لا للإحباط

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ اليأس والإحباط في واقعنا المعاصر   2/من مظاهر الإحباط 3/نهي القرآن عن الإحباط 4/تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الإحباط   5/علاج الإحباط   6/المستقبل لهذا الدين.

اقتباس

علينا أن نعلم أن الطريق ليس خالياً من المكدرات والمنغصات والمصاعب، فلا نيأس منها إذا واجهتنا، بل على الواحد منا أن يكون لبقاً فطناً، ينتزع المنح من وسط المحن، ويأتي بالأفكار والحلول من داخل المشاكل والمصاعب، ويستثمر الموجود ليصنع منه المستحيل، ويصر على تحدي الصعاب، ولا يستمع لكلام المحبطين وأقوال المرجفين...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي حكم أن العاقبة للمتقين، وحذر من اليأس والإحباط واليائسين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي نهى عن الإحباط والتشاؤم، وأمر بالخير والتفاؤل، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

عباد الله: من الأمراض الخطيرة المزمنة التي انتشرت في زماننا هذا مرض الإحباط واليأس، حيث يئس كثير من الناس، وأصابهم الإحباط والتذمر من كل شيء. فكم من الناس من رسم لنفسه هدفاً يريد أن يصل إليه، أو فكرة يريد أن يحققها، فلما عرض له عارض، أعاقه دون وصوله إلى هدفه وغايته يئس وملّ، وأصابه الإحباط واليأس.

 

وكم من الناس من أصابه الإحباط والتذمر وبلغ به مبلغاً عظيماً، ووصل به إلى حد اليأس الكامل والإحباط المطبق، فلا أمل عنده في شيء، ولا يمكن في نظره أن يحقق شيئا، ولا أن يصل إلى أي شيء.

 

بل بلغ الإحباط ببعض الناس -والعياذ بالله- إلى اليأس من نصر الله وموعوده، والإحباط من تغير الواقع وتحسن الحال، والإحباط من وقوع المبشرات التي أخبر بها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم،- واليأس من دخول الجنة ونيل رحمة الله ومغفرته.

 

كم من الناس من يرى هذا الواقع المر، والفساد الأليم المنتشر، والظلم الكبير المستشري في كل مكان، وفي كل شيء، فييأس ويحبط من إمكانية التغيير وحصول الخير، ويرى أن هذا الواقع لا يمكن تغييره، ولا سبيل لعلاجه وإصلاحه، وأن هذا الجيل جيل فاسد لابد من ذهابه ليأتي بعده جيل صالح.

 

إن من يفكر بهذا التفكير المحبط قد ضيّق واسعاً، وتمنى محالاً، واستشرف خيالاً، وإلا فمن أين سيأتي هذا الجيل الصالح إن لم تكن هناك حركة ودعوة للتغيير والإصلاح؟ هل يظن أن هذا الجيل القادم سيخلق صالحاً؟ أو يكون امتداده امتداداً مستقلاً لا علاقة له بالجيل الذي قبله؟ وماهي الأداة التي يريد أن يزيل بهذا الجيل الموجود والواقع المعاصر؛ حتى يأتي بعده الجيل الصالح الذي يدعيه وينتظره؟

 

إن هذه كلها أوهام، وفرقعات خيالية، وتفكيرات أسطورية، ولدّها الإحباط، وأنتجها اليأس، وطبخها الشيطان؛ حتى يشغل الناس عن العمل من أجل الإصلاح، ويوقف الحركة من أجل التغيير، وينسيهم أن الله -سبحانه وتعالى- هو مغير الأحوال ومبدل الأوضاع.

 

دعِ المقاديرَ تجري في أعنَّتِها *** ولا تنامنَّ إلا خالي البالِ

ما بينَ غمضةِ عيْنٍ وانتباهتِها *** يغيّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ

 

أيها المسلمون: لقد حذرنا الله -تبارك وتعالى- من الوقوع في هذا المرض الخطير، ونهانا عن الإحباط واليأس في كثير من آياته الكريمة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود 9: 11].

 

وقال على لسان يعقوب –عليه الصلاة والسلام- مخاطباً أبناءه في شأن يوسف -عليه السلام-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف : 87]، وقال: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) [الإسراء : 83]، وقال: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) [فصلت : 49].

 

فالإحباط واليأس والقنوط كل هذا وضحت الآيات الكريمة خطره، ونهت عنه، وبينت بطلانه وفساده، فالله -سبحانه وتعالى- يذكر أن الإنسان لا يَسْأَمُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ، أي: لا يمل دائمًا، من دعاء الله، في الغنى والمال والولد، وغير ذلك من مطالب الدنيا، ولا يزال يعمل على ذلك، ولا يقتنع بقليل، ولا كثير منها، فلو حصل له من الدنيا، ما حصل، لم يزل طالبًا للزيادة فإذا مَسَّهُ الشَّرُّ أي: المكروه، كالمرض، والفقر، وأنواع البلايا (فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ)  ييأس من رحمة الله تعالى، ويظن أن هذا البلاء هو القاضي عليه بالهلاك والنهاية.

 

وسيدنا يعقوب -عليه السلام- يحذر أبناءه من هذا المرض، وينهاهم عن الوقوع فيه فيقول لهم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) أي: احرصوا واجتهدوا على التفتيش والبحث عنهما، (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)، ولا يصيبكم الإحباط فيقعدكم عن الاجتهاد في التنقيب والبحث عنهما، ويصيبكم التثاقل والتباطؤ في طلبهما والعثور عليهما، فـ (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، فكفرهم يجعلهم يستبعدون رحمة الله، ويستصعبون فضله ورجاه، فلا تتشبهوا بهم ولا تكونوا مثلهم.

 

إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- نهى الأمة نهياً عظيماً عن الوقوع في مرض الإحباط، وحذرها تحذيراً كبيراً من اليأس والقنوط، وفتح لها أبواب الرجاء والأمل، وبشرها بكثير من المبشرات والخيرات، ووعدها بالسناء والنصر والرفعة، وأخبرها بأن الغلبة للمؤمنين، وأن العاقبة للمتقين، وأن النصر يكون في النهاية حليف المسلمين.

 

يقول خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ -رضي الله عنه-: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" [البخاري (3612) ].

 

ويقول الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رضي الله عنه-: "لَمَّا كَانَ حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا فِي بَعْضِ الْجَبَلِ صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ, لَا تَدْخُلُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ, فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ --صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهَا أَخَذَ الْمِعْوَلَ وَأَلْقَى ثَوْبَهُ, وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ, ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَهَا, وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ, وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ السَّاعَةَ, ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَ ثُلُثًا آخَرَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ, وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ, ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ, فَقَطَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ, وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ, أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ, وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ" [مصنف ابن أبي شيبة (36820)].

 

فانظروا كيف كان -صلى الله عليه وسلم- يزيل عن أصحابه الإحباط واليأس، مع أنهم كانوا في تلك الساعة في أحلك الظروف وأصعب المواقف، حيث دارت الأعين، وبلغت القلوب الحناجر من شدة الخوف،  ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبث في قلوبهم الأمل، ويبشرهم بفتح الأمصار والدول، ويرسم لها معالم المستقبل؛ حتى لا يصيبهم الإحباط واليأس والملل.

 

عباد الله: ومن صور الإحباط التي حذر منها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: اليأس من رحمة الله، وعفوه، ومغفرته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ" [البخاري (6469) ].

 

وأعلم -صلى الله عليه وسلم- من أصابه الإحباط من كثرة المعاصي والذنوب، ويئس من رحمة الله وعفوه ومغفرته، بأن الله "أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ " [مسلم  (2744) ]، يقول الله -تبارك وتعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر : 53].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

عباد الله: ومن صور الإحباط التي حذر منها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: اليأس والإحباط الناتج عن ضيق العيش، أو شدة المرض، أو كثرة المصائب والمشاكل، وما ينتج عن ذلك من الوصول إلى المهاوي السحيقة، والدركات السافلة، وارتكاب الأفعال الشنيعة، كالقتل والانتحار وغيره، ولذلك يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي" [ البخاري (6351) مسلم (2680)].

 

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصّدر الرّحيب

وأوطأت المكاره واطمأنّت *** وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها *** ولا أغنى بحيلته الأريب

أتاك على قنوط منك غوث *** يمنّ به اللّطيف المستجيب

وكلّ الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب

 

أيها الناس: على الإنسان أن يوطن نفسه على أن هذه الدنيا دار بلاء ونكد، وليست بدار نعيم وراحة، فمن علم هذا واستيقن منه، وعرف حقارة الدنيا ودناءتها، فإنه لن يحزن على شيء ذهب منها، فضلاً عن أن يصيبه الإحباط واليأس من عدم تحقق أي أمر من أمورها.

 

علينا أن نعلم أن الطريق ليس خالياً من المكدرات والمنغصات والمصاعب، فلا نيأس منها إذا واجهتنا، بل على الواحد منا أن يكون لبقاً فطناً، ينتزع المنح من وسط المحن، ويأتي بالأفكار والحلول من داخل المشاكل والمصاعب، ويستثمر الموجود ليصنع منه المستحيل، ويصر على تحدي الصعاب، ولا يستمع لكلام المحبطين وأقوال المرجفين، وليطرد اليأس والإحباط، فإن العباقرة والكبار لم يخلقوا كباراً، ولم يصلوا إلى الدرجات العالية في لحظة، وإنما هي تجارب ومصاعب، وحركة مستمرة، ونشاط متواصل، وتقويم مستمر، وفشل يعقبه نجاح، وعسر يتبعه يسر.

 

ولربّ نازلة يضيق بهــا الفتى   ***   ذرعًا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها    ***   فرجت وكنت أظنّها لا تفرج

 

واصل المسير، وأكمل المشوار، واستعن بالله، والله موفقك ومعينك، وآخذ بيدك إن استعنت به، وتوكلت عليه، وفوضت أمورك إليه.

 

أيها المسلمون: ليعلم كل واحد منا أن المستقبل للإسلام، وأن النصر لهذه الأمة، والتمكين سيكون لهذا الدين، والبشريات كثيرة ووفيرة، ودين الإسلام هو أكثر الأديان قبولاً وانتشاراً في الغرب، وبإذن الله عما قريب سيحكم العالم نظام الإسلام، وسيقضي المسلمون على اليهود ويستأصلونهم وينتصرون عليهم، وسينزل المهدي -عليه السلام-، ويخرج عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام-، ويفيض المال في أيدي الناس حتى لا يقبله أحد، ويكثر الخير، وتعم البركة في الأرض، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف : 21].

 

يقول تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" [أحمد (16957) ].

 

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

 

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم إنا نعوذ بك من اليأس والإحباط، وارزقنا التفاؤل والأمل.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

 

 

 

 

المرفقات

للإحباط

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات