لا تنس الغاية التي من أجلها خلقت

خالد بن عبدالله الشايع

2023-06-02 - 1444/11/13 2023-06-12 - 1444/11/23
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/لله في كل شيء حكمة 2/خلق الله العباد لحكم منها توحيده سبحانه 3/حال كثير من الخلق مع الغاية التي من أجلها خلقوا

اقتباس

وكأننا خلقنا لنعمر الأرض ونتمتع فيها بما نشاء من المباحات والمحرمات، فالأرض وما عليها سخرها الله لنا لنستعين بها على طاعته، لا أن تشغلنا عن طاعته، فاستمتع بالمباح، ولا يشغلك عن الآخرة، فلسنا ندعو إلى الترهبن...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله وراقبوه فهو أهل أن يتقى، واعبدوه فهو أحق من عبد، وتذللوا إليه فهو أرأف من ملك.

 

أيها المؤمنون: من عظيم صفات الله -تعالى- "الحكمة"، ومن أعظم أسمائه -تعالى- "الحكيم"، وينبغي أن يُعلم أن الله لم يخلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة، ومصالح راجحة عميمة، عَلِمَها من عَلِمها، وجَهِلها من جهلها، وقد ذكر الله -تعالى- ذلك في كتابه الكريم، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض لعبا؛ فقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)[المؤمنون: 115-116]، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ)[الأنبياء: 16].

 

وقد أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه، ونفاها الكفار؛ قال تعالى عن قول المؤمنين إذا تفكروا في خلق الله: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 190-191]، وقال تعالى في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)[ص: 27].

 

وكذلك لم يخلق الله -تعالى- الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر، فيكون بذلك كالبهائم، بل كرَّم الله -تعالى- الإنسان، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا، وحياة هؤلاء كحياة البهائم، بل هم أضل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)[محمد: 12].

 

ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة، فهذه العين للنظر، وهذه الأذن للسمع، وهكذا، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً؟!

 

ومن أعظم الحكم التي خلق الله البشر من أجلها -وهو من أعظم الابتلاءات-:

الأمر بتوحيده -عز وجل- وعبادته وحده لا شريك له، وقد نصَّ الله -تعالى- على هذه الحكمة في خلق البشر؛ فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]؛ قال ابن كثير -رحمه الله- أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. انتهى .

 

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: " فالله تعالى خلق الخلق لعبادته، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وأمرهم بذلك، فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين، ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون، ولا بد أن يجمعهم في دار، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم".

 

معاشر المؤمنين: إذا علمنا أننا خلقنا لحكمة، وعلمنا هذه الحكمة، وهي عبادة الله وطاعته، وجب علينا السعي في تحقيق ما خلقنا له، ونعلم يقينا أن الاشتغال بغير ذلك هو العبث واللعب، الذي يضر ولا ينفع.

 

اللهم استعملنا في طاعتك، وتقبل منا يا كريم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: أيها العبد خلقت لأمر عظيم لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل لقد خلقنا لعبادة الله -تعالى-، وإن هذا لشرف عظيم لنا، أن نكون عبادا لله -تعالى-.

ومما زادني شرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا

 

فعلى العبد العاقل أن يقدر حق هذه المنزلة قدرها، وأن يسعى لتحقيقها، وأن يكون نعم العبد المطيع، السالك سبل مرضاة الله.

 

أيها المؤمنون: إن الناظر إلى العالم كله يجد البعد الكبير عن الغاية التي من أجلها خلق الخلق، ولو وجهنا الخطاب للمسلمين فقط، لوجدنا الكثير منهم ولا يبرء المسلم نفسه، وجدهم بعيدين عن الغاية التي من أجلها خلقوا، فما نفعله على وجه الأرض التي نعيشها، إنما هو فعل الخالدين، الذي لا يفكرون بالموت أبدا، وكأننا خلقنا لنعمر الأرض ونتمتع فيها بما نشاء من المباحات والمحرمات، فالأرض وما عليها سخرها الله لنا لنستعين بها على طاعته، لا أن تشغلنا عن طاعته، فاستمتع بالمباح، ولا يشغلك عن الآخرة، فلسنا ندعو إلى الترهبن أو التصومع، ولكن ندعو أن لا ننسى الغاية التي من أجلها خلقنا، فحالنا إلا من رحم الله حال من جعل أمر الدين والآخرة والعبادة هي آخر اهتماماتنا، فنقدم أمور الدينا على الآخرة، وأما أمور الآخرة فهي على الفراغ، وآخر قائمة المشاغل.

 

فهل سأل المسلم نفسه: هل يسير في الحياة على الطريق الصحيح، هل طبقنا الغاية التي من أجلها خلقنا الله؟

قلة هم عباد الله الذي يعيشون على الأرض ليبنوا الآخرة، كل همهم آخرتهم، يعلمون أنهم سيرحلون خلال أيام، يسابقون الزمن في عمارة منازلهم في الآخرة، ويصدق فيهم قول الشاعر:

إن لله عبادا فطنا *** طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا *** أنها ليست لحر وطنا

جعلوها لجة واتخذوا *** صالح الأعمال فيها سفونا

 

عباد الله: لنراجع أنفسنا، ولنحاسبها، ولنتذكر الغاية التي من أجلها خلقنا، ولنعمل لها، فالمقام قليل، وغدا راحلون، فاستعدوا للسفر.

اللهم وفقنا لهداك ....

المرفقات

لا تنس الغاية التي من أجلها خلقت.doc

لا تنس الغاية التي من أجلها خلقت.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات