وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [الحـج: 65]، (يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ) [البقرة: 210]، (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]، (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) [البروج: 12 - 15]، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، (وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ) [البروج: 20]، (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة: 6]، (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [المزمل: 20]، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء) [آل عمران: 26]، (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21]، (وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ) [الشورى: 29]، (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [المؤمنون80: ]، (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) [الحديد: 6]، (وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ) [المؤمنون: 88]، (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [المؤمنون: 78]، (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [الأنعام: 95 - 98]، (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 150]، (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) [يونس: 109] ،(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام: 101 – 103]، (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ) [الأنعام: 14]، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) [الأنعام: 18]، (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)، "أخفقت الدراسات وطاشت الحسابات واعترفت الدول العظمى بخطئها في تقديرها للحروب"، (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ) [الأنعام: 59 - 60]، (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) [لقمان: 10]، (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد: 3].

 

وأثبت عجز خلقه، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحـج: 73].

 

هذه آيات الله الدالة على عظيم خلقته وكمال عظمته:

 

تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليكُ

عيونٌ من لُجينٍ شاخصـاتٌ *** بأظفارٍ هي الذهب السبيكُ

على قصبِ الزبرجدِ شاهدتٌ *** بأن الله ليس له شــريك

 

(اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 2 - 4].

(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) [الأعلى: 2 - 5]، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) [النازعات: 27 - 31].

 

الجبالُ من نصبها؟ الأرضُ من سطحا! الطبيب من أرْداه؟ وقد كان يرجو شفاه؟ المريض وقد يُئس منه من عافاه؟ والصحيح من بالمنايا رماه؟ البصير من بالحفرةْ أهْواه؟ والأعمى في الزُحام من يقود خُطاه؟ الجنين في ظلماتٍ ثلاثٍ من يرعاه؟ والوليدُ من أبكاه؟ والثعبانُ من أحياه والسمُ يملأ فاه؟ الشْهد من حلاّه؟ اللبن من بينِ فرث ودمٍ من صفاه؟ الهواء تُحسُّه الأيدي ولا ترى من أخفاه؟ النبت في الصحراء من أرباه؟ البدر من أتمّه وأسْراه؟ النخل من شقّ نواه؟ الجبل من أرساه؟ والصخر من فجّر منه المياه؟ النهر من أجراه؟ والبحر من أطغاه؟ والليل من حاك دجاه؟ النوم من جعله وفاح؟ واليقظة بعده بعثا وحياة؟ النحل من هداه؟ الطير في جوِّ السماء من أمسكه ورعاه؟ وفي أوكاره من غذّاه ونمّاه؟ المضطر من يجيبه؟ الملهوف من يغيثه؟ الضال من يهديه؟ الحيران من يرشده؟ العاري من يكسوه؟ الجائع من يشبعه؟ الكسير من يجبره؟ الفقير من يغنيه؟

 

عباد الله: إن التدبر في أفعاله وعظيم صفاته من أعظم الوسائل لإدراك عظمته جل في علاه، وهو في نفس الوقت يرهب المؤمن من معصيته ويجعله مستقيما على طاعته: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ (القرآن) يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء: 107 -  109].

 

رهبة العبد من ربه على قدر علمه به، وأصل الخشوع الحاصل في القلب من معرفة عظمة الرب، ولو علم العبد قدر ربه ما بارزه بالمعاصي: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الزمر: 67]، يطوي السموات يوم القيامة ثم يأخذنهن بيمينه، فيقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟

 

 

 

المرفقات

يتضرعون

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات