لتكون محبوبًا عند الله

الشيخ خالد القرعاوي

2021-02-19 - 1442/07/07 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/سعي العباد لنَيْل محبَّة الله تعالى 2/أعمال ينال بها العبد محبة الله جل وعلا 3/من علامات محبة الله تعالى للعبد 4/من أسباب محبة الله تعالى للمسلم.

اقتباس

مَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى لِنَيْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُنَا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ لَمَا وَسِعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلَهَانَ عِنْدَهُ كُلُّ شَيْءٍ؛ فَدُونَكَ أَعْمَالاً تَجْلِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَكَ: فَأَصْلُها الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَقْوَى إِيمَانًا وَأَكْثَرَ عَمَلًا صَالِحَاً ازْدَادَ مَحَبَّةً...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ؛ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ وَإيمَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، فَـ"إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".

 

أَيُّهَا المُسْلِمُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى لِنَيْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُنَا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ لَمَا وَسِعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلَهَانَ عِنْدَهُ كُلُّ شَيْءٍ؛ فَدُونَكَ أَعْمَالاً تَجْلِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَكَ: فَأَصْلُها الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَقْوَى إِيمَانًا وَأَكْثَرَ عَمَلًا صَالِحَاً ازْدَادَ مَحَبَّةً عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى-.

 

وَأَفْضَلُ الأَعْمَالِ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ على عِبَادِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ".

 

يَا عبَدَ اللهِ: وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ لَكَ أَنْ تَتَّبِعَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، لِقَوْلِهِ -تَعَالَى- :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمَ)[آل عمران:31]، وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ لَكَ تَوْفِيقُكَ لِلطَّاعَاتِ، وَحَجْبُكَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ بِأنْوَاعِهَا، قَالَ اللَّهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".

 

وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ لَكَ: أَنْ تُوَالِيَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَتُعَادِيَ أَعْدَاءَهُ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-:  (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[المائدة:54]، وَفي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الصَّحِيحِ أَنَّ اللهَ -تَعَالى- قَالَ: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ"

 

وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ: حُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، قَاَل اللهُ -تَعَالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم:96]؛ أَيْ: مَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْض".

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَوَالِدِينَا مِنْ أَحْبَابِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيُرْضِيهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا أسْبَابَ سَخَطِهِ وَمَعَاصِيهِ، أقولُ ما سَمِعتُم وأستَغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ من كلِّ ذَنبِّ وخَطِيئَةٍ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِعِبَادِهِ، وَمَنْ نَالَ مَحَبَّةَ اللَّهِ -تَعَالَى- صَارَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يونس: 62-64].

 

أيُّها المُؤمِنُونَ: وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّ اللَّهِ -تَعَالَى- لَك حِمَايَتُكَ مِنَ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ومِنَ الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ، اسْتَمِعُوا إلى الحَدِيثِ العَجِيبِ الذي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الألبَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ"؛ وَمَعْنَاهُ أنَّ اللهَ إذَا أَحَبَّ عَبْداً حَفِظَهُ مِنْ غُرُورِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ قَلْبُهُ بِهَا وَينْسى مَصِيرَهُ، كَحَالِ مَنْ يَمْنَعُ المَاءَ عَنْ السَّقِيمِ المَرِيضِ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ شُرْبُ المَاءِ.

 

 أَيُّها الأخُ الكَرِيمُ: تَأمَّلْ حَالَ مَنْ تَثْقُلُ عليهِمُ الطَّاعَاتُ ولو كَانَتْ لِدَقَائِقَ مَعْدُودَاتٍ, وَتَسْهُلُ عليهِمُ المُحَرَّمَاتُ وَلو اسْتَنْزَفَتْ مِنْهُمُ الطَّاقَاتِ والأَوقَاتِ وَالأَمْوَالِ أليسَ هَذَا حِرْمَنَاً, وَصَدَّاً مِن الشَّيطَانِ لِهؤلاءِ؟ حَقَّاً لَقَدْ: (كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)[التوبة: 46].

 

 يَا مُؤمِنْ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ"؛ كَمَا قَالهُ نَبِيُّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنْ تَأتِيَ بِأَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لَكَ، وَأَنْ تُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ لِنَيْلِها. فَإِنَّ مَنْ نَالَهَا طَابَ عَيْشُهُ وَارْتَاحَ ْقَلْبُهُ، وَفَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْزًا عَظِيمًا. وَمِنَ الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ الْمَأْثُورِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ).

 

اللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّتَكَ ومَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً.

 

اللهم زيِّنا بزينة التقوى والإيمان, واغفر لنا ولوالدينا والمسلمين أجمعين, اللهم أصلح أحوالنَا, وأَعِذْنَا من الشُّرُورِ والفتَنِ, وهيئ لنا من أمرنا رَشَدًا.

 

 اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين. اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

 

المرفقات

لتكون محبوبًا عند الله.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات