لسنا أحسن حالا (بمناسبة الأزمة المالية العالمية) 2

سامي بن عبد العزيز الماجد

2011-03-07 - 1432/04/02
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ ممارسات نتعمد فيها مخالفة الشريعة 2/ ممارسات نحتال فيها على الشريعة 3/ النظرة المادية عند بعض التجار والأثرياء عندنا

اقتباس

وإذا كان لدى الغرب أنظمةٌ وتشريعاتٌ مخالفةٌ لشريعة الإسلام فإن لدينا ممارساتٍ كثيرةً نتعمد فيها مخالفة شريعة الله، من غشٍ واحتيالٍ وتغريرٍ، واحتكار واستغلال لحاجات الناس، وربا صريح، وحِيَلٍ ربوية هي أشد إثماً من صريح الربا... إلى غير ذلك من المخالفات.

 

 

 

 

أيها المسلمون: قد كان الحديث فيما مضى عن نقد النظام الغربي الرأسمالي بما ظهر من عيوبه في الأزمة المالية الراهنة، وتبين أن مسارب الضعف التي تسرَّبَتْ إلى ذلك النظام كانت كلُّها من المعاملات المحرَّمة في الإسلام.

غير أن كل عاقل يدرك أن نقدك لغيرك لا يعني بالضرورة تزكيتك لنفسك، وأن كشفَك لعوار الآخرين وعيوبِ أنظمتِهم ينبغي ألا يفهم منه أنه محاولةٌ منك لستر عوارك، وإخفاءِ أخطائك، كما يتوهم بعضهم.

نحن لا نزكي أنفسنا إذ ننقد النظام الماليَّ في الغرب؛ ولكننا بذلك نزكِّي شريعتَنا، ونلفت الأنظار إلى كمال حكمتها، وسدادِ أحكامها، وصدق الله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].

على أن الاشتغال بنقد الآخرين يجب ألا يُشغلنا عن نقد عيوبِنا وأخطائنا، وإن الجرأةَ التي حملتنا على نقد غيرِنا وكشف مخالفاتِهم يجب أن تحملَنا -كذلك- على تتبّعِ ممارساتِنا الخاطئة ونقدها. نعم، يجب أن تكون الجرأة في ذلك بالدرجة نفسها؛ لأن ما وقع منهم وما وقع منا من أخطاء وعيوب فمَرَدُّه إلى مخالفة شريعة الله.

وإذا كان لدى الغرب أنظمةٌ وتشريعاتٌ مخالفةٌ لشريعة الإسلام فإن لدينا ممارساتٍ كثيرةً نتعمد فيها مخالفة شريعة الله، من غشٍ واحتيالٍ وتغريرٍ، واحتكار واستغلال لحاجات الناس، وربا صريح، وحِيَلٍ ربوية هي أشد إثماً من صريح الربا... إلى غير ذلك من المخالفات.

ولدينا مخاصمات كثيرة كما الغرب؛ غير أن كثيراً من المخاصمات لدينا ينتهي الأمر فيها إلى الصلح، لا عن تراضٍ وإنما عن اضطرار، فكثرة هذه المخاصمات التي تنتهي إلى الصلح لا تدل على أننا طيبون ليِّنون أكثرَ من غيرنا؛ فصاحب الحق يدرك أن مصالحةَ خصمه على بعض حقه والتنازلَ عن بعضه الآخَرِ أصلحُ له وأجدى من الاستمرار في مرافعة لا يأخذ فيها حقه إلا بعد سنوات. وليس التحاكم إلى شريعة الله هو سبب ذلك؛ ولكنها أسباب إدارية تنظيمية صِرفة.

ولدينا من قضايا الغش وصور الاحتيال ما لو رآه غيرُنا لظن أننا لسنا بمسلمين! ولو قرأ ما في شريعتنا من نصوص تحرِّم الغش والاحتيال، وتتوعد من يفعل ذلك بأشدِ الوعيد، لتضاعف منه العجب فيما يراه فينا من كثرة الغش والاحتيال! فهل يستطيع أحد أن يحمِّل الشريعة أسباب هذه المشكلة المتفاقمة؟.

ولدينا من قضايا الاحتكار واستغلالِ حاجات الناس ما يظن لكثرتها الظانُّ أن شريعة الله لا تحرِّم ذلك ولا تجرِّم فاعلَه، فكيف إذا علم أن شريعةَ الله في ذلك صارمةٌ، وأن النصوص في تحريم ذلك صريحة؟ فهل سيجرؤ أحد على إلقاء التهمة في هذا على الشرع؟.

ولدينا جمهرة من التجار الماديين هم في نظرتهم المادية للحياة أشد من بعض أثرياء الغرب، فبعض أثرياء الغرب و-إن كانوا قليلين- تجد لديهم من الحس الإنساني في البذل والإنفاق ما لا تجده من بعض المحسوبين على أثرياء المسلمين الذين يحبسون أموالهم حتى عن الزكاة.

وليس بمستغرب أن يكون هؤلاء الإنسانيون في الغرب قلةً؛ فالنظام الرأسمالي هنالك يُربي على النفعية والحياة المادية؛ ولكن الغريب أن يكثر الماديون الأنانيون في أغنيائنا وهم منتسبون لأعظم دينٍ يحض على الصدقة والمعروفِ والإحسان. فهل سيقول قائل: إن سببَ وجودِ هؤلاء بيننا هو غلبةُ الخطابِ الديني في مجتمعنا؟.

ولدينا مهرةٌ حذّاقٌ في توظيف الأموال بطرق غيرِ مشروعة يسمونها مساهمات، يستدرون أموالَ الناس، ويستعطفون ثقتهم ببعض المظاهر، وهي أكلٌ صريح لأموال الناس بالباطل، تظافرت النصوص على تحريمها.

ولدينا مقامرات مفتّحةٌ لها الأبواب، لدينا مقامرات يسمونها مسابقات! يسمونها بغير اسمها، ليست في حقيقة الأمر إلا صورةً فاضحة من صور الميسر المحرَّمِ تحريماً صريحاً في كتاب الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90] فإن أنت تساءلْت: أين صور المقامرات هذه التي تدَّعي انتشارها في مجتمعنا؟ فإني أحيلك إلى أشهرها مما اتفق العلماء المعاصرون على تحريمها، وهي تلك المسابقات التي يكون الاشتراك فيها من خلال الاتصال بأرقام هاتفية مفتتحَةٍ غالباً بالرقم 700، وهذه المسابقات من أقبح صور اللعب بعقول السُّذَّج، يخسر بسبب الاتصال متسابقون كثر؛ ليفوز من بينهم قلةٌ ببعض الفُتات، وأما الرابح الأكبر فالجهة المنظمة للمسابقة. فهل هذا إلا من صريح القمار المحرم في شرعة الإسلام؟.

ولدينا أكبر سوق في الشرق الأوسط للنجْش، والنجْشُ هو أن يزيد في سعر السلعة من لا يريد شراءها، وتجد هذه الممارسة الخاطئة في سوق الأسهم؛ حيث تتكتَّل مجموعات تتفق على رفع أسعار بعض الأسهم، أو العكس؛ وهذه الصورة داخلة في النجش المحرَّم بصريح الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَبَاغضوا ولا تدابروا ولا تناجَشوا ولا تحاسدوا. وكونوا عبادَ الله إخواناً) ، وإذا كان نظام السوق المالي لا يستطيع أن يمنع هذا، فأين الوازع الديني لهؤلاء عن هذه الممارسة الشيطانية؟.

ولدينا بنوك تتعامل بالربا الصريح المتَّفق على تحريمه، يسمونه بغير اسمه، يسمونه فوائد، فهي تقرضك مئة لترد معها عشرة أو عشرين، فإذا حل الأجل فإما ان تقضي وإما أن تربي فيضاعَفَ عليك الربا، وهذا صريح ربا الجاهلية!.

ولما رأت بعض هذه البنوك انصرافَ الناس عن قروضها الربوية استحلت محارم الله بأدنى الحيل، فاحتالت على ذلك بحيلٍ ربوية، يسمونها تمويلاً إسلامياً، وما هو بالإسلامي، ولكنه بيع العينة الذي هو ربا وزيادة، وهي أشد أثماً من الربا؛ لأن حقيقة الربا لا تزال موجودةً فيها، ثم زادت على ذلك بمخادعة الله كما يتوهمون؛ فشابهوا اليهود، قال أيوب السختياني في أهل الحيل: يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، فلو أتوا الأمر عياناً كان أهون.

وليست كل البنوك تفعل هذا، فبعضها في تحولها إلى المصرفية الإسلامية منضبطة متقيدة بقيود هيئتها الشرعية، صادقة في تحولها، وإنما الكلام فيما يستتِر منها بستار المعاملات الإسلامية وهي في ذلك كاذبة خاطئة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

أحسن حالا (بمناسبة الأزمة المالية العالمية) 2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات