لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

عمر القزابري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تأملات في أحوال الأمة قبل دخول شهر رمضان 2/ نظرات في آية قرآنية كريمة 3/ معاني وأسرار دعوة ذي النون 4/ فضائل التوحيد 5/ حاجتنا للصلة بالله تعالى.

اقتباس

وحوتنا هو ما نحمله من أنفس أمّارة بالسوء ضعيفة أمام الشهوات، محبة للسلطة والتسلط، ميّالة إلى الأموال، عاشقة للمناصب، منخدعة ببريق اللذات منبطحة أمام الملذات. هذا الحوت الذي هو أنفسنا يريد أن يلتقم حياتنا الأبدية ويمحقها، فهو أشد ضراوة من الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس -عليه السلام-. كم من الناس مثلا ابتلعهم الإعلام؟! كم من الناس ابتلعهم الربا فلم يستطيعوا منها خلاصًا ولا فكاكًا؟! كم ممن أثارتهم الشهوات؟! كم ممن بلعتهم الحانات؟! كم ممن ابتلعتهم الكراسي؟!

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أن أنفسهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..

 

 معاشر الصالحين:

إن أهم أوطارك من الدنيا تزودك منها، فالبدار البدار قبل إشخاصك عنها، كيف لا تتنبه لمكرها، وهي القائلة بملء فيها: أنا غدارة غرارة، ختالة ختارة، ثم إن النذير بمفاجأة رحيلك، يصيح بك في بكرتك وأصيلك، فسل نفسك: أين جهازك المعبأ؟ وأين زادك المهيأ؟

 

كأني بالمفرط قد فوجئ بركوب السفر الشاسع، والشقة ذات الأهوال والفظائع، وليس في مزوده كف سويق يشبع من سورة طواه، ولا في إداوته جرعة ماء تطفئ من وقدة صداه، عندها يقول يا حسرتى لو أن يا حسرتى تغني، ويا أسفى لو أن يا أسفى تجدي، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 54- 56].

 

أي عبد الله، لا تكن عاجز المنة، قاصر القوة، متعلقا بأذناب المعاذير، تحيل عجزك على المقادير، الطير تغدو خماصا وتروح بطانا، وهي في ذلك مسبحة ذاكرة وأنت سادر في لهوك، غارق في سهوك، متبختر في زهوك.

 

أي عبد الله هذه حبال الإنقاذ، وهذه مواسم الإسعاد، وهذه فرص الإعداد، ومنح الإمداد، فلا يحملنك لؤم الطبع والغريزة، وضعف العقل والنحيزة، على الإصرار على طيشك وسفهك، والاستمرار في غيك وعمهك، لا تكن جامحا لا ترجع، ومضرا لا تقلع، تلقى الوصية بالاطراح، وتدفع الطاعة بالراح.

 

أيها الأحباب: ها هو ميدان المناجاة، وشهر النجاة، ها هو قد فاح عطره، وتضوع نشره، واستبشرت قلوب الأنقياء لوصوله، وانتشت نفوس الأتقياء من فرط حبه، فرصة نجاة ممدودة، في فترة وقت محدودة، وتحت ظلال أيام معدودة، فطوبى لمن وعى، وسارع ورعى، وعلم أن ليس للإنسان إلا ما سعى، ها هو الشهر قد وصل، أما تشعر بالخجل؟ إمهال ربك لك، ولطفه بك، ظاهران في تمكينك من إدراك هذا الشهر، وهو نداء خفي، ولطف حفي، من رب كريم..

 

يقول لك: قد أمهلناك وما أهملناك، فإن رجعت إلينا قبلناك، فلا تضيع الفرصة، فتؤول إلى غصة، فوالله الذي لا إله إلا هو، إن هناك أقواما تحت الثرى، لو أعطوا فرصة الكلام، لقالوا للأنام: استغلوا أنفاس هذه الأيام، وتعرضوا للنفحات العظام، فإننا قوم قد علمنا الحقائق، أهيل علينا التراب، وهجرنا الأهل والأحباب، وخلي بيننا وبين أعمالنا، وأنتم في وقت عمل، ومنحة أمل، فاستغلوا الأعمار، قبل أن يسدل الستار..

 

أيها الأحباب: يأتي رمضان هذا العام بعد ألوان من البلايا نزلت بالأمة وازدادت بذلك الغمة قتل للمسلمين في كل مكان، واستعلاء وخداع وطغيان فتن عارمة ونفوس هائمة ولم يقتصر الهجوم على الأجساد، بل استهدف الأخلاق بشكل غير مسبوق، والأخلاق هي العماد.

 

نعم استهدف الكيان وفي ذلك أعظم قتل للإنسان لقد توالت الضربات الموجعة مستهدفة القيم فتصدرت لذلك نفوس كريم الشيم وكشر عن الأنياب أعداء الحرم وذلك الظن بالفريقين فريق الإفساد الذي لا يتورع وفريق القيم الذي يأبى ويتمنع وتلك حكمية المدافعة بين فريقي الميوعة والممانعة.

 

فلا تظنوا -رعاكم الله- أن الأمر جديد فإنه قديم قدم الإنسان والسعيد من كان مع حزب الرحمن فإن رايات الغلبة ترفرف على خيامهم وعلامات السعادة تبدو على مضاربهم، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].

 

نعم أيها الأحباب! تعرضنا لسهام استهدفت القيم والأخلاق، فكان من الطبيعي أن نغتم من الهم، ولكن في أوضاع كهذه لا يعيد للمسلم توازنه إلا القرآن، القرآن هو الذي ينتشلك من دنيا الأحزان إلى عوالم السلوان، وذلك عن طريق البشائر لا يعيد للمسلم توازنه إلا القرآن، القرآن هو الذي ينتشلك من دنيا الأحزان إلى عوالم السلوان وذلك عن طريق البصائر والبشائر.

 

نحن اليوم في غم لا شك، هذه حقيقة، لا ينكرها أحد، توالت علينا الغموم والهموم، كل الأحداث من حولنا تشير إلى واقع الهم والغم فلنذهب مباشرة إلى ما يزيل الغم وذلك عبر قصة ترفع الغصة، قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87- 88].

 

ما أحوجنا إلى هذه المناجاة بصدق فهي العلاج وفيها الإبهاج دون أن نخوض هنا وهناك، علينا أن نتهم أنفسنا ونلوم أنفسنا أولا فوالله ما أصابنا الذي أصابنا إلا بذنوبنا.

 

إن هذه المناجاة، وهي "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" هذه المناجاة وهي مناجاة سيدنا يونس عليه السلام هي من أعظم أنواع المناجاة وأروعها ومن أبلغ الوسائل لاستجابة الدعاء وقبوله.

 

تتلخص قصته المشهورة بأنه -عليه السلام- قد أُلقي به إلى البحر، فالتقمه الحوت وغشيته أمواج البحر الهائلة الهائجة، وأسدل الليل البهيم ستاره المظلم عليه فداهمته الرهبة والخوف من كل مكان، وانقطعت أمامه أسباب الرجاء وانسدت أبواب الأمل وإذا بمنجاته الرقيقة وتضرعه الخالص الذكي "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"،  يصبح له في تلك الحالة واسطة نجاة ووسيلة خلاص، وسر هذه المناجاة العظيم هو أن الأسباب المادية قد هوت كليًّا في ذلك الوضع المرعب المخيف وتعطلت وسقطت كليا.

 

ذلك لأن الذي يستطيع أن ينقذه من تلك الحالة ليس إلا الذي تنفذ قدرته في الحوت وتهيمن على البحر، وتستولي على الليل وجو السماء؛ حيث إن كلا من الليل الحائك والبحر الهائج والحوت الهائل قد اتفق على الانقضاض عليه فلا ينجيه سبب ولا يخلصه أحد، ولا يوصله إلى ساحل السلامة بأمان إلا من بيده مقاليد الليل وذمام البحر والحوت معًا.

 

لما رأى -عليه السلام- بعين اليقين وهو تلك الظلمات أنه لا ملجأ له إلا الملاذ إلى كنف مسبب الأسباب انكشف له سر الأحدية من خلال نور التوحيد الساطع حتى سخرت له تلك المناجاة الخالصة الليل والبحر والحوت معا.

 

بل تحول له بنور التوحيد الخالص بطن الحوت إلى ما يشبه بطن الأم رعاية وعناية، وأصبح ذلك البحر الهائج بالأمواج المتلاطمة محل سكن وسكينة وانقشعت الغيوم بتلك المناجاة وكشف القمر عن وجهه المنير، فانجلت الظلمة وانزاحت الغمة، وهكذا غدت تلك المخلوقات التي كانت ترعبه من كل صوب وتضيق عليه غدت الآن تسفر له عن وجه الصداقة، وتتقرب إليه بالود والحنان حتى خرج إلى شاطئ السلامة وشاهد لطف ربه الرحيم تحت شجرة اليقطين.

 

إنه مشهد عظيم أن تتحول وسائل التخويف إلى وسائل أنس، فالحوت الملتقم هو الذي صار بطنه المكان الآمن، والبحر الهائج المظلم هو الذي أصبح ميدان المناجاة ومسرح الأنس؛ وذلك لأن التوحيد إذا استقر زال كل خطر، فكيف إذا زال التوحيد والتنزيه واعتراف يمسح سالف الإثم، ويكون سببا في رفع الغم، فما أحوجنا إلى هذا المعنى في زمن محاولة نشر الظلام ومحاولة الابتلاع والانتقام، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

 

جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى وأخلص لله عمله سرا وجهرا، آمين، آمين والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ناصر الصالحين أينما كانوا القائل (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) وعد بإتمام نوره عند محاولة الإطفاء والتمكين لأوليائه عند اشتداد كيد الأعداء فقال (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ)، وصلاة ربي وسلامه على المستمسك باليقين في أجمل صورة وناشريه في الناس في أكمل سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى تبعه إلى يوم الدين.

 

معاشر الصالحين: فلننظر بنور تلك المناجاة إلى أنفسنا فنحن في وضع مخيف ومرعب؛ فإن ليلنا الذي يخيم على أمتنا إذا نظرنا إليه بنظر الغفلة يبدو مظلما مخيفا بل ربما أحلك ظلاما وعتامة من الليل الذي كان فيه سيدنا يونس -عليه السلام-.

 

وبحرنا وهو هذا العالم الذي نعيش فيه، فكل موجة من أمواجه تحمل ألوانًا من الفتن وأنواعًا من المكر؛ قتل وتخريب وتزوير وخطف وثورة أهل الباطل، وضعف أهل الحق، وغير ذلك مما نعلم ومما لا نعلم، ومما نبصر ومما لا نبصر إذا فهو بحر مرعب رهيب.

 

وحوتنا هو ما نحمله من أنفس أمارة بالسوء ضعيفة أمام الشهوات، محبة للسلطة والتسلط، ميالة إلى الأموال، عاشقة للمناصب منخدعة ببريق اللذات منبطحة أمام الملذات.

 

هذا الحوت الذي هو أنفسنا يريد أن يلتقم حياتنا الأبدية ويمحقها، فهو أشد ضراوة من الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس -عليه السلام-.

 

كم من الناس مثلا ابتلعهم الإعلام؟! كم من الناس ابتلعهم الربا فلم يستطيعوا منها خلاصًا ولا فكاكًا؟!  كم ممن أثارتهم الشهوات؟! كم ممن بلعتهم الحانات؟! كم ممن ابتلعتهم الكراسي؟!

 

إن حوتنا يحاول إفناءنا وحرماننا من حياة النعيم المقيم المستمر في مقعد صدق عند مليك مقتدر (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40- 41].

 

أيها الأحباب: ما دامت هذه هي حقيقة وضعنا فما علينا إذاً إلا الاقتداء بسيدنا يونس -عليه السلام- والسير على هدي مناجاته مقبلين كليا على ربنا الذي هو مسبب الأسباب، متوجهين إليه بقلوبنا وجوارحنا ملتجئين إليه سبحانه، قائلين: لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

 

ويلاحظ سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه المناجاة الراقية فيزكيها ويقول: "دعوة ذي النون التي دعا بها وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

 

علينا أن نقولها ونحن ندرك بعين اليقين: إنه قد ائتمر علينا بسبب غفلتنا وضلالنا أعداؤنا الذين يحاولون صياغة مستقبلنا ومستقبل أولادنا بالشكل الذي يريدون، الذين يحاولون تعكير دنيانا، وقد نجحوا إلى حد بعيد.

 

هذا وبين جنبي كل واحد منا نفس أمارة بالسوء وفي غمرة ذلك كله علينا أن نوقن أنه لا يقدر أن يدفع عنا مخاوف المستقبل وأوهامه ولا يزيل أهوال الدنيا ومصائبها ولا يبعد عنا أضرار النفس الأمارة بالسوء ودسائسها إلا من كان المستقبل تحت أمره والدنيا تحت حكمه وأنفسنا تحت إدارته.

 

ترى من غير الله خالق السماوات والأرض يعرف خلجات قلوبنا؟! ومن غيره يعلم خفايا صدورنا؟! ومن غيره قادر على إنارة المستقبل لنا؟! ومن غيره يستطيع أن ينقذنا وأبناءنا من بين ألوف أمواج الدنيا بالفتن والأحداث؟!

 

حاشا وكلا أن يكون لنا منجي غيره ومخلص سواه فما دامت هذا حقيقة، وضعنا فما علينا إلا أن نرفع أكف الابتهال إلى ذي العزة والجلال متوسلين مستعطفين نظر رحمته الربانية إلينا، اقتداء بسر تلك المناجاة الرائعة التي سخرت الحوت والبحر والليل واليقطين، وغير ذلك لسيدنا يونس -عليه السلام- هذه المناجاة التي رفعت سيدنا يونس إلى مقام عظيم حتى قال في حقه نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "ما ينبغي لنبي أن يقول: أنا خير من يونس بن متى"، وهذا من تعظيم رسول الله من شأن إخوانه الأنبياء.

 

بل يبدو -والله تعالى أعلم- أن بركة هذه المناجاة قد شملت حتى قومه فقد أحاط بهم العذاب ورآه بأعينهم فبكوا وتضرعوا فكشف عنهم ولم يعلم ذلك لقوم غير قوم يونس قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس:98].

 

علينا أن نعطّر الدنيا بهذه المناجاة "لا إله إلا أنت" توحيد وتفريد، ونفي للشريك وتنزيه عن المثيل، فالتوحيد هو سبب الخلاص، والله لا خلاص للأمة ولا للأفراد والجماعات إلا بالتوحيد الذي هو سبب النجاة، ولن ينجو أحد إلا بالتوحيد الكامل الخالص لا قبر ولا وثن ولا شجر ولا حجر ولا كهان.

 

"لا إله إلا أنت" التوحيد هو الذي يمنحك قدرة مواجهة الأمواج بخطوات واثقة، هو الذي يجعل أنواع مكر الماكرين زاهقة.

 

"لا إله إلا أنت سبحانك" سبحانك تنزيه لله وتعظيم لله وثناء على الله فالتسبيح هو طوق النجاة لمن استشرف الغرق، قال تعالى (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات:144].

 

"إني كنت من الظالمين" اعتراف بالخطأ والزلل والغفلة والخطل والاعتراف يهدم الاقتراف، اعترف تغترف.

 

علينا أن نعيش معاني هذه المناجاة كي يعم مستقبلنا نور الإيمان وضياء القرآن، وينقلب رعب ليلنا ودهشته إلى أمن الأنس وطمأنينة البهجة، ولتنتهي مهمة حياتنا ونختتم وظيفتها بالوصول إلى شاطئ الأمن والأمان دخولا في ضمان (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ).

 

إذا وعينا معاني هذه الكلمة فإن نفوسنا لا تستطيع قهرنا، بل نكون نحن الذين نقهرها بما منحنا القرآن الكريم من ذلك السر اللطيف بل نمطي أنفسنا بتلك التربية المنبثقة من القرآن الكريم فتصبح النفس الأمارة طوع إرادتنا.

 

إن الإنسان -أيها الأحباب- سريع التألم؛ يتألم من أبسط الأشياء من حمى بسيطة من شوكة من وخزة صغيرة كما يتألم من المكر والكيد والهجوم على القيم والمبادئ والحرمات، فما دام أمر الإنسان هكذا، وما دام هذا الضعف ملازمًا له فلا معبود ولا رب ولا مولى ولا ملجأ إلا من بيده مقاليد السماوات والأرض وزمام الذرات والمجرات، وكل شيء تحت حكمه وطوع أمره.

 

وهذا يحتاج إلى وصل دائم مع الله، وها هو شهر الله المبارك على الأبواب وهو فرصة عظيمة من فرصة تحقيق وتقوية هذا الوصل وتحقيق الاقتراب إلى الأمام من خلال امتلاك الزمام زمام النفس، ولا يتأتى ذلك إلا الاحتراز من قُطاع الطرق عن كبيرهم إبليس: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16- 17].

 

لنجدد الصلة مع الله التي وهت أو كادت بسبب ترادف الشهوات وتوالي الشبهات وتكثيف الهجمات، فالغنيمة الغنيمة؛ فإنها لحظات ذات قيمة، من ضيّعها فقد ضيّع عمره وقطع أنفاسه في الخسران.

 

لنجعله شهر توحيد وتسبيح واعتراف على خطى عبد الله ورسوله يونس، جاعلين من تلك المناجاة "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" شعارنا ودثارنا، مقتدين بنبينا -صلى الله عليه وسلم- ضاربين صفحًا عن المهاجمين الذين يهاجمون الدين والقيم، لنضرب عنهم الذكر صفحا؛ فإنهم قد تاهت بهم السبل فلم يعودوا يعرفون أي سبيل يسلكون، وكما يقول المثل: "إذا كنت لا تدري إلى أين تذهب فكل الطرق تفي بالغرض".

 

اللهم أصلح أحوالنا، واجعل بطاعتك اشتغالنا، وإلى الخيرات مآلنا.

 

 

 

 

المرفقات

إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات