عناصر الخطبة
1/بيان حقيقة الغضب 2/من أضرار الغضب 3/من أنواع الغضب 4/طرق التخلص من الغضباقتباس
"لا تغضب" كانت وصية جامعة؛ فالغضب أمره خطير، وهو جمرة من الشيطان كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، والغضب جَمرة يلقيها الشيطانُ في قلب ابن آدم، فيغلِي القلب ولذلك يحمرُّ وجهه، وتنتفخ أوداجه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحَمْدُ للهِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، خَلَقَ الإِنْسَانَ وَاخْتَارَهُ لِيَكُونَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أكمل الناس خلقًا وخلقا، وقد وصفه ربه وزكاه فقال -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4]، صلى الله عليه وَعَلَى آلة وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- وطاعته؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: عن أبي هريرة: أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني قال: "لا تغضب"، فردد مرارًا، قال: "لا تغضب"(رواه البخاري)، الغضب -يا عباد الله- هو انفعال، وقيل: هو تغير يحصل عند غليان دم القلب؛ ليحصل عنه التشفي للصدر بإيذاء الغير، ويشمل التأثير الجسدي للغضب زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم.
الغضب -أيها الأخوة- هو سبب معظم المصائب والبلايا؛ فكم جريمة قتل حدثت بسبب الغضب، وكم من زوجة طُلقت بسبب الغضب، وكم من أسرٍ تشتت بسبب الغضب، وكم من شراكات تفككت بسبب الغضب، وكم من أرحام تقاطعوا وأحباب وأصدقاء تفرقوا بسبب الغضب، فوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لا تغضب.. لا تغضب..، ورددها مرارًا فقال "لا تغضب"، كانت وصية جامعة؛ فالغضب أمره خطير، وهو جمرة من الشيطان كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، والغضب جَمرة يلقيها الشيطانُ في قلب ابن آدم، فيغلِي القلب ولذلك يحمرُّ وجهه، وتنتفخ أوداجه، بيَّن ذلك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ألا إنَّ الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم، أفما رأيتُم إلى حُمرة عينيه، وانتفاخِ أوداجه؟"(رواه الترمذي).
ولكن -يا عباد الله- هل كل غضب منهي عنه، أم هناك بعضه محمود وبعضه مذموم؟ الجواب: -أيها الإخوة- هو أن الغضب أنواع.
غضب من أجل الله فهذا محمود، وهو منهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أخبرت عائشة -رضي الله عنها- عندما وصفت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله؛ فينتقم لله -عز وجل-"(رواه مسلم).
فالغضب المحمود هو الغضب على الكفار وأهل الباطل، وحين تنتهك محارم الله، ولكن الإنكار يكون برفق ولين وحكمة، وقد غضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شفاعة أسامة في المخزومية فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟!"، وغضب -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى التصاوير في بيت عائشة، وغيرها من الأحاديث.
ولكن قد يتعرض الإنسان لظلم أو اعتداء فماذا يصنع؟ الجواب: أنه في هذه الحالة فإما أن يغفر ويسامح، وهذه أعظم المراتب، كما قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)[الشورى: 37]؛ أي: يعفون عمن ظلمهم، وجاء في الحديث: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفذه؛ ناداه الله على رؤوس الخلائقِ يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء".
المرتبة الثانية: أن ينتصر لنفسه، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)[الشورى: 39]؛ أي: ينتقمون، وقال -تعالى-: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[البقرة: 194]، ولكن بقدر مظلمته فلا يزيد، وإلا أصبح ظالمًا والله لا يحب الظالمين، قال -تعالى-: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[الشورى: 40]، فهذه مرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله، هكذا تكون أخلاق المسلم، وفق التعاليم السماوية.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ: عن سلمان بن صُرَد -رضي الله عنه- قال: استب رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"(رواه البخاري ومسلم).
أيها المسلمون: كثير منا يتعرض لحالة من حالات الغضب فكيف يصنع؟ هناك خطوات تساعد الغاضب للتخلص من ثورة الغضب:
أولا: يحاول الإنسان أن يبتعد عن المجالس التي يظن أنها تكون سببًا في حدوث الغضب لديه.
ثانيا: على الإنسان أن يحسِّن من خلقه، ويحسن التعامل مع الآخرين، حتى لا يدخل في خصومات ومشاجرات معهم.
ثالثا: الابتعاد عن الجدال الذي لا فائدة منه؛ فهو سبب يؤدي للغضب.
رابعًا: إذا غضب الإنسان فعليه أن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم يغير من هيئته، فإن كان قائما فليجلس، وإن كان جالسا فليضطجع، أو يخرج من المكان الذي حدث فيه الغضب.
خامسًا: الغضب جمرة من الشيطان ويطفئه الماء، فعليه بالوضوء.
سادسًا: إذا غضب الشخص، فقبل أن يقرر ماذا يفعل؟ أو ماذا يقول؟ عليه أن يعد من واحد إلى عشرة، بمعنى ينتظر مدة عشر ثوان تقريبا؛ لأنه كلما تأخر الإنسان عن ردة الفعل هدأت نفسه وانطفأ غضبه؛ فتضعف ردة الفعل لديه.
فالله الله، درب نفسك على الحلم وحسن الخلق، إنما الحلم بالتَّحلم، والعلم بالتعلم، ولا تنسَ الوصية النبوية: "لا تغضب.. لا تغضب.. لا تغضب".
هَذَا، وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ -تعالى- بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ، حَيْثُ قَالَ -عَزَّ قَائِلًا عَلِيْمًا-: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم