(لا مُعَقِّبَ ِلحُكْمِه)

الشيخ إبراهيم بن سعد العامر

2023-06-18 - 1444/11/29
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

غافِلٌ يَسْتَدْرِكُ على حَكِيم! ومَيِّتٌ يَتكبَّرُ على حيٍّ لا يموت! مُحتَاجٌ يُنَازِعُ مُتَفَضِّلا! وَجاحدٌ يُسِيءُ لِمُحْسِن! عَدَمٌ يُنَاكفُ خَالِقُه! وَعَقْلٌ يَعْتَرِضُ على من أَوجَده! ولِسَانٌ يَتَطاولُ على من أَنْطَقه!

(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء: 23]، هو الخالِقُ العَظيم، صاحبُ الملكِ والمَلكوت، والكِبرِياء، والجَبَروت، مَلِكُ المُلُوك، لا يُنازِعه أحَدٌ في مُلْكه، ولا يُدانِيه أحَدٌ في عَظمَتِه، يُدَبِّر ما يشاءُ كَيْفما شاء؛ (وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ​)[الرعد: 41]؛ فمنْ رضي فَله الرّضا ومن سَخِط فعَلَيه سَخطُه.

 

لا يَقعُ شيءٌ في مَلكوتِه إلّا بعِلمِه، ولا يخرُج شيءٌ عن قَدَرِه، ولا يكونُ شيء إلّا بإرادَتِه. يُسَائِلُ من شاءَ منْ عَبيدِه (وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ)؛ فيُجيب عيسى -عليه الصّلاةُ والسَّلامُ-: (قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ مَا یَكُونُ لِیۤ أَنۡ أَقُولَ مَا لَیۡسَ لِی بحقّ)[المائدة: 116].

 

ولكنَّ الجهلَ بمَعْنى العبوديَّة يجْعلُ البعْضَ يتَعامل معَ اللَّه تعامُل النِّدّ، وكأنَّ لهُ حقّا مفْروضا يُطالبُ به، ونَسيَ المسْكينُ أنّ كُلّ ما لديْه حَتَّى حَياته، إنَّما هو هِبَةٌ من اللَّه وفضْل، وإذا شاءَ الوَاهِبُ أن يسْلُبَه ذلك كلُّه فمَن ذا يُسَائِله؟!

 

(وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦۤ)[الأنعام: 91].

 

فَأينَ العَبِيدُ من حقِّ المَعْبُود؟!

غافِلٌ يَسْتَدْرِكُ على حَكِيم! ومَيِّتٌ يَتكبَّرُ على حيٍّ لا يموت! مُحتَاجٌ يُنَازِعُ مُتَفَضِّلا! وَجاحدٌ يُسِيءُ لِمُحْسِن!

عَدَمٌ يُنَاكفُ خَالِقُه! وَعَقْلٌ يَعْتَرِضُ على من أَوجَده! ولِسَانٌ يَتَطاولُ على من أَنْطَقه!

 

(عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡكَبِیرُ ٱلۡمُتَعَالِ)[الرعد: 9].

 

لو كانَ في قَدَر اللَّه أنَّ من أَسْلَمَ لا يُبْتلى؛ لدخَلَت كَثيرٌ من الأمَم في الإِسلام طمعًا في الدُّنْيَا لا حُبًّا في الدِّين، لكنَّ اللَّه قَدَّر الِابتِلاءَ والتَّمْحيص؛ (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟)[البقرة: 214].

 

فاللَّهُ -جلَّ جلالُه- أخْبَر بأنَّه سَيَبْتَلِي ويُؤَكِّد ذَلكَ بثَلاث مُؤَكِّدَات -بالقَسَم واللَّام والنُّون- (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 155-156]، ثمّ بيَّنَ فضْلاً منْهُ وتَكرُما ما مَنَحهُم إيَّاه بِصَبْرهِم؛ (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 157].

 

الحَائِرُ يُفَصِّل الإِسْلام على مِقْيَاسِ جَهْلِه، ويَقتَرِح خارِطةَ طَرِيق لأَقدَارِ العَزيز الحكِيمِ، وكأَنَّهُ يُرْشِد اللَّهَ -جلَّ جَلَالُه- إلى طَريقَة تَصرِيفِ الكَون! (وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِیعࣰا قَبۡضَتُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوَٰ⁠تُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِۦۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ)[الزمر: 67].

 

                                                                                      إبراهيم بن سعد العامر  10 شعبان 1444هجري

 

                                                       

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات