عناصر الخطبة
1/واهًا لريح الجنة 2/اغتنام شهر رمضان وبذل الجهد 3/التحذير من لصوص الشهر وملهياته 4/الهدي النبوي في قيام ليالي رمضان.اقتباس
واهًا لريح الجنة.. إنَّا لنجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ رمضان. هِمَم عالية تستنشق ريح الجنة في أنسام الظمأ، وتستعذب الرحيق في جوّ العبادة.. كل شيء يُعوَّض إلا الجنة فإنه لا عِوَض عنها، وكل شيء يُستَغْنَى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم -جل جلاله-، وكل شراب وزينة تَفْنَى إلا الشرب والورد على الحوض.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
قال أَنَسٍ بن مالك -رَضِيَ الله عَنْه-: " غابَ عَمِّي أَنَسُ بنُ النَّضْرِ عن قِتالِ بَدْرٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ غِبْتُ عن أَوَّلِ قِتالٍ قاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ ما أَصْنَعُ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ ممّا صَنَعَ هَؤُلاءِ -يَعْنِي أَصْحابَهُ-، وأَبْرَأُ إلَيْكَ ممّا صَنَعَ هَؤُلاءِ، -يَعْنِي المُشْرِكِينَ- ثُمَّ تَقَدَّمَ، فاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بنُ مُعاذٍ، فَقالَ: يا سَعْدُ بنَ مُعاذٍ، الجَنَّةَ ورَبِّ النَّضْرِ إنِّي أَجِدُ رِيحَها مِن دُونِ أُحُدٍ، قالَ سَعْدٌ: فَما اسْتَطَعْتُ يا رَسولَ اللَّهِ ما صَنَعَ، قالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنا به بضْعًا وثَمانِينَ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً برُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ ووَجَدْناهُ قدْ قُتِلَ وقدْ مَثَّلَ به المُشْرِكُونَ، فَما عَرَفَهُ أَحَدٌ إلّا أُخْتُهُ ببَنانِهِ قالَ أَنَسٌ: كُنّا نُرى أَوْ نَظُنُّ أنَّ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ فيه وفي أَشْباهِهِ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:٢٣]"(متفق عليه).
رجال تتفطر قلوبهم أن يفوتهم سباق للجنة، إنهم بحق (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)؛ فهل مِن قائل يقول: لئن أشهدني الله رمضان، وبلّغني شهر الصيام ليرين الله ما أصنع؟ وهل من قائل يقول: لئن أشهدني الله رمضان لأحفظن القرآن؟ ومن قائل: لئن أشهدني الله رمضان لأكثرن من البذل والإحسان؟ ومن قائل يقول: لئن أشهدني الله رمضان لانتهين من متابعة أهل السفه والخسران".
واهًا لريح الجنة.. إنَّا لنجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ رمضان. هِمَم عالية تستنشق ريح الجنة في أنسام الظمأ، وتستعذب الرحيق في جوّ العبادة.
لن يدرك البطال منازل الأبطال، وعند تقلُّب الأحوال تعرف جواهر الرجال. ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه.. والجنة حُفَّت بالمكاره.
لولا المشقة ساد الناس كلِهم *** الجود يُفْقِر والإقدام قَتّال
منازل الأبرار لا تُنَال إلا بجسر من التعب (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)[البقرة:142]، الصبر على الطاعات تُنَال بها أعلى الجنات، والصبر عن المحرمات تقي لهيب النار.
كل شيء يُعوَّض إلا الجنة فإنه لا عِوَض عنها، وكل شيء يُستَغْنَى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم -جل جلاله-، وكل شراب وزينة تَفْنَى إلا الشرب والورد على الحوض.
ألا لا تحرمنّكم مناظر الخزي والعار عن النظر إلى وجه الجبار -جل جلاله-.
ألا لا تصدنّكم قنوات ومسرحيات عن ذِكْر الله وعن الصلاة.
ألا إن أمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، أو كما بين المدينة وصنعاء.. مسيرته شهر، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ بعده أبدًا.
ألا لا يحولن بين هذا النعيم وبين وروده أجهزة تورد المرء المهالك، وشبكات وبرامج ومواقع تحجز من الشرب منه، وتنازلات عن الدين وانغماس في الملهيات تذود عن الورود في هذا المعين، ونبيكم قائم على الحوض يقول: "أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِي، وليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحَال بيني وبينهم، فَأَقُولُ: أُمَّتِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القَهْقَرَى لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا وبُعْدًا"، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ"(أخرجه البخاري).
فاحفظوا أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم يحفظ الله لكم دينكم ويثبّت قلوبكم، ويجازيكم بما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربكم رحيم ودود.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على خير خلقه وعلى أصحابه والتابعين، أما بعد:
النور شاع بكل مكان *** والكون مُصْغ والنجوم روان
وعلى الوجوه نضارة الإيمان *** يا للجمال يشع في "رمضان"!
ألا تستثقلوا أقدامًا تنصب لله في التراويح والقيام، ولا تستبطئوا دقائقَ تُتْلَى فيها كلام العزيز العلام، قام نبيكم -صلى الله عليه وسلم- حتى تورمت قدماه، وهو العبد الشكور وقد غفرت ذنوبه ورأى قصره في الجنة.
قال أبو ذرّ -رضي الله عنه-: صُمنا مع رسولِ الله-صلى الله عليه وسلم- رمضانَ، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتَّى ذهب ثُلُثُ الليل، فلما كانت السادسةُ لم يقم بنا، فلما كانت الخامسةُ قام بنا حتَّى ذهبَ شطرُ الليل، فقلت: يا رسولَ الله، لو نفَّلْتنا قيامَ هذه الليلة، قال: فقال: "إن الرجُلَ إذا صَلَّى مع الإمام حتى يَنصِرِفَ حُسِبَ له قيامُ ليلة"، قال: فلما كانت الرابعةُ لم يقُمْ، فلما كانت الثالثةُ، جَمَعَ أهلَه ونساءه والناسَ, فقام بنا حتى خَشِينا أن يفوتَنا الفلاحُ؟ قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السّحور. (أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
لأن قُصِّرت صلاة التراويح بالمساجد، ولم يُسمح بالجلوس بها لتلاوة القرآن، فإن البيوت محاريب للتهجد والقيام، وروضة لتلاوة كلام الملك العلام.. ما أجمل أن يرى أهل البيت الراكع والساجد!، وما أعذب أن تُنْشَر فيها المصاحف ويكون لها دوي بقراءة الكبير والصغير!، والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا تسطيعه البطلة.. والدعاء سلاح وعبادة، وكان أنس بن مالك "إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ فدعا"(أخرجه سعيد بن منصور بسند حسن) وصدق الله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر:99].
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِهِ, وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ صَامَ رَمْضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْعُتَقَاءِ مِنَ النَّارِ.
اللهم أقبِل بقلوبِنا في رمضانَ، ومُنَّ علينا فيه بالرضوانِ. اللهم ارحمْنا ولا تحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا. اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.
اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وباركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا. اللَّهُمُّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإيمَانِ وبالسَّلامَةِ مِنَ الآفَاتِ ومِنَ المُحْدَثَاتِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم